فاروق
شوشة: من يكتبون الشعر الصوفي الآن مجرد مقلدين!
فاروق شوشة شاعر من
العصر الجميل تعامل مع إبداعه وجمهوره أيضا برقي ونبل وإخلاص, لذا منحه الإبداع
الكثير من كنوزه التي لا يهبها إلا للأوفياء واحتل مكانة محترمة لدي قرائه الذين
قدروا له جميل وعيه بالاهتمام باللغة العربية من خلال شعره وبرنامجه الإذاعي المميز
لغتنا الجميلة وهو ما توجه بانضمامه إلي مجمع اللغة العربية ليشارك في تعزيز
الاهتمام بلغتنا.
المنتدي الأدبي كانت له هذه الوقفة المثمرة مع فاروق شوشة حول الشعر الصوفي وأسباب
ندرته حاليا وهو صاحب ديوان أحلي عشرين قصيدة في الحب الإلهي وكان هذا الحوار..
لماذا اختفي الشعر
الصوفي من ساحات الإبداع المعاصرة؟
الشعر الصوفي ليس له وجود في عالمنا الآن, وما يوجد منه هو ما تم إبداعه في ظل
التراث العربي وكتبه الصوفيون العظام من أمثال محيي الدين ابن عربي والفارض والحلاج
ورابعة العدوية وغيرهم.
أما الآن, فلا يوجد سوي الشعر الديني الذي يكتب في المناسبات الدينية تجاوبا مع
ذكري ما أو عندما يهتز وجدانه لمناسبة معينة بالاضافة إلي الابتهالات الدينية,
وهو ما يختلف تماما عن الشعر الصوفي الذي يتطلب إنسانا يتجرد من كل ما يربطه
بالدنيا من شواغل ويطل الصوفية علي هذه المرحلة التخلية أي أنه أخلي قلبه من كل ما
يشغله سواء أكان حبا للمال أم للجاه أم للولد وحل محله ما يسمي بالتحلية , أي حلي
قلبه بالإيمان.
والشعر الصوفي لا يصدر إلا بعد تجربة حقيقية في محبة الخالق وهذه المحبة لها
مقاماتها صعودا للوصول إلي اللحظة التي تشرق بها النفس بهذه المحبة.
وأين يقف شعراء
المناسبات الدينية من هذه الإشراقات؟
أصحاب الشعر
الديني منغمسون بالحياة الدنيوية ولا يربطهم بالحياة الصوفية أدني صلة, ومنهم من
يحرص علي تقليد السابقين ظنا منهم أنهم قد يصلون إلي الديوان الصوفي العربي.
دعنا نتذكر كيف
بدأ الشعر الصوفي؟
فكرة الحب هي أكبر فكرة شغلت الشعراء عبر كل العصور, بدءا من العصر الجاهلي وحتي
الآن, وقد بدأ الشعر الصوفي بفكرة حب الخالق ومحبته عز وجل وهي نابعة من القرآن
الكريم.
وكلمة تصوف تعني محبة الخالق, فالرسول[ قال: من أحب الله فقد أحبني ومن أحبني
فليحب أصحابي.
كما جاءت فكرة حب الخالق في القرآن الكريم, فالآية القرآنية تقول: والذين آمنوا
أشد حبا لله, وفي آية أخري يأتي الله يقوم يحبهم ويحبونه, مما فتح باب محبة
الخالق وهي مرتبة لا يبلغها أي إنسان, فبلوغها مقتصر علي شديدي الإيمان.
وأول شعر بلغ هذه المرحلة هو شعر رابعة العدوية وهي التي قالت: أحبك حبين من حب
الهوي وحبا لأنك أهلا لذلك. فأعلنت بذلك عن فكرة الحب الإلهي صراحة في الشعر,
ثم جاء بعد ذلك كثيرون ليكتبوا ويبدعوا في مجال الحب الإلهي في كل الأزمنة وفي كل
البلاد العربية والإسلامية, ومنهم الإمام الشافعي والسيد البدوي والسيد إبراهيم
الدسوقي وابن عطاء الله السكندري, وهم أئمة وعلماء دين ومتصوفة وشعراء أيضا.
وإلي من تنحاز
وجدانيا من شعراء الصوفية؟
أنا أقرب لابن عربي لأنه يسمي شيخ المتصوفة وهو صاحب كتاب الفتوحات المكية وعندما
أعادت الهيئة العامة للكتاب نشره حدثت ضجة لأن الذين يقرأونه ويأخذونه بالظاهر يرون
به شطحات وتجاوزات ولكنها في الحقيقة محبة خالصة للرسول وتأملات في الكون.
وله أيضا ديوان ترجمان الأشواق يعبر فيه عن محبة الله وأننا يجب أن نحب الله في كل
مخلوقاته.
ولا يتكلم عن الأسماء إلا باعتبارها رموزا للحقيقة المطلقة ويتجاوز هذا الأفق
الإنساني إلي سماء الحقيقة.
لذا فهو أقرب الشعراء إلي نفسي وإلي وجداني وشعره يحتاج إلي شروح كثيرة وتدقيق
لغوي.
وأحب أيضا ابن الفارض باعتباره شاعرا متصوفا له شروح متعددة ومنذ عدة سنوات قريبة
صدرت أول طبعة محققة لديوان ابن الفارض قام بنشرها مستشرق إيطالي مسيحي فقد اهتم
المستشرقون من غير المسلمين بالتراث الصوفي وترجموه إلي اللغات الأجنبية.
نتساءل: هل نحن
مقصرون في تراثنا الصوفي؟ وكيف السبيل إلي تجاوز هذا التقصير؟
الحقيقة أن التقصير يمتد ليشمل اللغة العربية ككل ولا يقتصر علي التراث الصوفي..
وبالنسبة للأخير فإن البعض يتصورون أن العصر الحالي لا يتلاءم معه الشعر الصوفي من
منطلق انه شعر سلبي يصرفهم عن مواجهة المشكلات اليومية والقضايا الكبري.
وهذا فهم خاطيء لأن الشعر الصوفي والمواقف الصوفية في جوهرها إيجابية ولنتذكر لماذا
أعدم الحلاج, فقد حدث ذلك لأنه كان في شعره وفي أقواله ينادي بإنصاف العامة الذين
ظلمتهم الدولة في عصره وكان من أنصار الفقراء ويقف في صفوفهم وكانت تجربته تجربة
ثورية للأخذ بأيدي الضعفاء, فالتجربة الصوفية إيجابية وليست سلبية كما يظن
الكثيرون.
ولذا أحرص في برنامجي الإذاعي لغتنا الجميلة علي التذكرة بنماذج في الشعر الصوفي
وأقدم أروع ما جاء به.
ما هي الفوائد
الروحانية والوجدانية التي تعود علينا عند قراءتنا للشعر الصوفي؟
الشعر الصوفي يحدث حالة تطهير وهو الأثر الذي تكلم عنه أرسطو منذ قديم العصور فهو
أول من قال إن الفن الحقيقي والعظيم يحدث تطهيرا في النفس مما فيها, وهذا ينطبق
جليا علي الشعر الصوفي, لأننا نجد فيه نفوسا كبيرة وأرواحا عظيمة, فهؤلاء
الشعراء الذين استطاعوا الارتفاع فوق ماديات الحياة, وفوق طبيعة الغرائز والشهوات
وتطلعوا لعناق الحقيقة الإلهية والذوبان في هذه الحالة من المناجاة والصلوات
والتجليات الروحية مما يجعلنا نتأثر عند قراءتها بعمق ونحس أننا تطهرنا وحلقنا معهم
إلي المدارات العليا.
ونحن في حاجة إلي ذلك, وإلي كل ما هو حقيقي وجميل لينقذنا من الركاكة والتفاهة
التي تطل علينا من كل جانب.
(نقلاً عن الأهرام)
|