Closed Gate
عن الشاعر راسلنا صوت الشعر لقاءات قراءات نقدية قصة  مقالات أدبية شعر

تاريخنا في المزاد فمن المشتري؟

سيد جودة - مصر / هونج كونج

ندوة – هونج كونج في 1 أغسطس 2007

 

طالعت في جريدة الأهرام خبراً أحزنني كثيراً وأغضبني كثيراً وجعلني مستاءاً لما وصلنا إليه من حال ٍ مترديةٍ من عدم تقدير مثقفينا ومفكرينا وفرض الوصاية عليهم وإرهابهم بشتى الطرق لقصف أقلامهم وتكميم أفواههم وترويعهم في كل آنٍ. مفاد الخبر أنه تم الحجز على أثاث بيت الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي تمهيداً لبيعه في مزاد علني إن لم يدفع غرامة قررتها المحكمة عن رأي أبداه في مقال كتبه لروزاليوسف عام 2002 عن الأصولية الدينية متتبعاً جذورها التاريخية فما كان من الشيخ يوسف البدري الذي جاء اسمه في المقال إلا أن رفع دعوى قضائية ضد الشاعر الكبير وأثبتت المحكمة تهمة القذف والسب. وقبل الاسترسال إليكم النص محل الخلاف والذي رفعت بشأنه الدعوى القضائية لنرى إن كان هناك سبٌّ وقذفٌ أم لا:

"والجماعات المتطرفة في هذا العصر ليست أقل منها في العصور الماضية‏.‏ فليست جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والتكفير والهجرة وسواها إلا صورا من أجودات إسرائيل الذين يطالبون بتطبيق الشريعة اليهودية، كما وردت في التوراة، وتحويل إسرائيل إلي دولة دينية‏،‏ وحزب شاس الذي يقوم في إسرائيل بالدور الذي كان يقوم به الشيخ البدري وسواه من المحتسبين الجدد الذين جعلوا أنفسهم أوصياء علي المجتمع،‏ بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏."

انتهت الفقرة التي من أجلها تم الحجز على أثاث الشاعر الكبير إن لم يدفع الغرامة وإنني أتساءل: أليس حقاً أن الأصولية الدينية في عصرنا هذا أشد ما تكون قوة وأن الفكر المتطرف قد امتدّ حتى للعلماء الشرعيين فبتنا نسمع فتاوى تنفر غير المسلم من الإسلام وتجعل الإسلام أضحوكة بين الأمم؟ أليس الفكر المتطرف واحداً في بشاعته في كل الأديان؟ فالمتطرفون تجمعهم خصائص واحدة بغض النظر عن الفكر الذي يؤمنون به ويدعون إليه. وحين يشبه الأستاذ حجازي موقف البدري وأمثاله بموقف اليهود المتعصبين الذين ينادون بتطبيق الشريعة اليهودية كما وردت في التوراة فإن التشبيه ينصرف على المنهج الذي يتبعه كلا الفريقين ومن حق الأستاذ حجازي أن يقارن بينهما لما بينهما من تشابه كبير في المنهج والأسلوب المتبع. هل تكون النتيجة أن يقوم الشيخ البدري بهوايته المفضلة فيلاحق المفكرين في المحاكم ليهجّرهم خارج بلادهم كما فعل مع نصر حامد أبو زيد وليبيع أثاث منزلهم في مزادٍ علنيٍّ؟ هل تفرغ لهذا تاركاً مجال الدعوة فبدلاً من الدعوة لدين الله بالحكمة والموعظة الحسنة وبدلاً من مقارعة الرأي بالرأي والحجة بالحجة أصبح مدعياً عاماً مكان عمله المحاكم لا المساجد؟! يا ليت غضبه كان لله إنما غضبه كان لنفسه ولما أراد أن يظنه سبًّا في ذاته مما يجعل دعوته لا لدين الله بل لشهرة ذاته فحسب. ما هكذا يفعل العظماء كبار النفوس! ولو رجعنا لما كتب الأستاذ حجازي لما وجدناه قد جانبه الحق في شيءٍ فإن ما يفعله الشيخ البدري الآن يثبت ما كتبه الأستاذ حجازي. كان أولى بالشيخ البدري أن يكتب مقالاً يفند فيه الرأي الآخر وينتصر فيه لموقفه ورأيه ويعطي لنا الفرصة لأن نقيِّم رأيه بدلاً من أن نقرأ أخباره في المحاكم ولا شيء سوى المحاكم. ألا ما أسوأ المثل الذي يضربه للدعوة لدين الله داعية ٌ لدين الله حين يفتقد القدرة على الحوار واحترام الرأي الآخر حتى لو رآه سبًّا في ذاته!

للأسف نحن أمة ٌ لا تقدر مفكريها وأعلامها ولا تحافظ عليهم وعلى حقهم الإنساني في التعبير عن فكرهم في حرية تكفلها لهم الدولة قبل الأفراد. ما المستقبل الذي ينتظرنا إذا كانت الدولة ذاتها هي التي تصدر هذا الحكم وتنفذه وهي التي تشجع هؤلاء الدعاة على مصادرة الآراء باسم دين هو براء من أفعالهم وتصرفاتهم؟ لا أتخيل أن يحدث شيءٌ كهذا في أي بلد متحضر يعرف قيمة مبدعيه ومفكريه ويؤمن أن مواجهة الفكر لا يكون إلا بالفكر وليس بالمحاكم والسجون والمعتقلات. إنني أناشد المثقفين كافة ً أن يساندوا شاعرنا الكبير وقد رفض أن يدفع هذه الغرامة التي تبلغ عشرين ألف جنيهٍ انتصاراً لمبدئه وانتصاراً لفكره ورفضاً لأن يخضع لسطوة الإرهاب الفكري الذي يمارسه أدعياء الدعوة لدين الله وفضل أن يباع أثاث منزله في مزاد علني قررت له المحكمة يوم 8 أغسطس الجاري. هكذا يفعل العظماء حين يرفضون أن يرضخوا لظلم حلّ بهم وآثروا التمسك برأيهم بجبهة لا تعرف الانحناء. هكذا يفعل العظماء الذي ندروا في زماننا هذا فماذا نحن فاعلون؟ هل سنقف مكتوفي الأيدي أمام هذا الوباء الذي ينتشر بيننا ويفرض سطوته حتى على رجال القضاء الذين ننتظر منهم عدلاً لا أن يكونوا عوناً لهؤلاء الظلاميين؟ ماذا ستفعل أجهزة الدولة وما هو موقف وزير الثقافة حين يرى علماً من أعلامنا الكبار وشاعراً عظيماً يباع أثاث منزله في مزاد عامٍ؟ إن الأمم المتحضرة تجعل من بيوت عظمائها ومبدعيها متاحف للزائرين وتباهي بهم الأمم فما بالنا لا نعرف لعظمائنا قدرهم بل نبيع أثاثهم في مزاد علني؟ إنها بكل المقاييس كارثة أخلاقية وفكرية وإنها لسبَّة ٌ على جبين كل مثقفينا. إننا نبيع تاريخنا في المزاد فمن المشتري؟! وعلى من يأتي الدور وماذا سنبيع في المرة القادمة؟! ماذا سنبيع؟!

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

إلى دار ندوة

عودة إلى موقع ندوة

ضع إعلانك هنا