ما الذي يثير هذه القضيه
الطريفه التي يتجادل حولها النقاد والمبدعون في هذه الايام, فيتساءلون هل عصرنا
عصر الروايه او عصر الشعر؟ في ظني ان الجدل لا ينطلق من اقبال الناس علي قراءه
الروايه بقدر انطلاقه من ازمه في الشعر, فالروايه والشعر كلاهما فنان من فنون
القول يرضيان نزعات فطريه متاصله, وقد تتحول اشكالهما من عصر الي عصر, وتظل مع
ذلك حاجه الانسان الي ما وراء الاشكال من جوهر باق علي مر العصور.
وقد تبدو
الروايه في صورتها الحديثه فنا طارئا بدا يزاحم الشعر, لكن فن القصص والروايه شكل
من اشكاله فن قديم قدم الشعر يرضي حاجه الانسان الي معرفه الاخرين وشوقه الي
المجهول وحبه للمغامره غير الحقيقيه المامونه العواقب. وقد ظل هذان الفنان يعيشان
معا وتتحول اشكالهما من مرحله حضاريه الي اخري وتتحول معهما اذواق الناس وطبيعه ما
يلتمسون فيهما من متعه ومعرفه.
ما الذي يثير هذه القضيه الطريفه التي يتجادل
حولها النقاد والمبدعون في هذه الايام, فيتساءلون هل عصرنا عصر الروايه او عصر
الشعر؟ في ظني ان الجدل لا ينطلق من اقبال الناس علي قراءه الروايه بقدر انطلاقه من
ازمه في الشعر, فالروايه والشعر كلاهما فنان من فنون القول يرضيان نزعات فطريه
متاصله, وقد تتحول اشكالهما من عصر الي عصر, وتظل مع ذلك حاجه الانسان الي ما
وراء الاشكال من جوهر باق علي مر العصور.
وقد تبدو الروايه في صورتها الحديثه
فنا طارئا بدا يزاحم الشعر, لكن فن القصص والروايه شكل من اشكاله فن قديم قدم
الشعر يرضي حاجه الانسان الي معرفه الاخرين وشوقه الي المجهول وحبه للمغامره غير
الحقيقيه المامونه العواقب. وقد ظل هذان الفنان يعيشان معا وتتحول اشكالهما من
مرحله حضاريه الي اخري وتتحول معهما اذواق الناس وطبيعه ما يلتمسون فيهما من متعه
ومعرفه.
ومنذ بدايه العصر الحديث في اخريات القرن الماضي ساير الناس اتجاهات
الشعر واقبلوا علي قراءته والاستمتاع به منذ عصر الاحياء الي عصر التجديد, الي
المذهب الرومانسي ثم الشعر الحر. ذلك لانهم وجدوا في نصوص الشعر علي اختلاف
مذاهبها جوهرا باقيا يقدم رويه فنيه متميزه النفس والمجتمع والحياه والطبيعه,
ارضت لديهم تلك النزعه الفطريه الي مزج اللغه بالموسيقي, والارتفاع بها من مستوي
الكلام اليومي الي منزله القول البياني.
ولا شك ان لطبيعه عصرنا الحديث بعض
الاثر في انصراف الكثيرين عن الشعر, بعد ان غلبت الاتجاهات العلميه والعمليه
والتكنولوجيه وضعفت معرفه الناس باللغه, وزاد شوق الانسان الي معرفه الاخرين
واحوال المجتمع في المدن الكبيره المزدحمه بالمشكلات والاوضاع والنماذج البشريه
التي يحسن الروائي تقديمها الي القراء.
لكن لا شك ايضا ان هناك اسبابا تتصل
بالشعر نفسه حالت دون ان تتغير ازواق الناس لتقبل الجديد منه, كما قبلت من قبل
الوانا متعاقبه من الشعر. فلم يعد قراء الشعر الحديث يجدون في رويته الباطنيه
وصوره الغامضه واساليبه المفككه رويه فنيه لحياتهم ومجتمعهم. وزاد من احساسهم
بالغربه نحوه فقد لا يقل عن الشعر غموضا, يعتمد علي مصطلحات مترجمه ترجمات
عاجله, يسرف النقاد في استخدامها ويجدون فيها مفاتيح لكل نص مستغلق, وان ظل علي
استغلاقه لدي القراء.
ولعل اكثر ما دفع الناس الي الزهد في الشعر والانصراف
عنه الي الوان من فنون القول اكثر احتفالا بشوون الحياه وعالم النفس المرتبط
بالحياه والمجتمع, هذا اللون الجديد من الوان النثر الفني الذي يعرف باسم قصيده
النثر وقصيده النثر نص يعترب الي حد كبير من طبيعه الشعر ولا باس من ان ينسب الي
القصيده وان اثار المصطلح كثيرا من الجدل, علي ان يكون فيه من العناصر الفنيه ما
يتبرر نسبته الي الشعر.
وقصيده النثر في الغرب الذي نحتذي كثيرا من نظرياته
ونصوصه في هذا المجال شكل من اشكال النثر الفني لا يثير كل هذا الجدل المصطنع الذي
نشهده في حياتنا الادبيه هذه الايام, ولا يقدمه مبدعوه بديلا من الشعر.
اما
عندنا فقد بدات المحاولات الفنيه اول الامر في كثير من الاستحياء ثم ازداد كتاب
النثر الشعري جساره فاسقطوا الاشاره الي النثر واصبحت اعمالهم تنسب الي الشعر
وحده, وتحول كثير من الشعراء الذين كانوا يبدعون شعرا رفيع المستوي الي ذلك الشكل
الجديد الذي اصبح يقدم لا علي انه شكل جديد من اشكال النثر الفني بل بديلا من الشعر
نفسه.
كان الشاعر جمال القصاص يبدع شعرا في كثير من نصوصه قدر ملحوظ من
الاجاده والتميز, وله في ذلك قصيده رثاء لشاعر شاب اسماها رماد الاردواز هي من
اجمل النصوص. عند جيله من الشعراء. ثم تحول مثل كثيرين غيره الي قصيده النثر
الطويله والبالغه القصر, فبدا كانه شاعر اخر فقد وهج الشعر والسيطره علي اللغه
والموسيقي والقدره علي التصوير والرمز والايحاء يقول في قصيده بعنوان هاملت في
المطبخ:
غساله الاطباق معطله
البصل حار يلسع العينين
والثوم يستثير
حساسيه الصدر
هاملت تحت الدش:
لا ماء في الصنبور
والفار في البلاعه
الفار تحت الحوض
هاملت فوق السطح:
الشمس حارقه
الغسيل لم يجف
والعصافير زقزقت علي الياقات والاكمام
هاملت داخل الصف:
خارج الرصيففي
المقهي
علي الرصيف
هاملت* هاملت
هاملت او لا هاملت
تلك هي المساله!
مسكين هاملت! لقد حاول كثير من المخرجين المعاصرين ان يصوروه علي المسرح باسلوب
عصري وتاويل جديد, لكن احدا منهم لم يلحق به ما الحقه به جمال القصاص من مهانه!
ولا شك انه اراد يقدم صوره جديده للمثقف العصري الذي يعيش حياه الصعلكه والوحده في
المدينه لكن يبقي بعد ذلك سوال: اين الصيغه الشعريه في كل هذا الغثاء؟ ومع ذلك
فهو صعلوك شديد الرفاهيه علي الرغم من تقشيره البصل والثوم ومجاورته للفئران فان
لديه غساله اطباق عنوان الرفاهيه البالغه في المطبخ الحديث!
وليس مثل هذا
الابتذال بغريب علي كثير من نصوص قصيده النثر, وقريب منه قول عماد صالح في نص له
بعنوان نيرمين: لولا المساحيق لبدت بشعه جدا, نيرمين!
ثم ان مطبخها الصغير
به بقايا فاصوليا
واوان كثيره وسخه!
وقد يتقبل القاريء في الروايه او القصه
القصيره الحديث عن البصل والثوم والفاصوليا والاواني الكثيره الوسخه, اما في
الشعر فلابد ان يكون للشاعر قدره بيانيه فذه تجعل من المبتذل خلال مفردات وابنيه
اسلوبيه ومجازات ورموز صورا شعريه بعيده عن وجودها المبتدل في الواقع, وان احتفظت
بما يريد لها الشاعر من دلاله.
وكان الشاعر ناصر فرغلي يقول شعرا حديثا علي
مستوي جيد, ثم تحول الي قصيده النثر وامعن في استخدام اللغه المتداوله انسياقا
وراء مصطلح ومضلل ترجم ترجمه غير صحيحه هو التداوليه, ثم خلط العربيه بالامريكيه
العاميه في ادني مستوياتها. يقول في نص من مجموعه بعنوان رومنطيقا!
الي
امهاتهم عادوا
عشاق مبتدئون
اكتفوا بتقبيل ورسم للخرائط
والي كنائن عامره
بالرطوبه والجنس
وسط بركه صناعيه رجع بط ولقالق
بامر من الله يجنت بارك مظلمه
ولا قمر في لندن, ليطول انتظار الامهات
ماري! الم اقل لك:
لا تخرجي مع
هذا الفيكتور الشيوعي؟
لقد انسكبت علبه البيره من يد بيتر علي ملابسي
هذا كل
ما في الامر!
ماري ليست مومسا.. نا لا اسمح!
ثم انها كاثوليكيه مثلنا
هنيئا لك ياسميث بابن سكير وشاذ
GOToHell
Bitch،qeler
IichOff
والعباره الانجليزيه الاخيره عباره مبتذله تجري علي السنه العامه في امريكا عند
الغضب, وتقابل في العاميه المصريه الخاليه من ابتذالها غور.. او انجر.
واذا كان قاريء هذا النص من عشاق الشعر فان له كل الحق والعذر في ان يفر منه الي
الروايه وان لم يكن له بها صله خاصه.
ويظل السوال عقب قراءه مثل هذه النصوص
قائما: لتكن دلاله النص ما تكون, ولكن ايدر صيغه الشعر بمعناه العام الذي يظل
في وجدان الناس من وراء المذاهب والاشكال الشعريه المختلفه؟
ومن الشعراء الذين
تحولوا الي قصيده النثر بعد نصوص شعريه لا تنقصها الحداثه ولا العصريه, علي
منصور. يقول في نص بعنوان بينما في ازار:
بينما فتي كان يلتذ من ذكري قبل ان
ينام
بينما لص كرشق سكين يقفز من ترام
بينما محمد عيد يحوم حول كتاب السيوي
في المشربيه
بينما انا متشجعا اخبيء كونستانتين كفافس مترجما الي الفرنسيه بينما
عفيفي مطر في سجنه.. واللباد في الاهالي
يسوط قبيله البعير
وحدها ساعه
الميدان
كانت تنبهني لموعد المترو الاخير!
ولا شك ان ما يتضمن النص من
اسماء واشارات يحمل دلالات نفسيه خاصه عند صاحبه, لكنها تبدو خفيه او غير مفهومه
لقاريء ليس له معرفه سابقه بها. وقد يتساءل القاريء: لماذا يخبيء صاحب النص
ديوان كفافس.
وما الفرق اذا كان قد قراه بالفرنسيه او بالانجليزيه او
اليونانيه؟ وما قبيله البعير التي يسوقها اللباد؟
ثم السوال القائم دائما: اين
الشعر في كل هذا؟
وامام امثال هذه النصوص التي تنسب قسرا الي الشعر, توقف قراء
الشعر عن مجاراه الجديد كما كانوا دائما يجاورنه بعد شيء من العجب او التردد,
وعجزت اذواقهم عن تقبله والتمسوا متعتهم الفنيه في نصوص لا تخلو مع ما فيها من
نظريات عصريه جديده من اشارات الي حالات نفسيه وقضايا اجتماعيه وروي للكون
والطبيعه, يجدونها في القصه القصيره والروايه وبعض النصوص المسرحيه الجديده..
ثم في الدراما التليفزيونيه التي غطت علي القصه والروايه والمسرح جميعا!
نقلاً عن جريدة
الأهرام