ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

رجائي عطية - مصرالترجمة بين التنوير والإبداع
رجائي عطية - مصر

 

‏الحديث عن الترجمة‏,‏ حديث حاضر علي الدوام‏,‏ فهي نافذة تفتح علي الفكر العالمي‏,‏ وتضيف إلي العربية إضافات تصب في الفكر والعلوم وفي الابداع‏.‏ لا تستطيع أمة أن تنغلق علي نفسها وتقطع بينها وبين ما ينتجه العالم وتبدعه قرائح أدبائه وفنانيه‏,‏ وعقول علمائه ومبتكرات اختراعاته‏..‏ هذه الترجمة لعبت وتلعب دورا بالغ الاهمية في الإطلال علي العالم‏,‏ مثلما تتيح الترجمة العكسية من العربية إلي اللغات الأخري فرصا واسعة لتعرف العالم علينا وعلي إنتاجنا العلمي والأدبي والثقافي والإبداعي‏..‏ وتفتح لمفكرينا وأدبائنا مجالات واسعة للانتشار والتأثير‏,‏ وتقيم هذه وتلك جسورا حية وفهما متبادلا بيننا وبين شعوب العالم‏.‏

ومكانة الترجمة إلي العربية‏,‏ وأثرها علي الأمة العربية بعامة ـ مكانة قديمة‏,‏ لعبت من خلاله دورا حضاريا بالغ الأهمية في تاريخنا القديم والحديث‏,‏ لم يقتصر فقط علي المساحة النشيطة التي شغلتها مع بداية النهضة العلمية التي عرفتها مصر في عهد محمد علي‏,‏ وانما كانت ومن قبل ذلك عاملا أساسيا في الانفتاح الواعي علي الثقافات المحيطة في العصر العباسي الذي تجاوز بكثير المحاولات الأولي للترجمة التي جرت في العصر الاموي‏.‏

بفضل هذه الحركة التي ما انقطعت إلا لتعود الي التواصل‏,‏ انفتحت الحضارة العربية علي التراث الاغريقي‏,‏ وأدي معبر الأندلس الاسلامية الي احتكاك ثقافي تبادلي بين الثقافتين الاسلامية والمسيحية‏,‏ والي قيام ثم ازدهار حركة الترجمة العكسية بين العربية واللاتينية‏,‏ مع احتكاك علي الناحية الأخري بالثقافة الشرقية الهندية والصينية عبر الدولة الغزنوية‏,‏ واقترنت حركة الترجمة النشيطة بالهجرة التبادلية بين الفلاسفة والعلماء والأدباء‏,‏ وإلي تلاقح امتد في كل مجالات العلوم والطب والفلسفة والرياضيات والفلك والفكر والأدب‏,‏ والي ذلك كله ترجع المكانة المرموقة التي بلغتها الحضارة العربية في العصر الوسيط‏,‏ وهو الذي دعا مصر في نهضتها الحديثة بعد بعوثها إلي فرنسا إلي إنشاء مدرسة الألسن‏(1835)‏ التي كانت نواة بالغة الأهمية في تأهيل المترجمين وتمهيد الأرض لإحياء حركة الترجمة والتي أسهم فيها مثقفو الشام بدور ملحوظ إلي جوار المصريين‏.‏

كان الإقبال علي الترجمة محاولات فردية بإمكانيات فردية وبرؤية فردية يستقل بها المترجم اختيارا وأداء‏,‏ ويستطيع المتابع لحياتنا الثقافية أن يري المحاولات الفردية التي بذلها الرعيل الأول وترجموا بها الي العربية كثيرا من نفائس الفكر والأدب العالمي‏..‏ بهذه الترجمات أطللنا علي روائع الأدب العالمي في الرواية والشعر والمسرح والقصة القصيرة‏..‏ وتعهدت بعض السلسلات الدورية بنشر هذه الترجمات بأثمان زهيدة‏,‏ علي أن الجميل اللافت أن الاقبال علي الترجمة لم يكن فقط اهتمام أساتذة اللغات والنقاد‏,‏ بل واقتنع بأهميتها وأقبل علي الاسهام فيها مبدعون ربما كان الأقرب أن يصرفهم الابداع أو تصانيف التأليف عن الترجمة‏..‏ الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي وصاحب الانتاج الغزير في المباحث الإسلامية‏,‏ وفي النقد والأدب‏,‏

وفي القصة والرواية‏,‏ وفي الأدب التمثيلي‏,‏ وفي التراجم والسير‏,‏ وفي التربية والاجتماع والثقافة ـ نراه يترجم من الأدب اليوناني أوديب ملكا‏,‏ وأنتيجونا وألكترا وروائع أخري لسوفوكليس‏..‏ والاستاذ الأديب ابراهيم عبدالقادر المازني صاحب معركة وكتاب الديوان مع العقاد‏,‏ وكاتب حصاد الهشيم وقبض الريح وخيوط العنكبوت وإبراهيم الكاتب وصندوق الدنيا ـ نراه يهتم اهتماما بالغا بالترجمة‏,‏ بل ويكتب في طرقها وأساليبها‏,‏ ويخوض بنفسه مضمارها فيترجم ساتين أو ابن الطبيعة لأرتز يباشيف‏,‏ ومختارات من القصص الانجليزي لأوسكار وايلد وآخرين‏,‏ وجريمة اللورد سافيل لأوسكار وايلد‏,‏ وآباء وأبناء لإيفان تورجنيف‏,‏

ومدرسة الوشايات لشريدان‏,‏ وآلن كوترمين باسم‏:‏ الشاردة لسريدر هجرد‏.‏ الذي قد لايعرفه كثيرون‏,‏ أن كاتبنا الفذ يحيي حقي‏,‏ صاحب الدراسات النقدية‏,‏ وصاحب إبداعات قنديل أم هاشم‏,‏ والبوسطجي‏,‏ وأم العواجز‏,‏ وصح النوم‏,‏ وامرأة مسكينة‏,‏ ودماء وطين‏,‏ والفراش الشاغر ـ كان مؤمنا حتي النخاع بأهمية الترجمة ودورها في تحريك الحياة الثقافية‏,‏ وترجم هذا الاعتقاد إلي ترجمات متميزة نهض عليها مقتطعا لها جانبا كبيرا من وقت اهتماماته الابداعية والنقدية‏..‏ ترجم الأب الضليل لأديث سوندرز عن قصة حياة الأب الضليل‏:‏ الكسندر ديماس الكبير ـ مؤلف الفرسان الثلاثة‏,‏ والكونت ديمونت كريستو‏,‏ وهو الأب غير الشرعي لاسكندر ديماس الابن مؤلف غادة الكاميليا‏,‏ وترجم البلطة لميخائيل سادوفيانو‏,‏ ولاعب الشطرنجلستيفان زفايج‏,‏ وكتاب القاهرة في عيدها الالفي لدزموند ستيوارت‏,‏ ومسرحية كنوك أو انتصار الطب التي قام عليها مجد مؤلفها جيل رومان‏,‏ ومسرحية الطائر الأزرق لموريس ميترلينك التي نشرتها دار المعارف بذات المجلد ضمن مسرحيات يحيي حقي المترجمة‏,‏ في احتفاء واضح بالترجمة والمترجم وما اختاره ليترجمه باقتدار لعملين متميزين من المسرح العالمي‏
..‏ كانت حركة الترجمة علي قدم وساق في الستينيات والسبعينيات قبل أن تدخل مؤسساتنا الثقافية بثقلها هذا المضمار‏,‏ وقبل تشكيل المركز القومي للترجمة الذي اختارت له وزارة الثقافة الأديب الناقد الكبير الدكتور جابر عصفور صاحب الحضور اللافت والنشاط الكبير في حياتنا الثقافية‏.‏

الدكتور لويس عوض‏,‏ أحد الفرسان الكبار واعلام التنوير الذين ضربوا بمعاولهم عن علم وفهم واستنارة ـ في مضمار الترجمة‏,‏ فهو فضلا عن كونه استاذ اللغة الانجليزية القدير‏,‏ فإنه من كوكبة الموسوعيين الذين انفتحوا علي الفكر الانساني بعامة‏,‏ وعلي منابع الأدب والثقافة العالمية في كل باب‏,‏ وانعكس ذلك في انتاج غزير‏,‏ أخذت الترجمة نصيبا كبيرا منه‏,‏ فترجم‏:‏ فن الشعر لهوراس‏,‏ وبرو ميثيوس طليقا للشاعر شلي‏,‏ وصورة دوريان جراي وشبح كانترفيل لأوسكار وايلد‏,‏ وثلاثية أوريست لأسخليوس‏:‏ أجا ممنون وحاملات القرابين والصافحات‏,‏ وخاب سعي العشاق لشكسبير‏..‏ لم يقتصر عطاء الدكتور لويس عوض علي الترجمات التقليدية‏,‏ وإنما نقل أيضا لقراء العربية حصاد مشاهداته الحية في رحلاته نصف السنوية التي كان الأهرام يوفده فيها إلي أوروبا لمشاهدة أحدث مايقدم علي مسارح انجلترا وفرنسا‏,‏ ويتابع عن قرب تطورات الاتجاهات الفكرية والأدبية والفلسفية‏,‏

فكانت مقالاته سنة‏1969‏ التي جمعت في كتابه‏:‏ الفنون والجنون في اوروبا‏1969(‏ كتاب الهلال ـ يناير‏1970)..‏ ضم آخر تطورات الحركة المسرحية ومشاهداته لزهاء خمس عشرة مسرحية في مسارح لندن وباريس‏,‏ وعرض فيه

أيضا دراسته لثورة الشباب الأوروبي والأمريكي التي تبلورت آنذاك فيما سمي حركة الهيبز وما نبع عن هذه الحركة من سلوك وفن وفكر‏,‏ من هذه الصور الحية ـ مشاهداته عام‏1964‏ للمهرجان والاحتفالات التي اقيمت في ستراتفورد مسقط رأس شكسبير في انجلترا بعامة بمناسبة مرور أربعمائة سنة علي مولده‏,‏ وتابع في مقالاته التي نشرت آنذاك في الاهرام وجمعت في كتابه البحث عن شكسبير‏(‏ كتاب الهلال ـ فبراير‏1965)‏ حصاد متابعاته ومشاهداته للحركة المسرحية عبر هذه الاحتفالات في كل من انجلترا وفرنسا‏,‏ كما عالج فيه أهم القضايا الشكسبيرية وأسرار حياة هذا العبقري وفنه‏..

‏ وقدم في كتابه‏:‏ رحلة الشرق والغرب‏(‏ اقرأ العدد‏354‏ يونيو‏1972)‏ حصاد مشاهداته ومتابعاته في رحلته الروسية واليوغوسلافية‏(‏ أغسطس‏1970),‏ ورحلته الأمريكية‏(‏ أكتوبر‏1971),‏ والأوروبية‏(‏ فبراير‏1972)..‏ بهذا التمكن الذي أتاح له هذه المتابعة الحية‏,‏ عالج في كتابه الضخم المسرح العالمي أهم المسرحيات العالمية منذ أيام الاغريق لأسخيلوس وسوفوكليس‏,‏ عبورا بمسرحيات آرثر ميللر ومسرحيات راسين وأبسن وأوسكار وايلد وبرنارد شو وجوركي وبيراندلو ويوجين أونيل وتنيسي وليامز وشكسبير الذي خصه بدراسات أوسع‏,‏ والتأم هذا العطاء الضخم المتميز بما كتبه‏:‏ في الأدب الانجليزي الحديث‏,‏ وفي دراسات في النظم والمذاهب‏,‏ وفي كتابه الأخير الضافي عن الثورة الفرنسية‏,‏ كان الدكتور عوض جامعة شاملة يسر لقراء العربية ـ بإنتاجه المتميز الغزير ـ مساحة هائلة في دراسة المسرح والرواية والنقد والآداب بعامة‏,‏ وظل علي مدي نصف قرن لايكل عن تقديم كل جديد متميز فتح به نوافذ بالغة الأهمية والخصوبة علي آخر إنتاج العالم في الفن والفكر والرواية والمذاهب السياسية والحركات الفلسفية‏.‏

أخشي أنه برغم الجهود الفردية الثرية‏,‏ كالتي يقدمها في عراضة وعمق العلامة الجليل الدكتور محمد عناني الذي ترجم معظم أعمال شكسبير وأعمالا لميلتون وبايرون واليكس هيلي‏,‏ ودرر المفكر العربي الأصل ادوارد سعيد‏:‏ الاستشراق‏,‏ والمثقف والسلطة وتغطية الاسلام‏..‏ وبرغم الاهتمام المتزايد للمجلس الأعلي للثقافة بالترجمة‏,‏ والملتقيات الدولية التي يعقدها تباعا وينشر بحوثها‏,‏ وقد أفدت إفادة جمة من ملتقي الترجمة ومجتمع المعرفة الذي حضرته في فبراير‏2006‏ ـ فإننا مازلنا نحتاج إلي الدور المتميز الذي كان يؤديه الدكتور لويس عوض بنقل متابعاته ومشاهداته الحية برحلاته التي كان يعود منها عامر الوفاض بدرر ما أحوجنا أن نواصل الاطلال عليها في زمن صارت الترجمة بابا لا غناء عنه للإلمام بما يموج به العالم من جديد في كل باب‏!‏

‏rattia@ragaiattia.Com

(نقلاً عن الأهرام)

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا