ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

أحمد عبد المعطي حجازي - مصر

شرف لا أدعيه وتهمة لا أنكرها‏!
أحمد عبدالمعطي حجازي - مصر


في التعقيبات التي نشرت خلال الاسابيع الاخيره في بعض الصحف ردا علي ما اثرته حول قصيده النثر‏,‏ لاحظت لدي البعض محاوله متكرره لتحويل المساله الي معركه شخصيه‏,‏ لان المعركه الشخصيه اظرف واكثر اثاره وقدره علي التسليه من النقاش الموضوعي وهي فرصه لتسويق بعض الاسماء المتواضعه‏,‏ واستعراض بعض المهارات الرخيصه‏,‏ وصرف الانظار عن الاسئله الحقيقيه التي تمتحن فيها المواهب والمقاصد والخبرات‏.‏
لكتي لا اجد ما يشجعني علي خوض هذه المعركه لان المعركه الشخصيه ليست مجرد تطاول ومهاتره‏,‏ وانما هي ايضا لها مواصفات‏,‏ وتقاليد‏,‏ وشروط لا اعتقد انها متوافره الان‏.‏ فضلا عن ان المناقشه الموضوعيه اولي واحق لان الاسئله المطروحه علي قصيده النثر اسئله ملحه بقدر ما هي متجاهله‏,‏ فلابد من التحلي باكبر قدر مستطاع من الموضوعيه‏.‏

ولقد قيل في قصيده النثر كل ما يمكن ان يقال من كلام نظري‏,‏ وبقي شيئان الاول ان يتمكن القراء من تذوقها‏,‏ والاخر ان ينجح النقاد في تفسير ما يجدونه فيها من جمال متحقق اي ان تاتي التجارب المكتوبه في قصيده النثر مصدقه للنظريات المنشوره التي نستطيع ان نفهمها كنظريات لكننا لانجد في قصائد النثر تطبيقا لها يدل علي صدقها‏,‏ ولهذا يظل النقد النظري في واد‏,‏ وقصيده النثر في واد اخر‏.‏ النقد النظري يقول مثلا ان في النثر ايقاعا يمكن ان يغنينا عن العروض‏,‏ بل ان ايقاع النثر في زعمهم ارقي من اوزان الشعر‏,‏ لانه خافت يعتمد علي الصور والمشاعر والافكار اما اوزان الشعر فدربكات‏,‏ ودفوف‏,‏ وصلاصل ونقرا قصيده النثر فنجد نثرا قد يكون جميلا ممتعا بما يتضمنه من صور ومشاعر وايحاءات والتفاتات‏,‏ لكننا نبحث عن الايقاع فلا نجده‏,‏ ونطلب من الناقد ان يدلنا عليه فيعجز ويرتج عليه‏,‏ واذا هو مثلنا حائرلا يطيق ان يقول ان الايقاع موجود لكن ادواته هو لا تمكنه من اكتشافه‏,‏ ولا يستطيع ان يقول ان الايقاع غير موجود كما زعم هو من قبل او كما زعم غيره وعليه فان قصيده النثر نثر يمكن ان يستفيد بالشعر او يستعير بعض عناصره المعنويه لكنها ليست قصيده لان القصيده لا تقوم بالمعني فقط‏,‏ ولكنها تقوم قبل كل شيء بالكلمات اي بالاصوات‏.‏

ومع ان قصيده النثر لم تعد بدعه جديده كما كانت منذ مائه عام‏,‏ بل اصبحت الان بدعه قديمه تبنتها اجيال متواليه‏,‏ وظهر فيها كم ضخم من الانتاج فنحن لم نقرا لاي ناقد كلاما مقنعا يبرر نسبتها الي فن الشعر‏,‏ وهذا هو اصل المناقشه وجوهر السوال‏.‏
لا اريد ولا استطيع ولا يستطيع غيري ان يمنع احدا من كتابه قصيده النثر او ينكر ما نجده في بعضها من جمال رشيق وفطنه عصريه لكن المتعه التي نجدها فيها ليست هي المتعه التي نجدها في القصيده الموزونه سواء كتبها امرو القيس‏,‏ او شوقي‏,‏ او نزار قباني‏,‏ او امل دنقل المتعه التي نجدها في قصيده النثر اقرب الي ما نجده في النثر منها الي ما نجده في الشعر والنثر فن ايضا لكنه فن اخر يختلف عن فن الشعر‏.‏ فاذا ادعي احد ان هذا هو ذاك فالبينه علي من ادعي وليقنعنا بما يقول‏.‏ وهذا هو المازق الذي يحاول بعضهم ان يتجنب الوقوع فيه بتفسير رايي في قصيده النثر تفسيرا شخصيا‏,‏ وتشبيه موقفي من الذين يكتبونها بموقف الاستاذ عباس محمود العقاد مني ومن زملائي الذين ظهروا في الخمسينيات وخرجوا علي الطرق التقليديه الموروثه في استخدام العروض واستحدثوا في الوزن والتقفيه طرقا لم تكن مستخدمه من قبل‏.‏ فقصيده النثر في راي هولاء الساده طور جديد من اطوار الشعر‏,‏ وثوره شامله علي التقاليد والقواعد الجامده‏.‏ ومع اني بدات مجددا وكتبت شعرا كان في وقته ثوره فنيه فقد انتهيت محافظا بحكم تقدمي في السن‏,‏ وهذا هو مصدر عجزي عن تذوق قصيده النثر‏,‏ وانا بهذا اتنكر لتاريخي

كما يزعمون‏,‏ وارتد علي نفسي كما تنكر العقاد لتاريخه‏,‏ اذ بدا مجددا يعارض التقليديين ويسخر من شعرهم‏,‏ ثم انتهي مقلدا يحارب المجددين الذين كنت انا واحدا منهم‏,‏ ولهذا حاربت العقاد وهجوته‏,‏ ثم انتهيت محافظا كما انتهي‏.‏
ولقد اشار اكثر من معقب الي قصتي مع الاستاذ العقاد‏,‏ وراي ان موقفي من قصيده النثر شبيه بموقف العقاد من الشعر الجديد ولهذا اجد نفسي مضطرا لاستعاده هذه القصه ومناقشه هذا التشابه الذي يبدو للبعض وكانه تطابق وكان التاريخ يعيد نفسه فانا العقاد الان او صالح جودت‏,‏ او عزيز اباظه‏,‏ وهم صلاح عبدالصبور اوكاتب هذه السطور‏.‏

والحقيقه اني كنت بالفعل طرفا مباشرا او حتي سببا مباشرا في المعركه التي قامت بين الاستاذ العقاد والشعراء الشباب المجددين‏,‏ وقبل ان ابدا نشر قصائدي عام‏1955‏ كانت قصائد صلاح عبدالصبور الذي سبقني بعام او عامين تنشر فيرحب بها انصار التجديد‏,‏ ولا يشعر سواهم بالخطر‏,‏ حتي نشرت قصائدي فاستقبلها الناس استقبالا حسنا‏,‏ واحسوا ان التجديد ليس نزوه عابره‏,‏ او تجربه فرديه‏,‏ وانما هو حركه تتسع وتغير لغه الشعر وشكله ووظيفته‏.‏
وقد تمثلت هذه الحركه اول ما تمثلت في القصائد التي نظمها عدد من شعراء الشباب خلال المقاومه الوطنيه للعدوان الثلاثي‏,‏ وقام المجلس الاعلي للفنون والاداب بجمعها من الصحف وتقديمها الي لجنه الشعر لتختار منها ما يستحق الجوائز التي رصدت لهذا الغرض‏.‏ وقد تحمس بعض اعضاء اللجنه لقصائد منها واحده من نظمي كالاستاذ علي احمد باكثير والاستاذ كامل الشناوي‏.‏ غير ان الاستاذ العقاد الذي كان مقررا للجنه رفض ادخال هذه القصائد المنظومه بالطريقه الجديده في المسابقه‏,‏ واحالها الي لجنه النثر‏,‏ وهنا بدات معركتنا معه التي ظلت مشتعله حتي رحيله في يوليه سنه‏1964,‏ وبلغت ذروه عنفها في سبتمبر سنه‏1961‏ حين دعانا المجلس الاعلي للفنون والاداب انا وصلاح عبدالصبور للمشاركه في مهرجان الشعر الذي كان يقيمه في دمشق‏,‏ دون ان يستاذن في ذلك الاستاذ العقاد وكنا قد دعينا في العام السابق‏1960‏ للمشاركه في المهرجان ومرت تجربتنا الاولي بسلام‏,‏ لاننا شاركنا فيها بقصائد نظمناها في الاوزان التقليديه واردنا بها ان نثبت للجميع قدرتنا علي السباحه في كل البحور‏,‏ فالفن ليس مجرد نشاط تلقائي او ثرثره عضويه وانما هو ملكات تعمل في وقت واحد وتخضع عملها لنظام دقيق شاركت في وضعه الامه كلها

باجيالها المختلفه وخبراتها المتراكمه‏,‏ فان كان للشاعر ان يعيد التشكيل او يضيف شيئا من عنده فلن يتاح له ان يفعل الا اذا تغلغل في تراث هذا الفن‏,‏ وعرف ادواته واسراره‏,‏ واصبح قادرا علي اللغه كانه هو الذي ابتكرها ووضع قواعدها‏.‏ والذين يظنون انهم شعراء وهم لايستطعون ان يميزوا بين الرجز والكامل او يدركوا الفرق بين الفاعل ونائبه ليسوا اكثر من نصابين‏!‏
واعود الي قصتي مع العقاد فاقول ان التجربه الاولي مرت بسلام وتكررت الدعوه في العام التالي وسافرنا بالفعل دون ان نعد بالتزام الاوزان التقليديه فارسل الاستاذ العقاد الي يوسف السباعي في دمشق يهدد بالاستقاله من المجلس الاعلي للفنون اذا سمح لنا بالقاء اشعارنا الجديده في المهرجان ورضخ السباعي للتهديد بالطبع‏,‏ فالعقاد هو العقاد‏,‏ زعيم من زعماء الثقافه الحديثه‏,‏ اذا قال فعل واذا حضر اغني واذا غاب افتقد‏.‏

لم نلق اشعارنا‏,‏ فوجدنا نحن ايضا من يفتقدنا‏,‏ اذ كنا في تلك المرحله المبكره قد اصبحنا معروفين‏.‏ وعدت الي القاهره غاضبا لانظم قصيده في هجاء العقاد تجربتي ان تكون في البحور التقليديه التي لا يتسامح العقاد في الخروج علي قاعده من قواعدها‏.‏ ومع انني جربت الهجاء قبل ذلك في الاوزان الجديده كما فعلت في قصيدتي دفاع عن الكلمه فقد رايت في هجائي للعقاد ان اجعله في بحر البسيط‏:‏

من اي بحر عصي الريح تطلبه ................... ان كنت تبكي عليه‏,‏ نحن نكتبه
يا من يحدث في كل الامور‏,‏ ولا ................... يكاد يحسن امرا او يقربه
اقول فيك هجائي وهو اوله ...................... وانت اخر مهجو‏,‏ وانسبه
تعيش في عصرنا ضيفا‏,‏ وتشتمنا ................ انا بايقاعه نشدو ونطربه
‏...............‏
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
واعطيت القصيده التي جاءت في ثلاثه مقاطع من هذا البح وهذه القافيه لزميلنا الاستاذ احمد بهجت الذي كان يشرف علي الصفحه الادبيه في الاهرام انذاك فنشرها لتثار لي من العقاد علي نحو فاحش لا اتمثله الان الا واشعر بالخجل والاسف‏,‏ لاني في سوره من سورات غضبي وطيشي اذيت هذا الرجل العظيم الذي اضطر الي ان يرد علي بحديث مع صحيفه المساء قال فيه وله الحق بل هم الذين يعيشون في عصر العقاد فاذا جاء اليوم من يقول لي ها انت تكرر مع اصحاب قصيده النثر ما صنعه العقاد معك قلت له‏:‏ هذا شرف لا ادعيه وتهمه لا انكرها‏!‏
اريد ان اقول اان الموقفين متشابهان لكنهما غير متطابقين‏.‏ متشابهان لان كل ثوره لابد ان تصير في النهايه الي نظام والا فهي لم تحقق شيئا وكل ما يشترط في هذا النظام ان يكون مرنا مفتوحا للاجتهاد والاضافه الثوره في السياسه او في الاجتماع او في الفن والادب توسع مجال الحريه وتجعل الحركه في هذا المجال الحر حقا مشروعا اي قانونا‏,‏ وبهذا تكتمل‏.‏

ولقد ثار العقاد علي شعراء عصره‏,‏ لان قصائدهم كانت نثرا موزونا واوصافا بارده لاروح فيها‏,‏ فلما ظهر الرومانتيكيون واصبح الشعر تصويرا وتاملا وبوحا واعترافا تحولت ثوره العقاد الي ذوق عام‏.‏
ولقد ثرنا علي العقاد واثبتنا للناس ان الشاعر يستطيع ان يتحرر من الاوزان التقليديه ويكتب شعرا جديدا في اوزان جديده فلما حققنا ما بشرنا به‏,‏ وقرا الناس شعرنا وتبنوه لم يعد هناك ما نثور عليه الا الجهاله والسوقيه‏!‏

ومع ذلك فسيرتي مع الشعر لاتتطابق وسيره العقاد معه‏.‏ العقاد بشر بالشعر الحر او الشعر المرسل ثم حاربه وطارده في كل مكان‏,‏ واعتبره نثرا‏,‏ واتهم اصحابه باشنع التهم ولم يحدث قط اني تحمست لقصيده النثر‏,‏ بل كنت اعتبرها دائما شعرا ناقصا ولم اغير فيها رايي حتي الان لاني لم اجد بعد النموذج الذي يقنعني بانها شكل من اشكال الشعر‏.‏ وبالرغم من هذا كتبت عنها‏,‏ ونشرت نماذج منها مصريه وغير مصريه في ابداع وتربطني بعدد من افضل كتابها صداقه وثيقه‏.‏
ولنفرض في النهايه اني اكرر العقاد‏,‏ من ذا الذي يكررني؟

نقلاً عن جريدة الأهرام

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا