ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

جسد و .. أرض ولعبة حرب

رامي أبو شهاب - فلسطين

 

 بندقيته في يده تلمع جميلة وناضجة، حملها وخرج إلى ساحة المنزل أمه، تنشر الغسيل على الحبال، وبقية أوراق الشجر المصفرة تنذر بشيء غامض، ولكن المستقبل لا يمكن أن يكون حاضرا في المساحة البيضاء الشاغرة من الوعي ، ولا سيما حين يكون حائرا في وضع حقائبه في أي منطقة من الأرض الآخذة بالتناقص بحيث لا تكفي لأن تحوي مساحة محددة من الحلم واللحم .

وقف منجد على بضع خطوات من الشجرة التي بدت مرتعشة من قلة الحلم الذي بات أسيرا كما هو في غضاضة الطفل الذي بدا ثائرا على غير عادته، وقد توشح وجهه بغضب اعتقدت الأم أنه مفتعل، فبدت محايدة ومستسلمة اتجاه كل ما حولها، بدءا من السماء المكتسية بطبقة من اللون الرمادي البارد، وانتهاء بالأرض التي بدأت تفقد رونق ماءها برطوبته وابتسامتها المعتادة والمتكررة في كل صباح.

وقف منجد وهو يحمل بندقيته اللامعة تحت ظلال عتمة غير مرئية سادت وسكنت حول الطفل الذي تصاعد طوله إلى أعلى، فبدا أطول من كل الأشجار، ولكن أمه لم تلحظ سوى طفلها كما اعتادت أن تراه كل صباح، بحقيبته التي تتخذ شكل كيس قماشي، وخجلا متصاعداً ومتمكناً من الوجنتين المحمرتين .  

-       أمي إني خارج كي ألعب لعبة الحرب مع أصدقائي

-        كن حذرا ولا تتأخر كثيرا ... ولا تبتعد ......

-       سأكون حذرا جدا، ولن أفتعل المشاكل مع أي صبي فقط سأكتفي باللعب البريء وسأحافظ على الوصايا العشر ..

خرج وهو يعب الهواء ملء رئتيه ، وصل إلى ساحة اللعب كان أصدقاؤه ينتظرونها فيها، فهو القائد العام للقوات المسلحة التي ستقضي على الأعداء وتنهي  وجودهم، كما أوهمهم وكم أوهم نفسه منذ أن بدأ يعد لهذه اللعبة، بعد أن ضاق ذرعا من الجري وراء كرة صنعتها أمه من الخرق البالية .

        انقسم الأولاد إلى جيشين ، وحُددت شروط اللعبة بأن لا أسر في هذه الحرب، فقط القتل حتى تكون اللعبة أكثر إثارة. حمل منجد بندقيته وطلب من جنوده الانتشار في المنطقة المخصصة لجيشه كي تبدأ المعركة، وهكذا فعل الجيش الثاني- جيش الأعداء -  بدأت المعركة وقد تمركز منجد وجنوده خلف صخرة متأهبين للانقضاض على الأعداء.

        أطلق منجد الرصاصة الأولى وانتشر الرصاص في الأفق، ازدادت الصرخات والصيحات المجلجلة ، خرج منجد من خندقه و بدأ هجوما عنيفا  مطلقا الرصاص على جنود الأعداء في كل اتجاه، وصوته يبدو متعاليا فوق صوت الرصاص، أحس منجد باللون الأحمر في كل مكان، فالدم يتدفق من أحد الأطفال الذين أصابهم منجد ولكن الطفل لم يقع بعد، اقترب منجد منه وأشهر حربته في وجهه، ومن ثم غرزها في أحشائه ، شعر منجد بصوت شيء يتمزق وطقطقة ما ، انبثق الدم كنبع صغير، أحس منجد بنشوة طارئة - عن ما اعتاد - ، وهب لشن الهجوم الثاني على طفل آخر، إنه يقتل أكبر عدد من الأعداء، ولكن بدو أن جيشه قد تخاذل وانسحب وتركه و حيدا في ساحة المعركة ، نظر حوله فوجد أن جيشه تناقص عدده ، وبدأت الساحة تخلو شيئا فشيئا إلا من الجثث التي انتشرت على رقع خضراء وبنية وعلى الصخور وقرب الجدران ، راعه أن أغلب الجثث كانت لجيشه الذي لم تسعفه شجاعة منجد بتحقيق النصر والبقاء والمقاومة، أحس منجد بالهزيمة تتخلل روحه، ولكنه كان غير راغب بالاستسلام، كيلا لا يقال أنه قائد خسر معركته . و لذلك بدأ يطلق الرصاص يمنة ويسرة كالمجنون مندفعا نحو الأمام ، ولكن فجأة توقفت البندقية عن اللعلعة، وهدأت الأصوات، حل سكون تام ومطبق ، و تهاوى منجد ببطء وسقط على الأرض، أغمض عينيه حين بدأ السقوط وبقيت في إغماضها لولهة غير بعيدة ، فتح عينيه بعد أن استقر الجسد الصغير ... كان يرى السماء حمراء ومن ثم اختفت الصورة للحظات، أحس حينها أن الريح تعبر جسده، كان صفير الهواء مرتفعا، فتح عينيه للمرة الأخيرة فشاهد حوله جنوداً يحملون البنادق ومن ثم اختفى الجنود، ولكنه شاهد أمه فقط وقد بدت وحيدة وهي تنشر قميصه المدرسي الأبيض على حبل الغسيل والشجرة عارية من أي ورقة ، ابتسم منجد ابتسامة.... فقد أيقن حينها أنه انتصر أخيرا... حين احتوى جسده قطعة من الأرض كي تكون له فقط .  ‏

rami-shehab@hotmail.com

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا