خالية الا منك ...
فايز السرساوي
- العراق
خالية الا منك , ممتلئة بجلجلة
ضحكاتك الوثابة في ردهات باحة
الحكواتي , كما لو انها لا زالت
عالقة فوق اغصان شجرة السرو
العالية في المكان , يا لرائحة
المكان حين تخلو سخريتها القديمة
لتتقمص سخرية الحاضر
المتدحرج الى حتفة بكل الجلال .
عشرون عاما مشغولة بعشرين عام من
خيوط نسيج العلاقة بين هنا و هناك
, انت هنا على ساحل البحر ترعى
سرب سمان مهاجر, و انا هناك تحت
ظل الصنوبر ارسم للنهر مجرى يطل
او لا يطل على معجزة .. و
ما بيننا طائر المستحيل الذي
اضنته الحواجز و المعابر و الجدر
!! ولما تزل الرجال بلا رؤوس و
الموتى يجتهدون في البحث عن
القبور.. رحلة الرحال في زمن
الظلال الشاحبة , تجوال السيد
الحركشي في ارجاء امبراطورية
فلفشتيكا المسيجة بعسس الحدود
وسكاكين الرقابة وخشبة العبث .
خالية الا منك .. وانت تسير معها
و فيها وبها وهي دائرة
تدور .. خشبة الغريق على موج بحر
لا يستكين , لك فيها ورد وقمح و
نبيذ و ليل , لك معها اجمل القصص
التي اكتملت مشاهد عريها ولم
تكتمل احلامها , ولنا منك انت ما
تبقى من تصفيق البلابل لحبكة
الملهاة في ليل العابرين الى ممر
التراجيديا الاخير .
في القدس .. في ردهات باحة
الحكواتي او المسرح الوطني او"
المسرح " كما كان يحلو لك الوصف
, قبل عشرون عاما كم ارهقت المخرج
شكوى الممثل من تكرار راحة ثريد
العدس , وانت تعد طعام الممثل
الوطني ليستعد لتدريباته
القادمة .. تبتسم وتقول : هذا
طعام يأكل ويشرب في آن معا ,
فكلوا واشربوا واصعدوا الى خشبة
المنتهى .
بعد قليل .. على بعد انتفاضة اولى
و بضع حواجز .. سنلتقي لقاء
الغريب على حدب الغريب وسنأتي من
كل ممر ودرب . نصافح فيك اوقات
التجلي صاعدين الى بيت عارف
العارف بداية التسعينات من قرن
رام الله المنصرم .. حفل تعارف
جديد .. على ايقاع كسل سويعات
المساء , تحصي سهام ابو غزالة
عدد درجات السلم الحجري المفضي
الى صدر المكان , يبتسم ابراهيم
المزين بباب القصر ليدلف ابناء
المساء الليلكي : درويش ابو
الريش / كامل الباشا / عماد متولي
/ مصطفى الكرد /احمد ابو سلعوم /
وسيم الكردي / نبيل عناني /
سليمان منصور / تيسير بركات/
خالد حوراني / سعاد العامري /
فيرا تماري / اكرم الصفدي / ريم
اللو / رندة ابو غزالة / اكرم
المالكي / حيان الجعبة / جواد
المالحي / نادر جلال / ....
وآخرين و اخريات لا تتذكرهم
اللحظة وهم جزء من ذاكرة المكان
, وكالعادة كان يتخلف عن فاكهة
اللقاء عصام بدر وذلك لامر في
نفس" يعقوب " ؟؟ ! ويعقوب
يسخر منا جميعا لان له رؤيته
الخاصة في ما كان وفي ما هو كائن
وفي ما يجب ان يكون , كأن يقترح
بتتويج عصام ملكا على عرش جاليري
97 و الزامه بعدم مغادرة المملكة
على افتراض ان لكل قضية مدعو "س"
نها الساهرين !! .. حفل تعارف
دائم تتقدمنا اليه احلامنا و
هواجسنا و رؤانا و " نرجسيتنا "
التي فاضت على سعة الواقعي و
المجرد و الرمزي و التأثيري و
السريالي العفيف , عن سعة الواقعي
المجرد و التأثيري المرمز و
السريالي المتواطئ مع مكر الحداثي
المتعالي فوق سحابة تنتظرعودة "
غودو " لتمطر غدا .. نأكل من
تينها ونطعم جحافل المارة و
العابرين من كل طير ولون !.
ممتلئة بجلجلة ضحكاتك الوثابة تحت
سماء غزة الفقيرة , في صيف بدائي
التكوين مشبع برطوبة الهواء مع
بداية تشكيل الذي تشكل , هنا قرب
هذا الصخب و على مقربة من طعم
الطحالب و من لون الزبد . عاتبت
صديقك الشرطي الشاب حديث العهد
بالتجربة على تكاسله في اداء
واجبه لحماية الساهرين حين المح
اليك بضرورة كبح جماح فوضاك على
فسحة الرمل في آخر هذا الليل
ونحن في بداية التشكيل لما سوف
يستعصي على الوصف تحت ضؤ القمر
..وفوق خشبة الزمن .
لعلك كنت تعرف اكثر منا بان
الفنون اذا ما اعتراها الجنون
ستصبح قاتلة , و ان العباد لن ترث
البلاد بجملة نافلة , وكنت ترى
بضرورة تعقيم حليب النشيد الوطني
من لازمة ناشذة !! يا سليل الحصى
و الرمال اذهب هناك و فتش في
الرمل عن حبة القمح واصنع منها
تمثالا لرف القطا , كن قريبا من
النبع و لا تبتعد .. فيا صديقي
كم كنا انت وانا حالمين حينما
اطبقت صخرة الرمل الماكرة على
جناح القبرة . !!
رف من الملصقات الملونة يعلو
كسحابة داكنة توزع دموعها وأهاتها
على نهر حافي القدمين لا يسير في
اى اتجاه .. النشيد الجنائزي
يتصاعد من اطراف الاصابع المحترقة
و الجثث المتفحمة على مفترقات
الطرق , تتوالد السيناريوهات
المعلبة و يتزاحم اللاعبون في
دائرة مغلقة بنقيق الضفادع و ما
شأت من من فجاجة الخطب .. يمضي
وقت رتيبب من حطام الايام
المرتجلة .. تصرخ حناجر
الوهم بليل السراب ..
يتعارك لاعبون محترفون مع آخرين
هواة بضراوة على خشبة ليست
بالخشبة .. من سيمتلك
الهشاشة ؟؟ الجمهور يغادر القاعة
مهيض الجناح حزينا ومكسور القلب و
الخاطر .. تسدل الستائر .. وخلف
الكواليس يستمر جنون العرض و
الاستعراض بتجريببية عز نظيرها ,
الخسائر فادحة / يسقط اسخيليوس
مدرجا بدمائة وقد منعوا عنه سيارة
الاسعاف / بيتر بروك يترنح في
الزاوية اليمنى باحثا عن
فردة حذائة بعد انقطاع مفاجئ
للتيار الكهربائي .. " هدفي هو
الحسم ومحاولة حل مشكلة ما "
صموئيل بيكيت يستنهض لوركا ليدله
على كلمة هاربة لحل لغز المربعات
المتقاطعة في ما تبقى من صحيفة
الامس , لوركا يحيله الى سعدالله
ونوس المشبوح امام مرأة تغيير
الملابس .. صفير متقطع
يتسلل خلال العتمة .. يعلو ويهبط
.. صفير متحشرج كصوت ناى مبحوح..
رنين تصفيقة حادة ي يطلقها رجل
اربعيني مصلولع يرتدي نظارة
سميكة العدسات .. يعلو صمت
اصفر .. يطبق الغبار كثيفا على
جسد المكان .
هكذا , خلف غبار فوضى الصيف
الهالك , وقد كان صيفا هالكا
بامتياز , بكل الشغف الطفولي
سنفتش معطف " برتولد برخت ", مرة
اخرى - حيث لم نكن ندرى بانها
ستكون الاخيرة – عن شخوص يتجولون
في فسحة الفراغ و يراقبوننا من
بعيد , عن قصاصات مهترئة و متروكة
للصمت و الفراغ , نفرغ جيوبنا من
بقايا حكايا قديمة , نرفع نخب
بقائنا على قيد الحياة , نحن
المطعونين بذاكرة الاشجار وسعف
النخيل وباشواك ورد اللغة . نذهب
لاحتمالات الرؤى .. شكسبير لم
يكن سوى احتمال خرافة كبيرة
علينا نسيانها كي نستعيد بعض من
حضورها , وما السونيتات سوى
تعويذة من شر حاسد اذا حسد ,
انظر بماذا وكيف حلمنا هنا ليلة
منتصف الصيف ؟ ! لقد اعددنا كامل
المسرح مهيئين المرايا و التكايا
و البخور وكل ما يلزم و لا يلزم
استعدادا للخروج من الحلبة ..
المسرح الفلسطيني لا زال فلسطينا
جدا في الكثير من تفاصيل الملهاة
رغم اتساع تراجيديا الضياع و
انحسار الامل .
يا جميل ... ساخطو خطوة وجلة صوب
رذاذ الضوء المبثوث على عقارب
ساعة ميدان المغتربين وسط المدينة
, سأحافظ على مسافة ارى انها
ضرورية بيني وبين ظلالي المتراكبة
على الجدارالمقابل , اتذكر درسا
قديما عن هندسة الفضاء وعلاقة
الكتلة بالمحيط , وعلى شيئ من
التردد سأقبل دعوة " سوفوكليس "
الغامضة لدردشة عابرة بمقهى كان
باتا زمان !! سيقدمني الى "
انتيغونا" على اعتبار انني
النحات فايزيوس , تأخذني الشفقة
على انكسار الظلال الداكنة اسفل
جفنيها وهي تحاول طرد شبح الموت
الذي يراودها عن جسمها النحيل
المتعلق باهداب الحياة .. ومن ركن
ما مجاور يغمز حسين البرغوثي :
يا سوفوكليس دعك الان من
الدسيسة فالرجل ليس اوديبا
وصديقه ليس ملك .
يا جميل .. في الكتب سنقرأ عن
ملوك اشادوا قلاعا وبوابات
لا حصر لها , عن بابل التي سادت
ثم بادت , عن اقواس النصر تزين
مداخل روما العظيمة .. سنعرف ان
الاسكندر الشاب قد غزا الهند
واخضعها لسلطانه الجامح ردحا من
الليل , عن عاشق لفحتة انفاس
الحبيب فأنبتت اشواق قلبة قصائد
وجد لتخضوضر من بعدها الصحراء ,
سنعرف اشياء لا تنتهى في سيرورة
الزمن , وفى الكتب ايضا سيقرأ من
هم في حاجة الى المعرفة ان فتى من
جوار بير زيت مازحا ام جادا
استطاع ذات مساء ان يتحركش بسحابة
شاردة و يفتح نافذة صغيرة
يطل منها على عوالم اخرى ويصافح
من خلف التلال غيوم السماء
العابرة .