ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

صابــر...!!!

 

مراد بوكرزازا - الجزائر

 

أنا... لا أذكر أني حملت إسما أو لقبا... في يوما ما...

شهادة ميلادي تقسم على أني لم أتعدَّ الثلاثين من عمري...

وجثتي تؤكد أني تجاوزت التاريخ بتعب وأغنية مقهورة...

كل صباح... أكتشفُني في قلب الورطة... أحاول -أنا المنهمك- أن أبتسم –كما يفعل السعداء للناس... ليس من حقي أن أدخل مواقيتهم بذقن غير حليق أو سروال منكمش... ليس من حقي أن أحدثهم عن الكوابيس التي توقع لحظة لقاء الرمش بالرمش في مناورة فاشلة للنوم.

ملني كل أهل الحي... ومع ذلك مازلت أصر على احتجاز وَهْمٍ لـمـا تبقى من حضور الروح المذبوحة.

 

- خويا، الله يسترك حق قهيوة برك...!

أقول مستعطفا...!!!

يناديني المعارف - صابر-

فلا يستدير يأسي كي يصدق دمعة أخيرة...

حقيقتي حمامة تبكي منذ بدء النواح...

ينام أهل الحي في غرفة ضيقة أو شقة فاخرة...

وأحمل -أنا اللامعني الآن- شبحا نحيفا، جوعا للقمة دافئة...

وغصة بحجم الشمس للطابق الأخير... أفترش صورة أمي التي ماتت قبل الأوان... وملامح أبي الذي لم أر يوما...ثم أمازح "الكرتون" والحصيرة القديمة:

- الصابر على مشقة الدنيا... آو حاب يرقد...!!

 

كثيرا ما أفكر في كتابة مذكراتي... في أن أقول مثلا... إني أتنكر للموت منذ عشرين سنة...

– عند الرحيل توجع الناس الدنيا... عند رحيلي توجعني أنت...

قالت أمي... حين غادرتْ إلى سفر... أعرف أنها لن تعود منه...!

 

هكذا...!

كما يحدث في الحياة... وفي الكتب التي لا تموت...

وجدتُني أغادر جدارا وسقفا لم أعد قادرا على دفع إيجاره...

كل محطات المسافرين... تعرفني... بالقرب من كل كرسي ثمة حكاية تنام...

الآن... أنا الذي لم ينم يتمي رغم إرهاقه الكبير... كل مشردي المدينة أعرفهم واحدا واحدا... أعرف المعتوهين... المثقفين... أعرف الساقطين... ونساء الليل...

وأعرف كل تجار الحبوب والمخدرات...!

أنا أعرف المدينة كلها... والحياة تدعي أنها ما رأتني يوما...!!

 

منذ عشرين سنة وأنا أنتقل من بناية لأخرى...

في سطوحها سيرة لعصفور وحيد... حط على كتف مساء... فاشتعلتِ العزلةُ فيه بالغناء...

كلما قلت:

- ربما... أنا...

يجيء القرار:

- نحن لا نثق في الغرباء...!

كلما قلت:

- هنا... ربما ...

يجيء الليل حاسما عنيفا

- تحتاج القطط المشردة والكلاب الجائعة لأنيس...

صابر – turbo-

صار إسمي مؤخرا...

ربما لأني أتقن صناعة السجائر السحرية الخاصة...

كلما اختليت بخراباتي في زاوية... أدفن مدن الطفولات المسلوبة في قطعة كِيف...

يصير السطح –سطح البناية- بيتا حميما أعلق فيه صورة مكبّرة لأمي... وكل الشهادات التي تثبت موتي في كل المرات:

- الدنيا بنت الكلب...!

يتراجع خوفي... لا أفكر في شيء يسمى الأمس... أو معجزة تدعى:

غدا...!

ثم أنام...!

وصباحا... أقوم برأس ثقيل... وأعقاب سجائر... تقول حجم الأوهام التي أقمت فيها...:

- اشحالك وفريت يا الزوالي...!

مازالت الشمس تشرق وتغيب...

ومازالت الفصول المتعاقبة تتداول...

ومازال حزني يكبر يوما بعد آخر...

 

أشد ما أكره العيد... في صباحاته الهمجية يخرج الأطفال... ببذل جديدة وبالونات ملونة، ويطل يتمي على الفرح:

- لِـمَ كل هذا العداء...؟!

 

أشد ما أكره الشتاء... في مساءاته الثقيلة... يذهب الناس... لدفء... لسهرة... لعشاء ساخن... ويذهب بردي لبرده:

- ما معنى الجليد...؟!

 

أشد ما أكره رمضان... يتكئ الصيام... على شربة... على رائحة... عبقة... وكسرة خميرة... ويعود الريق إلى مراراته الأولى:

- اللهم إني صمت لك... وعلى خوائي... وبؤسي أفطرت...!!

لا رغبة لي بالنوم هذه الليلة...

بي حاجة ماسة لأن أركض في شوارع المدينة...  لم يعد بوسعي أن أحتمل الأبواب التي تنغلق ليلا... أصوات الملاعق والصحون التي ترتطم...!

لم يعد بوسعي أن أسمع أمًّا تنادي واحدا من أبنائها... فيرد مبتهجا:

- آني جاي...!!

لم يعد بوسعي أن أصدق سيجارة معطوبة أو كأسا مهشمة...

سأصرخ اللحظة والوجع يسبق الصدى...

ليس من حقي الحياة...

صابر كره...

صابر عيا...

صابر ما يشبهش لإسمه خلاص...!!!

1998

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا