![]() |
شعر مترجم |
إسلام شمس الدين - مصر
كتبتْ لي صديقتي تسألني
عني؛ عن ذاك الذي كان شمساً دافئةً تتسلل أشِعَّتُها الفضيةُ كل صباح؛ فتهامسُ
القلوب، وتُراقصُ المَشاعِرَ، وتسكبُ في النفوسِ رحيقَ البَهْجةِ والجمال... لمَ
احتجبت اليوم خلف غيمات الوَجْدِ، وضبابات الأسى، وكيف داهمتها حُلْكَةُ الحُزنِ
واليأسِ في ساعاتِ الضحى. صغيرتي، صديقتي العزيزة، أيتها التلميذة... فيمَ الدهشة إذا ما أخطأ المعلمُ ثم أثاب؟.. فيمَ الدهشة إذا ما اجتهد فأدرك الصواب؟ بماذا أجيبك صغيرتي، وليس لأسئلتك من إجابات؟.. فياليتك لا تسألينها.. لا تسألي عن قبيلة الرومانسيين... فقد أفناها الزمانُ كما أفنى شعوبَ الهنود الحمر، ومن تبقى منهم؛ يختبئ هناك في كهوفِ العزلةِ شريداً مطروداً من عالمنا الجليدي. لا تسألي عن العصفور الصغير القتيل برصاصاتِ الواقع والظروف والزيف والخداع؛ فهو الآن يرقد ميتاً في غرفة الإنعاش؛ تحيط به أجهزة الإعاشة، لأن بعض الحمقى المكابرين من الأطباء يقفون ضد الحقيقة رافضين إعلان موته. لا تسألي عن البساتين والحقول والورود والعطور والأمطار اللؤلؤية والنجمات الهامسة والأمنيات الحالمة، فكلها؛ كلها؛ هلوسات شاعر؛ رسمها على الأوراق وتغنى بها على الأوراق وبناها مدينةً من الأوراق.. متناسياً أن زماننا الصخري لا يعترفُ بشَّرْعيةِ الأوراق ولا لُّغَة الأوراق ولا مُدُنِ الأوراق. فاحرقي – صغيرتي- كل أوراقي؛ لا تقرأيني؛ لا تسمعيني؛ لا تصدقيني، لاتخاطبيني ثانيةً بصيغة "الأستاذ"؛ فقد كنتُ معلماً فاشلاً، وكاتباً فاشلاً، وصديقاً فاشلاً، وعاشقاً فاشلاً... علمتُك الدَّرْسَ الخطأ من المقررِ الخطأ في الحِصَّةِ الخطأ، وتركتك وحدك في لّجْنةِ الامتحان. صديقتي العزيزة.. ها أنا الآن استجمعُ بعضاً من شجاعتي، لأعترفَ بخطيئتي؛ لأقرَّ بذنبي وأعلن توبتي، وأقسم بالألمِ وبالحُزنِ وبالجُرحِ النازف في جنباتي؛ ألا أعودَ ثانيةً لحماقاتي، وأن أكفَ عن ترويج تلك الخرافاتِ؛ عن الحُلمِ الممكن، والأملِ الأخضر، وعن ترنيمةٍ لَذِيذةٍ تُتلى في الأساطير؛ اسمها "الحب". ها أنا الآن أغتسلُ من أحلامي؛ أتوضأ بغبارِ الزمنِ الحجري، واتطَّهر من رِّجْس الورد ومن رِّجْس الشِّعْرِ ومن رِّجْس الحب المصلوب على أسوارِ الآلام.. أصلي في محراب "الواقعية"؛ ميمماً وجهيّ شطرَ الواقعِ والمفروضِ وحَزْنِ الأيامِ. صديقتي الصغيرة.. ها أنا الآن أقدم إليكِ اعتذاري... وللواقع القَسْري؛ قدمتُ ولائي وطاعتي، وأعلنتُ انكساري.
|
|
|
![]() |
![]() |
|