![]() |
شعر مترجم |
سهيلة بورزق – الجزائر / الولايات المتحدة
كان عليّ مغادرة الحانة قبل وصول " نيرمينيا " المتعجرفة ،الاسرائيلية الأصل ،قبل يومين صفعتها على وجهها لأنني لم أتحمل اسفافها وهي تتحدث عن العرب وتشبههم بالقردة، أنا من أصل أرميني ، لكنّني عشت أكثر من عشرين سنة مع العرب، وأتحدث العربية بطلاقة ، تلك النيرمينيا العاهرة التي لا تتوانى في تقديم جسدها لأي سكير يدفع لها قارورة خمر ، لقد هددتها بكشف مرضها الجنسي الحقير لزبائنها المعتوهين ، فهي تموت ببطىء ، وستأخذ معها المئات من طالبي المتعة . أمي كانت صديقة حميمة للعرب ، وكانت تصوم مع مسلميهم في رمضان ، وتذهب معهم الى المسجد وتصلي مثلما يصلون ، ، وقبل رحيلها بعامين نطقت بالشهادتين ، وأبي وأنا تمسكنا بمسيحيتنا الى غاية الآن . كانت أمي تحب الله بطريقتها ، ومنذ اسلامها لم تتوقف عن الصوم . هل أنا حزينة بمسيحيتي ؟ وهل أنا أعيش في حلقة مفرغة ، عديمة الفعالية؟. وصلت نرمينيا الساقطة وبين يديها رضيع في أيامه الأولى ، كانت حالتها تبعث على الشفقة ، سألتها : هل أنت بخير؟ ردت وفي عينيها دمع : لقد أنجبت سفاحا قلت: أيتها الحقيرة كيف تجرئين على فعل ذلك وأنت مصابة بالموت .؟ ردت : هل تأخذينه ؟ قلت : ماذا ؟، أتريدينني أن أربي سفاحا من بطن اسرائيلية، هل أنت واعية مما تقولين ؟ ردت : اذن سأرميه في أية مزبلة في الشارع قلت : ارميه حيث تشائين ، لا أريد أن أراك هنا مرة ثانية بعد أسبوع قرأت في الصحف أن امرأة عجوز عثرت على رضيع ميت مرمي في الغابة القريبة من بيتها ، لقد قتلته تلك السافلة ، فكرت أن أتصل بالشرطة لأخبرهم عن الحقيقة ، لكنّني عدلت عن فكرتي ، ربّما رحمة بها وربما قد يؤنبها ضميرها يوما فتعود الى انسانيتها. لكن ليس للاسرائليين انسانية على الاطلاق ، فبعد أقل من سنة، رأيت بطنها منتفخا ، مفخخا ، مدججا بالخطيئة، جاءت تطلب مني سلفة مالية، لكنني رفضت وطلبت منها نسيان اسمي وعنوان حانتي ، ردت عليّ بحقارة : ستغيرين رأيك بعدما تعرفين من الفاعل؟ استغربت سؤالها فقلت : و من يكون هذه المرة البابا كيرلس ؟ ردت بخبث : بل البابا الموجود في البيت وقع كأس زجاجي كان بين يدي : ماذا تقصدين أيتها العاهرة ؟ ردت والشر في عينيها : أتدرين أيتها الأرمينية القحبة ، لقد حاولت نسيان اهاناتك لي ، لكنني لم أستطع ، لذلك سأنجب لك أخا عليلا نصفه منكم والثاني مني ، سأزرع فيه شرّ الدنيا كلّها ، وسيكون أغلى هداياي لك بعد عمر. شعرت بالمكان يدور بي ، أنا واثقة من مرضها بالايدز ، لقد أخبرني طبيبها بذلك قبل أكثر من سنتين، وبالتالي اذا كانت محقة فيما تقول ، فلن يعيش ...ذاك الذي تدّعي أنّه شقيقي . طردتها ، وهي تتوعدني بحرق الحانة وبحرقي ، حاولت الاتصال بأبي لأطمئن عليه، أو لأطمئن أنه لم يشاركها الفراش ، تلعثم لساني وهو يردّ علي ّ بدفئه المعتاد ، ويخبرني أنه أكل دجاجة كاملة هذا المساء ، وشرب زجاجة خمر ... أبي ... أبي قاطعته : هل تلتقي بنيرمينيا ؟ ولماذا تسألين ؟ اجبني فقط لا لم أرها منذ شهور هل حصل بينكما ود ماذا تقصدين ؟ أووووووووووه ...هل عاشرتها يا أبي ؟ أيتها الوقحة ماذا تقولين ؟ اسمعني يا أبي هي مصابة ... اسكتي أيتها الثرثارة ، لاأريد أن أسمع منك شيئا ........................................................... قطع الخط اصطحبت أبي في الصباح الباكر الى طبيبه، كانت حرارته مرتفعة ، هل هي أعراض ذاك المرض القاتل ؟ كنت جد متوترة ، حتى أن ّ الطبيب شعر بذلك فسألني عن السبب ، اغتنمت الفرصة ، وأخبرته عن مخاوفي . بعد أسبوع اتصل بيّ الطبيب ليخبرني أنّ الوالد بحاجة الى عروس ليس الا . آه من تلك الحقيرة ... رن تلفون البيت حوالي الساعة الثالثة صباحا ، كانت الشرطة على الخط زفوا لي خبر احتراق حانتي ، كانت هي الفاعلة ، فدمها لن يهدأ الا اذا أخذت معها الى حتفها الأخضر واليابس ، وبعدها بيومين وصلنا اشعار لحضور جلسة محاكمة موضوعها اثبات أبوة . يا للعاهرة كيف استطاعت ذلك وهي عليلة القلب والروح والجسد ؟ لقد تقدمت بشكوتها وهي في المستشفى ، متهمة أبي بتخليه عن مسؤولية أبوته لطفلها. ماتت بعد أقل من شهر ، وبقي ذاك السفاح في رعاية المستشفى بعد ثبوت براءة والدي . وصلتني رسالة من المستشفى تقول ان الرضيع معافى من مرض أمه وحالته تعتبر معجزة الاهية ، اذا كنت مهتمة بتبنيه لا تتواني في الاتصال بنا . استغربت طلبهم ، لكنني لم أهتم بالأمر ، تركت الرسالة على مكتبي وخرجت. كان عليّ اعادة تشييد الحانة ،تعدت خسائري النصف مليون دولار ، استعنت بسلفة بنكية وبدأت من جديد. مرت الأيام تباعا ، وفي مرّة رجعت البيت منهكة ، وأنا أدير المفتاح في الباب سمعت بكاء رضيع يصلني من الداخل، صدمت وأنا أرى والدي يحمل رضيعا بين يديه ، سألته بنظراتي ، فأجاب : هذا ابن نيرمينيا لقد تبنيته ؟ ومن قوة الصدمة أغمي علي ............. استحلفني والدي أن أهتم به وأربيه ، ولم يكن يعلم أنه فتح جرحي القديم على مصراعيه ، مات زوجي وابنتي اوشخين قبل عشر سنوات في حادث سقوط طائرة، ومن ذاك الوقت وأمومتي معوّقة . سميناه قابيل ،وبدأت أسترجع معه أمومة انسحبت مني عنوة ، لكن الفرحة تضاءلت برحيل والدي وقابيل في السادسة من عمره. تخرّج قابيل في الجامعة ، وبدأ المرض يأخذ مني راحتي ، لم أعد قادرة على تحمل مسؤولية الحانة، لذلك قررت عمل وكالة عامة لابني بالتبني كي يستطيع ادارة حياتنا . كانت أسفار قابيل كثيرة ،شعرت بعدم مسؤوليته وطيشه فقررت سحب الوكالة منه ، لم يصدق هو ذلك ، فراح يهددني بحرق البيت والحانة ، شعرت بالخوف ، بخوف قديم ،قديم وصوت نيرمينيا يعبرني " سأزرع فيه شر الدنيا كلها " عدلت عن فكرتي تفاديا لأي صدام ...غاب لأكثر من شهر ، وعندما عاد طلب مني جمع ملابسي كلّها في الحقيبة ، سألته عن السبب ، فأخبرني انّه سيأخذني معه في رحلة ، ركبنا السيارة وبعد ساعة أو أكثر لا أذكر... وصلنا عمارة ضخمة، لم أشأ ازعاجه بأسئلتي ، طلب مني الجلوس في قاعة الانتظار ، اكتشفت أنني نسيت نظارتي الطبية ، التي من دونها لا أستطيع قراءة شيء ، لحظتها تذكرت والدي ووصيته لي بتربية قابيل ، مرت أمامي السنوات العنيدة، بحلوها ومرّها...اقتربت مني سيّدة أنيقة، مبتسمة تتحدث العربية بطلاقة : أهلا بك سيّدتي أهلا أؤكد لك أنك اخترت المكان المناسب أين ابني قابيل ؟ لا تهتمي سيّدتي سنكون أهلا لك قابييييل تعالي معي سيّدتي أنت في مركز العجزة الاسرائيلي ، وهو أفخم مركز على المستوى ........ قااااااااابييييييييييييل قااااااااااااابييييييييييل __________________ سهيلة بورزق كاتبة جزائرية مقيمة بأمريكا
|
|
|
![]() |
![]() |
|