ف |
شعر مترجم |
أحمد
عبدالزهرة الكعبي - العراق / ميونخ الباب الأول إشكـــالـيـة الغرض الشعري في قصيدة النثر هل هي رغبة في كسر إطار قديم أم هي تخبطات مرحلية ؟ تطور الغرض الشعري الحديث .............. الشعر له تفرده الخاص الذي يميزه على باقي أنواع الادب واكثر ما يميزه الغرض الذي تتناوله القصيدة , والاغراض الشعرية القديمة لم تجد في الشعر الحديث خارجا عنها وكل ما حدث انه كتب بروحية وشفافية الحاضر , مرت الاغراض الشعرية بعملية بتر كبرى شاركت فيها جميع الاقلام المشاركة في عملية النهوض المراد منها إحياء اكبر الفنون واكثرها فاعلية الا وهو الشعر المكتوب باللغة العربية نعم فهو بروح ثقافية يكتب , كما ان للاطلال وجود في الذاكرة هناك ايضا الاغراض التي نسقتها مخيلة المتنبي فنرى الحكمة والتغني بالنفس ورثاءه ولايمكن التنازل عن أدب الجواهري العملاق المليء بالروعة والنفائس وجمالية الاغراض وتنوع الروح لديه كما هو في قصيدته العينية ولايمكن تجاوز الاسماء الاخرى ولكن النماذج التي ذكرتها شاملة وعامة , اغراض الشعر وهاجس التغيير واسئلة كثيرة تبدو من اكثر الاسئلة التي تدورفي فلك الاسئلة المتداولة فالبعض يطعن في تجارب الاخرين يقول ادوارد سعيد حينما ذكر انطونيو كرامشي الكاتب الايطالي الذي سجنه موسيليني وجدوا عبارة في دفتر السجن تقول : كل الناس مثقفون , وان كان ظاهر العبارة لايلغي دور المثقف في الحياة , هذه العبارة الممتلئة بفلسفة واضحة تنم عن رؤيا واضحة للتكوين الانساني الذي يجب أن يقرأ على انه صراع من نوع خاص يرمي الى تشذيب المراد وجعله من جنس المقبول كي يكون مفهوما .في عصر اصبح كل شيء في متناول الايدي ومتداولا لم لا نستطيع تحرير الكتابة من احتكار البعض وهذا مدخل لموضوعنا الموسم بالاغراض الشعرية . هل قصيدة الجاهلي تختلف عن قصيدة النثر هذا اليوم من ناحية الغرض الشعري على الرغم من وجود عامل اللغة والمكان ان ما حدث في داخل النص من معركة كبرى هدفت الى تحرير اللغة والشكل , لتجارب السابقين دور مهم في الدخول الى هذا المطلب وان تاكد لدينا ان كتابة النص الحديث لاتخلو من استعارة واضحة من القديم كون النتاج لايمكن ان يكون قادما من العدم لولا ومضات اولية كانت قد بدات فعلا وصولا الى النتائج الحالية . وموضوعة الاغراض لاتخلو من حرب تحليلية يجب خوضها من باب هل هناك اغراض جديدة دخلت على كيان النص أم ان ماجرى فقط تغيير في الشكل وظل الطرح يسقى من ذات المواضيع السابقة . ليس هناك طرح قطعي ونتائج أخيرة دائما لاي تفاعل لان التغيرات موجودة دائما وان كانت غير مرئية ومن هذا الباب نتجت الكثير من الاسئلة الغاضبة على كتاب هذا اللون , اضاف الشعر الاندلسي بحورا جديدة للشعر العربي ولم تعتبر الموشحات خروجا على الشعر بل تعتبر منهجا علميا يدرس وهنا نأتي لقضية البحور التي لم تستطيع ان تثبت بان الخروج من عالمها يعد خروجا من مملكة الشعر الامر الذي له علاقة بقضية الغرض الشعري . سبق ابو العتاهية نظرائه حين اكد مرارا بخروجه العلني على نوع الشعر المكتوب وكتاب الحداثة اليوم يجب الا يتهموا بانهم من شرع الخروج من باب البحور,وقضية الغرض الشعري لاتنحصر بالاطلال والغزل والمديح والرثاء وغيره من الاغراض لان نص الحاضر اصبح ذو اغراض جديدة كما هو الحال في العصر الاول حين الغى الاسلام الكثير من الاغراض مثل الغزل الماجن والفخر ودخلت اغراض تنتمي لواقع مرحلة مهمة في تاريخ العرب وجاءت العصور حتى القرن الثالث عشر عصر السبات (( وقد لايكون هكذا كون التدوين انذاك تاثر بالكثير من العوامل لاداعي لذكرها الان )) كما يسميه نقاد ادب المراحل ومنه وبعد ستة عصور من الهبوط والاختفاء ظهرت تجارب النهضة وهي سلسلة تفاعلات بلغت حتى يومنا هذا يوم قصيدة النثر . والغرض الشعري مر بهذه المراحل فهو المتأثر الوحيد لان المناخ الذي تولد فيه الشاعرية يفرض نمطا من الاسلوبية ويعين المفردة فنرى الشاعر ينبثق من خلال الحاجة ليولد انعكاسا يتناسب حسب قابلية المتلقي وحسب نوعه وهنا ندخل في معركة تحليل النص وتجلياته فالغرض الاكثر تداولا وتطورا والمفروض ايضا ان ندخل في تحليل المتلقي ايضا ,أنسي الحاج و محمد الماغوط وسعدي يوسف كانوا قد نسجوا اغراضهم في كيانات القصيدة المتعددة فالحدث السياسي برفقة المعاناة الاجتماعية جمع الاغراض , والتنقل من غرض الى غرض يبدو واضحا في اي نص لهذه النماذج مع معرفتنا ان كتابتهم نابعة من قلق دائم يحمله الشاعر للدفاع عن انتمائه و بشكل مؤلم حيث نقلوا لنا مكانا مقطوعا من الارض وهناك تميزت اغراضهم فلنقرا الماغوط هنا بحذر لنرى ماهية الحداثة وكيف يتجرأ شاعر مثل كالماغوط بكتابة هذه الحقيقة على هذا الشكل فالشعر كتب على اغراض معينة كما قال البعض ولكن عند الماغوط بني على الواقعية المرة يقول الماغوط متمازجا مع المكان واصفا اللوعة بشيء من الرثاء وصولا الى الهدف المنشود . يا عتبتي السمراء المشوهة، لقد ماتوا جميعا أهلي وأحبابي ماتوا على مداخل القرى وأصابعهم مفروشة كالشوك في الريح قيل ان أجزاء الشعر اربعة المدح والهجاء والنسيب والرثاء , تحرك الشاعر الناثر دون حذر ملحوظ وبطريقة تجعل منه منفردا بنشر اغراضه الشعرية , التحرك بسحرية داخل هذا الجزء الشعري الخالي من تعقيدات يراها البعض ضرورية يتنقل بحسب رؤيته الخاصة للمفهوم الشعري لان الشعر لديه ايضا يرتبط باغراض دون غيرها فتنوع الاغراض داخل النص الواحد ينتج عوالم شعرية وهذا مانراه في اداب الامم الاخرى والغرب خاصة , فلقد تميزت قصائد الحداثة بكونها مركبة اي انها تحتوي على اكثر من غرض في وقت كانت القصيدة بسيطة اي ذات غرض شعري واحد وهنا برزت عدم الاخلال بالنص عن طريق الانتقال من غرض الى غرض ( التخلص والاستطراد ) ومن كتاب النص الحديث الذي وان تنوعت اتجاهات كتابتهم ظلوا ينهلون من ذات العصر لانهم يكتبون له ولايكتبون للماضي كما يفعل المقلدين فلقد تميزت قصائد الجواهري كونها أتت من واقع ينتمي الشاعر له وليس من باب الكتابة على طريقة الاخرين , قد لانجد متنبيا يصف سيف الدولة او اي سيف موجود وذلك لسأم ملحوظ من الدماء والحروب والقتلى فنرى الشاعر يصف الحرب بقذارتها ورائحتها النتنة فليس من المجدي التغني بذكريات القتل والطحن في عصر شهد تحولات مثيرة لاتنتهي الا بمأساة وجوع وتشريد فطغت عناوين جديدة ابرزها شكوى الحال وتفرد ملفت للذات لما ينشر الشاعر أحاسيسه بشكل جديد كمن يكتب سيرة ذاتية بل ان نص النثر تميز بانه سيرة ذاتية لشاعر فلو تصفحنا مجاميع كتاب هذا النوع سنجد اغراض الشاعر ذاتية تنشر حالة خاصة ومنها التفرع الى واقع المكان حيث تبدو توزيع عملية الاغراض حالها حال توزيع الادوار فنرى الحنين الى المكان الاول واضحا من خلال رحلة بسيطة تنتقل فيها الذاكرة من مكان الى مكان وهي مقدمة قد تبدو طللية وهي ظاهرة برزت في قصيدة المغترب ( في شعر المهجر خاصة ) عل الشعر العربي يعيش ظروفا اخرى فقد برز شعر الداخل والخارج وهي ظاهرة فريدة تمتاز بها المجتمعات التي تعاني من الفقر والدكتاتوريات فنرى بروز النص الشامل ( وهي وجهة نظري ) كون مفردات وادوات النص وزمكنة الحدث تحتوي على انواع من اجناس الشعر. كان لظهور الرمز في الشعر الحديث ككل اي بعد شعر الوزن الخليلي دور في تسلط ثقافة الشاعر وبروز فكرة التأثير المباشر من خلال سبر اغوار النص وجعله مادة تاخذ من التاريخ لتطرح فكرة تهدف لغرض شعري الذي تغيرت ملامحه واصبح غرضا غير الذي كان يطرحه السابقون كونه يأتي من حدث وزمان ليتبلور داخل اللحمة الفنية الممتزجة داخل القصيدة وهذا نلمسه في اعمال السياب وجماعته اصحاب قصيدة التفعيلة أما جماعة قصيدة النثر أعادوا هيبة الاسطورة بعد ضمورها برحيل السياب واختفاء الجدية لدى كتاب مابعد جيل الستينات ,والشعراء الشباب الذي يتمتعون بثقافة جيدة وظفوا الاسطورة بقدرات استطاعت ان توصل معنى التوظيف وفائدته على خلق صورة ولكن تجارب الشباب بشكل عام لايمكن الاعتماد عليه كشاهد وذلك لسرعة التحولات التي تعيشها اعمالهم على عكس سابقيهم الذين امتازوا بوضوح ونضوج التجربة وان عانت اعمالهم الاخيرة من هبوط فني واضح , ويمكن ان تشاهد الوصف يتزحلق في داخل النص الحديث حين تبرز علة الأنا على حساب الكثير من الموجودات فتظهر فسيفساء غرضية تتنوع فيها الاطروحة لتتحد داخل وحدة الموضوع الامر الذي يجعل النص الحديث لايقل ديباجة عن النص القديم إن لم يتفوق عليه من حيث البناء المحكم واللغة السديدة التي تمنحه شرف البقاء على قيد المنافسة فالعملية خرجت من كونها توفر شروط معينة بذاتها لان الكثير من النصوص أضافت للشعر العربي أشياء كثيرة لايمكن تحديدها بالظبط لكن فقدانها في داخل الكتابة يؤثر عليها بالسلب لان روحية الكاتب تتجلى من خلال ابراز هويته النفسية التي تحمل روح العصر والمكان . وهنا تظهر قوة أدوات الشاعر ومدى تفوقه على الاتهام الموجه اليه. في موكب التسمية و الجحافل تسري أما المنصة، وكل حيوان كالمستعرضين زوجان، تقدمتَ الموكب من غير قرين، والكل مكتمل مكتفٍ يمشون بخطو واح، قدتهم وحيداً كالقرن في وسط رأسك، مهرولاً قلق الخطى تفتش بالعينين بالنشيق، على المتعذرة الوجود حتى في جنة العلاء (توفيق صالح) حياة الصحراوي مرتبطة بوجود الماء لذا كانت حياته سيرة متكاملة من العناء والحنين فهو ينشد للناقة ولبيته وهي امور متداخلة تكون المشهد الحياتي لنصه الشعري فهذا التراكم من العقبات والقلق الدائم صنع جنسا شعريا كتب له الخلود لحقيقة التجربة ووجود الشاعر والمتلقي في ان واحد . وان اكتسب الشاعر اليوم صفة التنقل وتغيير الامكنة بحثا عن الامان وليس بحثا عن الماء فقط الذي هو رمز الحياة( القصد سياسي طبعا ) في كل عصر ولكن الانتاج هنا يتأثر باشياء كثيرة اهمها صدق او حقيقة تجربة المعاصر, تنوعت اغراض الشعر كي تكون ناقدة اجتماعيا او دالة حضارية على عيوب المجتمع وهذه بارزة بشكل لافت في اعمال الشباب الذين تحملوا اعباء التجربة واصبحوا من المدافعين عن بقائهم بضراوة وكما ذكرت سابقا من سلبيات الشباب انهم ركزوا على قضايا الجنس والاباحية على حساب الكثير من قضاياهم المعاصرة وهذا لايعني ان بعضهم شقوا طريقهم بثبات واسسوا مناخا جديدا لهم ولتجربتهم . كما انه لم يعد خافيا تسلط النص النثري على المشهد الشعري الحالي وبدات عملية انتشاره وان بنيت على فكرة تبني عشوائي وليس على مستوى رسمي فنجد ان الجهات الرسمية لاتهتم بحركة الادب قدر اهتمامها بالبوسترات واقامة الكرنفالات التي تمجد العوائل والاسماء على حساب الثقافة والانسان العربي الذي بدأ ياخذ خطوطا خطيرة في منهجه الحياتي لاتقل خطورة عن التطرف في كل شيء , لقد تبنى البعض عملية التصدي للركود فكان العمل الشعري عبارة عن قضية انسانية يتبناها البعض للمضي بفكرة عصرية قد يكون تجاهلها عبارة عن عمل مقصود لتجاوز جيل باجمعه , وقد تظهر عملية تطور الغرض الشعري على انه واجهة سياسية آنية يراد منها اظهار الرغبة في تغيير الشكل والفكرة وهما قد يظهران شكلا من اشكال التسلط . الشاعر او الناظم انذاك توفرت لهم الاسباب التي جعلت اعمالهم تحظى بهذا القدر من الاهتمام فكان البيت الشعري متكاملا وشامخا حيث هذا الثراء الفني الذي يحتفي به الشاعر لان واقع ان يكون النص تحت المراقبة والنقد له تاثير فيكون الاهتمام بالبيت الشعري وتزويقه بالكثير من الاشكال الفنية كأن يعبأ بشيء من البلاغة وغيرها على عكس شعراء اليوم الذين يعانون من التغيب والكتابة مجانا والاهمال فنرى هذا التجاهل يبرز في عملية تقويض البيت الشعري الذي يبدو احيانا عبارة عن مفردتين او مفردة واحيانا القصيدة تخرج بثلاث مفردات كما يفعل بعضهم الان فخريطة البيت الشعري احد اهم اركانها هو الشاعر وحالته الوجودية ( وجهة نظر خاصة ) . الأمر الذي جعل بعض المقدمات في الشعر الحديث ماهي الا خروجا واضحا عن كل التجارب السابقة والوصف لاينتمي لوصف السابقين بل ورثاء يلبس شكل الذم كماهو يوسف الخال لما رفض رفاقه لانهم ليس على شاكلة مايجب. أيها الشعراء ابتعدوا عني لا ترثوا أحداً غلبه الموت. فماذا ينفع الرثاء ؟ الرثاء للصعاليك ونحن جبابرة نرى ان الاغراض تنتمي للمكان فالغرض يعتمد على مناخ الحدث حيث النزعات المتعددة للفكر والروح فليس من الضروري ان تتشابه أغراض العراقي مع الشاعر السوري ولكن ليس من باب القطيعة فلا نجد عاملا مشتركا لهما فكما ذكرت في ان العامل السياسي له دور كبير في حركتنا الثقافية , كما تميزت اغراض الهجاء ولكن من باب الاستخدام الامثل فنعت المكان ومهاجمة الدهر في الشعر القديم كان يمثل رمزية يستخدمها الشعراء انذاك في العصر الاموي والعباسي لمهاجمة الحكام وهجائهم بهذه الطريقة خوفا على حياتهم والان تغيرت الطريقة بعض الشيء لان الاشارة الى المجرمين والقتلة لم تعد بحاجة للرمزية واحيانا يوجب تركها لعفونة الاسماء التي قد تسيء للشعر حين تذكر ,الهجاء أخذ من المدارس الحديثة شكل الصورة وهنا يصدر الشاعر صورة سالبة ونقدية لظواهر المجتمع فيهجو باساليب منفردة لان طريقة المباشرة قد اختفت تدريجيا وباتت رخيصة ولان التذمر وعدم الرضا مرتبطا باتجاه وميل خاص أصبح المنتوج الادبي ذو أبواب متعددة وكثيرة وكون العصر يتقبل الحداثة على كافة الاصعدة ومنها الصعيد الثقافي فقد رفض أحادية اللغة والاتجاه بل هي مخاض مراحل متعاقبة تهدف الى الوصول المنسق لطبيعة مرحلة بعينها حيث البقاء على روحية الامس اصبح من العسير تقبلها ولكن ليس على حساب الثوابت وهذا مايتفق عليه اصحاب الفكر لا كما يدعي الانفلاتيون وهم فئات لهم رمزيتهم واتجاههم الخاص ومن يتأمل سيف الرحبي بهذه المقاطع القصيرة يستطيع قراءة الحدث بشكل غير معقد ولا مبالغ فيه يجد الشعرية والصورة والغرض معا تتغلغل الحرب في أحشاء النهر وأعماق الفسيل ولا جبالَ تشهد على مرور العابرين من غير أثر والمؤرّخون كذَبَة. الكتابة فن لم يعد مرتبطا بالتسميات التي جعلت منه يتحرر بسبب تقييد المخيلة وانحباس المعنى في داخل الاطارات المفروضة من أدب وتجارب الاولين وماحدث في اوربا من نقلة عملاقة في كتابة الشعر , لما دخلت الكتابة طورا جديدا في عصر ماقبل النهضة وما بعدها حيث ظهرت الطريقة المنفتحة والغير مرتبطة بشيء سوى الأدب ووجه الأدب حتى يكون الاقتراب من الناس ليس بحاجة لجواز مرور او طقوس مرسومة تجعل من حركة التقبل مرهونة بما لادخل له بالحرفة , وهنا حدث الشيء نفسه ولكن بطريقة بطيئة جدا فالتقاليد هنا صارمة ومرتبطة بالاهواء واصحاب المهن او الحرف الادبية الم تفتح لنا الحداثة باب الناقد القاريء وقت انحصرت كتابة النقد حتى زمن قريب باسماء لا غيرها , الحياة آخذة بالتطور والكتابة احد اهم اجزاء الحياة . وتمثل كتابة الشعر من أهم أشكال الكتابة أو احد اهم انواعها او الابن الاكثر تميزا للكتابة كونه يمثل المواجهة الحقيقية بين اقطاب الحياة التي ليس من الضروري ان تكون متنافرة وهذه الاقطاب هي اركان الحياة وبحبسب الاتجاه الذي يتناوله الطرح الشعري , ويعد الغرض الشعري من اهم ما يميز النص عن سواه فنرى النص الحديث يرتبط بمكونات الحياة الحالية لينقل لنا عاداتنا والامنا بشكل عفوي أليس كل ما في هذه الحياة مخض تجربة فلم لاتقبل عملية الانقلاب في كتابة الشعر وماحصل من هجوم على شعر التفعيلة هل اوقف الزحف حتى بلغنا كتابة شعر النثر وما تلته من تجارب , البعض يثور كون التجربة ليست عربية او مسروقة من فكر غربي القول هنا حتى تجارب الاولين كانتمتأثرة بمن سبقوهم لان الشعر موجود قبل وجود العرب أصلا , والذين كتبوا النثر لم يتخلوا عن تراثهم فنجد الوقائع التأريخية منقوشة والاسماء لها عناوينها الكبيرة ما حدث من عملية استئصال يهدف منه البقاء على قيد الحياة ولست اقصد ان القديم سرطانا لا ولكن القصد يتضح من خلال الحركة البطيئة او الميتة لشعر الاوزان الفراهيدية وما حدث من تغير سريع على واقع شعر التفعيلة ماهو الا شاهد على الضرورة الملحة لان العصر يرفض الدكتاتوريات بكل اشكالها مادام هناك الطلب والرغبة في التجديد . ألم نرى كيف تدخل النص في حياة السينما والمسرح واصبح من اليسير اكتشاف الحوار الشعري كي يضفي روحا للعمل وكما استشف النص من صورة السينما اقتحم الحركة والتواجد المؤثر على الخشبة وكم هي النصوص الشعرية التي تحولت الى مسرحيات كبرى , ألم تدخل الحداثة في التفكير والكتابة معا ليخرج الشعور بشكل يثبت تواجده وحضوره , يعزو البعض التغيير الحاصل في شكل الغرض الشعري كونه مرتبط بحركة الحياة كون الشاعر يكتب في كل الاتجاهات وليست له حدود فقد تتحول القصيدة من غرض الى غرض داخل البيت الواحد كما هي في نصوص شعراء التسعينات والشباب . ومثالا لهذا الجزء ماقاله أمجد ناصر تبحث عن العلامة لا تعترض طريقها دعك من الشقوق والخرائب لا تتبع انجما ضللت قبلك رعاة وعاشقين فالعلامة تأتيك من حيث لا تحتسب او يخطر لك على بال مر الغزل حاله حال الاغراض الاخرى بتغيرات كبيرة فبعد حضور ملموس في الجاهلية اختفى في الصدر الاسلامي الاول وعاد في زمن الامويين والعباسين ليشهد الغزل اشكالا لم تعهدها الجاهلية كونه جاء مبنيا على اغراض معينة فقد تقصد شعراء البلاط على اثراء الامراء بقصائد تميل الى الخروج من كنف العادات الاسلامية وسط تطاحن كبيرنابع من رفض حكم بني امية وبني العباس ومنه برزت اسماء شعرية طرحت مواضيعها السياسية ولايمكن نسيان قصائد دعبل الخزاعي الى ديك الجن حتى عصر البحتري وابن الرومي وهذا لايعني وجود حالات خارجة عن شعراء البلاط وشعراء الموقف السياسي ولا اريد التطرق الى ظاهرة شعر التغزل بالصبية او الغلمان وهو الامر الذي يعد احد وجوه تلك العصر الادبية لان الموضوع سيخرج من عنوانه ولكن الاشارات التي لها صلة بالاغراض تطرح هنا وبشكل موجز كي نقترب من العوامل التي ادت الى وصول الاغراض الى هذه المرحلة من التوسع حيث ظل الجدل السياسي والجدل الاجتماعي متواصلا حتى يومنا هذا ومن خلاله نبعت شعرية الموقف الفكري الذي اتخذه الشاعر فقلما نجد شاعرا دون موقف سياسي , والمراد هنا ان الغزل وصل الينا متأثرا بهذه الحقبة المتأزمة التي لم تخرج من دائرة السؤال المباشر والعلة في تواجده كما أشرت ان الكثير من الشعراء الان لم يتعاملوا مع الغزل سوى معاملة مجردة خالية من الحسية وفيها تفريط في وصف يبدو فاحشا ولكثرة استخدامه المشين اصبح ليس من السهل الوصول الى غزل مثل غزل الشريف الرضي بل جاء من وسط ترف فكري قد يسيء لصاحبه كما فعل بعض الشعراء حين كانت عناوين مجموعاتهم الشعرية تحمل اسماء تشير الى اسم العملية الجنسية او الاشارة اليها ولا يسعدني ذكر اسم هذه المجاميع ( موقف شخصي ) كما يقول البرعي وهو شاعر قديم وكم من سمىَّ ليس مثل سميه صفاتاً ويُدعى باسمه فيجيب الأمر هنا مرتبط بدائرة الشعر الكبيرة ولسنا من باب ادخال واخراج بقدر مايمكن اقحامه في داخل الصنف الشعري غرضا وقد يمر هذا التساؤل على البعض فيعتبر الشعر الحديث هو الذي فرض هذا النوع من الشعر والجواب كلا فنحن نجد الكثير من الشعر العربي القديم والحديث يضم هذا النوع من الغزل الفاحش الذي اصبح مطروحا بشكل كبير هذه الايام . ولكن هناك قصائد نثرية طرحت مناجاة رائعة وفيها غزل رائع يضم لوعة الفراق والنفي وهو شعر تفاعل مع واقعنا المعاش حيث يتعرض انسان هذه المنطقة الى التنكيل السياسي ويشرد بطريقة مهينة حيث يهرب بجلده تاركا اهله واحبته وكما قال غوستاف فون كرنباوم أما الصفات البارزة التي اتسم بها الشعر العربي بعد تطوره يمكن جمعها كالاتي تطور الشكل واتساع الاغراض...الخ وهذا الاتساع كون لنا قاعدة نقدية كبيرة والمهم هنا هو وضع الاغراض الاساسية تحت مجهر المطالعة حتى نخرج الى مغزى تطور الغرض الشعري الحديث ,وقصيدة النر التي اثبتت شرعيتها من خلال بزوغها الواضح صنعت هالتها وبريقها بفعل تصميم كتابها على الاستمرار وان تلك الحرب من دعاة المحافظة على القديم تآكلت بشكل ملحوظ فهي تستمر بوتيرة العصر وتنقل حيثيات العصر . الحداثة احد أهم القضايا التي شغلت النقد بعد مسألة الانتحال التي اثارت جدلا واسعا إذن المسألة عبارة عن مواجهة مستعرة لوجود شيء ما حتى يتسنى لبعض العاطلين الكتابة أم أن المسالة لاتخلوا من كونها دوامة تقليدية يحدثها مروجي الفتن الادبية , وكان واضحا تطور الشعر غرضا من خلال الالية التي كتب فيها الشعر وتنوع موضوعاته بعد نومة طويلة للقديم حيث بقى في سبات اورث ثورة عليه والسياب حين وضح مستوى الركود بميله الخاص الى أدلجة الاسطورة عربيا وجعلها تتناغم مع الحسية الحاضرة متجاوزا الاف السنين فهو يقول ""أننا نعيش في عالم قاتم كالكابوس المرعب .. عالم لا شعر فيه " جازما، في الان نفسه ، بأن "التعبير المباشر عن اللاشعر (أي الواقع اليومي ) لن يكون شعرا" واعتبر "اللجوء إلى الخرافة الأسطورة" قدر الشعر وخياره الوحيد لأن "الأساطير والخرافات ماتزال تحتفظ بحرارتها لأنها ليست جزءا من هذا العالم " الاشارة الى التنوع في طرح العمل الحديث لم يكن قادما من الفراغ الذي احدثته التجربة القديمة وهي نتيجة طبيعية لكل عمل ولكل منتج والذي حدث الان من عملية تفكيك سيكون مصير قصيدة النثر لأن تعاقب الاجيال له دور كبير في عملية البقاء وهنا أذكر مقطعا ل سركون بولص وهو ياخذ دور الرحالة لينقل رؤيته الشعرية في داخل البيت الشعري اصغي الي مائها في الطفولة كلما هربت من صفوف مدرستي . لأهيم علي وجهي في البراري.. حتي يرفع النهار وجهه المشغوف من بين البنايات كأفعي ايقظها نداء مزمارمجهول ، واسمع رجلاً يسعل في الخارج بقوة ويمضي اصبح التحليل المنطقي معدوما بعض الشيء واقصد به ليس هناك من يعطي الشيء اسبابه , فنرى التهكم واضحا فالتجربة لاتخلو من الثغرات كما اسلفت في (( معاول قصيدة النثر )) والحاجة للتحليل كونه يعتمد على المنهجية في تشريح النص , نعم ان مشكلة الشعر الحديث كبيرة كونه يرتبط احيانا بنتاجات تكتب على شكل خطابي والشعر عبارة عن موسيقى والحداثويون يعتمدون فكرة الكتابة للكتابة لا للشكل والالتزام الانف الذكر , وجاء الغرض الشعري متأثرا بهذا السياق كون الشعر الحديث ليس ركاما نثريا كما قالت نازك الملائكة بل هو نتاج شعري حديث قادم من ارض غير عربية او له جذور ليست عربية ولكنه موجود ولايمكن الغاءه والشاعر يُنَظِر دائما للنوع الذي يكتبه , وكلنا نعرف ان الشعر الذي وجد ه العراقيون والمصريون وغيرهم من القدماء كتب بطريقة الاناشيد اي ان بدايات الشعر موسيقية رجوعا الى عمليات التنقيب عن الحضارات حيث ان اسم الشعر لم يتغير كثيرا بل ظل على حاله واختلف بحسب المنطقة التي يذكر فيها , وكلمة شير الاشورية تعني الانشاد والغناء للالهة , هذا يثبت ان الشعر لم يبدأ بالشكل الذي قراناه في المعلقات والعصور التي تلتها بل ان استخدام الشعر وطريقة كتابته كانت متأثرة بمناخها الجغرافي والاجتماعي , وهكذا نرى ان الشعر الذي ابتدأ باغراض دينية _ اذا صح التعبير _ وتطور حتى يصبح متشعب الاغراض وبحسب الاحتياج اليه . لايمكن ان يكون الغرض الشعري محافظا على صيغته الاولى ان لم يرتدي ثياب العصر الذي يوجد فيه . لذا تطورت صياغة الغرض لأن الحاجة عصرية , أي ان لكل عصر أدواته وأشيائه فلا يمكن القول ان الغرض الذي حافظ على بقائه على مدار عصور من الزمن لم يتأثر هو أيضا لان قصيدة الرثاء في الماضي لايمكن ان تكتب الان بروحية الماضي والا تفقد بريقها , ان لحداثة التجربة وشبابيتها الحق في الدفاع عن النوع الذي تخوض فيه بل لنا أن نرى النص الحديث له حضور قوي لوجود أرواح شعرية تنسج ابداعها بشيء من الحنكة والابداع . الباب الثاني هل إختفى الغرض في عالم قصيدة النثر الاتهام المستمر لقصيدة النثر بخروجها من جادة الشعر والادب العربي !! ماذا يعني عدم الوقوف على غرض بعينه في كيان قصيدة النثر هل هو اندثار ام هناك تمازج طبيعي للاغراض ؟ تتهم قصيدة النثر بانها لاتعيش الا في ظروف يحتدم فيها الجدال , ولايمكن لها الثبات في الظروف الطبيعية كما هو حال التجارب الأخرى , كما تتهم بأنها خالية من روحية البيئة التي تكتب فيها . أي نوع من أنواع الكتابة له ظروفه والدليل انحطاط الشعر القديم في مرحلة تأريخية معروفة لدينا , وهكذا الامر الان فليس من المعقول ان نوجه الاتهام لجهة دون غيرها وغياب عمره ستة قرون لايمكن حسابه إلا في غياب كامل للشعر واضمحلاله , نعم تخلص الشعر من الكثير من الاغراض , وحصلت عملية اندماج بين الاغراض الشعرية , كما اختفت قصائد الانتماء للقبيلة والعراء وجاء البديل يمثل أمكنة ليست بالغريبة عن المتلقي ولا بعيدة عن ادراكه كما فعل اصحاب الشعر الحر وما تلاهم من النثريين ما حدث ان ثمة حركة ما جرت بشيء من السرعة للانتقال الى الاجواء القريبة من الناس وقد حدث بشكل رآ البعض تجاوزا على مفهوم الشعر العربي وخروجا صارخا لان الشعر لديهم يجب ان يلتصق باحدى وجوه الاغراض المعروفة والتي تعتبر ملح الشعر اذا صح التعبير . حيث هاجم البعض مناخات القصيدة الحديثة ونفورها من الواقع المعاش وعدم ارتباطها دون النظر الى حقيقة ان اجمل ماكتب من ادب عربي مازال مرتبطا بخارج الاسوار أي في المنفى دائما واي ثقافة هي وليدة خبرات واحتكاك يفرضه الزمان والمكان الذي يكتب فيه المنتج , وهذه احدى مشاكل المعاني حيث ظهرت لدينا موضة التخلص من الغرض الشعري القديم ومحاولة الباس القصيدة او الكتابة الحديثة ان لم نقل النص الحديث أغراضا ممتزجة وتحمل معاييرا جديدة . التجديد له علاقة كبيرة في جمالية اللغة وعملية الاكتشاف المستمر في دواخلها وسبر اغوار الفكرة ومتطلباتها وكيفية طرحها بشكل يمكن الخروج منه بموافقات ذهنية وفطرية مشروطة على كل عمل ادبي وماحدث داخل كيان النثر الشعر ( قصيدة النثر ) من ترهلات وتراكمات يمكن أن نعزيها لفقر الشباب الذين دخلوا معتركه بكل قوة واثقلوه بالكتابات المكررة وهذا نراه جليا في معظم كتابات الشعراء الشباب كونهم ارادوا خروجا عارما من قيود القوالب النظمية المتوارثة , فرأينا الغرض يتأرجح بين تجربة واخرى , والكتاب الشباب لم يتجاوزوا على الاسلوب الفني في كتابة الشعر او خصائصه المتعارف عليها بل ان لديهم البلاغة واللغة الكافية للخروج بكتابة تستحق ان تحمل معنى الشعر , وان رأى البعض ليس من الضروري تسمية كتابتهم بالشعر او غير الشعر من باب ان العالم الحديث بدأ ينظر للابداع وليس لاسمه وهذا الشيء يحملنا على اكتشاف روحية الغرض الذي نكتب فيه بصورة عامة . وتمثل قصيدة النثر الحالية ( مع بعض الاحتراز) دائرة احوال كاملة تبرزالفكر الحديث بمخيلاته وتعكس حاله وتظهر طبيعة الغرض المكتوب فيه ( مع الحذر الشديد لحداثة التجربة ) , ان لنوعية الكتابة ومقدرتها على التأثير هي جواز المرور الحقيقي لها وليس للذي يقف ضدها مهما ارتفع اسم النوع الذي يكتب فيه واسمه سوى التنازل المنطقي عن وهم التسيد ورفض تحرر الاخر وخروجه من دوائر العتمة ولعله موضوع له ارتباط بعالمنا السياسي الهش الذي لايجيد حتى الدفاع عن نفسه ؟ فالتطور يبلغ مداه والتقوقع لايخدم الحياة وهذا لايكون على حساب الجيد والمقبول من القديم وان مقدرة النص الحديث على محاكاة الدواخل وتنطيقها ولاحتوائه مفاهيما عميقة تتجلى في اساس الكتابة الشعرية , فلذلك يرى المدافعون عن قصيدة النثر ان من ينجح في التصدي لعملية التغير فعليه حمل الاعتقاد الحقيقي في امكانية الخروج بكتابة باقية غير متأرجحة وقلقة وهذا قد يكون في كتابة اقل من القليل من كتاب قصيدة النثر . وهنا تظهر علة عدم بروز الغرض الشعري بعينه او سهولة اخراجه من خزانات اللغة التي تكون النص حيث هناك سجال تستشفه من قراءة الشهيق الصعب للغتهم المتفردة لعصرها لتحاكي كافة العصور السابقة والقادمة دون شك , وهنا اذكرل امجد ناصر هذه السطور كمثال لما ذكرته اعلاه اللاحقون ما التمسوا لمحنتي سبباً أوّلوا الحادثاتِ ما طابَ لهم وجَعلوا المغْفِرَة حِكْراً على النّسيان عرفتُ أنّ ذلك حَدَث غداً لكنّ رسائلي لم تْترك أثراً فثمّة مَنْ دأب على تحريرها ومضى الوقتُ لِكَسْب وداد الغزاة وانا هنا لااشرح جو القصيدة او اكتب عن الشاعر (لان له رايه وفكره الخاص به وتفهمه للادب وكتابة الادب التي يتقاطع بها مع الاخرين وحتى مفهومه في كتابه النثر ) قدر الاشارة اليه هنا في هذه الكتابة يبرز وجهة نظر الشعر في التاريخ ليعرضه في مختبر الانسانية ليطرح وجهة نظره التي قد تختفي على البعض ومنه تبرز أجواء الغرض المطروح الذي قد نجد له منافذ موفقة لو تمعنا جيدة بالنثر وكتابه لرأينا ان المسألة غير محصورة بالمهاجمة والنقد فهناك زوايا تمتجاهلها الا وهو ان قصيدة النثر اضافت أغراضا جديدة للشعر العربي ولست أدعي هنا بل مجرد الوقوف على فكرة بعينها يخلصنا من عقدة البحث عن رضاء الاخرين . قد يتعذر علي ذكر الاغراض المضافة ولكن قصيدة النثر توغلت بشكل مرتب الى عالم يحتدم فيما بينه وهناك تحرك ثوابت كان البعض يراها صنما لايتزعزع واختفاء ظاهرة المعسكرات الغربية والشرقية وبروز ظاهرة فوضى الاتصالات وتحول الارض الى مجزرة صغيرة يأكل فيها القوي الضعيف والقوي القوي لست أبرز وجوه الاغراض هنا ولكن ظهور المهادنات وغيره من محاولات التقريب له علاقة حميمة بتأثير التكنولوجيا وسرعة العصر . هناك نتاجات كثيرة ربطت بين الغربة والغربة داخل الغربة التي تفوق الحداثويون في صياغتها , وهناك تفشت ظاهرة انشطار الغرض وبلوغه تسميات أخرى لاتختلف عن روحيته القديمة ولكن يصعب حصره باسمه القديم , مثل القصيدة ( النص )التي تحمل رثاء الاهل لتصب جام غضبها على مسببات كثيرة اهمها السياسية كما حصل لدى شعراء العراق من كتاب هذا النوع النثري الخالص فانفرد الطرح من الوجداني الى الهم الجماعي كي تكرس التجربة ذاتها من حميمية خاصة يبثها عدم التلكأ والتمسك بواقعية الحدث اليومي مع ربط يشبه التمسك بعقيدة الحزن والبكاء العراقي الطويل وهذا مالم نراه بهذه الجودة على مدار ازمنة شعرية عراقية سابقة . لذا خرجت القصيدة من عباءة لتبقى كما هي دون من يضيف فالمقصود المعنى وبروز الغرض الممتزج بالموسيقى والنسيقة التي لاتنخر صلابة الشعر وحقيقة الشعر فليس بقاء البيت بشكله القديم يعني وجود الشعر هاهنا لا بل ان الشعر مرتبط بالخلق وتأثيره وحسن الملكة والاف الصفات والدليل استمرار الكابة وبروز اغراض جميلة لايمكن الوقوف على مسميات لها لان الروحية مختلفة فنحن في عصر يضع لوحة فيها خيمة وناقة فلايسكن الخيمة ولايمتطي الناقة يقول محمد الماغوط إن تسكنَ وجهكَ موجةٌ لا تعترف بذنوبها. أن تدخلَ ثوبَ التشرد، فيكون تيفالاً لسهرةٍ لكَ في أعالي البوستر. أن تستمعَ للوردّ ناطقاً رسمياً باسم الحرائقِ. أن تحتسيّ حياتكَ كأساً مع العواصم متابعة حقيقية هو مانريده لكتاب القصيدة الحديثة فليس الضروري الخروج بمجموعة تنافس مجموعة للسياب ولكنها تنافس البياتي والحيدري ودرويش وقباني دون مبالغة لان السياب قاعدة لايمكن المرور بها بتجربة فتية مثل هذه الكتابة الحديثة العهد . نعم ان قدم النثر لدى الغرب وغيرهم لاينفي حدثها لدينا داخل مجمعاتنا التقليدية التي تمسكت بالشكل والقياس بشكل مرعب ! هناك تجارب فريدة حاولت تقمص جميع الادوار فكتبت قصائدها النثرية بروح تتصل بالماضي خارجة عما هو معروف وبذلك خرجت للضوء كمنافس له جذور كما اثبتت القراءات انها بابلية واشورية وغيرها من الحضارات القديمة . وتطور هذا النوع لم يتم الابحار فيه بشكل مقنع وبحثه كون النقد لازال يقع تحت يد القدماء اللذين ثبتوا على موقف واحد لااكثر , وهكذا تأرجحت عملية البحث المجدي عن ماهية الغرض الشعري فيه وارتباطه الوثيق بمجريات الحياة وعلاقته بالمكان الذي تخرج منه النص أو الكتابة . نعرف ان البعض يرى قصيدة النثر يجب ان تكون قصيرة ومكثفة فتبدو كائنا له خصوصيته التي تميزه وعملية البحث عن عالم البيت الشعري هنا قد تتأثر بالمقاييس القديمة التي يطالب بها رافضو هذا النوع المهم في أدبنا الحالي بل أن كتابة الشعر منحسرة الان وبشكل مذهل فيه , ليس هناك صعوبة تذكر في تسمية الغرض كما أسلفت وكلما قيل عن هذه الكتابة لايخرج من باب الكلام التنافسي والنقد المنافس لاأكثر , فقصيدة النثر متهمة بانها تكرر نفسها وخالية من الغرض الشعري الذي يكتنف العمل الشعري القديم والحديث ( التفعيلة ) وقد دافعت عن نفسها حين حافظت على خصوصيتها ومن خلال متابعتنا لبعض النتاجات وجدنا قصيدة النثر حافظت على الامكنة التي تكتب فيها وان ألبسها البعض بيئة أخرى, بدايات الشعر كانت نثرية ولها موسيقاها الخاصة وما اكتشف من أثار أدبية في بلادنا دليل على أن الشعرالعربي الموزون والمقفى كان نوعا من الحداثة آنذاك حين خرج بهذا الشكل بعد تجارب نثرية خالصة والاغراض الشعرية مثل الاناشيد وغيرها كتبت بشكل قريب من الكتابة الحالية حيث اعتمدت على الابيات القصيرة ( التكثيف ) , والغرض تطور من بيئة دينية في المعابد الى الصحراء وروح الوقوف على الاثافي الى الرسالة النبوية الكريمة الى مراحل متناوبة بلغت فيها الشعرية هذه الدرجة التي هي عليها اليوم ولست اقصد ان قصيدة النثر هي الشكل النهائي للتطور بل هي بداية لمراحل متعاقبة لن تنتهي , يقول سعدي يوسف في الخطوة الخامسة ( مجموعة شعرية) في قراءة للغربة حيث يعكس قلقه وصراعه مع الايام فيولج غرض له علاقة بالوحدة والملل والحزن والكثير من مفردات الغربة داخل مقطع مكثف . هذه الظاهرة موجودة لان حياة الشاعر ملكه وحده وتوظيف الشعور تابع له أما كيفية خروجه وبأي شكل فتترتبط بمدى تأثيره بالمتلقي . الأمرُ بســيطٌ – فالأيـامُ تطولُ الأيامُ ، جميعاً ، كالآحادِ ، تطولُ ولكنّ الشُّــرفـةَ حتى في المطرِ الصامتِ ، ظلّـتْ مفتوحةْ … البحث في تثبيت الغرض الشعري وايجاده والدوران حوله في هذا الطرح لايمثل ربط الشعر النثري بقصيدة التفعيلة وان اعترفت بان قصيدة النثر هي الابن الشرعي للشعر العربي بكل اطيافه بل للتأكيد على أهمية هذه الكتابة ومقدرتها على الاستمرارية فلو اني أجزم على سبيل المثال بعدم وجود الغرض الشعري بعينه فهذا لايعني خروج قصيدة النثر من بيئتها الشعرية . أردت الدوران حول هذا النوع في رحلة طويلة للوقوف على وجهة هذا النوع وطريقته في الوقوف امام الانواع الشعرية الاخرى. وقد اتهم البعض هذا النوع بانه كارثة حلت على الادب العربي وأخذ جانب التناقض في التسمية حيث يسأل كيف تكون قصيدة ونثرا في آن واحد كما اتهم البعض ان هذا النوع يسيء للغة العربية ويقحمها في تراكيب غريبة بل واعتبرها البعض مشوهة للاسلام أعتقد ان صعوبة كتابة هذا النوع وايصاله بشكل مقبول فيبدأاصحاب الجهة الاخرى باخذ الموقف المتصلب لان العملية ليست كتابة مفردات وترتيبها بشكل مكثف كما يتصور البعض والدليل فشل الاف النصوص بل هي عملية خلق للخروج بكتابة معطاء توصلنا للمعنى بموسيقاها الخاصة وخصوصيتها المنفردة دون التقييد بظوابط لم يعد عدم التمسك بها خروجا من جادة الشعر . يمكن القول بان قصيدة النثرانها تطرح أغراضها مقابلة تراثها المكاني وتراث ثقافي مقتبس فنراه ( أي الغرض) نابع من رحم اصطدم بالاستعمار والدكتاتورية والقمع والعبودية وشتى أنواع التمييز العرقي والثقافي والطائفي . وهنا لو تفحصنا جيدا لنبحث في مقطع للماغوط سنجد زحمة من الاغراض الحديثة فهناك التغريبية الدائمة لديه والاحتجاج المزمن والحسرة الموروثة والهجاء المقيت والسخرية السياسية داخل سطور شعرية معدودة تعجز عن توفيرها قصيدة عمودية كاملة بل عدة قصائد . من أورثني هذا الهلع هذا الدم المذعور كالفهد الجبليّ ما ان أرى ورقةً رسميةً على عتبه أو قبعةً من فرجة باب حتى تصطكّ عظامي ودموعي ببعضها ويفرّ دمي مذعوراً في كل اتجاه كأن مفرزةً أبديةً من شرطة السلالات تطارده من شريان إلى شريان كان القدماء قد أشاروا الى تأثير النثر وقدرته على تدوين الاحداث كما أشار الجاحظ ((فقد صح أن الكتب ( أي كتب النثر) أبلغ في تقييد المآثر من الشعر)) ومن الحقيقي ان عملية التقيد بالقديم أدت الى عدم السير بعجلة الشعر والسبب واضح جدا فعلم العروض اصبح من السهل تعلمه فيصبح كاتب الشعر كمن يحفظ معادلة رياضية جامدة معروفة النتائج , ولعل تأثير النثر الواضح وطرقه المتنوعة في الايصال أدى الى الالتصاق والخروج بقصيدة النثر الحالية وليس من باب الدفاع عن قصيدة النثر فقط ولكن هناك أمر آخر لايقل أهمية الا وهو إبراز الوجه الاشراقي لهذا النوع الشعري ورفده بدفاع يستحقه كون التجربة لازالت خضراء يانعة وعملية الدفاع عنها تحتاج لردود برهانية تحمل في طياتها مشروعية الدفاع وعدم الركون الى المعاندة واظهار الرغبة في التغيير فقط , وطريقة التفرد التي تتميز بها قصيدة النثر الان على المستوى العالمي والعربي دليل قوي على حقيقتها ووجود الاسباب التي تدعو لبقائها . أتطرق هنا لقضية مهمة وهي اكمال لما بدأت فيه سابقا في معاول قصيدة النثروازمنة الحداثة العربية الى ثورة ادونيس الشعرية . alkabi66@hotmail.com
|
|
|
|