ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

فاروق شوشة - مصر

هل هي مؤامرة ثقافية؟ 1
فاروق شوشة - مصر

 

اذا اوقعك حظك في ديوان شعري من بين مايصدر في هذه الايام وفوجئت بانك قد قرات فلم تفهم‏,‏ وانك قد اعدت القراءه مره ومرات فلم يزدك الامر الا الغازا وتعميه‏,‏ فاياك ان تسارع باتهام ما تقروه‏,‏ والقاء التبعه في انعدام الفهم عليه‏,‏ وانما عليك ان تلوم نفسك‏,‏ وتتهم ذائقتك‏.‏ فلابد ان ادراكك قاصر‏,‏ وحساسيتك منعدمه‏,‏ واستيعابك محدود‏,‏ وخبرتك بالشعر غير كافيه‏!‏
واذا اثار انتباهك ان واحدا من نقاد هذا الزمان الجهيري الصوت والنبره قد وجد في هذا الكلام الذي لم تفهمه ولم تتذوقه ابداعا مدهشا ومغامره رائعه وشعرا يفوق السابق واللاحق‏,‏ فاياك ان تتهم هذا الناقد بالشعوذه‏,‏ او بالترويج لبضاعه فاسده عن عمد وسبق اصرار فلابد ان هذه هي ايه العصر‏,‏ ولابد انك قد تخلفت وتحجرت‏,‏ واصبحت من القاعدين‏!‏ اجل‏..‏
لقد جاء العصر الذي لابد ان نتهم فيه اذواقنا بالفساد‏,‏ وانعدام قدرتنا علي الاستجابه لهذا الذي يحدث من حولنا بالتخلف والجمود‏,‏ حتي لو كان هذا الذي تطالعه وتقروه وتتامله باعثا علي النفور والتقزز‏,‏ عاريا من كل سمات الفن الجميل‏,‏ واللغه الصحيحه المعبره‏..‏ ولابد ان نسرع بتوجيه هذه الاتهامات لانفسنا قبل ان يتهمنا بها هولاء الذين يروجون الان في الساحه الادبيه والثقافيه لسلعه مغشوشه‏,‏ وكتابات فاقده لاوليات شروط الكتابه‏..‏
لننسي اذن ما تعلمناه وخبرناه طيله حياتنا من ان الفن الجميل مطلب وغايه‏,‏ وان الابداع الحقيقي موقف ورساله‏,‏ وان اللغه الحقيقيه توصيل واقامه جسور للوعي والدهشه والنشوه وروعه الاكتشاف‏.‏ بعد ان اصبحنا نطالع في كل يوم‏,‏ عبر الصحيفه والمجله والكتاب‏,‏ والمطبوعات المحترمه وغير المحترمه‏,‏ كتابات تتضح بالقبح والسوقيه والبذاءه‏,‏ في لغه عاريه هشه مرتبكه‏,‏ وتعمد للفحش والاقذاع‏,‏ باعتبارهما ايه التجديد وشرط الحداثه والكشف عن الاختلاف والتجاوز‏.‏ واعلم انك لو تململت او اقشعرت نفسك وساء استقبالك لمثل هذه الكتابات‏,‏ فانت متهم بمالاقبل لك به من الدعاوي والاحكام والصفات والنعوت‏.‏ بدءا من كونك تعيش خارج عصرك فلم تعد قادرا علي متابعته وملاحقه مايحدث فيه‏,‏ ولم تعد وسائلك القاصره العاجزه التي اعتدت ان تعتمد عليها طوال حياتك مسعفه لك الان وموديه الي حسن التعامل والتفاعل والتواصل‏.‏ فما تراه من قبح هو عين الجمال‏,‏ وما تستشعره من هشاشه لغه وانعدام قدره علي التعبير هو ايه البلاغه والفصاحه‏,‏ وما تراه في هذه النوعيه من الكتابات من فقدان المعني هو المعني‏.‏ نعم‏,‏ سيقولون لك ان اللا معني الذي تراه انت هو المعني‏,‏ وان هذه السلبيات التي تشير اليها مقصوده‏.‏ فتحطيم اللغه وتهشيمها او تفجيرها علي حد تعبيرهم هدف‏,‏ وتحطيم الوزن والموسيقي هدف‏,‏ وتحويل الجسد الي بديل للهم القومي والانساني هدف‏.‏ وسيقول لك من يرون في هذا كله جده وابتكارا وحداثه وعصريه‏,‏ ان الجسد هو المملكه الوحيده الجديره بالاكتشاف والبحث والتناول‏,‏ عضوا عضوا وزاويه زاويه ووظيفه وظيفه‏.‏ وان انسحاب هولاء المفتونين بالجسد الي داخل اجسادهم تاملا وتنقيبا هو موقف من المجتمع والوجود‏,‏ وابتكار ايديولوجيا بديله للايديولوجيات التي شغل بها الناس علي مدار عقود طويله من الزمان‏.‏ ولا باس اذن من ان يكون التعبير عن الجسد لغته العاريه‏,‏ المباشره‏,‏ السوقيه او المبتذله‏,‏ فهي في نظر اصحابها الاضافه التي يفاخرون بها‏!‏
ليس هناك عاقل يمكن ان يقف في وجه التطور والتجديد‏,‏ داعيا الي قص اجنحه المغامره والاكتشاف‏.‏ ودرس الابداع العربي منذ اقدم عصوره حتي اليوم هو درس التمرد الدائم‏,‏ والتململ الدائم‏,‏ والبحث عن الجديد المغاير‏,‏ مهما اتيح للتقاليد والاعراف من ثبات ورسوخ واستقرار‏.‏ من هنا فان ما قام به الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي من تمرد في الحياه والشعر‏,‏ وماقام به ابو تمام وابو نواس والمتنبي في العصر العباسي من تمرد وخروج علي المالوف في جوهر الابداع الشعري وصيغه‏,‏ وما قام به غيرهم من المتمردين المغامرين‏,‏ في مجالات المقامه والموشحات والشعر الجديد‏,‏ لم يكن في حقيقته الا تحريكا للاسن‏,‏ وامعانا في المغامره‏,‏ ورغبه في التجديد الحقيقي‏,‏ المتكيء الي وعي حقيقي بالموروث‏,‏ يهضمه ويتجاوزه‏,‏ واقتدار علي تملك شروط الابداع الحقيقي لغه وادوات ووعيا وحساسيه‏.‏ لم يكن نفيا للماضي وقطيعه معه واحتقارا له او عدم وعي به كما يفعل بعض ابناء هذه الايام‏,‏ الذين يبداون من انفسهم وكانهم بدايه التاريخ‏,‏ ويستندون الي موروثهم هم وهو لا يصلح سطرا في صفحه واحده من كتاب‏,‏ ويجاهرون بالقطيعه المعرفيه والابداعيه وكان الجهل شرف وانعدام الوعي بطوله وتفاخر وتكريم‏!‏
لقد بزغت المواهب الكبري لابي نواس وابي تمام والمتنبي في عصر سيطره العمود الشعري وتسلطه‏,‏ والذي كان يحدد للشاعر قانون الشعر في سبعه مباديء اساسيه‏:‏ شرف المعني وصحته‏,‏ جزاله اللفظ واستقامته‏,‏ الاصابه في الوصف‏,‏ المقاربه في التشبيه‏,‏ التحام اجزاء النظم والتئامها علي تخير من لذيذ الوزن‏,‏ مناسبه المستعار منه للمستعار له واخيرا مشاكله اللفظ للمعني وشده اقتضائهما للقافيه حتي لا منافره بينهما‏.‏ لكن اصحاب المواهب الكبري‏,‏ والنفوس الشعريه العظيمه لا يعباون بعمود او قانون‏.‏ لقد تركت خيول ابداعهم عمود الشعر من ورائها معفرا‏,‏ بينما كانت هي تركض الي افق الدهشه وفضاء الحريه الحقيقيه حريه الابداع الاصيل‏,‏ المختلف دون ان يكون منقطعا او منبت الصله‏,‏ والمغاير دون ان يكون الغازا او طلسمه او تعميه‏,‏ والمفعم برواء الجده وحراره التناول دون ان يكون مر المذاق سييء الطعمه‏.‏
فهل يعي هذا الدرس هولاء الذين يفاخرون بالقطيعه مع التراث‏,‏ لانه في نظرهم زمن جاهلي ممتد‏,‏ وتقاليد باليه‏,‏ وابداع منطفيء‏!‏
وهل يعيه قبلهم بعض نقادنا المتنطعين الذين يفاخرون بالقفز الي التهام كل مصطلح جديد‏,‏ ولوك كل صياغه جديده لفكره قديمه‏,‏ ظنا منهم ان امتلاء كتاباتهم بمفردات التماهي والتناحي والشفرات والنص المغلق والنص المفتوح والسرديات والمسكوت عنه سيجعل منهم نقادا حداثيين وهم في حقيقتهم طبعه جديده من كتابات البلاغيين القدامي تتزيا بمعجم حداثي لا تعيه ولا تهضمه‏.‏ من هنا فقد امتلات كتابات هولاء الادعياء الذين يزاحمون الان في كل مادبه ادبيه او ساحه نقديه وما اكثر الموتمرات والمهرجانات والملتقيات ليرددوا كالببغاوات ماحفظوه‏,‏ دون ان ينجحوا في الربط العضوي بين ما يلوكونه من مفردات المعجم النقدي الحداثي وجوهر النصوص الابداعيه التي يتعاملون معها‏,‏ اقصي ما يستطيعون هو الوصول الي بعض التصورات المضحكه للرسوم والاشكال الهندسيه والاحصائيات الخاليه من المعني والدلاله‏,‏ لكنه علي اي حال بعض ممارسات الحواه وحيلهم‏,‏ ولعلها تنطلي وتجوز علي السذج والبسطاء‏.‏ هذه الفئه السلفيه الجوهر‏,‏ الحداثيه المظهر‏,‏ هي المسئوله عن كثير من الاتهامات الموجهه الي الكتابات الحديثه‏,‏ التي سارعت الي تبني البعض من فاقدي الموهبه ومدعي الكتابه‏,‏ الناجحين جدا في اساليب العلاقات الاجتماعيه وشبكات الاتصال العربيه والدوليه‏,‏ ليوجدوا لاسمائهم مكانا علي الخريطه الثقافيه والابداعيه‏,‏ محتمين بالكتابات النقديه لادعياء النقد‏,‏ ومدعي الحداثه علي وجه الخصوص والحداثه منهم براء لان الحداثه في جوهرها وعي واستشراف وتقليب في الجذور وهدم وبناء وتغيير وتشييد وهولاء الذين اتحدث عنهم لا يستطيع بعضهم قراءه نص شعري‏,‏ فضلا عن معرفه وزنه وايقاعاته واكتشاف ضروبه واعاريضه‏,‏ ومع ذلك فهم يتكلمون عن البنيه الايقاعيه وعن الموسيقي الداخليه والخارجيه‏,‏ وعن شفرات النص ودلالاته وهم لا يستطيعون مقاربته لفقر عدتهم وضحاله وجدانهم وتخلف ادواتهم‏.‏ وربما وجد هذا البعض في قصيده النثر ضالته المنشوده‏.‏ انه بالحديث الدائم عنها يستر عورته المتمثله في الجهل بالعروض والاوزان‏.‏ ما حاجته الي وعي بموسيقي الشعر والحديث عن كلام مفروط سائب لا نظام له ولا قاعده تحكمه ولا ضوابط لفنيته‏.‏ هنا يستطيع ان يصول ويجول‏,‏ وان يتحدث عن الشعريه والشاعريه‏,‏ وعن عكوف الشاعر علي الاحوال والمقامات بدلا من التجارب التي تشكل المفهوم الرومانسي للقصيده‏.‏ ومادام الحديث عن الاحوال والمقامات فالمجال منفتح علي الافق الصوفي والكتابات الصوفيه‏,‏ ولا باس في ان نري في بعض الكتابات التي يسوق لها فيما حولنا نفسا صوفيا وتناولا وجوديا وزخما انسانيا‏.‏ هذه كلماتهم بنصها اعرضها علي القاريء في هذا السياق‏.‏ فاذا ما تساءلت بينك وبين نفسك عن حقيقه هذا النفس الصوفي والحميميه الحلوليه والتوحديه لدي من يتافق بالشعر ويتافق في الحياه ولا تجد فيه ملمحا واحدا لموقف صادق او انساني‏,‏ قالوا لك بل هذا هو الابداع وهذه هي تجلياته‏.‏ واياك ان تتامل قليلا في الزمن الذي اصبح افاقوه متصوفه وحثالته مبشرين ومدعي نبوه‏,‏ والا اصابك الاكتئاب‏,‏ واحبطك اختلال المقاييس‏,‏ والتباس الحق بالباطل‏,‏ وشيوع النصب والاحتيال‏,‏ وتساءلت بينك وبين نفسك‏:‏ هل هي موامره ثقافيه؟ علي من تقع مسئوليه هذا كله؟
هي اولا مسئوليه نظام تعليمي‏,‏ باعد بين المتعلم ولغته‏,‏ وادي به الي احتقار شانها واهمالها‏,‏ وبالتالي فقدان القدره علي الاتصال الصحي بالابداع والقدره علي التمييز والانتقاء‏,‏ واصبحنا في الحال الغريب الذي يتضمن كتابا لا يحسنون امور لغتهم ومواطنين يفترض ان من بينهم جمهره من القراء لا يحسنون القراءه بها واكتشاف تجلياتها في الابداع‏,‏ خاصه في الشعر بلغته المجازيه الرمزيه‏,‏ المراوغه والملتبسه كما يقول نقاد الحداثه‏!‏
وهي ثانيا مسئوليه نقاد هذا الزمان في اثاره الجدل الخلاق من حول الابداع‏,‏ وفضح الزائف والدعي والاسهام في تكوين ذائقه ادبيه ولغويه جديده تحسن استقبال الجديد وتضعه في سياق حركه الابداع العربي‏,‏ لكن بعض نقادنا الاصلاء مشغولون بما يعتبرونه مهمتهم الحقيقيه وهو التاصيل والتاسيس للمفاهيم النقديه الحداثيه‏,‏ ومشغولون بوضعهم علي الخريطه النقديه العربيه والعالميه‏,‏ باكثر من انشغالهم بهذا الذي يتصورونه من ورائهم او بعيدا عن مخاطبه اهتماماتهم‏,‏ وهو هذا الواقع المتدني بسلبياته وتجاوزاته‏,‏ والذين يرونه احق بان يكون تحت اقدامهم‏!‏ ثم ان الراي النقدي المسئول له الان اخطاره وعواقبه‏.‏ لذا‏,‏ فان البعض لا يحتمل الوقوع في مثل هذه المواجهه التي سيترتب عليها سخط او رضا‏,‏ قطيعه او وصل جسور قائمه‏,‏ حرمان او مغانم قد يكون بعضها خائبا وتافها وعابرا لكنها مغانم علي ايه حال‏.‏ الناقد الجاد الان عليه ان يكون مستعدا لدفع الثمن من صحته وراحته وهدوئه وامنه وربما من رزقه وعلاقاته وحركته الاجتماعيه والثقافيه‏,‏ اذن‏,‏ فليوثر الصمت‏,‏ واذا كتب فليهرب الي الماضي حيث عالم الذكريات والتذكرات‏,‏ ونبش الاوراق القديمه واعاده القراءه لما سبقت قراءته مرات ومرات‏,‏ الذاكره هنا ملاذ امن يقي شر مواجهه الحاضر بتبعاته واعبائه‏,‏ وهو ما يوثره الان كثيرون‏!‏
لكن هذا الكلام الذي يبدو في معظمه عابسا وموحشا لا يشمل لحسن الحظ كل مبدعينا ونقادنا‏.‏ فمازال هناك التيار الرئيسي لحركه الابداع‏,‏ العمود الفقري لحياتنا الادبيه والثقافيه‏,‏ والتيار الرئيسي للحركه النقديه‏,‏ يتحاوران ويتفاعلان‏,‏ ويمنح كل منهما للاخر شرعيه وجوده ودلائل حيويته وتجدده‏.‏ حتي عندما يري بعض النقاد وهم علي حق انهم ليسوا ظلا تابعا للمبدعين‏,‏ مهمتهم ان يتلقفوا كتابات المبدعين ليكتبوا عنها‏,‏ وانما وظيفتهم الجوهريه هي كتابه النص النقدي الموازي للنص الابداعي‏,‏ والمجاوز له‏,‏ والمنطلق الي افاق ابعد وارحب‏,‏ وليست مجرد الكتابه العاكفه عليه‏,‏ الدائره في فلك تفسيره وتاويله و لقد اصبحت الكتابه النقديه لديهم نصا نقديا مستقلا له شروطه ومتطلباته‏.‏
غير ان هذا لا يلغي حاجتنا الي نقد تفسيري‏,‏ تنويري‏,‏ يضيء العمل الادبي الابداعي ويثريه‏,‏ ويقر به من قارئه‏,‏ ويفتح ابواب الحوار معه اتفاقا واختلافا‏.‏ ولسوف تظل هذه الوظيفه النقديه مهما اختلف البعض من حولها دورا اساسيا له اهميته وجدواه‏,‏ خاصه عند اختلاط المعايير‏,‏ وسياده العمله الزائفه وتحكم بعض السوقه والادعياء‏,‏ وانتشار الاميه اللغويه والثقافيه‏,‏ وفساد الذائقه بادمان العزف الناشز والاصوات القبيحه والايقاعات الهمجيه‏.‏
ان الذين يعيشون جو الموامرهالثقافيه يعلمون ان هذا الخلل الراهن جزء من الحراك الاجتماعي والثقافي‏,‏ وانه خلل شامل‏,‏ يتسلل الي الشعر والقصه والروايه والمسرحيه والنقد لكنه في الشعر اجلي واوضح‏,‏ واكثر افتضاحا وانكشافا‏,‏ ويدركون بعمق ان الوعي الصحيح وان تاخر بعض الوقت حتميه تاريخيه‏,‏ وان الخلل الراهن الي انحسار وزوال‏.

نقلاً عن جريدة الأهرام

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا