ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

قمة وقاع

أميرة فكري - مصر

 

(1)

مدينتي مدينة صغيرة.يغلب عليها الطابع الريفى..منذ سنوات قلائل وهى فى فقد هويتها..الأبنية العالية والعمارات الملونة بدأت تطمس معالمها..السيارات ذات الماركات العالمية وكرنفالات الملابس-التى احتلتها- تشعرك انك تسير فى أحد ميادين العاصمة المزدحمة..

منذ عودة المغتربين لبلاد النفط ورجال الأعمال بالعاصمة والاستقرار بها أو زيارتها ,وأنا اشعر أنى كائن غريب,مخلوق هش ضئيل,لايرى بالعين المجردة ..ورغم ذلك استطعت أن أجد لذاتي وظيفة-تسد الرمق-وكسائر الكائنات كان لابد من الزواج والإنجاب..

المطالب كثيرة.الموارد محدودة.نزعات الإيمان تقوينى وتصلب عزيمتى..أحاول جاهدا إبعاد أبنائي عن المؤثرات الخارجية.أري علامات الضجر والتمرد فى أعينهم.اسمع طلباتهم واحتياجاتهم دون أن ينطقوا ..

(2)

بالأمس طلبت منى ابنتى الصغرى شراء بنطلون"ش..شش..شارل ستون"ابتلعت مرارة الغضب والحنق ,أخبرتها أنى فلاح,وهذه الموضة ليست على هواى .امتعضت بعض الشيء ..أخبرتني أن هذا شئ عادى ..الكل اصبح يرتدى هذه الملابس ..فاض بى الكيل انفعلت بشدة –حتى أنهى هذا النقاش-تركتني وهى تتمتم ببعض الكلمات الغريبة التى تعلمتها واخذت احدث نفسى..هل أنى ارفض هذه الملابس لأنها لا تناسب ثقافتنا حقا؟! أم لأني لا أستطيع شرائها؟ لا يهم .الفكر يوشك أن يصيبنى بالجنون .ليت المشكلة تقف عند هذا الحد !!..أقوم..أصلى ركعتين لله لعلهما يطفئان النيران المشتعلة بداخلى..وسرعان ما يتسلل النوم لجفونى.

(3)

استيقظت هذا الصباح على صوت زوجتى وشكواها المستمرة من ضيق اليد ..نظرت لها دون أن انبس بأي لفظ.وبدأت أجهز نفسي للذهاب للعمل ..اغلق الباب خلفى.انزل الشارع .انتظر الصندوق المتحرك المكتظ بالمارة وسرعان ما يأتي وانحشر بداخله..مثل صنوف البشر الآخرين ..ونمتزج ككتلة لحم ملتهبة لها روائح وأشكال مختلفة..واجد بالكاد مكانا خال اجلس عليه..وسرعان ما أغيب عن عالمى..

(4)

أتذكر شبابى وأحاديثى مع زملائى عن اليوتوبيا والمدينة الفاضلة..كانوا ينعتونى بالجنون وأنى فلاح ساذج..حتى ابنائى يشعرونى أنى أتكلم الهيروغلوفية ..أتذكر "مدحت"زميلى كان شخصية غريبة,مركبة..له أراء شاذة.كل شئ عنده له ثمن .يرغب فى الثراء بأي طريقة.آخر مرة شاهدته فيها منذ سنوات ..دار بيننا حوار ساخن..اخبرني أننا نحيا فى غابة ,وإذا لم أجار الحياة,سوف تسحقنى الأقدام ..وبدأ يراهن أنى لن أستطيع الصمود حتى النهاية..

ترى لماذا أتذكره اليوم؟! لقد علمت انه وصل لما يريد بسرعة البرق ,لقد اصبح حوتا من الحيتان التى تنهش بأسنانها الجميع..ولكن من أين له بهذا ؟! من يجرؤ على السؤال ! ترى متى تنكشف حقيقته؟!

(5)

محطة وصولى قدمت..اصعد سلالم العمل المتهالكة..ليت المدير يوافق على صرف جزء من استبدال المعاش..

  • صباح الخير يا سادة..كيف الأحوال؟..

يهز زملائى رؤسهم بالتحية..يردوها بالكاد,وكأن الكلمات ستنقص من عمرهم ,اعذرهم فلكل منهم همومه التى تثقله..يلفت نظرى زميلى"محسن" وهو يتحدث فى الهاتف الذى لا يتركه من يده الا قليل..فالمكالمات على حساب المصلحة!!وسرعان ما انكب على عملى .أحاول أن أنهى صفوف الدوسيهات المتراصة على مكتبى..اطلب كوبا من الشاى المغلي,حتى يضبط المزاج.أشعل سيجارة..ابدأ العمل ..ليس من عاداتى استراق السمع ولكن تقتحم أذنى كلمات جديدة وتتبعثر وتتناثر وأقف عند بعضها.

-دى غابة..اصله عايز يعيش..السمك الكبير يلتهم...خسارة يا "شاهين" ضعت سريعا,واللى حسبناه..طلع..!

أفزعتني الكلمات وبدأت افهم أن الموضوع يدور حول زميلنا "شاهين"والذي ضاقت به الحياة ..المرض ينهش فى زوجه..المرتب ضئيل العلاج الحكومى لا يجدى..لم اكن اعلم أن مقاومته ستنهار بهذه السهولة وأمام لقيمات من الفتات الذى يقذفه الكبار للصغار..لكنها الحاجة!!..ترى هل استطاع الاستمتاع بما حصل عليه؟هل ستشفى زوجته بهذا المال الحرام؟! ..أتألم من اجل ابنته الكبرى ..رغم فقره كان الشباب يتلهف للزواج بها ,ترى هل سيطرق بابهم أحد بعد هذه الفضيحة؟.أدعو الله أن يكون مظلوما..اليوم سوف امر عليه فى سجنه واعرف منه الحقيقة..

(6)

منذ دخلت هذا المكان البشع وأنا اشعر بقشعريرة تسرى فى جسدى..نمل يتسابق فى السير عبر دمائي,فقضبان حديدية تعزل الفرد عن العالم الخارجي..ما أقسى القيد..احمد الله على عدم انزلاقي فى هاوية الحرام....يأتيني "شاهين"برفقة الجاويش المتجهم الضخم..دائما ما كنت أراه مرفوع الرأس .يتحدث بثقة وبصوت مسموع.أما اليوم فاراه منكس الرأس ,يهمس بالكلمات .هل كان ممثل قدير يجيد التمثيل طيلة هذه الفترة؟! أم إنها المرة الأولى للانحراف ؟!..قبل أن يتحرك فمى.دنا منى أخبرني والندم يتقطر من الكلمات بان الشيطان ظهر له فى صورة أدمى ..الضمير احتضر أمام سحر الكلمات والاغراءات .ما حافظ عليه طيلة عمره من شرف وكرامة.انهار واندثر تحت أكوام من اللعنات بعد غلطة لن تغتفر.. بقعة سوداء تخفى ملامحه وتشوهها..ثم انخرط فى بكاء هستيري..

انعقد لساني.لم استطع التحدث بأي كلمات ..تجمدت أطرافي.انظر لاعلى وتتعانق يداي وتتشابكا..وانسحبت وأنا رافع رأسي لاعلى واخذت أفكر فى استبدال جزء من المعاش .وسرعان ما ابتسم بنشوة.فمن الواضح أنني الفائز فى رهان زميلي"مدحت"حتى الان..

Amira_fikry@hotmail.com

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا