![]() |
شعر مترجم |
صار الحزن خريفيا محمود جلبوط - سورية
كان الزمن خريفيا ، أمن قبل القهر أم من بعد ، لا يذكر ، عندما حملت له الريح مع الندى حزنا آخر لا جديد فيه سوى أنه أكبر ، أفقد فيه الخريف زمنه أم صار الزمن كله خريفا ، لا فرق ، فلقد فقد الزمن ساعته في متحولات ما يجري حوله ، فقد قوته ولونه وروحه وصوته ، والاغتراب هو الوحدة الزمانية الوحيدة التي يقيس بها تقويم متقلبات الأحداث لجسد بلي وروح أصبحت بليدة ، على جغرافية تقلبات المنافي . هبت ريح حملت رائحة ، كانا معا ، أين؟ كيف؟ لا شيء له معنى ، المعنى أن الليلة كانت حزينية . عندما نطقت شفتاها بكلمة أحبّكَ ، سقط الفرح ، وصارت الحياة شحوبا ، وراح ظل الفرح يدور حول الشمس يطارد الأرض لا يصلها ، و عمت رائحة الخيانة المكان . كان المهم لديها الأمان ، فأعطاهها ، وراح يحلم . ما علم عن سمومها شيئا ، ما كان موقنا من شيء كيقينه أن أيامه قد انقلبت حزينية ، سادها الخريف ، اختفى الفرح فيها بين الصباح والمساء ، بين المساء والصباح ، لكنه أبدا ما استطاع اللحاق به . كان الزمن خريفيا ، وقليلا قليلا راح عن يسر وشك يلاحق ما وفرته له الأيام يزق زغب القطا ، ولم يكن يدري أنه يزق فراخ الغراب ، فلما نبت ريشها نهشت صدره ، والتهمت قلبه ، وذهب الدرب كما اتفق . عن خبث ارتدت له ثوب البراءة ، وعبثت ببراءته حتى جعّدتها ، فهجرها ، ولماّ ثانية التقاها ، عادت وهبت في وجهه نار ، ريح غادرة ، وصار الصمت خريفيا . لقد اكتشف بها ألفباء المرأة أكثر من أي رجل آخر ، وأسرار نزف الروح ، ونهش اللحم ، وطعن الظهر ، وكأنه يقرؤها في كتاب . وبعد أن انتهت العاصفة ، صار الحزن خريفيا ، والسهر على جمر ، والتهمت فراخ الغراب عينيه . *** محمود جلبوط
|
|
|
![]() |
![]() |
|