Closed Gate
عن الشاعر راسلنا صوت الشعر لقاءات قراءات نقدية قصة  مقالات أدبية شعر

إرادة الله .. والزلزال

سيد جودة – مصر / هونج كونج

 

حين تعرضت مقاطعة ستشوان جنوب الصين للزلزال في 12 مايو الماضي ، لم أكن أتخيل بعد حجم الكارثة التي أصابت المجتمع الصيني. بعد الزلزال بأسبوع أمضيت ثلاثة أيام في مدينة شنزن بجنوب الصين لحضور معرض للكتاب. أثناء مشاهدتي للتلفاز في الفندق شاهدت قناة مخصصة لعرض آثار الزلزال ومحاولات الإنقاذ وقصص الناجين على مدى أربع وعشرين ساعة. أتاحت القناة لي الفرصة لأن أشاهد أهوال هذا الزلزال الذي راح ضحيته أكثر من سبعين ألفاً من الأبرياء. تمنيت لو أكتب قصيدة شعر لأواسي بها الشعب الصيني وأصدقائي الذين ينحدرون من تلك المقاطعة، لكن ما رأيته على الشاشة من آثار الدمار، وما سمعته من قصص الناجين أبكاني كثيراً، وهزني كثيراً، وألجم بيان شعري. كانت الصدمة التي تلقيتها أكبر من أن أكتبها في شعر: مدارس بأكملها دمرت ومات كل تلامذتها، فقدت المدينة جيلاً كاملاً من الأطفال الذين كانوا بمدارسهم حين ضرب الزلزال ضربته.

من بعض القصص الواقعية التي عرضت على الشاشة أن شاباً من المتطوعين في فريق الإنقاذ كان يخرج أحد الضحايا من تحت الأنقاض فإذا به وجهاً لوجهٍ مع جثة أبيه!! كان أبوه هو الضحية التي انتشلها دون أن يدري. منحه رئيس فريق العمل مهلة لمدة ساعة واحدة يدفن فيها أباه فرد عليه الشاب قائلاً: هذه الساعة يحتاجني فيها ضحايا ما زالوا أحياء تحت الأنقاض، أما أبي فيدفنه غيري!! وباكيا ً واصل عمله في انتشال الجثث وإنقاذ الأحياء. في موقف آخر انتشل فريق الإنقاذ جثة لأم تحتضن رضيعتها التي كانت لا تزال على قيد الحياة. من وضع جسد الأم على رضيعتها كان واضحاً أن الأم حمت رضيعتها بجسمها. بعد إخراج جثتها وإنقاذ الرضيعة وجدوا رسالة على هاتف الأم المحمول كتبتها لابنتها قبيل وفاتها قالت فيها: بنيتي ، لقد اخترت أن أموت لكي أنقذكِ ، إن كتبت لكِ الحياة ، فلتعلمي بأني أحبك!! وهنا قال مذيع البرنامج الذي روى القصة محدثاً الأم الضحية: ونحن نريدك أن تعلمي أننا جميعاً نحبها! وأجهشت مذيعة أخرى بالبكاء!! أبٌ شيخٌ وجدوه ميتاً وكانت ذراعاه ملتفتين حول صغيريه لإنقاذهما. حاولوا استخلاص الطفلين من تحت ذراعيه دون جدوى فقد تحجرت جثته على هذا الوضع فاضطروا لبتر الذراعين من جثته لإنقاذ الطفلين! والعديد من القصص التي أظهرت روح هذه الأمة العظيمة التي ترفض الانكسار، والتي ازدادت قوة بعد هذه الكارثة الإنسانية. تضافرت جهودهم كما لم يحدث من قبل ، ظل رئيس جمهوريتهم يزور مواقع الزلزال بين الحين والآخر غير آبهٍ بأن يعود الزلزال مرة أخرى ، وظل يدور على خيام الناجين يتحدث إليهم ويشجعهم ويواسيهم ويكاد أن يبكي في حديثه لهم. عمدة المدينة لم يتمالك دموعه أكثر من المرة لهول الكارثة.

كل هذا جعلني أتساءل ما هذه الكارثة الإنسانية التي تصيب العقل بالحيرة؟ وتذكرت على الفور الزلزال الذي ضرب لشبونة في نوفمبر 1755 وراح ضحيته ثلاثون ألفاً من سكان المدينة الذين كانوا في الكنائس يصلون لأن اليوم كان الأحد وكان عيد القديسين. قال رجال الدين في فرنسا آنذاك إنه غضب الرب فاستشاط فولتير غضباً وقال : إما أن الرب كان يستطيع أن يمنع هذه الكارثة ولم يشأ ، وإما أنه كان يريد أن يمنعها ولم يستطع! تساءلت بيني وبين نفسي: لماذا؟ لماذا هذا الزلزال؟ ولماذا يموت كل هذا العدد المفزع من الأطفال والنساء والشيوخ؟ أهو انتقام الرب حقاً ؟ إن كان كذلك فلماذا ينتقم من الفلاحين البسطاء الذين لا يعرفون في دنياهم سوى زراعة الأرض وحصدها؟ لماذا ينتقم منهم وهم لا يعرفون الفارق بين أفغانستان والعراق أمريكا ولا يعرفون من الغاصب ومن الضحية؟ لماذا لم ينتقم من القتلة المجرمين الحقيقيين؟

في تلك الليلة كنت في مطعم صيني لتناول عشائي وكانت الفتاة النادلة متحدثة لبقة فأخذت تتحدث معي. كانت فتاة في الثامنة عشرة نازحة إلى مدينة شنزن من إحدى قرى الجنوب. لم تكمل تعليمها واكتفت بالمدرسة الإعدادية. سألتها سؤالاً وأنا أعلم الإجابة التي سأحصل عليها لو سألته شيخاً من شيوخنا، ولن أكون مغالياً إن قلت حتى أساتذة الجامعات قد يجيبون بنفس الإجابة. كان السؤال هو: لماذا؟ لماذا هذا الزلزال؟ والإجابة التي أتوقع أن أحصل عليها في بلادنا هي "إنه غضب الله". لكن الإجابة التي أجابتني بها الفتاة ذات الثامنة عشرة ربيعاً ، التي لم تحصل على دكتوراه ولم تدرس في الجامعة، الفتاة القروية البسيطة التي تعمل نادلة طيلة النهار وحتى منتصف الليل هي: إنها طبقات الأرض ، حدث خلل وتغير في طبقات الأرض أحدثت الزلزال! سألتها ثانية: وماذا نفعل لتفادي مثل هذا الزلزال في المستقبل؟ ردت قائلة ً: لا أدري فهذا عمل العلماء، يجب عليهم دراسة أسباب الزلزال ليتخذوا ما هو مناسب لتفاديه مستقبلاً! هكذا كانت إجابة الفتاة القروية التي لم تدعِ الثقافة ولا العلم، لم تحدثني عن غضب الرب وعقابه، ولا عن أننا يجب أن نقيم الصلوات ونسوق الدعاء ليرفع غضبه ومقته عنا! بل تحدثت كما يتحدث العقلاء بأن لكل نتيجة سبباً علميّاً يجب دراسته، وما هذه الأسباب العلمية إلا قوانين الطبيعة التي هي إرادة الله، أليس هو خالق هذه القوانين؟ وأن امتثالنا لإرادة الله لا يكون إلا بدراسة هذه القوانين وسبر أغوارها والتعايش مع قوانين الطبيعة التي لا تختلف في شيء عن قوانين الميتافيزيقا والقوانين الرياضية وقواعد التفكير المنطقي.

غير أننا ما زلنا نفكر بنفس منهجية تفكير إنسان ما قبل التاريخ على الرغم من أننا في القرن الواحد والعشرين. كان إنسان ما قبل التاريخ إن رأى البرق أو سمع الرعد أو شاهد بركاناً أو فيضاناً يظن كل هذا غضب الآلهة فيقدم لآلهته القرابين حتى ترضى عنه وترفع مقتها وسخطها عنه. ونحن؟ أليست منهجية تفكيرنا هي نفسها منهجية تفكير إنسان ما قبل التاريخ بل أسوأ لأننا أضفنا إلى هذه الخزعبلات التصديق في الحسد والعين فالكوارث الطبيعية والمصائب الشخصية لا تحدث بسبب غضب الآلهة فحسب بل قد تحدث بسبب عين الجارة الحسودة أو الزميل الحسود! كل هذا يجعلنا ننصرف إلى تعليل النتائج المادية بأسباب ميتافيزيقية لا علاقة لها بالأسباب ونبدأ في البحث عن الحل في الطريق الخطأ فينشأ السحر والشعوذة والخرافات الدينية التي لا علاقة لها بأي رب في أي دين.

ليس الحل في شعارات دينية ترفع ، وإنما الحل في العقل وفي التدبر. العقل هو الحل ولا يخافه إلا من فقد الثقة فيما يدعو إليه ، فالعقل البشري لا يقف موقف النقيض من العقل المطلق الذي خلق الكون وجعل إرادته وقوانين هذا الكون شيئاً واحداً. وكما تقول الآية القرآنية "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ، أو كما يقول المثل الإنجليزي "الرب لا يساعد إلا من يساعد نفسه". ما بنا من بلاء وأمراض وجهل وتخلف وبطالة وفقر لن يزول بمجرد أن نرفع أيادينا وندعو الله بأن يفرجها علينا فيحل لنا مشاكلنا. حل كل مشاكلنا في أيدينا نحن وليس في يد أحد سوانا. أما أن ننسب كل شيء لإرادة الله فهو تهرب من تحمل المسئولية وكسل عن دراسة قوانين الطبيعة فتحق علينا إرادة الله في الأشياء والكائنات ، ويكون عدلاً أن نتأخر ويتقدم من لا يؤمن برب ، ولكنه يمتثل لإرادته فيدرس قوانينه ونظامه!

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

إلى دار ندوة

عودة إلى موقع ندوة

ضع إعلانك هنا