ف |
شعر مترجم |
قصيدة النثر قدمتنى إلى القارئ الفرنسي بعد ترجمة نماذج من أعمالي إلى الفرنسية التعدد هو الأصل في التشريع الإبداعي .. وأفتح قلبي لقصيدة التفعيلة وغيرها أخطر الأفكار المستقرة في الوجدان الحداثي الاعتقاد بان الحداثة قطيعةٌ معرفيةٌ مطلقةٌ مع التراث إفراط القصيدة الحديثة في الذهنية مرجعه الروافد الفلسفية لمدارس النقد الحديث.
ندوة - هونج كونج أحمد عطية - القاهرة
هو كاتب وشاعر وقاص مصري، نُشرتْ أعماله في القصة والشعر ونقد الخطاب الشعري في العديد من الإصدارات والدوريات العربية المتخصصة..أحيا العديد من الأمسيات والأصبوحات الشعرية في مصر والبحرين.. تُرجِمَ عددٌ من قصائِدِهِ ( الفصحى) إلى الفرنسية.. كما تمَّ ترشيحُ بعضِ قصائده لتترجمَ إلى الإنجليزية والصينية في انطولوجيا من المنتظر صدورها عبر موقع الندوة العربية في الصين.. قدَّم نَّصهُ الشعري من خلال بعض برامج الإذاعة في مصر والبحرين، كما تناولته مجموعة من الدراسات النقدية لعدد من الباحثين والنقاد العرب من بينهم الدكتور عبد القادر فيدوح من الجزائر، و الدكتور محمد الداهي من المغرب، و الدكتور منذر عياشي من سوريا والأستاذ صابر الحباشة من تونس... صدر له :"المنشور الذي خان زاوية السقوط"، شعر القاهرة 2006 م.. وله تحت الطبع مجموعة قصصية بعنوان " الرفَّا"، وديوان بعنوان " كلمات من طين الصعيد " و"الانتهاك ولعبة التجريب في الخطاب الشعري الحديث" نقد. إنَّه الشاعر والكاتب المصري ياسر عثمان، الذي كان معه هذا الحوار الذي يضيء جانباً من تجربته الإبداعية: * بدايةً هل كنت تخطط لنفسك أن تكون شاعراً أو قاصاً وكاتباً؟ أم جاءت المسألة دون تخطيطٍ منك؟ ** كنت قد شددت رحال حلمي منذُ المرحلة الجامعية لثلاثِ أمنياتٍ لا رابع لها: فإمَّا أن أكون مذيعاً في التليفزيون ، أو صحفياً بإحدى الصحف الكبرى، أو ملحقاً دبلوماسياً بوزارة الخارجية وهذا ( ما جعلني ألتحق بقسم العلوم السياسية بجامعة أسيوط ).. وهذه الثلاث التي ذكرتها لك، كنتُ أظنُّ أنَّها تحتاج أول ما تحتاج للثقافة والمعرفةِ واللباقة والحضور شروطاً لتحقيقها، ولذا قرأتُ بنهمٍ، واطلعت كثيراً على ما في جعبة مكتبات الجامعة من كتب ومطبوعات، فوجدتني ذات مرة أشعر بدبيب الحرف يجري في دمي، فكتبت أول سطوري الإبداعية رثاءً لموضوعية عددٍ من أساتذتي في الجامعة، وقد رأيتها( أي موضوعيتهم التي حدثونا عنها وعن فولتير بوصفه واحداً من مناصري الموضوعية والرأي الحر والحيادية) تتحطم أمامي على صخرة النفوذ، وكانت تلك القصيدة، على الرغم من كونها جمعت بين النثرية والتفعيلة دون قصد- كانت من التأثير بحيث أبكت زملائي في الجامعة من أصحاب الأحلام الكبيرة في زمن ضاق بالكبار إذ يحلمون، وهكذا كانت بدايتي مع الشعر.. وشيئاً فشيئاً وجدت القراءة تقودني أكثر للكتابة المتنوعة التي جعلتها شرطاً آخر يعزز من قدرتي على تحقيق واحدة من الأمنيات الثلاث التي ذكرتها لك، فملت للشعر والقصة معاً، وبدأت بعدها أقرأ في النقد وفي الفلسفة وفي مختلف المعارفِ، واهماً أن الثقافة والإبداع سيحققان لجنوبيٍّ بسيطٍ مثلي، تربى في أعمق أعماق الريف المصري أحلامَهُ المشروعة. نعم لقد كانت أحلامي مشروعةً من وجهة نظري ( على الأقل)، لكنها للأسف أفقدها واقع النفوذ والوساطة والمحسوبية في قاهرة المعز مشروعيتها،فلقد حاولت كثيراً وتقدمت لأكثر من اختبار، فلم أفلح في عبور الطريق إلى عالم الدبلوماسية، ولم أجد في أحضان الصحف المصرية مساحةً من الودِّ للجنوبيين الذين تعروا وجُرِّدوا من ثياب النفوذ من أمثالي، أمَّا شاشة التلفاز التي تقدمت خاطباً إيَّاها عدة مرات فقد رفضتني وضاقت بي وحدي، على الرغم من اتساعها لكثيرٍ ممن لا يعرفون مواضعَ كسر همزة إنَّ وفتحها( ما يؤكد أن الأمر فيه إنَّ)... وهكذا مات الحلمُ، أو قل ماتت الغاية، ولم يبقْ لي إلا الوسيلة التي أصبحت غايتي فيما بعد (أو قل لم يبق لي من سعيي الخاسرِ إلا الشعر، كلماتُ الشعر،عاشت لتهدهدني، لأفر إليها، من صحب الأيام المُضني على رأي عمنا صلاح عبد الصبور رحمه الله ، وهنا يمكنكَ أن تضيف إلى مستثنى صلاح عبد الصبور مستثنيات أخرى في حالتي الماثلة أمامك، إذ يمكنك أن تضيف القصة والمقالة النقدية،أو فلنقل الكتابة بوجهٍ عام).. لم يبق لي سوى الشعر والكتابة التي فتحت لي نافذةً باتساع الكون على عاشقي الحرف ومحبي الكلمة المبدعة.. وعلى الرغم من أن سن القلم أضعف كثيراً من سنِّ إبَرِ النفوذ والوساطة والمحسوبية، فإنَّ لحروفهِ أسناناً لا يثنيها اليأسُ، ولا يحدها العالم على الرغم من اتساعه.
شاشة التليفزيون ** انطلاقا من جملتك الأخيرة أسأل ما الذي أعطاه لك القلم على الرغم من ضعف سنِّه؟ ** أشياء كثيرة ، يكفي أنه على الرغم من ضيق شاشة التليفزيون المصري بحلمي في أن أكون مذيعاً لديها للأسباب التي ذكرتها لك عاليه، فقد استطعت أن أكون واحداً من أهم كتاب وقراء الـscript الدعائي والإعلامي، والتوثيقي في العالم العربي، ما جعل بعضَ الشركات الكبرى تسند إلي في أكثر من مرة مهمة كتابة وقراءة التعليقات الخاصة بأفلامها التسجيلية والوثائقية التي تُعِدُّها، مفضلةً في ذلك صوتي وقراءتي وأسلوبي في الكتابة، عن كثير من المذيعين المحترفين لدى التليفزيون والإذاعة. بالإضافة لقيامي بتدريب عددٍ من المذيعين الجدد أثناء فترة عملي بإحدى الإذاعات الخاصة، وهذا ما فتح أمامي نافذةً من نوافذ العيش لي ولأسرتي ولله الحمد، ما يعني أن القلم، إن لم يكن سبباً مباشراً للعيش، فقد كان سبباً غير مباشر ضمن مجموعة من الأسباب الأخرى التي سخرها الله لي، لتهيءَ لي سبيلاً للعيش. فمهما استحكم النفوذ والوساطة حلقاتهما أمام الأحلام ستظل هناك نافذةً مفتوحة لمنْ يجد ويجتهد ويصبر. الاصل هو التعدد * الى من يهرع ياسر عثمان عندما تنتابه لحظة الوجد الإبداعي الحقيقية الي قصيدة التفعيلة؟ أم قصيدة البيت؟ أم قصيدة النثر؟ أم الى الكتابة النقدية؟ ** أنا كاتب يُحبُّ التعدد ويراه الأصلَ في التشريع الإبداعي، لذا فإنِّي أفتح أبوابي و نوافذي لكل حسناء، تريد الدخول إلى عالمي الإبداعي، سواءً كانت تلك الحسناء قصيدة تفعيلة، أو قصيدة بيت، أو قصيدة نثر، أو قصة قصيرة، أو خاطرة أو مقالة نقدية، ففي كل لون من هذه الألوان الإبداعية عالمٌ يتمايز ويتماهى مع غيره من عوالم الإبداع، ما يجعلك تجسد المثل القائل " لكل كأسٍ مذاقها الخاص بها"، واختلاف المذاقات هذا، هو ما يغريني للتحليق في كل هذه العوالم واختراق آفاقها الجذابة. أنا أحدثك عن نفسي بصراحة في موضوع التعددية الإبداعية وأقول: لقد كان لقصيدة النثر فضلٌ كبيرٌ عليَّ، إذ قدمتني للقارئ بالفرنسية، بعدما تم اختيار مقطعات تنتمي لقصيدة النثر من ديواني الأول" المنشور الذي خان زاوية السقوط" قبل صدوره لترجمتها للفرنسية، وقد تم نشرها إلكترونياً. كما كان لقصيدة التفعيلة الفضلُ نفسهُ، عندما تم ترشيحُ قصيدَتيَّ: " الطحلب المغرور" و " القشة الحمقاء" ضمن انطولوجيا أَعْلَنَ عن نيتهِ في إصدارها بالعربية وبالصينية وبالإنجليزية، موقع الندوة العربية في الصين. الخلاصة حول إصراري على التعدد تكمن في أن كل جنسٍ من الأجناس الأدبية التي اكتبها له فضل عليَّ، ما يجعلني أتشبث بهذا التنَوُّعِ للعيش في أكثر من عالم، والسباحة في أكثر من بحر، ومن ثمَّ العيش أكثر من حياة. محمد جبريل * ولماذا الإصرار على التعدد، فيما يرى البعض حرمة التعدد في شريعة الإبداع؟ من يرون أهمية التخصصية في مجال الإبداع فكثير من المشروعات النقدية الكبيرة في العالم العربي هي في الوقت نفسه مشروعات شعرية أو قصصية أو روائية بامتياز، ولنكتفِ هنا بذكر بعض النماذج الكبيرة من هذا النوع في عالمنا العربي، إذ تقف تجربة الناقد والكاتب والروائي العربي الكبير الأستاذ محمد جبريل شاهداً على ذلك، وكذلك تجربة الشاعر والناقد المبدع عبد العزيز المقالح، وتجربة الشاعر والروائي العربي المتميز إبراهيم نصر الله وقد حلقت إحدى رواياته في فضاء البوكر العربية، حتى وصلت إلى مصاف الروايات الست التي نافست على الجائزة في دورتها الأحدث. والقائمة طويلة جداً في سياق الحديث عمَّن يجيدون السيرَ في أكثر من دربٍ، من دروب الكتابة الإبداعية. قصيدة النثر * قبل أن نبتعدَ كثيراً عن موضوعية التعدد هذه، أودُّ أن أسأل عن السجال المستمر حول قصيدة النثر الذي ما يكاد ينطفئ حتى يعاود البعض من المبدعين والنقاد اشعالهُ من جديد؟ كيف ترى هذا السجال؟ وكيف تفسره؟ ** ولدت قصيدة النثر لتقف شاهدةً على تغير مفهوم الشعر والشعرية وتطوره كثيراً. كما أنها دربٌ إبداعيٌ جميلٌ من دروب السهل الممتنع، ولذا فهي تستقطبُ المواهبَ العملاقة التي تعرف كيف تعزف على أوتار هذه القصيدة، وأيضا تجتذب نحوها أنصاف المواهب ممن سعوا، ولا يزالون يسعونَ للحصول على لقب شاعر بأي ثمنٍ، ولكن دون جدوى. فكما أن هناك أيضا العباقرة الذين تأسرك حروفهم وأنت تقرأ لهم قصائدهم النثرية مثل الرائع الراحل محمد الماغوط الذي ترك وراءه لمحبي الشعر إرثاً غنياً من هذا اللون الإبداعي السهل الممتنع فهناك – أيضاً - من الصحفيين وأصحاب النفوذ الإعلامي من سوَّلت له نفسه أمراً، فأراد أن يَنْثرَ كلماتٍ - ليست من الشعر في شيءٍ - هنا وهناك مستخدماً نفوذه الإعلامي بغية الحصول على شرف الانتساب للشعر ومصاهرة الحرف. الغموض *يرى البعض أن التلقي ينصرف شيئاً فشيئاً عن الشعر لصالح ألوان أخرى من الإبداع فلماذا هذا الانصراف؟ هل سببه غموض الحداثة الشعرية ؟ ** لن أجادل معك كثيراً في مسألة الغموض هذه، ذلك لأنها مسالة موجودة بالفعل في ذهن القارئ في كثير من الأحيان( مع إيماني أن بعض الشعراء من أصحاب الموهبة المتواضعة هم أنفسهم لا يعرفون ما يكتبون فيكتبون نصوصاً لا تقول نفسها، ولا تقول شيئاً آخر)، وإنما سأجلِّي لك مسألة الغموض هذه في أمرين، يتعلق أولهما بطبيعة العلاقة بين القارئِ والنَّص، أمَّا ثانيهما فيتعلق بمُنتجِ النَّص( الشاعر) نفسه. ففيما يخُصُّ العلاقة بين القارئَ والنَّص، فإنه لم يعد القارئ - كما كان في السابق - مستهلكاً للنَّصِّ فحسب، وإنما أوجبت عليه نظريات النقد الحديثة أن يكون شريكاً في إنتاجه، وهذه الشراكة لا تنجح إلا من خلال قارئ مثقف يُنَمِّي ذائقته باستمرارٍ، وبشكلٍ يومي، لكي يُنتِجَ - من خلال العلامات الموزعة عبر النص الشعري - منظومته الدلالية الخاصة به،هذا ناهيك عن المنظومة الدلالية التي يقولها النَّص نفسه؛ ذلك لأن القول الإبداعي، يختلف عن غيره من دروب القول الأخرى، إذ إنهُ يقول نفسه ويقول شيئاً آخر مؤجلاً على لسان التلقي/ القارئ. وهذا النوع من القراء قليل جداً وذلك لتراجع المشهد الثقافي العربي كله، ولتدني معدلات القراءة اليومية للمواطن العربي لأسباب عديدة يعلمها القاصي والداني، ولو تكلمت فيها فسيكون كلامي من قبيل الفضل الذي لا فائدة منه. هذا فيما يخص علاقة النص بالقارئ، أمَّا فيما يخُصُّ الشاعر، فإنَّ الشاعر المبدعَ، هو من يرتبط بلحظته الراهنة ارتباطاً وثيقاً، والشعراء الحقيقيون هم أكثر الناس وعياً بتجليات اللحظة الراهنة في الفكر والثقافة والخطاب، وأقصد باللحظة الراهنة هنا لحظة إنتاج القصيدة.وأمَّا الوعي الذي أشير إليه إنما يتكون وفق ما يفرزه المشهد الثقافي عامةً والمشهد النقدي خاصةً، ذلك المشهد الذي أفرز البنيوية، والتفكيكية، والسيميائية والمقاربات اللسانية والنقد الثقافي.... بوصفهم جميعا نظريات في النقد والمقاربة والتحليل تجعل من القارئ شريكاً في العملية الإبداعية، وعليه فإنها تؤمن بأن النَّصَّ الإبداعي لا يقول نفسه فحسب، وإنما يقول نصوصاً جديدة ودلالات مفتوحة تنتجها عملية القراءة عبر مستويات متعددة من خلال التداول، ولذا فإن فتح النَّصِّ لا يعني غموضه، وإنما يعني التسليم بمستويات متباينة في التلقي، لذا فإن ما يبدو غامضاً لقارئٍ ما، قد لا يبدو غامضاً بالنسبةِ لقارئٍ آخر، يستطيع بفكره وذائقته وثقافته أن يجعل من الوحدات النصية مفاتيحَ لبناءِ منظومةٍ دلاليةٍ تخصه هو وحده، دون غيره من القراء. كل هذه المسائل تكون حاضرةً بشكل أو بآخر لدى اللحظة المبدعة، لكنَّها قد تغيب عن لحظة التلقي، ومن ثَمّ تحدثُ الفجوة، بل قل يحدث الغموض وتقعُ القطيعةُ بين النَّص والقارئ. النقد الحديث * لماذا تفضلُ القصيدة الحديثة أن تمتاح َمن الذهنية، ومن المشارب الفلسفية، بحيث أصبحت عملاً نخبوياً صرفاً؟. ** بين ثنايا سؤالك هذا ثمة طرف من أطراف الإجابة - أيضاً - على سؤالك السابق حول مسألة الغموض.كما أن ثمة علاقة بين السؤالين الذي يبقى لي هنا أن أفسره، هو تلك الذهنية والفلسفية العالية في القصيدة الحديثة، فأقول مكملاً كلامي السابق إن شعراء الحداثة هم من أبناء التفكيكية ، والسيميائية، واللسانية، والأسلوبية، إلى غير ذلك من مذاهب ومدارس النقد الحديث، قد تأثروا بآراء تلك المدارس، وتنظيراتها حول الإبداع والتلقي ودور القارئ، وموت المؤلف.....فوضعوها في مُخَيِّلَتِهم لحظة الإبداع، وأن هذه المدارس جميعها وأخص بالذكر التفكيكية، إنَّما تَمْتحُ من جذور فلسفية صرفة.
* عن صحيفة الشرق القطرية الصادرة بتاريخ 22 سبتمبر 2009م (بتصرف).
|
|
|
|