سفر ألف دال
أمل دنقل - مصر
(الإصحاح الأول)
القِطاراتُ ترحلُ فوق قضيبينِ: ما كانَ ما سيكُونْ!
|
والسماءُ: رمادٌ;.. به صنعَ الموتُ قهوتَهُ,
|
ثم ذَرّاه كي تَتَنَشَّقَه الكائناتُ,
|
فينسَلّ بينَ الشَّرايينِ والأفئِده.
|
كلُّ شيءٍ - خلال الزّجاج - يَفِرُّ:
|
رذاذُ الغبارِ على بُقعةِ الضَّوءِ,
|
سِربُ العَصافيرِ والأعمِدهْ.
|
فلا الماءُ تُمسِكُه اليدُ,
|
والحُلْمُ لا يتبقَّى على شُرفاتِ العُيونْ.
|
***
والقطاراتُ تَرحلُ, والراحلونْ..
|
يَصِلُونَ.. ولا يَصلُونْ!
|
(الإصحاح
الثاني)
- اللواتي يَنَمْنَ الى جانب الآلةِ الباردةِ -
|
رقمي; رقمَ الموتِ; حتى أجيءَ الى العُرْسِ..
|
عِندما يلثُمُون حَبيباتهم في الصَّباحِ, ويرتحلونَ
|
(الإصحاح
الثالث)
الشُهورُ: زُهُورٌ; على حافَةِ القَلبِ تَنْمو.
|
وتُحرقُها الشَّمسُ ذاتُ العُيون الشَّتائيَّةِ المُطفأهْ.
|
***
تتوهَّجُ - في أوَّلِ الحبِّ - بيني وبينَكِ..
|
تُصبحُ طفلاً.. وأرجوحةً.. وامرأة.
|
تَتَفَتَّحُ أوراقُها في حَياءْ
|
عندما نَتَخَاضرُّ في المشْيةِ الهادِئه.
|
تَتَورَّدُ فوق كَمنجاتِ صوتكِ
|
حين تفاجئكِ القُبلةُ الدافِئه.
|
تتجمَّدُ - فوقَ شُجيرةِ عينيكِ - في لحظاتِ الشِّجارِ
الصغيرةِ, |
أشواكُها: الحزنُ.. والكِبرياءْ.
|
تنحني; وأنا أتحاشى التطلعَ نحوكِ..
|
في لحظات الودَاعِ الأَخيرْ.
|
تَتَعرَّى; وتلتفُّ بالدَّمعِ - في كلِّ ليلٍ - إذا
الصَّمتُ جاءْ. |
لم يَعُدْ غيرُها.. من زهورِ المسَاء
|
(الإصحاح الرابع)
في زيارات أعمامِهنَّ الى العائله.
|
ثم.. يُجْهِضُهُنَّ الزحامُ على سُلَّم "الحافِله"
|
***
ليُعَالجْنَ أسنانَهنَّ فَيُؤْمِنَّ بالوحْدَة الشامله!
|
ويُجِدْنَ الهوى بلِسانِ "الخليج"!
|
***
يا أبانا الذي صارَ في الصَّيدليَّات والعُلَبِ العازله
|
نَجنّا.. حين نقضُم - في جنَّة البؤسِ - تفّاحَةَ
العَربات وثيابِ الخُروجْ!! |
(الإصحاح الخامس)
تصْرخين.. وتخترقينَ صُفوفَ الجُنودْ.
|
نتعانقُ في اللحظاتِ الأخيرةِ,..
|
في الدرجاتِ الأخيرةِ.. من سلّم المِقصلَهْ.
|
(هل أنت طِفلتيَ المستحيلةُ أم أمِّيَ الأرملةْ?)
|
ولكنَّهم أرفقُوا مقلتي ويدي بمَلَفِّ اعترافي
|
فتعرفَ أنِّيَ راجعتهُ كلمةً.. كلمةً..
|
- ربما دسَّ هذا المحقِّقُ لي جملةً تنتهي بي الى
الموتِ! |
لكنهمْ وعدوا أن يُعيدوا اليَّ يديَّ وعينيَّ بعدَ
|
انتهاءِ المحاكمة العادِلهْ!)
|
زمنُ الموتِ لا ينتهي يا ابنتي الثاكلهْ
|
وأنا لستُ أوَّلَ من نبَّأ الناسَ عن زمنِ الزلزلهْ
|
وأنا لستُ أوَّلَ من قال في السُّوقِ..
|
إن الحمامةَ - في العُشِّ - تحتضنُ القنبلهْ!.
|
قَبّلبيني;.. لأنقلَ سرِّي الى شفتيك,
|
للزُهور التي تَتَبرْعمُ في السنة المقبلهْ
|
سُحُبُ الدمعِ تَحجبني عن عيونِك..
|
في هذه اللَّحظةِ المُثقله
|
كثُرتْ بيننا السُّتُرُ الفاصِله
|
لا تُضيفي إليها سِتاراً جديدْ! |
(الإصحاح السادس)
كان يجلسُ في هذه الزاويهْ.
|
كان يكتبُ, والمرأةُ العاريهْ
|
تتجوَّل بين الموائِدِ; تعرضُ فتنتَها
بالثَّمنْ.
|
عندما سألَتْه عَن الحَربِ;
|
لا تخافي على الثروةِ الغاليهْ
|
مثلنا.. يعشقُ السّلَعَ الأجنبيَّهْ,
|
يدفعُ للبندقيَّةِ.. والغانيهْ!
|
كان يجلسُ في هذه الزّاويهْ.
|
عندما مرَّت المرأةُ العاريهْ
|
ودعاها; فقالتْ له إنها لن تُطيل القُعودْ
|
فهي منذُ الصباحِ تُفَتّشُ مُستشفياتِ الجُنودْ
|
عن أخيها المحاصرِ في الضفَّةِ الثانيهْ
|
(عادتِ الأرضُ.. لكنَّه لا يعودْ!)
|
وحكَتْ كَيف تحتملُ العبءَ طِيلة غربتهِ
القاسيهْ
|
وحكتْ كيفَ تلبسُ - حين يجيءُ - ملابسَها
الضافيهْ
|
وأرَتْهُ لهُ صورةً بين أطفالِهِ.. ذاتَ عيد
|
(الإصحاح السابع)
(أشباحَها وبناياتِها الشَّاهِقه)
|
نهبتْها قراصنةُ الموتِ ثم رمتْها الى القاعِ..
منذُ سِنينْ. |
أسندَ الرأسَ ربَّانُها فوقَ حافتِها,
|
وزجاجةُ خمرٍ مُحطّمةٌ تحت أقدامهِ;
|
وتشَبَّث بحَّارةُ الأمسِ فيها بأعمدةِ
الصَّمتِ في الأَروِقه |
يتسلَّل من بين أسمالِهم سمكُ الذكريات
الحزينْ.
|
وسِلالٌ من القِططِ النافقه.
|
ليس ما ينبضُ الآنَ بالروحِ في ذلك العالمِ
المستكينْ
|
غير ما ينشرُ الموجُ من عَلَمٍ.. (كان في هبّةِ
الريحِ) |
والآن يفركُ كفَّيْهِ في هذه الرُّقعةِ
الضيِّقه!
|
سَيظلُّ.. على السَّارياتِ الكَسيرةِ يخفقُ..
|
حتى يذوبَ.. رويداً.. رويداً..
|
دون أن يلثمَ الريحَ.. ثانيةً,
|
أو.. يتنهَّدَ من شَمسِها المُحرِقه!
|
(الإصحاح الثامن)
آه.. سيدةَ الصّمتِ واللفتاتِ الوَدودْ.
|
***
لم يكنْ داخلَ الشقَّةِ المُقفله
|
حين عادت من السُّوق تحملُ سلَّتها المُثقله
|
.. قفز القِطٌ في الولوله!
|
قفزت من شبابيكِ جيرانِها الأَسئِله
|
آه.. سيدةَ الصمتِ والكلماتِ
الشَّرُودْ
|
(الإصحاح التاسع)
دائماً - حين أمشي - أرى السُّتْرةَ
القُرمزيَّةَ
|
وأرى شعرَكِ المتهدِّلَ فوقَ الكتِف.
|
في لفتاتِ البناتِ الوحيداتِ,
|
في لمعانِ خدودِ المُحبين عندَ حُلول
الظلامْ.
|
دائماً أتحسَّسُ ملمَسَ كفِّك.. في
كلِّ كفّ.
|
المقاهي التي وهبَتْنَا الشَّرابَ,
|
الزوايا التي لا يرانا بها الناس,
|
تلكَ الليالي التي كانَ شعرُكِ يبتلُّ
فيها..
|
فتختبيئينَ بصدري من المطرِ العَصَبي,
|
الهدايا التي نتشاجرُ من أجلِها,
|
حلقاتُ الدخانِ التي تتجَمَّعُ في
لحظاتِ الخِصام
|
ذكرياتُكِ سِّجني, وصوتكِ يجلِدني
|
ودمي: قطرةٌ - بين عينيكِ - ليستْ
تجِفْ!
|
(الإصحاح العاشر)
الشوارعُ في آخرِ اللّيل... آه..
|
أراملُ متَّشحاتٌ.. يُنَهْنِهْنَ في عَتباتِ
القُبورِ - البيوتْ.
|
قطرةً.. قطرةً; تتساقطُ أدمُعُهنَّ
مصابيحَ ذابلةً,
|
تتشبث في وجْنةِ الليلِ, ثم.. تموتْ!
|
الشوارعُ - في آخر الليلِ - آه..
|
والمَصابيحُ - تلكَ الفراشاتُ - عالقةٌ
في مخالبِها,
|
تتلوَّى.. فتعصرها, ثم تَنْحَلُّ
شيئاً.. فشيئا..
|
فتمتصُّ من دمها قطرةً.. قطرةً;
|
الشوارعُ - في آخرِ الليلِ - آه..
|
أفاعٍ تنامُ على راحةِ القَمرِ الأبديّ
الصَّموتْ
|
لَمَعانُ الجلودِ المفضَّضةِ
المُسْتَطيلةِ يَغْدُو.. مصابيحَ..
|
مَسْمومةَ الضوءِ, يغفو بداخلِها
الموتُ;
|
حتى إذا غَرَبَ القمرُ: انطفأتْ,
|
وغَلى في شرايينها السُّمُّ
|
تَنزفُه: قطرةً.. قطرةً; في السُكون
المميتْ!
|
وأنا كنتُ بينَ الشوارعِ.. وحدي!
|
أتصبَّبُ بالحزنِ بين قميصي وجِلْدي.
|
قَطرةً.. قطرةً; كان حبي يموتْ!
|
وأنا خارجٌ من فراديسِهِ..
|
|
|
|
|