![]() |
شعر مترجم |
نجوى عبد البر (شهد أحمد الرفاعى) - مصر
مستلقية فى صراع مع ملل لا يتوقف عن غزوها .. طريحة قلق لا يهدأ ولا يدعها تهدأ.. فى تثاؤب شديد .. تحاول جاهدة الوصول إلى الهاتف كى تسكت الرنين الذى يقاطع أفكارا تتماهى أمامها تؤرقها وتؤلمها.. فى صوت خافت تجيب الصوت القادم من بعيد..لا تلقى بالاً لتسلسل الحروف تحاول إنهاء المكالمة بلطف وهدوء. تغلق الهاتف وعبثاً تحاول النوم من جديد .. تقبع داخل آحلامها هاربة من مشاعر ضائعة فراغ، وحدة ، أشياء تمزقها .. تقتلها. فى فراشها أفعى تتلوى.. فى رغبة ماجنة تتلمس البعد الآخر من أطراف السرير .. بطرف أصبعها ترسم دوائر .. دوائر.. فى صوت هادر .. أوووووه أفففف .. تمسك بالهاتف يشتعل شوقها .. ييييييييه ( خارج نطاق الخدمة) تدور مرات ومرات وتقفز جالسة لدقائق وسط جزيرتها القطبية .. شعور ما بداخلها ينقض عليها بلا رحمة .. تنفض عنها شراشف الحيرة و الرغبة والقهر .. تجلس على حافة السرير وتميل للوراء بنصف جسدها حتى تلامس بظهرها السرير تظل هكذا للحظات تحاول جاهدة أن تغمض عينيها .. تنحنى بجسدها على الفراش تبحث عن صيف ضائع على وسادة من ثلج .. تتكوم متقوقعة كالجنين فى عينيها سفن تائهة تتلمس بريقا ً من أمل .. تنشد الأمان والدفء .. تحارب وحشاً كاسراً ينمو بداخلها فى وحشية همجية .. معركة خاسرة بين رغبة جامحة وواقع خواء .. لا حيلة لها فى ذلك .. هى فى النهاية أنثى .. تفر هاربة من عالم من السفر اللانهائى .. من أحضان هذا السرير الصامت الملعون .. تفر من مناخه الجليدى .. أحلام القهر وكوابيس الغربة والوحدة. ترمى بوسادتها جانباً. تتصل بصديقة عمرها وتتفق معها على الخروج للتسوق .. وتتبعه باتصال بعملها تعتذر لمدير المدرسة عن الحضور. فى خفة وخطوات رشيقة تهبط إلى الشارع .. تطلب من صديقتها أن تتجولا قليلا. تريد الذوبان بين الناس .. لا تعرف أتريد ذلك هرباً من نفسها أم من أشياء حولها تلاحقها .. تمضى شاردة تذوب فى عمق فوضى تسكنها منذ سنوات. تخاطبها صديقتها فى مزاح به مسحة من الجد .. العمر يمضى بنا وأحلامنا تتساقط كأوراق الخريف تهرب معه تضيع الألوان .. تمتزج ببعضها البعض .. تلفنا الغربة الخوف والرحيل قبل اكتمال الأمنيات .. نحاول الهرب من الزمن ولا نقدر .. لا نستطيع الفكاك من أنيابه القاسية .. سنوات معدودة .. ويتضح الإمضاء على خارطة الجسد وتتداخل الحدود وتطمس المعالم .. وتتشكل قارة منسية من الجميع. -:لا تقلقى لقد تعودت على ذلك .. أصبحت الغربة والليل الساكن وحتى الفراش البارد من مفردات حياتى .. تضيف ضاحكة ضحكا لا يخلو من مرارة .. إن أحسست بدفء الفراش أفر منه كمن يفر من عقرب مميت يلاحقه .. أشعر بالخطيئة .. وكأننى ارتكبت فاحشة أخاف منها .. منذ مولدى كان الدرس الأول الصبر والحكمة .. وكيف أهزم رغباتى المجنونة وأجعلها تتوارى فى أزقة اللاوعى. -:تزوجى قبل فوات الأوان .. حولك الكثير من المعجبين .. أنتِ محبوبة .. وحلوة .. و -:لا تكملى .. وصغارى!! ألم تفكرى بهم..؟ مازحة .. وكمان لا يجوز الجمع بين زوجين .. اقولك شوف لى أى شيخ يكتب لى فتوى. إيه رأيك؟!! -: تدهشنى قدرتك على المزاح .. فكرى فى نفسك ستمرضين هكذا. لا طائل من تضحياتك هذه .. عراكك المستمر معه سيدمر حياتك وحياة أطفالك .. هل هو مسافر؟ -:نعم .. كالمعتاد.. فى عمل .. وسيرجع الليلة تقريباً.. .وفجأة تتوقف عن الكلام. وبخطوات طفلة مجنونة تقف وتلتصق بواجهة محل للملابس .. تتسمر فى مكانها أمام موديلات مثيرة لملابس نوم نسائية .. تتشبث عيونها عليه (قميص أحمر مثير جداً ) يجنن سأشتريه .. ما رأيك؟ تقول ذلك وقد أصبحت داخل المحل تدفع ثمنه وتخرج مسرعة محتضنة القميص وعيونها تلمع بوميض غريب. -:مازحة تبادرها صديقتها .. محاولة جيدة يمكن الاحوال تنصلح .. لكن هل تعرفين طريقة ارتدائه أم أطلب لكِ الكتالوج .. وتكمل ضاحكة ولا يمكن هو اللى محتاج الكتالوج. -:تضحك ضحكة خبيثة .. هيا أسرعى أريد العودة. ميعاد الصغار والعودة من المدارس. ثم ..فجأة .. لا لا انتظرى .. وتدلف مسرعة عابرة نهر الطرق تقفز إلى داخل محل للزهور .. تخرج إليها حاملة باقة ورد أحمر ساخنة محترقة المشاعر. تحتضنها فى حنو بالغ. -: ورد ..!! وأحمر .. وقميص نوم أحمر!! لا لا .. أنتِ تخططين لمعركة حربية أنثوية إرهابية من العيار الثقيل .. كان الله فى عونه .. وتتبادلان الضحكات.. -: مسترسلة فى الضحك.. المهم أسرعى أريد اللحاق بالكوافير أيضاً.. -: اوه ..وكوافير..كمان.. هيا بنا قبل أن تطلبى حماما مغربيا أيضاً. تعود لتصبح ملكة وسط الخلية..يحيط بها صغارها..ضحك ولعب وجد..يتساءلون فى براءة .. بابا .. نريد نهاتف بابا. تلبى رغبتهم وتتصل به ..من بعيد يأتى صوته..تعطى السماعة للصغيرة.. -:بابا حبيبى..وحشتنى تعالى بسرعة.. -:حاضر أميرتى الصغيرة الليلة أكون عندك -:أنتظرك.. لا تنسى هديتى -:لا ..نامى ..والصبح الهدية تكون فى حضنك ويتتابع بقية الصغار واحدا تلو الآخر الى أن تأتى الثالثة الكبرى لتلقى سلاماً عادياً غير مكترثة بغيابه. فهى دوماً تردد غياب بابا أفضل .. يجعل البيت أكثر هدوءاً..كلمات معدودة..وتعطى الهاتف فجأة لأمها وتنصرف .. -:إغلقى وراءك الباب من فضلك ..تنظر للهاتف وقد أربكتها هذه الحركة ..لم تكن جاهزة للكلام معه..ومتلعثمة تردد انت بخير ..جاى الليلة. -:ايه وحشتك فى ليلة!! -:ضاحكة فى غنج ودلال..لا ابدا لكن مشتاقة لعراكك الذى لا ينتهى. أحس اننى أفتقد شيئا ما.. يمكن..ثورتك على الاولاد. جنونك. هياجك فى وجهى كلما رأيتنى بمكياج أو ثوب مثير. كلما شممت عطرى. أو لامستنى عن غير قصد.. ألن ينتهى كل ذلك؟؟!!. -:أرجوكِ .. يكفى لا تكملى. .تقاطعه ..بل أرجوك إنتَ ..قد تعبت. سنوات وسنوات..رحلة طويلة من المعاناة.ألا يكفى الحب بيننا.حتى ذلك تحاول تدميره. -: أعذرينى أنا بشر..وقد أنتابنى اليأس من العلاج. دعينى أعطيكِ حريتك ..أطلقك.. الحياة ما زالت أمامك. وأعدك سنكون أصدقاء والأولاد بيننا وسيكون وضعهم أفضل. لا أستطيع رؤيتك أمامى. ولا ألمسك. أضمك إلى صدرى. أتنفس أنفاسك. شوقى إليكِ يحرقنى .. يدمرنى .. كلما حاولت الاقتراب منكِ كزوج كى أهدهد شوقى وشوقك وأروي عطشك وأبلّ ظمأ أراه فى عينيك كل ليلة..أجد شبح الفشل يطاردنى..وليس لى حيلة فى ذلك..لا فائدة.. -: ياه كل ذلك بداخلك حبيبى .. بيننا ما هو أجمل وأعمق .. صدقنى .. عندى لك مفاجأة .. تضم القميص الاحمر إلى صدرها .. هيا ..لا تتأخر.. أنتظرك فى شوق.. أريدك أمامى فى لحظات .. وفى ضحكة ماجنة خافتة هى مزيج من آهات الجمر والرغبة المثارة .. فى أنوثة معتقلة لسنوات .. سمعت .. أنتظرك .. لا تتأخر .. تعال بسرعة .. بسرعة. -:لا تزيدى من عذابى وعذابك..لابد من حل..والطلاق افضل الحلول..الشك يدمرنى كلما غبت عنكِ/أو تحدثتِ لأحد /ضحكك / حديثك/كل شىء/ كل شىء/ كل لفتة /كل كلمة تكون لغيرى تثير الشك فى نفسى.. -:شششش.لا تبدأ نفس الكلام ..أنتظرك. تخرج من الغرفة تنشر الدفء فى أرجاء الخلية إلى أن ينام كل أفرادها.. وينتصف الليل..تدخل غرفتها تبعثر أشياء وتنظم غيرها.. ترتمى على كرسى الفوتيه المواجه للسرير.. تحس ببرودة الثلج تحيط بها. توشك على الإنهيار. بقوة تغمض عينيها تقبض على ذكريات تخشى هروبها.. هى بداخلها ساكنة بارزة إن حاولت الفرار من واحدة إنتفضت الآخرى ..هى ثقيلة فى القلب تلاحقها كلما خلت إلى نفسها معها تتماهى ريشة فى ريح. فى ضجر تهمس لنفسها وهى تتحسس جسدها ..تباً لهذا الشتاء ألا ينتهى؟!! ليل صامت يصادق صمت شتائها تتحسس صدرها وجسدها المرتجف ..تحادث خيالها..ها أنا الليلة سأمارس الغواية وأرقب إنتحار اليأس ..سأجعله يذوب فى أبجدياتى .. سأبحر فى رائحته وأترك العنان لحروف النار ..سأحتويه فى أحضان شوقى. سيكون السمر وليلا مجنونا بمجون ثائر. صهيل عاشق ومعشوق.. تنثر الورود الحمراء فى أرجاء الغرفة .. تضع وردة حمراء قانية على الوسادة .. تنام بقربها ناظرة إليها.. ترى فيها ملامح غائبة تتمناها وتشتهيها فى هذه اللحظة. تقف منتشية فى أحلامها تموج ..تخلع ملابسها ..ترتدى القميص الأحمر الجديد .تقف أمام المرآة تنظر لنفسها ..تتضح ملامح الأنثى المختبئة .. جسد تضاريسه تحمل كل فصول السنة ..تتحسس جسدها.. تتمايل فى غنج مثير.. تجلس تتزين وتضع عطرها.. تلتقط وردة حمراء من الفازة تقربها فى نشوة من فمها تستنشق عطرها فى نفس عميق وكأنها تهامسها ..دعيه يأتى فى التو واللحظة إرسلى همسى إليه عله يعجل بالحضور أكثر وأكثر وأكثر. وتظل ترددها محتضنة الوردة بين حنايا صدرها ومتراقصة على أطراف أصابعها كالبلارينا ..وترتمى .. ترتمى على سريرها تشتعل كإنصهار بركان. ترسم ظلال اللقاء فى الهواء .. يطل عليها قمر المساء .. من النافذة مبتسماً يتمنى لها النجاح. تمتطى التنهيدة. تنظر لعقارب ترقبها على الجدران .. تتمتم كم أكره تلك العقارب ودقاتها. سكون قاتل يلف المكان .. العقارب مازالت ترقبها .. فى تحدٍ قاتل. تبحث فى قنوات التلفاز. وتقف عند أم كلثوم وأطلال ابراهيم ناجى .. تصرخ ضاحكة إكتمل ليل الأنس يا حبيبى .. آه يا ثومة .. كم أحب أطلالك هذه.. فى دلال تتمايل معها..
أين من عيني حبيب ساحر صور اللقاء همسات .. لمسات .. نغمات تتراقص أمامها تسبح فى فضاء الغرفة وتحط على السرير .. وفى لهفة المشتاق .. تلتقط الهاتف .. تهاتفه .. تنطلق الكلمات خاطفة تترجم الثورة بداخلها -:حبيبى..تأخرت..هيا حبيبى تعال.. -:فى جمود وكأنه صخرة من جبل القسوة..لن أحضر ..لدى عمل سيمتد ليومين.أبلغى إعتذارى للصغيرة..تصبحين على خير. -:يقع الهاتف من بين يديها.. يأتيها صوت أم كلثوم..
وأنا حب وقلب هائم لا..لا..لا..صرخة تكتمها بيدها..ترددها من أعماقها منهارة ..ترتطم بالأرض تتهاوى ..وتتهاوى معها رغبة متأججة وأنوثة تائهة ضائعة ..أحاسيس تذبح بداخلها.. فى جنون تجذب الفازة ترمى بها وتتناثر الورود والأمانى الحمراء..تغلق التلفاز..وتطفىء المصباح..بين دفتى الفشل والظمأ تنبت أجنحة اليأس ..ترتعد أوصالها....ويبرق وجدانها..إنصهار البركان فى خمود..تجف ينابيع الرغبة والجسد وتتساقط حبات الأمل على الخد تمسح وجهها من الأصباغ.. تظل هكذا جسدا ممزقا بلا حراك ..كانت طقوسا جنونية..جسدا يتوق إلى لحظات تجل ٍ فى عمق إرتواء لا نهائى من ينابيع الحب والرغبة. لا يخترق سمعها سوى دقات بإيقاعات متواصلة .لا تتوقف ..لاتدرى أهى نبضاتها.. رجفتها..ألم يعتصر قلبها..؟؟ أم دقات العقارب على الجدران تقرع طبول السخرية..تعلن رحيل الليل تفتح ذراعيها وتتأمل حلم العناق واللقاء ..تضم ذراعيها إلى صدرها ..تضحك فى سخرية ..تنتحب فى بكاء طويل.. تفيق على صوت أذان الفجر يتعالى من كل إتجاه .الله أكبر. ودقات جرس المنبه تتعالى..إنها الخامسة صباحاً..تتمتم فى أسى..مضى الوقت..كل شىء يمضى.. تسمع نقرا على الباب وصوت صغيرتها..ماما ..مرتمية على صدرها ..وتطبع على وجنتها قبلة حنونة ومعها صباح الخير يا ماما..إنتِ حلوة قوى النهارده..واللبس ده حلو قوى عليكِ. تحتضنها بقوة وكأنها تحتمى بها من نفسها .. وتمطرها بالقبلات .. -:ماما صليتى الفجر؟ السؤال يقع برداً وسلاماً على قلبها..كموج هادر يرسل بالرغبة إلى رمال الشط -:ياااااه يا حبيبتى. (مش عارفة الحياة من غيرك كانت ممكن تكون ازاى)؟؟ تعاود الصغيرة الإحتضان .. وتجرى مسرعة تبسط لها سجادة الصلاة ترمقها بنظرة حانية وتبتسم بسخرية للقميص الاحمر (لم تكن ليلتك) .. وترسل تنهيدة حارقة وهى تستبدل ملابسها وترتدى الجلباب اليومى المعتاد. ومعه تعود الحياة كما ألفتها.. تنظر فى المرآة ..تبتسم وتبتسم إبتسام المنكسر.. .. شيئاً فشيئاً تتحول ابتسامتها التائهة إلى ضحك هستيرى متواصل .. وتبتسم طفلتها وهى تقول ماذا حدث يا ماما؟ تأخذها بين أحضانها خارجة من الغرفة .. مرددة .. لا شىء حبيبة قلبى.. فقط كان مهرجاناٌ للأمنيات. ========
|
|
|
![]() |
![]() |
|