مأساة
الملكة السابقة .. فريدة .. نموذج للكبرياء المصرية
جمال سالم يطلب الزواج من الملكة فريدة!
تهمة من داخل العائلة: فريدة هي المسئولة عن قيام ثورة
يوليو!
نبيل زكي - مصر
ندوة - هونج كونج - 18 يوليو 2008
تذكر تلك
المظاهرة ، التي شاركت فيها وأنا مازلت طالبا وكانت تهتف: »خرجت
الفضيلة من بيت الرذيلة« و»رمز الطهارة تخرج من بيت الدعارة«. وكان
المقصود بالفضيلة والطهارة الملكة فريدة.. ملكة مصر التي أصرت علي طلب
الطلاق من الملك فاروق بعد عشر سنوات من »التحمل والصبر ولوعة القلب«
وبعد أن ثارت لكرامتها في وجه المباذل والفجور داخل القصر الملكي.
ولكننا ـ نحن أبناء مصر بوجه
عام ـ لم نتابع قصة الملكة ولم نعرف الكثير عن رحلة العذاب التي عاشتها
حتي رحيلها.. وكم عانت هذه المصرية التي شاء سوء حظها أن تكون ملكة
مصر.
وكتاب »الملكة فريدة وأنا« من
تأليف الدكتورة لوتس عبدالكريم يغطي جوانب كثيرة من حياة ومأساة هذه
الملكة. انه بالفعل »سيرة ذاتية« لم تكتبها ملكة مصر ولكن
المؤلفة نجحت في تقديم صورة واقعية دقيقة وأمينة عن حياة فتاة مصرية
»سكنت في قلوب المصريين بغير استئذان علي حد تعبيرها«.
وردة طاهرة نقية
فتاة وجدت نفسها وهي في
السابعة عشرة من عمرها زوجة للملك، وقد تم تجريدها من اسمها
الحقيقي »صافيناز يوسف ذو الفقار«، واسم صافيناز يعني باللغة التركية
الدلال الصافي، لأن تقاليد الأسرة المالكة تقضي بأن تبدأ أسماء
أفراد الأسرة بحرف الفاء!
ووجدت »صافنياز يوسف ذو
الفقار« أن قلب الملك أصبح أشبه بفندق كبير يمتلئ بالنزيلات الجميلات
من مختلف الأنواع والألوان والأشكال، علي حد تعبير الكاتبة »نوال
مصطفي« رئيس تحرير »كتاب اليوم« الذي نشر كتاب »الملكة فريدة وأنا«..
فقررت أن تتخلي عن لقب الملكة وعن العرش وعن كل شئ لتصبح امرأة عادية..
وجاء وقت لا تملك فيه حتي.. ثمن الدواء. كانت »صافيناز« أو »فريدة«
نموذجا لكبرياء المصرية.
بعيدا عن القصور
لم تأسرها حياة الملوك
الباذخة والقصور العامرة الفاخرة.. والماس واللؤلؤ والأحجار الكريمة.
طلب الملك من الكثيرين التوسط
له عندها لكي تعدل عن قرارها بالطلاق، ولكن دون جدوي..
ولذلك اكتسبت فريدة عطف
واحترام المصريين، رأوا فيها »وردة مصرية طاهرة نقية« وطافت المظاهرات
الشوارع بعد طلاقها.
ومن هنا كانت فريدة محبوبة
وهي ملكة ومحبوبة أكثر بعد أن تركت القصر الملكي.
وإذا كان هناك خلاف بيني وبين
الدكتورة لوتس عبدالكريم فهو يدور حول استخدامها عبارة يفهم منها أن
»فريدة« ظلت محبوبة »حتي بعد طلاقها من الملك فاروق« والأصح أن يقال
انها أصبحت محبوبة أكثر من ذي قبل »بسبب طلاقها من الملك فاروق«.
وإذا كانت فريدة قد رفضت
الإساءة الي الملك السابق بعد خلعه من العرش، فإن ذلك لا يرجع بالضرورة
الي تقدير من جانبها لشخصه وإنما لأنها لم ترغب في الإساءة الي والد
بناتها وخاصة بعد أن أصبح ملكا سابقا مطرودا وملعونا من شعبه وبعد أن
فقد كل شيء.
وربما يرجع ذلك أيضا الي
شخصية فريدة، التي تصفها لوتس عبدالكريم بأنها ذات نزعة صوفية عميقة
وزهد وتجرد وتتمسك بالأدعية والأحجبة والتعاويذ ولم تبق لها سوي
الذكريات التي تطاردها بقوة وقسوة.
وكان فاروق قد طلب من شيخ
الأزهر الإمام مصطفي عبدالرازق أن يوضع شرط في وثيقة الطلاق ينص علي
حظر زواج »فريدة« من أي إنسان بعد الملك! ورفض شيخ الأزهر هذا الطلب
إلا أن الملكة السابقة رفضت فكرة الزواج مرة أخري من تلقاء نفسها.
أحزان الملكات
تقول
الدكتورة لوتس عبدالكريم إن أحزان الملكات أكبر من أحزان سائر البشر..
لماذا؟
لأنها دفعت ثمن اخطاء وجرائم
النظام الملكي في مصر حتي بعد أن تركت موقع الملكة.
انها سيدة مطلقة من الملك،
ولم تعد ملكة كما انها ليست من أسرة محمد علي، ومع ذلك استولي نظام 23
يوليو 1952 علي كل ما كانت تمتلكه سواء هدايا فاروق أو ميراثها من
والدها أو مسكنها الخاص.
وعلي سبيل المثال فإن قصرا في
الهرم ـ كان هدية من والدها خضع للمصادرة ولم يدفع حكام 23 يوليو مليما
واحدا كتعويض لفريدة مقابل هذه الممتلكات.
وقد استولت الحراسة علي فيلا
في الهرم »عجزت فريدة عن توفير الموارد للإنفاق عليها بعد أن شيدتها
لتسكن فيها لأنه لم يكن لها سكن تملكه« وباعته الحراسة لأحد شيوخ قطر
بثمن أقل من التكلفة!
أين المجوهرات؟
ذات مساء اعجبت لوتس
عبدالكريم بقرط تلبسه صديقتها الملكة السابقة فريدة فسألتها:
هل بقي لك شيء من مجوهراتك
الملكية؟
ــ ضحكت فريدة طويلا، وهي
تقول: هل تظنين أنه حقيقي؟ انه تقليد.. لم يبق لي أي شيء من تلك
المجوهرات.
كانت لجنة التفتيش والمصادرة
قد طلبت تحديد موعد لتسلم المجوهرات الخاصة بالملكة السابقة وقابلتهم
فريدة في صالون منزلها المؤجر وتسلموا منها صندوقا يحتوي علي كل
مجوهراتها.
ولم يشأ المهندس علي نصار
الضابط في سلاح المهندسين أن يفتش البيت كما تنص التعليمات وعامل
الملكة بكل إجلال واحترام وكان هذا موضع تقديرها فلم تخف عنه أي شيء
وفي اليوم التالي دق جرس التليفون في مكتب علي نصار وسمع فريدة تقول:
»كنت افتش دولاب منزلي فوجدت فيه بروش لم أكن قد عثرت عليه وأنا أجمع
مجوهراتي تعالوا خذوا البروش« وذهب المهندس علي نصار وتسلم البروش الذي
كان يساوي عشرات الآلاف من الجنيهات، ويقول الكاتب الكبير الراحل مصطفي
أمين إن فريدة بقيت في بيتها بعد ذلك، وليس معها مليم واحد!
في كتاب »الملكة فريدة وأنا«
نسمع الملكة السابقة تقول: لقد عملت ما رأيت أنه الواجب وكنت أظن أن
هذه المجوهرات سوف تعود الي الدولة ولكن مع الأسف انها راحت عرضة للسلب
والنهب. لقد رأيت بعض هذه المجوهرات علي صدر إحدي زوجات رجال الثورة«!
ولم تذكر فريدة الاسم.
ويقال ان هناك مجوهرات بيعت
خارج مصر بأبخس الأثمان لأن بائعيها لا يعرفون قيمتها.
طلب زواج!
وبهذه المناسبة اعترف بأنني
فوجئت بمعلومة وردت في كتاب لوتس عبدالكريم.. لم أكن أعرفها وهي: أن
الضابط جمال سالم عضو مجلس قيادة الثورة ورئيس لجنة المصادرة قام
بزيارة للملكة السابقة لإبلاغها بقرار أصدره جمال عبدالناصر يتعلق
بترتيب حياتها، وأنه ـ خلال تلك الزيارة ـ طلبها للزوج! والواقعة
نقلتها لوتس علي لسان فريدة.
ويروي الكتاب كيف ثارت الملكة
فريدة ثورة عارمة بعد سماعها هذا الطلب، وطردته من البيت.. وبعدها
توالت النكبات.
كنت قد سمعت من قبل عن أميرات
قبلن الارتباط ببعض ضباط الثورة لتسهيل خروج مجوهراتهن الثمينة
والنادرة من مصر، ولكني لم أسمع واقعة جمال سالم من قبل.
تراجيديا عائلية
وتكتمل التراجيديا في حياة
فريدة بسبب وقوف بناتها في صف والدهن فاروق، بل حتي بعض أشقائها
وأقاربها.. تخلوا عنها والسبب أنهم اعتبروا ان إصرارها علي طلب الطلاق
من فاروق هو سبب الثورة وأنه لولا هذا الطلاق لبقي فاروق علي العرش.،.
واستمر حكم الأسرة العلوية!!
وبهذا التحليل أو التفسير
الساذج أصبحت فريدة مسئولة عن قيام ثورة 23 يوليو 1952! وعن ضياع وخراب
فاروق وانهيار النظام الملكي! والمأساة هنا أنه لم يكن هناك حرص من
جانب بناتها علي رؤيتها.
وعندما غادر فاروق مصر ومعه
الأميرات اللاتي اخترن الذهاب مع الوالد بقيت فريدة وحيدة وحرمت من
بناتها ثم منعت من السفر الي الخارج لمدة ست سنوات وعندما نجحت بعد
جهود واتصالات بالمسئولين في الحصول علي تأشيرة خروج.. كانت صدمتها
كبيرة لأن بناتها لم يتعرفن عليها بعد طول غياب.
الخلاص في الفن
أمضت الملكة السابقة سنواتها
الأخيرة في ضيق مالي وعاشت من عائدات لوحاتها الفنية وعلي مساعدات
المتبرعين وبعض الصديقات ورفضت أن تكتب مذكراتها ـ وهي تملك الكثير من
الأسرار ـ رغم العروض المغرية من دول عربية وأجنبية بدفع الملايين
مقابل هذه المذكرات، وكانت تقول انها اذ تكلمت فسوف »تجرح الكثيرين«
وهي لا تريد ذلك مهما يكن الثمن.
لم تندم فريدة علي العرش
والتاج وظلت سنوات طويلة تعاني من الوحدة والقلق والاكتئاب والحنين.
كان معاشها الشهري مائتي جنيه مصري! وكتب عليها أن تكد وتكدح من عرقها
حتي آخر أيامها لكي تعيش. وكثيرا ما كانت تنتابها نوبات من الرعب
والهلع ـ كما تروي لنا لوتس عبدالكريم ـ بسبب تصورها أنه يحتمل أن يجيء
وقت تنفد فيه نقودها فجأة.. فتموت من الجوع أو تتعرض للإذلال والمهانة.
لاقت الهوان من الحاجة وقسوة
الحياة وحدها في باريس بعد أن تركت بناتها في سويسرا لتعمل وتعيش وكانت
تقول: »الملك يزول أما الفن فتخلده اللوحات التي لا تموت« وكانت تقول
انه لولا الفن لأقدمت علي الانتخار.
عاشقة لمصر
فريدة »صافيناز يوسف
ذوالفقار« كانت عاشقة لمصر، وليست مثل بناتها اللائي لم يعتدن علي
الحياة فيها، كانت تحب الشعب المصري ولكنها تنتقد بشدة كل ما يهبط
بالذوق والتدهور الأخلاقي، والتلوث البصري والسمعي.
صور مصر وفلاحيها والنيل
والأهرام والنخيل وابن البلد وبنت البلد وحقول القطن وسماء وحدائق وريف
مصر.. لم تغب عنها قط في لوحاتها سواء داخل أو خارج مصر.
كانت تزعجها الأصوات العالية
والكلمات النابية والموسيقي الرخيصة والأغاني القبيحة والألوان
الصارخة.
ذات حس مرهف وثقافة عالية
وتهوي الأصالة والبساطة.
وكان كاتبنا الصديق الراحل
جمال بدوي يقول عن فريدة انها »تعيش في العهد الملكي.. بائسة في العهد
الثوري«!
والمشكلة انها علي حد تعبير
د. لوتس عبدالكريم كانت كنزا مغلقا وحصنا منيعا لا يقترب من أبوابه إلا
أخص الخاصة، ولذلك رحلت فريدة ومعها حقائق وأسرار مهمة كثيرة.. سوف
تنطوي الي الأبد في زوايا النسيان.
ولا سعبي منها سوي تلك
الصفحات القيمة من كتاب »الملكة فريدة وأنا«، وشكرا للدكتورة لوتس
عبدالكريم.