كان مستحيلا ان يكون ادونيس بما يمثله من قيمه
فكريه وشعريه في القاهره, مشاركا في الموسم الثقافي الاكاديمي للجامعه الامريكيه
بمحاضرتين عن الثقافه العربيه والحداثه, والشعر والحداثه, ومقدما لامسيه شعريه
متميزه بدار الاوبرا تلبيه لدعوه من لجنه الشعر بالمجلس الاعلي للثقافه, ومطلا
علي الملايين من خلال البرنامج التليفزيوني امسيه ثقافيه في حوار صريح كاشف كان
مستحيلا ان يحدث ذلك ولا تكون له اصداوه العميقه والواسعه, وردود الافعال التي
تتفق وحجم ادونيس, وموقف الكثيرين منه ايجابا او سلبا.
وقد اشرت في مقال
الاسبوع الماضي بعنوان ادونيس في القاهره(1) الي ان الجمهور الثقافي في مصر اتيح
له ان يلتقي بادونيس مثقفا كبيرا وشاعرا رائدا وجها لوجه, وان يتحاور معه دون
حواجز او عوائق من مويدي اودنيس ومعارضيه, من مريديه الذين اساء بعضهم اليه
بحماسهم المفرط وتعصبهم المذموم, وكارهيه الذين يحولون تشويه صورته بحماس مفرط
ايضا, وكانما اجتمع الطرفان علي سوء الفهم الناتج عن سوء القراءه وعدم الوعي
بمشروع اودنيس علي حقيقته, فكريا وشعريا.
وصح ما توقعته من ردود الافعال.
فقد وصلتني تعليقا علي المقال السابق رسائل عده, اختار من بينها رسالتين:
اولاهما من الدكتور ماهر شفيق فريد الاستاذ المساعد للادب الانجليزي باداب القاهره
والثانيه من الدكتور محمود الربيعي الاستاذ بقسم الدراسات العربيه بالجامعه
الامريكيه. وفي الرسالتين ما يستحق ان يهتم به القارئ المتابع, وما يتطلب
التعقيب عليهما.
حول رساله الدكتور ماهر شفيق فريد:
... الاستاذ
فاروق شوشه.
اكتب اليك هذه السطور عقب انتهائي من قراءه مقالاتك القيمه عن
ادونيس في القاهره ومشاهدتي حلقه الامسيه الثقافيه التي اجريتها معه وقدمتها القناه
الثانيه بالتليفزيون, لاطرح رايا ربما وجدته جيدرا بان يذاع ويناقش.
ادونيس
عندي اهم شاعر عربي في هذا القرن, وقائمه شعريه تقف جنبا الي جنب مع المتنبي
والمعري وابي تمام. ولكنه منظرا اعظم منه شاعرا, فهو اول اختراق حقيقي
للبويطيقا العربيه التقليديه, واول موجه الي اركان من الشعريه العربيه ابي تمام
وابي نواس والنفري كانت غائبه عن الاذهان من قبله, وهو في هذا يواصل الجهد النقدي
الذي بداه العقاد والمازني وشكري وعلي ادهم حين وجهوا النظر الي عنصر الفكر عند ابن
الرومي والمتنبي والمعري وقارنوهم بنتشه وشوينهاور, كما يواصل رويه مصطفي ناصف
الاصيله الطازجه للذائقه الشعريه العربيه( انظر كتابه الذي صدر منذ ايام: النقد
العربي: نحو نظريه ثانيه), ولكنه يحمل هذه الجهود كلها الي اماد بعيده ويسلك
بها دروبا لم تطاها قدم عربيه من قبل. وهو في هذا وصيف ادوار الخراط القاص العظيم
والناقد الاعظم.
عندما بدا عام2000 راح الصحفيون, كالعاده, يطرحون علي
الادباء والنقاد اسئلتهم المكروره ومنها: ما اهم حدث شعري في هذا القرن؟ وقد اجمع
كثيرون علي ان ديوان الشوقيات هو اهم ديوان شعري عربي خلال السنوات المائه
الاخيره. ولكني لا اتردد في القول مع ادونيس, ومع العقاد من قبله بان شوقي ليس
الا شاعر البيان الاول, لكنك لا تجد تحت سطحه البراق تجربه وجدانيه عميقه, ولا
فكرا نافذا. عندي ان اهم ديوان عربي في هذا القرن هو كتاب التحولات والهجره في
اقاليم الليل والنهار تسبقه اغاني مهيار الدمشقي ويلحقه المسرح والمرايا. هذه هي
الثلاثيه التي يورخ بها مبدا الحداثه الشعريه العربيه, وما سبقها من رومانطيقيات
السياب الفجه ومنظومات نازك الملائكه الاكثر من فجه ليس الا دمدمات واهنه,
بالمقارنه.
تحضرني هنا مقاله لجبرا ابراهيم جبرا( وهو الي جانب ادونيس
وتوفيق صايغ ولويس عوض وانسي الحاج وشوقي ابي شقرا ويوسف الخال وخليل حاوي وعبد
الصبور وحجازي من محققي هذا الاختراق التاريخي), نشرها في مجله شعر البيروتيه(
ربيع1962) وفيها يقول( لا اعتذر عن طول المقتطف, فهو عميق الدلاله لا يقبل
اختصارا):
قبل ان يكتب رياض[ نجيب الريس] اولي قصائده هذه في كمبردج بسته
عشر عاما او يزيد, كتب مثله شعرا كثيرا في كمبردج نفسها. ولكنني كتبته
بالانجليزيه. لانني حين اردت القول حينئذ لم اجد الاشكال التي تفي بما اريد ان
اقول... بتنا نريد في الشعر الحركه والمفاجاه وتقويض قلاع الوهم فوق الرووس.
هذا ما قلته حينئذ, ومازالت اقوله.ولذا كتبت شعري بالانجليزيه لاني وجدت في
اشكاله المتجدده ابدا متسعا لبناء الرموز الفواره في اسطر قلائل, حيث تغدو
الالفاظ قذائف ناريه تنفجر فيتناثر لالاوها ووميضها في معان تتساقط علي الذهن بعد
ذلك كالمطر.
هذه هي الحقيقه بلا زياده ولا نقصان, دون ترقيق من حواشي القول
ولا مراء. لقد انجز البارودي وشوقي وحافظ والعقاد وشكري والمازني وشعراء ابولو
جهودا غير منكوره من اجل استنقاذ الشعر العربي من وهده سقوطه الفادح في العصر
المملوكي, ولكنهم لم يمضوا بعيدا بما فيه الكفايه. كانت نبرات ناجي وعلي محمود
طه ومحمود حسن اسماعيل بمثابه نسيم منعش يحمل انفاس الحياه والتجدد, ولكنها ظلت
تدور في فلك روما نطيقي ضيق المدي. وادونيس( الي جانب شعراء مجله شعر وكتاب
مجلتي حوار و ادب) هو الذي احدث الانعطافه الحقيقيه.
عندي ايضا ان دلاله
ادونيس الناقد هي اننا بحاجه الي رسم خريطه جديده لمسار الشعر العربي تتسلل الي
العقول والقلوب والضمائر قبل ان تتسلل الي مناهج الدراسه وكتب المقررات والمختارات
في المدارس والجامعات. لقد اوما ادونيس ب ديوان الشعر العربي, وكتاباته
النقديه, وشعره هو ذاته الي موروث بديل ربما كان هو اقيم ما في التراث الشعري
العربي: هذا الموروث يمتد من شعراء الجاهليه ذوي التجربه الوجوديه الحيه امرئ
القيس وطرفه وتميم بن مقبل الي المد الحداثي العظيم في العصر العباسي علي ايدي
المتنبي والمعري وابي تمام وابن الرومي والشريف الرضي وابي نواس, مرورا ببضع
قصائد قيمه( وان تكن بالغه القله) من العصر الاسلامي والعصر الاموي, ونصوص
نثريه للتوحيدي والنفري وابن عربي. تلي ذلك فتره موات الي ان تبدا حركه الاحياء
الكلاسيكي والاحياء الرومانسي وبدايات الحداثه ثم يبلغ الموروث ذروته في شعر اربعه
هم عندي اعظم المحدثين: ادونيس, والسياب, وصلاح عبد الصبور, واحمد عبد
المعطي حجازي( لا موضع لنزار قباني هنا فنحن نتحدث عن شعر النضج لا شعر
المراهقه). هذا هو الموروث الجديد الذي ينبغي ان يكتب علي اساسه تاريخ الشعريه
العربيه منذ مبتدئها الي هذه اللحظه.
ماهر شفيق فريد
استاذ مساعد
الادب الانجليزي باداب القاهره
وتقول رساله الدكتور محمود
الربيعي:
.... الاستاذ فاروق
شوشه
احييك, واشكرك علي مقالتك الجميله( الاحد2000/4/2) عن ادونيس في القاهره.
ولدي كلام عن زياره ادونيس ارجو ان يتسع المجال لطرحه او طرح جانب منه:
حين
وجهنا الي ادونيس الدعوه من قسم الدراسات العربيه بالجامعه الامريكيه لم اكن قد
رايته في حياتي, وان كنت بالطبع قد قرات له وعنه, وادركت انه مثير للجدل.
وحين قبل دعوتنا, وكنا في انتظاره, ذكرت ذلك في اجتماع ثقافي ضم بعض زملائي,
مقدرا ان ذلك سيثير اهتمامهم ورضاهم, فقال قائل شاب منهم: وما الذي بقي لدي
ادونيس ليقدمه؟ ثم اتبع ذلك بقوله: انكم في الجامعه الامريكيه تستيقظون بعد ان
يكون الناس قد استيقظوا وناموا! ولم اعلق وقتذاك علي كلامه بشيء وان كنت عجبت
للنظر الي الشعراء علي انهم مثل صيحات الموضه, تشتعل الرغبه فيهم في موسم,
وتزول عنهم في الموسم الذي يليه!
وجاء ادونيس, والتقي بجمهوره في الجامعه في
محاضرتين تخللتهما قراءات شعريه, واعقبتهما مناقشات مستفيضه. وحين استحضره الان
شخصا وفكرا وشعرا اري نفسي راغبا في ذكر الملاحظات التاليه:
1 يجيد ادونيس
فن الانصات الي الغير, ويبدي اهتماما احسبه فطريا بما لدي الاخر. وهذه فضيله
عظمي في ضوء ما نلاحظه عند غيره ممن تتملكهم دائما الرغبه في الحديث والعزوف عن
الاستماع. وهم اذا استمعوا مضطرين اثبتوا حين يستانفون حديثهم انهم انما استمعوا
باذن صماء.
2 يستخدم ادونيس لغه عربيه صحيحه دقيقه, مليئه بمستويات
الدلالات والمعاني, متضاعفه النسج والتراكيب, حافله بالصور والمجازات
الكاشفه, لا كانواع اللغه التي نعاني منها في شتي الوان الخطاب, من العجمه
المتفشيه والاستغلاق والغموض والتحجر في ناحيه, والشقشقه والانشائيه الفارغه
والتهويم والسطحيه في جانب اخر.
3 يمتلك ادونيس رصيدا ووعيا واسعين بالحضاره
العربيه في معناها الاعم, والثقافه العربيه في معناها الاخص, مما تناوله مقالكم
الجميل, ثم ثروه كميه ونوعيه من الادب العربي شعره ونثره, تلون حديثه العادي,
وتشكل اصول البرهنه, واطار الفكر لديه, بحيث تصبح حاضره دائما في سدي ولحمه
المحاجه عنده, في الاشاره الداله, والاستشهاد المعبر, والامثله الكاشفه.
تلك هي الحداثه الضاربه بجذورها في تربتها الطبيعيه, العليمه بتضاريس الماضي
ومنحنياته, المازجه لخلاصه ما كان بخلاصه ما هو كائن, والمتطلعه من موقف صلب
راسخ لخلاصه مايكون.
كانت قضيه المرجعيه هي حجر الزاويه في طرح ادونيس: هل
من اللازم ان نرسي مقياسا نقيس به المحدث من غير المحدث او ان الامر يترك للهوي
بحيث يمكن نظريا ان نبدا من منطقه الصفر في كل حاله؟ واذا لم يكن لديك تصور واضح
عما ستنكره وتخرج عليه بغض النظر عما ستخرج اليه فهل يعدو الامر ان يكون قفزه من
الظلام الي الظلام؟ وعليه فان من ليس مسلحا بما كان ليس مسلحا بداهه بما سيكون.
لقد اثارت هذه النقطه بالذات ثائره شباب الحداثه علي شيخ الحداثه, وذلك لانها
كشفت لهم فجاه عن ان الحداثه ليست كلمه تقال, وانما فكر ترسي قواعده, ومعني هذا
انها كغيرها محتاجه في استيعابها الي موهلات, وهذه الموهلات تحتاج الي ادوات,
وهذه الادوات تحتاج الي مواهب, وزمن,وامور اخري.., لكن من الذي يريد ان ينصت
الي ذلك, وقد جاء راكبا موجه جاهزه اسمها الحداثه, فهو ليس علي استعداد حتي
لمناقشه مجرد معناها. وحين جلست استمع الي الشقاق الذي دب بين الشباب والشيخ
ادركت انني وانا الذي لست حداثيا ولا اقبل ان اكون اقرب الي فكر ادونيس وموقفه من
الذين جاءوا مصفقين له, ثم انصرفوا غاضبين عليه حين خاب املهم فيه.
في
مناقشه من المناقشات سئل ادونيس هل يشتم مصر او يعاديها, فتحدي السائل ان يبرز له
وثيقه مكتوبه او مسموعه تثبت ذلك, وكان واضحا ان السائل لم يقبل التحدي. ولقيت
ناقدا يبني شهرته علي الحداثه وتبني قصيده النثر ليله انشاد ادونيس في الاوبرا
فطلبت اليه ان نذهب معا للاستماع, ظنا مني ان ذلك سيبهجه, ولكنه ابدي رفضا بل
انزعاجا, ولما سالته عن السبب, ردد القول ذاته: انه يشتم مصر. وقرات لبعض
من لا تعرف عنهم خبره بالشعر العربي قديمه او حديثه يستنكرون دعوه الجامعه
الامريكيه لادونيس, عاجزين عن ذكر سبب ادبي واحد لذلك الاستنكار, ومسجلين علي
انفسهم عدم احترام حريه الاخر في ان يدعو من يشاء.
حين تكون القضيه المطروحه
هي الحضاره العربيه, او الشعر العربي, يكون من الخسران المبين اختزال ذلك في
نقرات اقليميه لا تري ابعد من مواطيء اقدامها. واذا وجد حماه الثقافه او حماه
الشعر تناقضا ما بين ما هو عربي وما هو مصري فانهم يكونون في ازمه حقيقيه. ومن
الظلم البين لمصر التي قطعت شوطا بعيدا في الابداع والتحديث علي مدي قرنين من
الزمان ان تحجم علي بعض ابنائها من قصار النظر الي مجرد عنصر منافس لعناصر هي في
واقع الحال من صميم تكوينها.
بقيت حكايه بكاء ادونيس امام جمهوره في مناسبه من
مناسبات معرض الكتاب, وقد نقلتها الي زميله علي سبيل استنكار موقف ادونيس ولومه
علي البكاء, فاجبتها علي سبيل الدعابه: حسنا فعل ادونيس حتي نعرف علي الاقل ان
له دموعا كغيره من الناس, ثم ذكرت لها قول القائل: لم يخلق الدمع لامرئ عبثا
فلم تبد اهتماما كبيرا بما قلت. وحين ذهبت لوداع ادونيس قبيل سفره طلبت اليه ان
يروي لي قصه دموعه هذه, فقصها علي بنبره صدق اكدت عندي الصوره التي كنت قد بدات
في تكوينها عنه; قال: لقد بكيت تاثرا بكلمات مرحبه واستقبال جميل حظيت بهما في
المقهي الثقافي بعد هجوم ظالم علي في اليوم السابق اتهمت فيه بعداوه مصر. ثم اردف
قائلا: لقد فسر بعض الصحفيين دموعي علي انها دموع الهزيمه, وهكذا تري انني ظلمت
مرتين!
يقدم لك ادونيس ما عنده علي نحو يخلو من اي قدر من الوصايه او الضغط او
القهر, وتشعر انك امن اذا خالفته في الطريق, وانك لن تتعرض لغضبه او اذاه.
اما روحه العاليه المرحه, واكتراثه بمحدثه, فتضعانه شخصيا وانسانيا في مكان
رفيع.
د. محمود الربيعي
استاذ
بقسم الدراسات العربيه بالجامعه الامريكيه
قبل كل شيء انا لا
اوافق الدكتور ماهر شفيق فريد علي اطلاقاته التي تضمنتها رسالته وما اكثرها والتي
تجافي موضوعيه الرويه النقديه, لانها بصياغتها علي هذه الصوره تغلق دائره الحوار
وتقطع الطريق علي تعدد وجهات النظر في مثل قوله: ادونيس اهم شاعر عربي في هذا
القرن, مثل هذه المقوله الضخمه مع احترامي وتقديري البالغ لفكر ادونيس وشعره من
الذي يملكها ويملك حق صكها علي هذه الصوره؟ ومن الذي يمكنه الادعاء بانه يمتلك
عناصر هذا الحكم وحيثياته؟ فردا كان او موسسه!
وقوله: ان كلا من ادونيس
وادوار الخراط يمثل اعلي نقطه بلغتها الحساسيه الادبيه العربيه في عصرنا, وان اهم
ديوان عربي في هذا القرن هو كتاب التحولات والهجره في اقاليم الليل والنهار!!
وحديثه عن رومانطيقيات السياب الفجه ومنظومات نازك الملائكه الاكثر من فجه وهي في
رايه رسومات واهنه بالمقارنه.
واقتباسه نصا لجبرا ابراهيم جبرا الذي اقدر فنه
وابداعه وموهبته في اكثر من مجال( شعرا وقصه وروايه ونقدا وترجمه) يري فيه ان
شعر علي محمود طه هراء وتنغيم اطفال ومبتذلات القول وان شعر شوقي منمنمات عثمانيه
ما عادت تجربه الحرب الطاحنه تتحملها, ثم يورد لجبرا ما يضعه في موضع اللوم
والمواخذه حين يقول: كتبت شعري بالانجليزيه لاني وجدت في اشكاله المتجدده ابدا
متسعا لبناء الرموز الفواره في اسطر قلائل حين تغدو الالفاظ قذائف ناريه..الخ.
اليست كتابه الشعر بالانجليزيه دليل عجز عن الابداع بلغته القوميه التي ابدع بها
رموز الحداثه الشعريه العرب في كل العصور؟ ان العيب هنا في الشاعر لا في اللغه
يادكتور ماهر.. الم تتسع العربيه لبناء الرموز الفواره في اسطر قلائل عند ادونيس
وتوفيق صايغ وانسي الحاج وشوقي ابي شقرا ويوسف الخال وخليل حاوي وغيرهم من اصحاب
الاختراق التاريخي؟ فلماذا تخلت عن جبرا وجعلته يرطن بالانجليزيه وكانه قد صنع فتحا
من الفتوح؟
من المضحك الان ان ادافع عن شوقي, لكني اسالك: هل قرات مسرحه
الشعري وهو الرائد فيه بلا جدال؟ هل استوقفتك انعطافاته النفسيه والوجوديه
والانسانيه من خلال تجسيده لشخوص مسرحياته في واجهاتها التراجيديه والدراميه
المختلفه؟ وهل كشفت قراءاتك المختلفه لشوقي كما كشفت لكثيرين يرون فيه خاتمه
القدماء وطليعه المحدثين عن الروافد والينابيع التي ارهصت كيمياوها الشعريه بما
تغني به الرومانسيون وحتي الديوانيون الذين اعلنوا المخالفه المغايره فوقع كثير من
شعرهم في المجاوره والتماثل؟
يبقي ما افصح عنه الدكتور ماهر في بدايه رساله من
انه يري في ادونيس منظرا اعظم منه شاعرا وهو راي بدوره يتسع لجدل واسع. فقيمه
ادونيس التنظيريه تنبع في رايي من اقترانها بابداعه الشعري ومغامرته الشعريه, وقد
سبق اطلاق مثل هذه المقوله علي العقاد, علي اساس ان كتاباته النقديه تفوق في
قيمتها انجازه الشعري. لكن, في حاله ادونيس, سيظل الجدل مستمرا مادمنا
مشغولين بالاولويات والترتيب, اي وجهيه يسبق الاخر ويتقدمه؟ وانا اسائل الدكتور
ماهر بدوري: هل حسم هذا الامر بالنسبه لاليوت الذي اوليته اهتمامك مترجما لنقده
وشعره الي العربيه ومسعفا القاريء العربي بالاقتراب من تخوم شاعر كبير هو في الوقت
نفسه ناقد كبير؟
انا واثق ان الدكتور ماهر شفيق فريد كتب رسالته وهو في ذروه الانفعال بالمشهد
الادونيسي, فقد سلمها لي بعد نشر مقالي بسويعات قليله, من هنا فقد غلبت نبره
الحماس والاحكام القاطعه والتناقض الساطع. فالسياب صاحب الرومانطيقيه الفجه هو
نفسه احد اربعه من اعظم المحدثين.. كيف يستقيم هذا؟ واين المنهج؟ وبلغه ادونيس
البديعه: ما الدي يجمعنا الان. وماذا سنقول؟
اما الدكتور محمود الربيعي,
فشكرا له انه احد المسئولين عن دعوه ادونيس باسم قسم الدراسات العربيه بالجامعه
الامريكيه, وهذه اللوحه القلميه الجميله التي يقدم من خلالها صوره حيه منصفه
لادونيس المفكر والشاعر والانسان.
وان كنت اختلف معه في اطلاق شيخ الحداثه علي
ادونيس, الذي اراه اكثر شبابا بالمعني الحداثي من مريديه والمتمسحين به, الذين
شاخوا واجبلوا قبل الاوان, وقبل نضج التين والعنب كما قال ابو تمام.
اما
الذين ازعجتهم دعوه الجامعه الامريكيه لادونيس, فاغلب الظن انهم سيظلون منزعجين
لان الدنيا قد تجاوزتهم وهم في عمايتهم سامدون!