أمينة
زيدان عقب فوزها بجائزة نجيب محفوظ في الرواية: الكتابة مسئولية
.. والكلمة تصنع
الثورات
صدرت للكاتبة المصرية أمينة زيدان في أوائل عام 2007 رواية " نبيذ أحمر " وقبل
أن ينقضي العام نفسه فازت عنها بجائزة نجيب محفوظ للأدب الروائي التي يمنحها
سنويا قسم النشر في الجامعة الأمريكية بالقاهرة . وتعد " نبيذ أحمر " الرواية
الثامنة لأمينة زيدان بعد " هكذا يبعثون " التي صدرت 2003، ولها رواية ثالثة
قيد الطبع عنوانها " مفتاح الحياة " وأصدرت أمينة زيدان مجموعة قصصية عام 1995
تحت عنوان " حدث سراً " حصلت عنها خلال العام نفسه على جائزة أفضل مجموعة قصصية
من معرض القاهرة الدولي للكتاب ، وتستعد لإصدار مجموعة قصصية ثانية تحمل عنوان
" فوضى" علماً أنها حصلت على جائزة مسابقة دول حوض البحر المتوسط عام
1997 لأحسن عمل قصصي من مصر تُرجم إلى الإيطالية.
وبموجب هذا الفوز، سيتولى قسم النشر في الجامعة الأمريكية في القاهرة ترجمة
رواية " نبيذ أحمر " إلى اللغة الانجليزية لتنشر في كل من القاهرة ولندن
ونيويورك، ومعروف أن قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة أنشأ جائزة نجيب
محفوظ للأدب الروائي عام 1996 وهو الناشر الرئيسي لأعمال نجيب محفوظ باللغة
الانجليزية والمسئول عن نشر أكثر من 500 طبعة باللغات الأجنبية الأخرى لأعمال
الأديب الراحل التي ترجمت إلى 40 لغة في جميع أنحاء العالم منذ فوزه بجائزة
نوبل عام 1988.
مسئولية الكتابة
وبمناسبة فوزها بجائزة نجيب محفوظ تقول أمينة زيدان التي تعتبر من أبرز أصوات
الجيل الجديد في الكتابة القصصية في مصر: " الكتابة الروائية هي المشهد
الذي نرى منه موقعنا من العالم ومن أنفسنا. والكتابة مسئولية تتحمل ذنب
انكسارات الشعوب، ومن يقرأ التاريخ سوف يعرف بأن الكلمة تصنع الثورات".
وتضيف موضحة قناعتها هذه بقولها : " الأمر في منتهى البساطة. دعونا نصنع مقارنة
بين كلمة يقولها زعيم وأخرى يكتبها روائي ، فبين السلطة والأدب تتقلص وتتمدد
مساحة الخوف مقابل مساحة الحرية لتكون الغلبة لصاحب الكلمة الأقوى تأثيراً ،
لولا أن بعضنا لا يقدر الكلمة حد العبث بها وبدلالاتها ، لذلك فاللغة هي الوسيط
الفعلي الجدير بالمحافظة على تطوره وعدم الاستهانة بوظيفتها هذه ".
وتستطرد لتؤكد على أن الكلمة بالنسبة لها هي ممارسة للحرية في ظل صراع بين
الواقع والمتخيل ، وتقول إنها تتعامل مع شخصياتها الروائية على هذا القياس. كما
أنها تصر على أن الإبداع الروائي بتوجهاته وتبعا لقيمته الفنية يمارس حركة كشف
شديدة الحساسية لوقائع الأحداث والأشخاص ويربطها بالخيال، الخيال الذي لا
انتهاء لاحتمالاته. الخيال الذي ألهم دارون وجاليليو واينشتين ونجيب محفوظ
وكثيرين غيرهم كفروا وعذبوا ولم يرضوا بالبقاء كرهائن لقوانين التطرف فخرجوا عن
الناموس.
وتلخص أمينة زيدان مفهومها للكتابة بقولها إن الكتابة خلقت لتبني لا لتهدم .
هذا ما لا يدركه المتعصبون الذين ينسون أن في الدين نظاما لحياة الشعوب لا
ينبغي فيه التطرف أو استخدامه كذريعة للإرهاب المتبادل بين الأطراف ذات المصالح
المتعارضة ليسقط بينهم الأبرياء ومن يستخدمون حصتهم من إعمال للعقل أو الخيال.
دروس الأستاذ
وترى أمينة زيدان في جائزة نجيب محفوظ تقديراً كانت تحتاجه لتهديه إلى كثيرين
ممن تمتن لمؤازرتهم لها ومنهم الروائيون فتحي إمبابي وجمال ألغيطاني وخيري شلبي
ويوسف القعيد ، وجميل عطية إبراهيم.
وفي ما يتعلق بما تعلمته من نجيب محفوظ نفسه بخصوص الكتابة الروائية تقول أمينة
زيدان :" كنت أعتقد أن الكتابة الروائية ترتبط ارتباطا وثيقا بفكرة الوحي
ومازلت اعترف به مع تعديل بسيط تعلمته من الأستاذ وهو الالتزام بتخصيص ساعة
بيولوجية للكتابة . أصبحت ألتزم بساعات معينة أخصصها لاشتغالي على الكتابة ".
وتقدر أمينة زيدان لنجيب محفوظ أيضا استلهامه من الواقع في طرح الأسئلة
الوجودية وصياغة النبوءات المصيرية كما في تجربته الحداثية في " ثرثرة فوق
النيل " التي كشفت واقع أنماط المجتمع المتباينة في لحظة تاريخية فارقة في حياة
الوطن في منتج رمزي لم يخل من لحظات الإشراق " وأضافت:انشغلت بمسألة الموت في
روايات محفوظ فوجدتها تمثل السؤال الأكبر هيمنة حول ذلك النوع من الموت الذي
تخرج منه الحياة جديدة بواقع أكثر تحديثا، موتا ماديا كان أو معنويا كما في "
الثلاثية " و" حديث الصباح والمساء" وفي " أولاد حارتنا " ذلك العمل المحلي
احترمت جرأته وحياده في سرده المبسط لقصة الخلق "
طقوس الكتابة
وكما تقول أمينة زيدان فأن طقوس الكتابة عندها تبدأ بتناول قهوة بالحليب عقب
استيقاظها من النوم ، ويعقب ذلك حمام دافئ سريع تحتشد بعده للكتابة . وتضيف أن
الفترة التي تكتب فيها وغالبا ما تستمر لنحو أربع ساعات هي أكثر الفترات إثارة
بالنسبة لها، "فالكتابة هبة من ضمن الهبات التي منحها لي الله وأشعر تجاهها
بمسؤولية كبيرة" . وتضيف:" الإبداع بالنسبة لي هو تحققي في حيوات مختلفة وعديدة
، حين أشكلها وأضع قوانينها وأجملها قبل أن أكشف عنها الستار للقارئ الذي أشفق
عليه من صعوبة فهم مشهد سردي ما، فأبتسم لنفسي معلنة عن ثقتي بذلك القارئ الذي
لا أعرفه ، وأتمنى أن أعرف موقفه من كتابتي التي قرأها، والحقيقة أن ذلك القارئ
لا يخذلني أبدا، حين أجده رغم كونه ليس من المثقفين قرأ روايتي أو قصتي وفهم
الرسالة وصدق عليها ، وتلك هي مكاسبي من الاشتغال بالإبداع " وتتابع :" تنقضي
الساعات الأربع تقريبا عند الساعة الواحدة ظهراً، أعد الغداء وأنظف البيت حتى
تعود هاميس وفرح (ابنتاها)، وأتحول إلى أم ربما تقليدية بالنسبة للفتاتين التي
تبلغ إحداهما الثانية عشرة من عمرها والثانية في الثامنة من عمرها، حين أتعامل
معهما بروح المثقفة العارفة المتفهمة ". وبعد أن يأتي الزوج، " يكتمل جو الأسرة
بالمشاحنات الصغيرة والغضب المصطنع . زوجي لا يكف عن الحديث عن عمله وعن تردي
مستوى الطلبة في مصر ، وعدم إحساسهم بقيمة التعليم رغم أن الآباء
يدفعون مبالغ طائلة ليحصل أبناؤهم على مستوى تعليمي عال ويتعجب لمستوى الذكاء
العالي الذي لا يعرفون كيف يستغلونه ولا يتوقف إلا حين أذكره بأنه يشبه أي زوج
مصري يبتسم ويعتذر ، ثم يعاود حديثه "وتضيف :" بعد الغداء يهدأ الإيقاع وأقضي
بعض الوقت في الذاكرة رغم أنني في إجازة من عملي كمحاسبة في وزارة المالية إلا
أن الوقت دائما لا يكفي لذلك أنا دائما متأخرة عن المواعيد ، ولكنني مصرة على
الالتزام تجاه ما يخص " هاميس " " وفرح " ، والحقيقة أن الكثيرين يتفهمون هذا
العذر ، وأصاب بقدر لا بأس به من الخسائر لكنني راضية ".
المواكبة النقدية
وعن رأيها في المواكبة النقدية للأعمال الأدبية تقول أمينة زيدان :"الندوات
والحلقات النقاشية من أهم الأشياء التي أحب متابعتها وبشكل خاص ندوة ورشة
الزيتون ، أحاول أن أدوام على حضورها بانتظام خصوصا حين يكون العمل الذي تتم
مناقشته مستفزاً بشكل ايجابي لرأيي في الكتاب ، وأقول في ذلك إنني ألاحظ أن
الإبداع في مصر متنوع ،وألوم مناهج النقد التي لا تلاحقه وتضع له رؤى نقدية
فاحصة ومصنفة ومبدعة في استحداث مقولات جديدة تليق بهذا التعدد، إلا فيما ندر ،
إلا أن هناك حالة من الجدية لا يمكن تجاهلها وان كانت غير كافية لطموح الكتابة
وأنا عادة ما أحاول متابعة عملية الفرز الذي يحدث بشكل آلي تجاه النصوص
الأدبية الروائية والقصصية تحديدا، لأجد أن ذاكرة الثقافة سريعا ما تسقط الكثير
من الأعمال الأدبية التي شكلت ظاهرة في وقت ما". وكما تقول أمينة زيدان: أطمح
إلى أن أصل بالكتابة إلى مستوى أكثر ثباتا من ا ن تكون مجرد ظاهرة. وتوضح ذلك
بقولها :"لأنني أرى أن من لا يقول رأيه لن يتعلم ، فالطريقة المثلى هي مواجهة
الأسئلة وطرحها على مائدة المناقشة في جو يسوده المودة والرغبة المشتركة في
احترام وجهات النظر ".
المدينة المهشمة
وكانت عضو لجنة تحكيم جائزة نجيب محفوظ للأدب الروائي الدكتورة سامية محرز في
كلمة ألقتها خلال حفلة تسليم الجائزة إلى نجاح رواية " نبيذ أحمر " في"زحزحة
هيمنة مدينة القاهرة على الخريطة الأدبية عندما اختارت الكاتبة السويس، مدينتها
المهمشة، مشهدا حيا لكتابة الفجيعة: السويس تلك المدينة الصغيرة نسبيا التي
تحملت وطأة الهزيمة ، والخراب، والدمار، والموت، والاقتلاع، وأخيرا النسيان".
وأضافت الدكتورة سامية محرز :" لقد مر حوالي نصف قرن على ظهور رائعة نجيب محفوظ
" الثلاثية " ذلك العمل المحلي الذي أرخ من خلاله للحظات فارقة في تاريخ مدينة
القاهرة في النصف الأول من القرن العشرين ، وتخوض أمينة زيدان تجربة موازية في
تمثيلها لمدينة السويس ، مسقط رأسها لتقف بروايتها " نبيذ أحمر " في رحاب مؤرخ
القاهرة الأدبي الأعظم من خلال تشييدها لمدينة السويس ونقشها في مخيلتنا
الجمعية ".
وأوضحت أن نص أمينة زيدان يحفر مدينة السويس في المخيلة الجمعية باعتبارها مسرح
الفجيعة بامتياز ..."إن الكاتبة في واقع الأمر ترسم خريطة مدينتها المنكوبة من
خلال بيوتها المهدمة وأشلاء أجساد أبنائها ومحرريها".
ومن جانبه لاحظ الناقد المصري إبراهيم فتحي أن " نبيذ أحمر" رواية تجيد توظيف
أدوات السرد الدقيقة. ورأى فخري صالح أن هذه الرواية تتمتع برهافة في السرد
وقدرة على الحركة بين الأزمنة ما يضيء لحظات اليأس العميم الذي تسرده.
وتوقفت الناقدة الدكتورة هدى وصفي عند توسل " نبيذ أحمر " من خلال خلط الأزمنة
مقاربة عوالم وقضايا شتى ، مشيرة إلى أن خصوصية هذا العمل تكمن في القدرة على
الحكي على أرضية التنوع والتعدد في الأصوات على رغم تمحورها حول أنا الراوي
الذي يتخذ من فعل الكتابة وسيلة للهرب من شتى إحباطاته .
وفي كلمة ألقتها أمينة زيدان عقب تسلمها ميدالية نجيب محفوظ، قالت إن الكتابة
خلقت لتبني لا لتهدم ، وهذا ما لا يدركه المتعصبون الذين ينسون أن في الدين
نظاما لحياة الشعوب لا ينبغي التطرف فيه أو استخدامه كذريعة للإرهاب المتبادل
بين الأطراف ذات المصالح المتعارضة ليسقط بينهم الأبرياء ومن يستخدمون حصتهم من
إعمال للعقل أو الخيال ".
وأضافت:"هذه الجائزة أردها بانحناء للجنة الموقرة وأجل شفافيتها التي جعلتها
تنتخب نص " نبيذ أحمر " للفحص ورأته عملا يليق باسم صاحب الجائزة نجيب محفوظ
الحاضر بكتاباته العظيمة وإنجازه المكتمل الذي يفرض علينا كحفدة أن نسعى
لمجاورته ".