ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

أوجاع

ابراهيم درغوثي / تونس

 

1- الطبلة الصغيرة

 

النوم يشدني إلى السرير شدا فلا أقدر على الفكاك منه ، وصوت يأتي من بعيد ... من نهاية العالم . وأنا بين اليقظة والنوم .أفتح عيني فأحس وكأن ظلام الدنيا كلها يجثم على صدري ، فأعود إلى النوم .

وصوت الطبلة يقرع أذني أقرب من المرة السابقة ، وأكثر وضوحا .

صوت حزين يستغيث من جديد ... استغاثة كأنها قادمة من أعماق بئر . والنوم يسرقني ، فلا أقدر على الخروج من أبوابه .

تحركت زوجتي النائمة بجانبي على السرير ، فوجدت توازني . وطرد الصحو سلطان النوم ، فأفقت وصوت الطبلة يدق داخل أذني بعنف . قفزت من على السرير ، وأضأت لمبة الكهرباء المعلقة في السقف ، فزاد صوت الطبلة عنفا . وسألت زوجتي وهي مغمضة العينين :

- مااذا دهاك ؟

فقلت لها مرتبكا :

- انصتي ، كأنني أسمع دقا على طبلة داخل الغرفة .

ردت متذمرة :

- اطفئ النور يارجل ، ودعنا ننام

ورمت بغطاء الصوف فوق رأسها .

حين هممت بالرجوع إلى السرير ، اقتحم صوت الدق على الطبلة الغرفة ، فطار النوم من العيون . ونفضت زوجتي عنها الغطاء وجاءت تستجير بي . طمأنتها وفتحت الباب .

وجدتها واقفة في البهو تحمل في يدها دربوكة ابني الصغير . حين فاجأها الضوء ، رفعت يديها لتغطي عينيها ، فسقطت الطبلة على الأرض ، وتهشمت ، فأحدث صوت الفخار رنينا وخشخشة .

أقعت على مؤخرتها تجمع حطام الطبلة الصغيرة ... فاقتربت منها بلطف ، وربت على كتفيها .

كانت زوجتي قد أضاءت بيت نوم الأطفال ، وكان سرير أمي باردا كالثلج . قدتها برفق إلى الغرفة ، وجعلتها تنام على السرير، ووضعت فوقها أغطية الصوف الثقيلة . فليل الشتاء بارد هذه الأيام .

 

2-صاحب الحمار

إلى زكريا تامر

 

سار الحمار يشق شوارع مدينة المهدية وئيدا ، فقد كان راكبه يشد على اللجام بين الفينة والأخرى ليكبح جماحه .

هو حمار أشهب شبيه بالبغل إلا أنه أقصر منه بقليل . وكان الرجل الراكب على ظهره قد قارب الخمسين .كان يابس جبة من الصوف ، على اللحم ، ويغطي رأسه بلحاف أبيض ، ويحمل في يده عصا غليظة قدت من غصن شجرة زيتون . وكان يحمل بارودة أم طلقتين من النوع الذي تراه معلقا على جدران البيوت التركية في متحف باردو في تونس العاصمة .

جال الحمار مدة طويلة براكبه . زار الجامع الكبير ، ووقف أمام السور ذاهلا . رأى البنائين وهم يصلحون الحجارة القديمة ، ويضعون الملاط في الشقوق التي حفرتها السنون . ثم وقف طويلا أمام أحد أبواب السور .

قال : ها هنا دققت بعصايا ذات يوم . وهاهنا علق جنود الخليفة الفاطمي جلدي المحشو تبنا بعدما رموا لحمي لكلاب جوعوها مدة سبعة أيام .

ثم عاد أدراجه إلى سوق المدينة العتيقة . أوقف الحمار قرب مقهى ، وذهب يجلس في ركن قصي بعيدا عن الرواد الذين تركوا أوراق اللعب وحجر الديمنو ، وراحوا يحملقون في وجهه باستغراب .

كان إذا قام يعرج قليلا . وكانت بندقيته تكاد تلامس الأرض كلما حرك رجله اليسرى . الرجل الأقصر قليلا من أختها .

ظل الرجل ساكتا إلى أن جاء النادل ، فمسح الطاولة ، وسأله إن كان يريد مشروبا .

قال انه عطشان وانه يود لو يعطيه شربة ماء باردة في كوز . جاءه بالماء وبقارورة كوكاكولا . وجلس بقربه . ترقبه حتى أنهى شربه ، وحمد الله وأثنى على نبيه ، ثم سأله عن أحواله :

قال : الدنيا تغيرت كثيرا منذ أن غادرتها

وسكت ...إلى أن جاءه ثلاثة من الجند يتمنطقون السيوف ، ويحملون في أيديهم الرماح . اقترب قائدهم من الرجل ، وطلب منه أوراق هويته . أعطاه بطاقة تعريفه الوطنية ، فقرأ :

- مخلد بن كيد .

وردد الضابط وراءه : مخلد بن كيداد ؟

فقال له الرجل : ألم تقرأ في المدرسة عن ثورة صاحب الحمار ؟

أنا صاحب الحمار .

ابتسم الضابط وقال له :

- تعال معي إلى مركز الشرطة . أنت مطلوب للعدالة .

سأله صاحب الحمار :

- وماذا فعلت لكم يا ابن أخي ؟

- هي شكاية من المواطنين القاطنين قرب السور . لقد ادعوا أن الكلاب التي أكلت من لحم جثتك أصابها سعار شديد فصارت تعض كل من اعترض طريقها ، ولم ينفع الذين عضتهم مصل باستور ، فأصيبوا بداء الكلب .

وتوارث الأحفاد عن الأجداد الداء إلى هذا اليوم .

قال صاحب الحمار :

- وما ذنبي أنا يا سيدي ؟ فتلك قصة قديمة . ألم ينسها التاريخ ؟

رد الضابط :

- أنا عبد مأمور يا شيخي . تعال معي أجب دعوة القاضي ، فربما تجد تفسيرا لديه .

وأخرج له من جيب معطفه بطاقة جلب مدموغة بطابع الأمير .

اتكأ صاحب الحمار على عصاه ، وذهب يعرج باتجاه حماره الأشهب الشبيه بالبغل ، وهو يردد بينه وبين نفسه :

- لقد ظننت أن التاريخ نسيني بعد هذه المدة الطويلة .

... بعد ثلاثة أشهر من الأيقاف التحفظي ، حكمت المحكمة حضوريا على المدعو مخلد بن كيداد والملفب بصاحب الحمار بالنباح مع الكلاب المسعورة التي أكات من لحمه منذ ألف عام ، فاستأنف محاميه الحكم ، وطلب من المحكمة الموقرة مراعاة سن الرجل ، وتمكينه من ظروف التخفيف القصوى .

والى ذلك الحين ، سينبح صاحب الحمار ، وسيجري مع الكلاب المسعورة في ظلام ليل الأبدية ... الطويل .

 

3- الأرانب لا تبكي موتاها

 

اليوم الأول

في الصباح باكرا :

في غفلة من الشمس ، غادرت الأرانب الجحر .

أولا ، خرج الأرنب الأسود ، الشرس ، المرقط بالأبيض .

اندفع من باب الجحر المحفور بعناية تحت زيتونة ، في جانب الوادي . قفز عاليا ، وغاب وراء الهضبة .

تبعه الأرنب الرصاصي وجلا . تشمم وجه الهواء الطري . عطس . التفت يمنة . التفت يسرة ، وغاب وسط الدغل .

جاء الأرنب البني ثالثا . وقف برهة في باب الجحر . هز رأسه ، وسلم على الشمس الكبيرة ، وقفز وراء الأرنب الرصاصي .

في المساء :

والشمس الثقيلة تختفي وراء الجبل ، أطل الأرنب الأسود من وراء صخرة ، ثم خفيفا قفز داخل الجحر . بعد دقيقة وصل ، وصل الرصاصي فطنا يقظان النظرة ، إلا أن خطوه كان ثقيلا بعض الشيء . دس رأسه في باب الجحر ،، وغاب في الظلام .

قفز الأرنب البني كالطيف وراء الرصاصي .

وهدأت الحركة أمام جحر الأرانب .

 

بعد ثلاثة أيام :

صباحا :

كان الأرنب الأسود أول من أطل من الباب .

جاء بعده الرصاصي .

ثم البني .

حين وصلت الشمس صرة السماء ، انهمر الصاص على الأرانب .

وأظلم وجه السماء .

مساء :

قفز الأرنب الأسود داخل الجحر .

بعد دقيقة لحق به البني مهزوز الخطو ، يكاد يخئ الباب .

 

بعد أسبوع :

في المساء الساكن كمقبرة مهجورة ، عاد الأرنب الأسود وحيدا الى الجحر

 

بعد عشرة أيام

غابت الشمس الذابلة ، ولم يطرق باب الجحر طارق .

 

بعد أسبوعين :

صباحا :

أطل من باب الجحر أرنب أسود مرقط بالأبيض .

جاء وراءه أرنب رصاصي .

ثم تبعهما البني .

تشممت الأرانب العشب النابت أمام الجحر ، ولحست الطل من على الأزهار التي استيقظت لتوها ، ثم قفزت ، وغابت وراء الهضبة .

كانت الأرانب الثلاثة صغيرة .أكبر بقليل من فأر المنزل .

نطت خفيفة هنا وهناك داخل الحقل الفسيح . ثم ، وكأن تعب الدنيا كلها حط عليها ، فاقتربت من بعضها ، ونامت تحت ظل شجرة زيتون .

في المساء :

عادت الأرانب إلى الجحر .

دخل الأرنب الأسود أولا ،

ثم تبعه الرصاصي ،

فالبني .

وهبط الليل على الربوة . وازدان وجه السماء بنور القمر ...

 

dargouthibahi@yahoo.fr

www.arab-ewriters.com/darghothi/

 

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا