ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

عوسجـة

فتحي إسماعيل - مصر

 

تماماً في سرة السماء.. تعبس بوجهها الملتهب ،تنفخ من جوفها حمما قائظة تلسع الجباه ، تحرق انسجة الملابس البترولية ،تكوى اللحم الذى اوهم أن للملابس دورا آخر غير "الستر" ، تتفصد مسام الجسد ملحا مبللاً بالماء ، أو هكذا خالته أمينه ، تسير محتمية بالبنايات التى تحجب عنها الشمس ولا تقيها حرها ... تشوى جلدها ، مناطق ما فى جسدها خالتها علامة تفرد خاصية تخول لها تيها ودلالاً تكاد الآن تلعنها ، تتوقف أمانيها و أسمى طموحاتها عند حمام شقتهم... تحت الدش الصدئ تحديداً.

تزداد ضيقا بالإيشارب ، يحجز العرق الذي يطوق الرقبة فيصبح حسكا ينغز منابت الشعر تتمنى لو خففت قليلا من ملابسها هذه الأيام ، آلتي لم تكن أبدا كباقي أيامها ، ناراً أبدلت من قلق شهورا تعانيه ، خا لته سينتهي ، فإذا به يتحول آتونا مشتعلا ، ينهش صدرها ببخة تنين متعملق يحمل في أحشائه كل من عرفتهم إلا ماجدة .

  • أينك الآن ؟

وحدها فكرت و...و حدها حاولت أن تطفئ النار .

  • لكن ... بالنار يا ماجدة ؟

  • " كنا نعتقد أن بالحقيبة أدوات الماكياج

  • أو ساندوتشات

  • أو رسائل الغزل

  • فإذا بها مسدسات

  • كيدهن عظيم "

لو كانت معها الآن لردت للمتحذلقين الصاع صيعان ، غصة تخنق بداخلها الريق المزدرد.

  • لستم بأقل منه استحقاقا ًللردع .

تهمس بخاطرها...

يجيبها صوت ماجدة من قاع رأسها المترع بالذكريات :

" كائنات ضارة , أشبه بالذباب الذي لا يفرق بين العسل والدم المتخثر "

هكذا بصقتها ماجدة كرة من القرف ... حينها كان يقف أمامهما محتميا بفرع مائل ظلل الرصيف تاركا الأم فى مدخل أحد البنايات الحكومية ، يبتسم البلل على شفتيه ، يهش الذبابة من على الأنف الأفطس ، يتسامق طوله بحدبه تقى شعرًا حالكا لامعا مصفوفا للوراء بعناية وقد شوش بضعه الأمامى وتدلى حتى الحاجبين المزججيين ، يلقى بظله على ايهن ، لا تردعه تأففات الإزدراء ، لا يعنيه كره يطفح على العينين... نار، لا تشعره بذرة ارق ... لا تقلقل ثبات خطواته ، تصطك ركبتا أمينه ، تلتصق بصاحبتها التى ترمقها بعتاب غاضب ، تحدجه بنظرتين يشتعل التقزز فيهما ، تسحب رفيقتها ، تفضل نار الشمس على زمهريره اللزج ؛

تنفخ أمينة في ضيق توجعها الذكرى ، تهتف :

  • ليتها ما جرأت .

تسير وكأنها لا تنقل قدميها ، تمل الرنو إلى معلم ، تحفظه ... الزحام يخنقها ، يعرقل خطواتها

الشمس لا تتركها بدون أن تدعس قوامها بيد ملتهبة ، تنحني ، تغرق في عرقها ، خجلها المميت ، تصل موقف السيارات ،

أخيراً ... تزفر في ارتياح سرعان ما يتحول إلى ألم يعتصر قلبها .

هنا كانت تصافح " ماجدة " تتباعدان واليدان متشبثتان ، تتراجعان والأصابع متكالبة ، والأنامل بعد هنيهات الملامسة الأخيرة ... تفترق على وعد باللقاء بعد يوم دراسى لم يتركا للهواء منفذا يحتله أو يعيره بينهما ،

هنا رأتها للمرة الأخيرة ، محاطة بعشرات الأيدي ... تخبط كفا بكف ، تشوّح ، ترتفع للسماء تشير إلى بقعة ما في الأرض ، بمئات الأعين... يندفع منها سائل لزج نحوها ، يعترى جسدها المحطوط في البؤرة ، يأكل أمينة سؤال ، يضعضع حواسها مبهم ، خوف خفي يظلل محيطها ، هلع حقيقي يزلزل كيانها ... يرعش فرائصها يترك فقط في الحلق غصة ، يبسان يحجر فمها ، ترفع يدها ، وصوت متحشرج ، مخنوق :

- " ماجدة "

على عينيها ثبات عجيب ، في وجهها إصرار قوى ، لا ترى صاحبتها آلتي تسأل من حولها بينما تأتيها الإجابة كلمات متناثرة تخرج من أفواه عدة :

  • قتيل

  • البنت قتلته ... مسكين

  • كانت تحمل مسدسا في حقيبة يدها

  • معركة انتهت بإطلاق الرصاص

  • الشرطة تعاملت مع الموقف

تساءلت و.." مستحيل " تلون كل حروف سؤالها برفض رمادي:

  • هكذا تنتهي ماجدة ... ؟؟

  • " هكذا ابدأ "

قالتها" ماجدة " للمذيع التليفزيوني ، نصب من نفسه وضيوفه قضاة ، كانت تراها من خلف سرسوب دمع يحرق مآقيها ،

قال أخوها :

  • لم يتركن شئ لنا ، حتى الحياة يسلبنها منا ، يقضين علينا بالفتنة وبالموت .

رمقته " أمينة " بغضب مرير منكسر وهرولت إلى غرفتها وتركت للوسادة احتضان ما تبقى لديها من دموع ، في نفس الليلة جاءتها في مدرج خالي من سواهما ، هبطت من أعلى أم انشقت عنها الأرض ؟ لا تدرى

بيدها مسدس تضعه على كفها وتبتسم نفس ابتسامتها العذبة ، في عينيها سؤال سمعته

" أمينة " ولم تفه به " ماجدة ":

  • أترينني قاتلة ؟

  • لا...

  • لماذا تخليت عنى ؟

  • ناديت عليك ولم تسمعينني

  • سمعتك..

  • لم تردى

  • كانوا يقيدونني ...سلاسل بعدد عيونهم وقوة رفضهم ، طوقتني ، تخللت جسدي ، فكوا ايشاربي ، سلسلوا خصلات شعرى

  • رأيتهم

  • لم تمنعيهم

  • خجلت

  • هكذا أرادوني

  • أنت افضل منى

  • تريدين علاقتنا تستمر ؟

  • نعم ..

  • ألا تخجلين منى ؟

  • انا ...ا ....ا...

تتعثر الحروف على لسانها بينما تتباعد ماجدة ، تتراجع وكأن شيئا ما يدفعها للخلف حتى تختفي، تصرخ " ماجدة " ..." ماجدة "... , و ...

- "أمينة" ... " أمينة"

يصلها صوت هامس حاني ، يسحبها خلال ممر رمادي تفتح عينيها لتجد أمها تضع يدا على صدرها والأخرى تمسح على شعرها

  • حلمت ؟

  • ماجدة يا أمي

  • لها الله

  • لم تذنب

  • القتل جرم بشع

تعتدل في سرعة خاطفة ، تراه فوق الدولاب يخرج لسانه لها

  • كان يستحق

  • ليس لنا الحكم ، وإن كان ...فلا نملك الفعل ، لا يأخذ الروح إلا من خلقها

  • لم يكن آدميا

  • لايجوز عليه الآن إلا الرحمة

  • لن يرحمه الله

  • استغفرى الله

  • انه شيطان ، شيطان يا أمي

تلقى بنفسها تحت الدش ، تحتضن حلمها بالماء البارد ، تسبل جفنيها ، تثق في الجدران تترك لجسد ها حريته ، يبوح ويتنفس ، ولكن اللحظة تأبى تركها والحلم يهنئان بلا ذكرى يجفل لها قلبها وتتأجج في الجسد نار تؤرقه ، تجرحه ...ولا تفلح المياه في تبريد الجراح فتبقى لترى فيها دموع " ماجدة " التي تبلل خمارها

-" لم اعد أطيق لقد وصلت إلى هنا بصعوبة ، يطاردني أينما ذهبت ، لم يدع لي منفذا ، رنين الهاتف لا ينقطع ، لا يترك أبى وأخي لحالهما ، يطاردهما أيضا ، بات رواد المقهى يعرفونني ، صوري يتناقلها الطائشون ."

  • منها لله " مديحة " أسلمتك للشيطان

  • بعد أن أسلمت نفسها

  • يفرد شباكه القذرة أينما راح

  • ولا يعدم وسيله

  • فرصة لا تضيعها الساقطات

  • على أشكالها تقع الطيور

  • خنازير

  • أنتِ الصيد الذي تمرد

  • يهدد آبي بنشر صوري ولا يترك أمي لحالها ، يطلب مالا ليسكت

  • أعطوه إذا ما يريد

  • يقول أبي أن في ذلك اعتراف بثمة علاقة

  • والعمل ؟

  • سأصبر...

و.... تنظر للسماء بعين دامعة وقلب مكلوم ، تشاركها " أمينة " الصلاة صمتاً.....،

لا تدرى أن أرقها جثم على قلب صاحبتها ، بات همها ولما فعلتها انشطرت أمينه نصفين ،

نصف مستريح ونصف يقتله الألم ، نصف يبكى صاحبتها ونصف ينشد فيها الأغانى ، نصف قلق على مستقبلها ، ونصف قرير بنجاتها

  • اهو حب ؟

قالتها امينه من داخل أحد المدرجات وهى تنظر من نافذته إلى فناء الكلية ، تتابع الثنائيات المتناثرة تحت ظلال الأشجار والمظلات الخشبية و... همس محيط

نظرت ماجدة نظرة سريعة ثم تراجعت قائلة :

  • مودة ... كهذا الحذاء ...

تشير إلى قدميها وتكمل :

- ... أليس مستورداً ؟

تنظر" أمينة " في عينيها لحظات ... ثم تنفرج الشفاه عن ابتسامتين ضالتين ، أكسبتا وجهيهما ملاحة غبرها الحزن .

من شق ضيق في النافذة ينساب شعاع الشمس ، عمود مائل بتراقص الغبار في محيطه الضيق ، يضئ العتمة ، يمنع انكساره عند المرآة أمينه أن ترى وجهها ... لا تهتم ... تتأمل الأسطوانة المفعمة بالغبار ، تمتلئ حجرتها به إذن ، بل الشارع ، الدنيا ، لا يتضح إلا بمفارقة كهذه ، فى قلب العتمة ، يروح شهيقا ، ولا يجئ مع الزفير ، يحط على الأثاث ، الملابس ، العيون ، لا نبالى ..........ونعيش

تقلقنا الحقيقة ، نكره من يكشف عرانا ، والعرى ذاته اختيار ،

كانت تبحث في" شنطة يدها" عن منديل ورقى حينما رأته ، جفلت ....

  • ما هذا ؟

ابتسمت " ماجد ة" في ارتباك و أغلقت " شنطتها "

  • مسدس ؟ ماذا ستفعلين به ؟

  • أدافع عن نفسي

  • أخشى عليك منه

  • المسدس أم هو

  • الاثنان و... مستقبلك

  • الذئب لم يترك في الحاضر فرجة أتطلع منها إلى الغد ، أخرج من جرابه اللعبة الجديدة ، حيلة شياطين ... وثيقة زواج عرفي ، طالب بالمال وإلا سيفضح أمري ، لم ينتظر الرد ، نشر الوثيقة بين المعارف ،

بات الكل يرونها لوحته التي تمردت أعلنت أنها لم تزل ورقة بيضاء ، عبثت أصابعه على أوتار السكون فأجج في محيطها ناراً عبثا ً حاولت إطفائها و...

ليلة حمراء لو قضاها معها سيستريح ، ويستكين الشيطان داخله .

الشرطة لا تقنعها الاتهامات المرسلة ، الشرف لا يستحق الحراسة ،أغلقت بابها وأسلمت نفسها للحبس الاختياري ، عيون الزملاء والجيران والأقارب تهتك رجولة أبيها وأخيها ،تعرى الستائر الكثيفة بينما يستلقي أصحابها على الأرائك يتفرجون ، يتندرون ، يمصمصون الشفاه وهم يرشفون المثلجات في ارتياح وسكينه إلا هي ، وحدها تشعر بصديقتها ، تعانى معاناتها ، تخشى عليها منه وعلى نفسها ، لا تدرى ما يخبئه الغد ، لا تأمن هجمة الذئاب المفاجئة ،تكتظ الصحف بأخبار الاغتصاب ، والطوفان لا يبقى على أحد تعتصرها المخاوف ، تشلها الهواجس الكئيبة ، يلدغها خاطر ... لو صادفها في إحدى الطرق ، لو تخيرها صيدا ، تتوخى السلامة...!! ؟ وتبدل الوداعة بثوب الحيات مثل من توخينها ؟

وتحلق ... فوق هيكل الأب المنكسر والأخ الملتاث ، والأم حين تقرأ الفاتحة فى ساعة لا تكاد تعى ما تنطقه ؟ لا تردع شقيقتها حين تنفلت ... تقطف بين يدى الإثم ورودها الحمراء وتقدمها قرباناً لأمنها ؟

تقرأ في الجرائد...(اصبحت ترى أخبارها بين المغتصبين والقتلة ).........تفرج عنها النيابة بكفالة.

يراودها سؤال ، هل تزورها ؟ تحتضنها كما الأيام الخوالى ؟... ترتعد ، يخفق قلبها بشدة ، تعييها الإجابة ، تلقى رأسها على الوسادة وتروح في إ إغفاءة ...لا تُسقطها في هوة كرى مستقر 

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا