ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

توبياس يرفع زجاجته نحو النور

 للكاتب الألماني: والتر رينير*

ترجمة: د. محمد قصيبات - سوريا / باريس

 

 

1

رفع توبياس زجاجته نحو النور، أنتابه عندها خوف عظيم إذ لم يبق في الزجاجة غير القليل.
كان الخوف يمسك رقبته بقوة.
"يا إلهي لم يعد ثمة كوكايين!"
 

2

وطلع الفجرُ، شرع نهارٌ آخر بغيض يخرج ببطء من ذاكرةِ الزمنِ، نهار جاء ليلقي به وسط عالم يراه مفعماً بالقلقِ والنعاسِ والأعداء.
شرع توبياس يتلوى على سريره في يأسٍ عميقٍ فيما أخذ عقله يتخبط في ذلك الخوف الذي لا يعرف له بداية ولا نهاية.
أخذته رغبة عارمة في تناول جرعتين أخريين.
شرب ما تبقى في الزجاجة لكن لسانه كان مخدراً، كان يبدو ناعماً كأنه مغطى بالفراء، وضع إصبعه حتى حلقومه فوجد لسانه ناعماً دون حس.
لقد أصبحت الأشياء لديه دون معنى، ماذا عليه أن يفعل الآن؟ ما قيمة الزمن وما جدوى الحياة دون ذلك السم الذي يخترق جسده وينعش روحه، ذلك السم الرعاف!
 

3

لقد نسي الآن خوفه من اللصوص ومن الحرّاس ومن مستشفي المجانين.
ملأه شيء واحد، شيء واحد فقط توهج في أعماقه: السم الذي يعني عنده الهواء والشراب، الحياة والوجود!
 

4

بأيد مرتعشة أضاء الشمعة ، كان يريد التأكد من أنه لم يبق في الزجاجة شيء.
حقًا لم يبق له شيء ولكن رغبته العارمة تتحدى منطق تفكيره دون توقف.
"ربما تبقي شيء قليل في الزجاجة"
وظن أن عنده زجاجة أخرى فأخذ يبحث في كل مكان من الغرفة لعله يجد القليل..إنه لا يكاد يصدق أنه شرب كل الزجاجة.
حمل الزجاجة نحو ضوء الشمعة..
"كلا! كلا!"
الزجاجة فارغة.
قلب توبياس الزجاجة رأسًا على عقب وأدخل لسانه في عنقها..لا شيء، لاشيء البتة.
 

5

ملأ ما يشبه الرعدَ البعيدَ الغرفة. دخل ضوءٌ ضارب إلى الحمرة عبر النوافذ واستيقظ الصباح.
نهض توبياس من فراشه وسقط على ركبتيه وشرع يبحث من جديد عن السم تحت الفراش فيما أخذت ركبتاه في النزيف.
لم يصدق عينيه فتحسس بيديه كل الأشياء، كان يأخذ الأشياء بين يديه ثم يحملها قرب عينيه.
" ألا يكون هذا الشيء زجاجة كوكايين؟ ربما ذلك..كلا ربما هذا الشيء"
ثم من قال أن عينيه تميزان كل الأشياء؛ وذلك الشيء الذي يشبه الحذاء.. هل هو حذاء حقًا وليس شيئًا آخر؟ من يدري لعلها زجاجة.
 

6

لا يهم كم من الوقت قضى يفتش عن زجاجة.. لم يجد شيئًا لكنه وجد في نهاية المطاف مسدسًا وبعض الرصاصات.. وجدها هكذا بين يديه، ووضع ما وجد على الكرسي.
ذهبت عنه أحزانه قليلاً فغط في سبات عميق.
 

7

أستيقظ آناء الليل وقرر ألا يخضع هذه المرة لذلك الوسواس الشيطاني، قرر الهروب من الشيطان الذي يلقي به كل يوم في ظلمات الأشياء.
كانت حياته تخلو من كل علامات السعادة، عرف الحرمان وأحس أنه منبوذ ومريض وملعون وكان لا يملك في رحلة ضياعه لا أكل ولا نقود.
كان الفراغ يغلف حياته، وكان ذلك السم يغطي المدينة وكأنه أجنحة سوداء هائلة.
كان يحس بأفعى تمتص عروقه.
 

8

مدّ يده صوب المسدس، وضع المسدسَ في فمه، أحس برعشة تعبر جسده.
وأنطلق صدى الطلقةِ نحو الأفقِ مثل طائرٍ هارب.
وسقط توبياس على ركبتيه.
كان يبدو كأنه في خشوعٍ وصلاة.

 

والتر رينير: كاتب وشاعر ألماني مغمور، ولد عام 1895 وكان من جماعة الكتاب المعروفين بـ"حلقة كُتاب درسدين التعبيريين"،وكان هؤلاء الكتاب يعارضون نشوب الحرب العالمية الأولى، وبسبب تلك الحرب تحول الكاتب إلى مدمن كوكايين وفقد نتيجة ذلك موهبته الأدبية ثم حياته في عامه الثلاثين. وتقبع أهمية هذه القصة ليس في أسلوبها الأدبي وحسب بل في تفاصيل علامات الإدمان التي ينقلها الكاتب في صدق مما جعلها تدرس في كليات الطب كنموذج لما يشعر به المدمنون.

 

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا