ماري
دانيال شقيقة الشهيد المصري مينا
تتبع خطاه
ندوة
- هونج كونج - 27 يوليو 2012
قبل أن يرحل مينا دانيال - ابنُ الـ 21 عامًا يومَ
قصفته رصاصات قناصة في التاسع من أكتوبر عام 2011-
كانت الشقيقتان ماري وشيري تشدان على أيدي بعضهما،
كَيْ لا تُصاب إحداهما، يومَها تظاهر عدد كبير مِن
الأقباط المصريين احتجاجًا على حرق كنيسة مار جرجس
"بـالماريناب" بمحافظة أسوان، لكنّهما لم تكونان
تعرفان أنّ هذا اليوم، يوم أحداث ماسبيرو، سيكون
الأخير في حياةِ مينا، الذي تحوّل إلى شهيد ورمز
لفظاعة ما يقترفه البلطجيون وأعوانهم.
أختُ مينا، ماري (42 عامًا)، لا تزالُ تلبسُ
الأسود احتجاجًا على قتلِ شقيقها بدمٍ بارد، فهو
كما تعتبره ليس الأخ فقط وإنما "الابن" الذي لم
تلده، فهي التي احتضنته مباشرة بعد ولادته، بسبب
مرض والدتها، ورعته طفلا ثم شابًا يافعًا، يمشي
على الأرض، حتى رحل عن الدنيا.
ماري التي أدلت بصوتها في الجولة الأولى من
انتخابات الرئاسة لصالح حمدين صباحي، قررت كما
تقول "المقاطعة"، كي لا تخون ثقة شقيقها مينا، فهي
لا ترى في أحمد شفيق رئيسًا، وتعتبر أنّ الإخوان
المسلمين سيكونون سلطة بلا تنفيذ، طالما استمرَ
المجلس العسكري الآمر الناهي، وأنّ "اتفاقيات
مشبوهة وسرية"، ستجعل من الرئيس القادم "طرطورًا"
بيد العسكري.
بلهجتها المصرية، قالت ماري: "الأمومة مش بس احساس
دا حقيقة، إنه ابني الذي لم ألده من رحمي"، منُذ
ولادة مينا، تكفلت بتربيته، امي كانت ترضعه، لكنني
كنتُ أعتني به، أنا والدته، كان كل شيء في حياتي،
لم يُرد الله أن يمنحني الأمومة، في زواجي، فصرتُ
أمًا حقيقية لشقيقيْ مينا وشيري، علمًا أنّ
الأشقاء الخمسة تزوجوا، وبعد رحيل مينا، آخر
أشقائي، بقيتُ أنا وشيري (25 عامًا)".
دون إلحاحٍ مني تحدثت عن شقيقها: "إنه كان يشعُر
بالظلمِ والقهر، منذُ صغره، كان يشعرُ بالقهر تجاه
طائفته، ويعلم تمامًا أنه اضطُر مع عائلته لمغادرة
نجا حمادي هربًا مِن الظلم. ثم سافر معنا إلى
القاهرة، لنستقر هُنا عام 1992، ولنعِش بجوار
المسلمين، فكانت بيننا مودة ومحبة كبيرة، جعلته
يُدرك أنّ هُناك مَن يستهدف هذه المودة بين
المسلمين والمسيحيين. كَبِرَ مينا، وهو يحلُم
بالعدالة، لذا انضم إلى شباب "الحرية والعدالة"،
وسرعان ما انطلقت الثورة في 25 يونيو 2010، فكانَ
مينا من أوائل الشباب الذين نشطوا على الفيسبوك
وفي الميدان. كثيرون لم يعرفوا أسمه، ولا ديانته،
لكنهم أحبوه، ووقفوا إلى جانبه عندما أصيب برصاصة
في صدره وفي رجله، وهو الذي ظلّ يقف على رجليه
ويمشي في قلب المعركة، لكنه في المرة الأخيرة لم
يستطع أن ينجوا من رصاصاتٍ اصابته في صدره وفي
ركبته".
تقول ماري: "كان يقولي دايمًا الثورة جاية.. جاية،
اضحك، مكنتش فاهمة يعني ايه ثورة، لما عشت وياه
الثورة، دقت حلاوة الثورة، حسيت لأول مرة انه مفيش
فرق بين مسلم ومسيحي، بين فقير وغني، بين دكتور
وبين شحات، كنا نتمنى ان مصر كلها تبقى الـ 18
يوم، اللي عشناهم في ميدان التحرير، كانت ايام
حلوة، وبعدها قللي مينا: صدقيني الثورة ح ترجع".
تشي جيفارا المصري!
ماري تشبّه شقيقها مينا بتشي جيفارا المصري، لكنها
لم تكن تعرف جيفارا قبل أن يلفت نظرها شقيقها
اليه، فقرأت عنه، وعرفت شخصيته، وعرفت ايضًا لماذا
استحقَ مينا لقب "تشي جيفارا، ليس لأنه يُشبهه
شكلاً، وإنما لأنّ وفاته أيضًا جاءت درامية
مشابهة، تاريخٌ مُشترك هو التاسع من اكتوبر، وبضعُ
رصاصاتٍ من الجيش".
وكيفَ تشعرين في غيابه؟!
قاسية هي الأيام بدونه، لقد ترك لي كل شيءٍ،
أوراقه، صوته كلماته، صوره، لا زلتُ أحتفظ
بكتاباته "باسم الله الذي خلق الحب في قلوب البشر"
,"باسم الحب الذي زُرع في قلب مينا. وفي أحيانٍ
كثيرة، أحاول الهروب مِن أشيائه، كي لا تتعبني
جدًا، كما أشعرُ في كل مرة أرى حروف قلمه على
دفاتره".
وتضيف: "أشعر أنني فقدتُ ابني الوحيد، أيُ أمٍ تلك
التي تستطيع تحمُل غياب ابنها عنها. ومينا كان
يُسمي نفسه الخالد، وتحدث عن الاستشهاد ورأى فيه
شيئًا عظيمًا يتمناه، لكنني لا اتقبل هذا الغياب.
فمينا كان صديقي ايضًا، تعلمتُ منه اشياء كثيرة،
فكيف اعوضه؟! تختلطُ مشاعري بين الحزنِ والفخر. ثم
إني اتحدث اليه كثيرًا، اكتب له رسائل عبر
الفيسبوك، منتظرة ان يصلني منه رد".
|