ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

النقد والابداع وصناعة النمط
د‏.‏ عبد القادر القط - مصر

 

في مراحل التحول الحضاري السريع يصبح المجتمع بيئه صالحه لقيام نمطين متقابلين في الفكر والثقافه‏,‏ احدهما يندفع نحو الجديد البالغ الجاذبيه والقوه‏,‏ والاخر يتشبث باطراف الماضي الذي يحاول جاهدا ان يثبت قدرته علي البقاء‏.‏ ويجتاز مجتمعنا في السنين الاخيره تحولا حضاريا جسيما من شانه ان يصنع هذين النمطين المتقابلين‏,‏ ومن بينهما وسط يتذبذب بين هذا وذاك قلقا حائرا امام الحداثه والمحافظه لا يستطيع لسرعه التحول ان يختار علي مهل من الجديد انسبه لروح العصر ومن القديم اصلحه للبقاء‏.‏ وقد سار نقدنا الادبي مع ذلك التحول فنشات فيه نظريات جديده تنطلق من فلسفات حول اللغه والادب وطبيعه الابداع والتلقي‏,‏ خالفت ما كان سائدا من نقد شامل ينظر في تجربه النص وصيغته ومستواه‏,‏ قارنا‏'‏ النظريه بالذوق الشخصي والقيم الفرديه السائده‏.‏
‏[‏ ولا شك ان تلك النظريات الجديده اقرب الي المنهج العلمي واكثر مسايره لطبيعه العصر‏,‏ وكان يمكن ان تكون اكثر قبولا لوكنا قد شاركنا في صنعها ولم نقنع بنقلها عن المناهج الغربيه وارائها ومصطلحاتها نقلا‏'‏ لا يخلو من اثار العجله او الاعجاب المسرف‏.‏ وكان يمكن ان تكون اقدر علي مواجهه النظريات النقديه السائده لو حاولنا ان نضيف اليها من فكرنا‏,‏ ما يجعلها اصلح لدراسه نصوص عربيه ذات طبيعه خاصه‏,‏ واقرب الي متلقين وقراء تسيطر عليهم تقاليد طويله لا يمكن للناقد ان يتجاهلها اذا اراد لنظريته القدره علي مواجهه المناهج القديمه الراسخه‏.‏
ولا شك ان هذه الحقائق لا تخفي علي نقادنا ممن نقلوا مناهج النقد الحديث‏,‏ فهم يجمعون بين الثقافه العربيه قديمها وحديثها والفكر الغربي في النقد والابداع‏,‏ ويدركون الفروق بين الادب العربي والااب الغربيه‏,‏ وطبيعه المتلقي في المجتمع العربي المتارجح بين تراث طويل ذي تقاليد ممتده‏,‏ وجديد دائم التطور بدافع من البيئه العربيه وظروفها الحضاريه‏,‏ وموثرات دائمه من خارجها لكن طبيعه العصر وسلطان دول متقدمه في الادب والفكر والعلم قد فرض علينا الاقبال المسرف علي ماينشا في تلك الدول من مذاهب ونظريات لاشك انها من طبيعه المستوي الحضاري الحديث في العالم بوجه عام‏,‏ لكن لا بد ان يكون لنا راي فيها بالمناقشه او الاضافه او التعديل‏.‏
لكن نقادنا علي جليل اقدارهم وقدراتهم قنعوا بان يكونوا تلاميذ لرواد تلك المذاهب‏,‏ يشرحون نظرياتهم ويفسرونها كما كان يشرح القدماء فلسفه ارسطو‏.‏
واصبح ما يدور بين نقادنا من خصومه او جدل لا يقوم علي الخلاف حول بعض القضايا الفكريه والفزيه‏,‏ او نظر مفارق في بعض الظواهر الادبيه او بعض نصوص الابداع كما كان يحدث من قبل فيما كنا نسميه المعارك الادبيه بل حول مدي معرفتهم باصول نظريات الحداثه واقوا ل اساتذتها وصحه نسبها وسلامه ترجمتها‏.‏
واصبحت مصطلحات تلك المناهج التي يختلف في ترجمتها النقاد ويشوب ترجمتها الخطا في بعض الاحيان‏,‏ هي منطلق نقدنا التطبيقي الذي قد يتشكل حسب قدره الناقد واسلوب تعبيره‏,‏ لكنه مع ذلك ينتهي في الاغلب الي صوره نمطيه مكرره عند كثير من النقاد‏,‏ بما يتردد فيها من مصطلحات ومفردات واقتباسات‏.‏
ويبلغ من سلطان تلك المصطلحات وشيوعها ان تتجاوز مجال الادب والنقد الي مجلات اخري لاصله لها با لادب والنقد فتفتقد بالنهايه بابتذال الاستعمال ما كان لها من دلاله‏.‏ هكذا اصبح كل مقال اوبحث او دراسه خطابا وقد قرات منذ وقت قريب مقالا‏'‏ صحفيا عنوانه الخطاب الاستهلاكي‏!..‏ وهكذا يصبح كل قص او حكايه او روايه‏.‏ سردا‏'‏ ترجمه للكلمه الانجليزيه والفرنسيه التي لا تعني السرد بل القص والحكايه‏,‏ فالسرد في العربيه يعني نوعا‏'‏ خاصا‏'‏ من القص يجري في تتابع زمني مرتب وتروي فيه الاحداث علي وتيره واحده‏.‏ وهو من طبيعه الروايه الخبريه التي ينقصها فن القصص‏.‏
وهكذا اصبح كبار نقادنا دون ان يدركوا من صناع النمط يرسمون ملامحه ويقدمونه الي شباب النقاد والمبدعين فيتلقفونه اكبارا‏'‏ لاساتذتهم ورغبه في الانتساب الي الحداثه التي لاشك انها غايه كل ناقد ومبدع وان اختلف مفهومها عند الكثيرين‏.‏
ويتجاوز سلطان الحداثه كبار النقاد الي تلاميذهم في الجامعات‏,‏ فتفرض عليهم في رسائلهم موضوعات ذات طبيعه نمطيه متشابهه فكل دراسه لشاعر هي دراسه اسلوبيه وكل بحث في روايه اوقصه بحث في السرد‏.‏ والطالب مازال في مرحله التكوين قد لايحسن قراءه نص قراءه سليمه‏,‏ ولا يجيد لغه اجنبيه يعرف بها اصول مناهج الحداثه في صورتها غير المترجمه‏.‏ وكانت غايه النقد قبل ان يحصره نقادنا في هذه الدائره الضيقه‏,‏ ان يبشر احيانا في مراحل التطور بنظريه جديده نابعه من ثقافه الناقد المصري المركبه من مكونات اقليميه وعالميه‏,‏ دون ان يفرضها علي الاخرين كانها صدق مطلق‏,‏ وباسلوب من الاستعلاء يرمي بالجهل كل من يعارضها او يبدو غير مقنع ببعض جوانبها‏.‏ ويتحول الجدل حول النظريه في النهايه الي صيغه حاسمه تغلق باب النقاش‏..‏ يتحول الي القضيه المعهوده‏:‏ التقليد والتجديد‏,‏ والشيوخ والشباب‏,‏ وان كان معظم نقادنا الحداثيين قد تجاوزوا مرحله الشباب‏!‏ وكانت غايه النقد الي جانب التنظيم تقديم بعض نصوص الابداع الي المتلقي بمنهج متكامل الجوانب يجمع بين حس الناقد الذي صقلته الثقافه والممارسه‏,‏ واصول النظريه النقديه‏,‏ دون ان يجور احدهما علي الاخر فيصبح النقد ذوقا شخصيا خالصا‏,‏ او نقدا مذهبيا يري كل النصوص علي اختلافها تحت مجهر واحد ثم اختلف الامر بشيوع مناهج الحداثه التي لاشك انها اغنت نقدنا بنظرات عصريه جديده قائمه علي فلسفات في اللغه والنفس والاجتماع‏.‏ لكن ثمارهاالطيبه يوشك ان يصيبها العطب لكثره ما تداولتها الاقلام علي نحو نمطي مكرر‏,‏ ولكثره ما فرضتها علي وجوه من الابداع العربي قد تختلف في رويتها الحضاريه وحسها اللغوي والاسلوبي عن نصوص اخري في الادب الغربي‏.‏ اتخذ النقد موقفا جديدا من الابداع فلم يعد يسبقه بخطوات علي طريق النظريه ولم يعد يتابعه علي طريق التطبيق ليراه رويه موضوعيه متانيه‏,‏ بل اصبح يناديه من قمه عاليه ليسدد خطاه ملقيا اليه من حين الي اخر بمصطلح يقيمه علامه علي الطريق‏!‏ واصبح الابداع عند طائفه كبيره من الشباب تابعا‏'‏ متواضعا‏'‏ للنقد‏,‏ يغريه ما في المصطلح من سحر الغموض او شبهه الفلسفه فيجبر المواهب المتميزه علي السير في طريق رسمت معالمه النظريه والمصطلح والخطاب النقدي المهيمن ومن بين المصطلحات التي كان لها اثر كبير في نشاه بعض الاشكال الادبيه الجديده وذيوعها في سرعه عجيبه بين المبدعين من الشباب‏,‏ مصطلح يشير الي تدخل الانواع الادبيه واشتراكها في خصائص لم تعد مقصوره علي نوع ادبي بعينه كالشعر والقصه والروايه والمسرح‏.‏
والحق ان تداخل الفنون الادبيه بمعزل عن المصطلح ليس جديدا‏'‏ علي الادب العربي‏.‏ وان كنا لم نلتفت اليه ولم نصغه علي نحو نظري كما صاغه النقد الغربي‏.‏ ففي السيره والحكايه الشعبيه مزج معروف بين القصه والشعر والحوار‏.‏ وما اكثر ما انتزع الشعر من سياق الحكايه الشعبيه لينشد او يغني‏,‏ علي نحو تلقائي لم يكن يستجيب لمصطلح نقدي معروف وبتاثير من هذا المصطلح والحاح النقاد علي رصده في بعض ما يدرسون من نصوص‏,‏ بدا يتبلور نمط ادبي جديد في شكل من اشكال النثر الفني عرف باسم قصيده النثر اختلف الناس حوله ومازالوا يختلفون لكن انكارهم له قد اصبح اقل حده لما راوا في بعض نصوصه المتميزه من عناصر شعريه‏,‏ وان ظل كثير منهم يشعرون بشيء من القلق نحو ما يجدون من مفارقه في المصطلح قصيده النثر وما يجدون في نصوص اخري من نثريه مسرفه‏.‏
علي ان نمطا جديدا قد تولد من قصيده النثر يوشك ان يغلب علي الشعر والنثر الفني جميعا‏,‏ في صوره نص بالغ القصر‏,‏ قد لايزيد علي سطر واحد او جزء من السطر‏,‏ فيما يعرف باسم التوقيعات او التكوينات‏.‏ والظاهره تنبئ بفهم غريب للشعر سواء اكان منظوما‏'‏ او منثورنا‏,‏ وبتصور غير صحيح لطبيعه الفنون جميعا‏.‏ فالنص الادبي لابد ان يكون ذا طول مناسب يتيح للمبدع ان يشكل ابنيه اسلوبيه وصورا ومجازات ورموزا‏'‏ بدونها يظل النص القصير مجرد حكمه او خاطره او طرفه‏,‏ قد تثير الدهشه لكنها لا يمكن ان تكون نصا ينسب الي الشعر‏.‏ ومن مزالق هذه الظاهره ان الخاطره قد تبدو لمنشئها اصليه او نادره او طريفه‏,‏ علي حين تبدو للمتلقي الذي قد يكون اكثر حكمه او نضجا من المنشئ‏,‏ نظرات سطحيه او عاطفيه مسرفه ناشئه من اوضاع نفسيه خاصه‏,‏ وقد تنقصها التجربه والممارسه الواعيه للحياه‏.‏ وان كان من الانصاف ان نذكر ان بعض هذه الخطرات علي قصرها تنطوي علي احساس شعري وتعبير اسلوبي موفق وتجئ هذه التوقيعات او التكوينات غامضه الدلاله‏,‏ مسرفه في النثريه‏,‏ كقول محمد الحمامصي في مجموعته قصائد قصيره‏!!‏
في شارع المغربلين
ياكل ويشرب
وينام جيدا‏'!‏
حتي ينضج‏!‏
وقد تكون في تغبيرها ذات مسحه شعريه لكنها تبدو بلا دلاله‏,‏ الا باسراف شديد في التاويل‏,‏ كقول محمد صالح في مجموعته صيد الفراشات‏!‏
في الشرفه البعيده
بقميص احمر واكف متورده
تنفض غبار اليل
عن الحشيه‏!‏
وقد تجئ في صوره تقرير لاحساس مالوف‏,‏ لا ينفي التشبيه عنها طبيعتها التقريريه‏,‏ كقول مني عبد العظيم في مجموعتها علي بعد حافه من الجسر‏!‏
السماء ملبده بالغيوم
تماما مثل قلبي
الفرق الوحيد
ان غيون السماء تنقشع احيانا
ومن التوقيعات الشديده الاختزال قول محمد ادم في مجموعه هكذا عن حقيقه العالم وعزلته‏:‏
فجرك يطل من كل ناحيه وصبوتك باذخه‏.‏
علي ان القصر البالغ لا يحول احيانا دون ان تتحقق للنص رويه شعريه متميزه ونعبير فني موفق‏,‏ كقول مني عبد العظيم‏:‏
كلما انهكني السير‏..‏ اتكات علي صوتك‏!‏
من كهف خباتك فيه‏..‏ استمتع بمشاهده العالم‏.‏
ويطول النص احيانا بعض الطول فيقترب من روح الشعر ورموزه كما في قول محمد صالح في مقطوعه بعنوان السحب
تماما وهو يصوب
تبددت السحابه الهشه البيضاء
وعلي امتداد الافق
كانت طيور فارعه بيضاء
تحلق عاليا ثم تهوي
وقدغبرها البارود
وفي النص مماثله بين السحب الهشه البيضاء وحريه حركتها‏,‏ والطيور الفارعه البيضاء وتحليقها العالي‏,‏ ثم ربط بين جانبي الصوره الصغيره بعد الطلقه الناريه‏,‏ اذ تبددت السحب الهشه البيضاء وهو هوت الطيور من تحليقها العالي‏.‏
والنص يترك للقارئ شيئا من التامل في دلاله الصورتين المتقابلتين فيدرك بنفسه مافيهما من رمز الي العدوان علي الجميل والوديع ورمز السلام‏.‏
وعدنان الصائغ من خير من يحسنون تلك اللقطات الفكريه والوجدانيه ويصوغونها صياغه محكمه مبدنيه علي المفارق‏.‏ ومن توقيعاته الموفقه قوله‏:‏
كم عينا‏'‏ فقات ايها المدفعي
لتضيء علي كتفيك كل هذه النجوم ؟
الشعراء الاقصر قامه كثيرا مايصنعون لقصائدهم كعوبا‏'‏ عاليه‏!‏
كم صخره تحتاج هذه الارض
لتكتم صراخ شهدائها
حين يمر علي اديمها القتله؟
كثره الطعنات وراء ظهري
دفعتني‏:‏ الي الامام‏!‏
علي ان الناقد مهما يجهد في التاويل لا يستطيع ان ينسب هذه التوقيعات الي الشعر الا بمعناه المجازي العام‏,‏ ويظل انتشارها وتحويل الشعراء اليها امرا لا يمكن ان يبرره المصطلح‏,‏ وان فسره انتسابه الي النمط.

نقلاً عن جريدة الأهرام

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا