ف |
شعر مترجم |
الشاعر المغربي أحمد بنميمون : ماذا يحدث للشعر حين يوكل أمره إلى السلطة؟ ندوة - هونج كونج حاوره عبدالله المتقي - المغرب
يعتبر مهرجان شفشاون للشعر الحديث عكاظ الشعراء المغاربة، وعلامة أساسية في تاريخ القصيدة المغربية عبر مختلف الأجيال، فعلى الرغم من الإمكانات المادية المحدودة، تواصلت دوراته بفضل جمعية أصدقاء المعتمد وبعض الشعراء المؤسسين إلى أن وصل العدد الى23، وهذا الرقم يحيل إلى بلوغ سن الرشد، بيد أن هذا الرشد لن يكون سوى تحريف لهذا العرس الشعري عن كرامته وشرفه ونقائه. على هامش هذا الانزياح كان لنا هذا اللقاء مع الشاعر المغربي احمد بنميمون أحد مؤسسي هذا المهرجان الوطني :
*** 1ـ هل مازال مهرجان شفشاون للشعر المغربي الحديث تقليدا جميلا ؟ 1ـ كان مهرجان شفشاون للشعر المغربي أجمل تقليد قدمته الحركة الأدبية في المغرب في مرحلة الستينات للتاريخ الأدبي المغربي منذ 1965، وهو تقليد يحمل دلالات غنية وكثيرة عما كان يطمح إليه الشاعر المغربي منذ نهاية الحرب الكونية الثانية، وقد عبرت عن ذلك عدة مبادرات لم يكن مستغربا أن تظهر كلها في منطقة شمال المغرب منذ أواخر مرحلة الحماية ، فنحن جميعا نتذكر الحركة الأدبية والصحافية النشطة التي عرفتها مدينة تطوان ، والمجلات الأدبية والفكرية العديدة التي نشر فيها أدباء المغرب من مختلف المناطق، كما أن هذه قارئ المجلات قد ينبهر لمستوى الوعي الشعري المتقدم الذي كانت تعبر عنه النصوص الشعرية التي ظهرت على صفحاتها لشعراء مغاربة وإسبان باللغتين العربية والإسبانية، وأشير هنا إلى ملحق مجلة تامودة, إلى مجلة (المعتمد) التي كانت مجلة شعرية رائدة،وجلال مرحلة الاستقلال ظهرت في شفشاون (جمعية أصدقاء المعتمد) التي ستتابع من خلال عدة أنشطة مسار شعريا قريبا من مسار مجلة المعتمد ، تجلى ذلك في مجلة الشراع التي عبرت عن وعي قريب نسبيا من درجة الوعي الذي انطلقت منه المجلة الأولى، إلا أن ما حدث سنة 65كان خطوة نحو آفاق جديدة للقصيدة المغربية التي كان مؤسسو مهرجان شفشاون الشعري يحلمون باجتماع لأصوات المغرب الشعرية ، وتكوين رابطة للشعراء المغاربة، فتحقق لهم الهدف الأول واصطدم الثاني بعراقيل تنظيمية ، ربما كان في طليعتها ألا يسمح المجال بتكوين الرابطة في وقت كان اتحاد الكتاب لا يزال حديث العهد، ويسعى إلى البحث عما يقويه، من خلال جمع كلمة الكتاب المغاربة في تنظيم ربما كان في وجود رابطة الشعراء ما يضعفه، خاصة ونحن نرى أن معظم قيادات اتحاد الكتاب في السينيات كانت من هؤلاء الشعراء أنفسهم ،أفرأيت ما كان يحيط بمهرجان شفشاون الشعري من آمال وأحلام ومشاريع، كانت لا ترى من هدف إلا خدمة الشعر المغربي ، فكيف لا يكون هذا التقليد جميلا ورائعا ،وقد أضاف إلى صفاته التي ذكرت لك أنه كان موعدا من مواعيد الثقافة المقاومة الطاردة لكل العناصر الانتهازية ، والشعراء الذين لا يحفظون للكلمة شرفها وللفعل الثقافي نقاءه. 2 ـ ما السر في مقاطعتك للمهرجان منذ السنة الفارطة ؟ 2 ـ يتذكر الكثير من الأخوة أن مهرجان شفشاون كان قد توقف خلال كل سنوات السبعينات ، التي تميزت بغياب بعض العناصر التي ساهمت في خلق هذه المبادرة في إبانها ، وقد سعيت شخصيا مع الشاعر أحمد صبري أثناء وجودي بالدار البيضاء زمن السبعينيات إلى التنسيق مجددا مع رئيس جمعية أصدقاء المعتمد للعودة إلى تنظيم المهرجان ، لكن ظروفا منعت من ذلك ، من بينها شكوى أو تصريح رئيس الجمعية بفراغ الساحة المحلية من أي عضو يمكن الاعتماد عليه، وقد كانت مرحلة السبعينات مرحلة قاسية بالفعل، إلا أن القدر سيقضي بعودتي إلى مدينتي شفشاون سنة 1980،وسنعود جميعا إلى تنشيط العمل الجمعوي، وخلق صداقات عميقة مع شرائح متعددة من الشباب ، في المسرح وإقامة الندوات والقراءات الشعرية ، في مرحلة ساخنة من تاريخ المغرب ، فكان أن ووجهت الكثير من أنشطتنا في المسرح والقراءات الشعرية بالقمع السافر والحظر المباشر، ولولا لطف الله بكثير من عناصر العمل الجمعوي في مرحلة بداية الثمانينات، لكنا ،أنا وإياهم ، من سكان الحفر ، لبعض الوقت، أو إلى أبد الآبدين، ورغم كل هذا انتفضنا ،في أربع جمعيات ثقافية، في ربيع 1983لنعلن عن تنظيم المهرجان السادس للشعر المغربي ، الذي منعت السلطات الإقليمية من تنظيمه ، وقد هالها خروج هذه الجمعيات الأربع من الرماد، دفعة واحدة، فيما يشبه بعثا حقيقيا، ليعود المهرجان إلى الوجود مدعوما بمساندة المجتمع المدني وجمهور مدينة شفشاون الرائع الذي كان يُمدنا بكل ما نتغلب به على المتطلبات المادية التي تستتبع انعقاد المهرجان ، وإن التفاف الجمهور حول المهرجان ودعمه ماديا ومعنويا ، يشهد بحق أن مدينة شفشاون تستحق هذا المهرجان، وأن جمهورها الذكي يميز بعمق بين ما يقدم أمامه من أفعال وفعاليات ثقافية وفنية هادفة، أو أنشطة ترفيهية ، لكن ما حدث أخيرا ، بعد عدة متغيرات أتجنب ذكرها خشية الإطالة، جعلت من أسميهم (ذباب الموائد) يتكالبون على المواقع التي تسمح لهم باحتلال مراكز التسيير ، في وقت أصبحت الجهات الداعمة ماديا تقدم ما يسيل له اللعاب، لكن الجمهور الذي كان يتزاحم لإيجاد كرسيه ، أو حتى مكانه، تزاحم العطاش، للاستماع إلى كل القراءات والندوات النقدية التي كانت تقدم خلال المهرجان هو نفسه الجمهور الذي صار يتنكب جلسات هذا المهرجان، كما أصبح معظم الإخوة الشعراء الذين كانوا ينتظرون موعد هذا المهرجان ، على أحر من الجمر ، لا يتحمسون لتحمل وعثاء السفر لقراءة شعرية في حضور عدد قليل من الناس ، لا يجب أن ننخدع أو نخدعهم بمجاملتنا إياهم بأنهم (حضور نوعي) أو أنهم (أقلية ساحقة) . وأرجو أن تتسع فقرة (ثلاثة أسئلة ) لأوضح أكثر: فإننا لو بحثنا عما يجمع بين كل مهرجانات الشعر وملتقياته في العالم، وبين كل اللجان المكلفة به ، في هذا البلد أو ذاك، لوجدنا أن من يسير هذه المهرجانات وتلك المتقيات، أو يرأس اللجان الشعرية ، جميعهم شعراء. ولم نجد ، ولن نجد ، رجال سلطة، أو حتى "مثقفين" مهتمين بمجالات أو فنون إبداعية أخرى. فماذا يحدث للشعر حين يوكل أمر احد مهرجاناته،أو أي ملتقى من ملتقياته، أو لجنة من لجانه، في أحد مجالس رعاية الفنون والآداب مثلا، إلى رجل سلطة. لا علاقة له بالشعر؟ يحدث بالضبط ما حدث أخيرا لمهرجان الشعر 23بشفشاون،الذي انعقد في 28و29 يوليو الأخير، فقد امتلأت المقاعد المخصصة للجمهور برجال السلطة وأتباعها، وأذيال أتباعها،وكل من يدور في فلكها من (رفاق درب النضال القديم!!!) والطامعين في فتات موائدها، والمؤتمرين بأوامرها، وفي ذلك فليتأمل المتأملون. فألقيت القصائد(عفو قصائد الشعر الحق) التي تتكلم لغة لا تقول إلا ذاتها ، مدعية استلهام اللغة الصوفية ، والعبارة المجنحة،فصبت في أسماع الحاضرين الأقوال الطنانة المثقلة بالاستيهامات، والتهويمات التي يؤلف بينها جميعا، أنها تقف موقف الخوف من قول العالم، بما ينبغي للشعر أن يقوله، وأن يجهر به. ويخرج من هذا الحكم بالطبع، صوتان أو ثلاثة أصوات، ممن وقفوا على منبر المهرجان 23. ومع ذلك فإن خطافا واحدا لا يصنع الربيع ـ كما يقولون ـ وإن وجود شاعر أو شاعرين ، لا يكفي لإنجاح مهرجان وطني، بله تبرير ميزانيته الهائلة كما يبدو من جهاته الأربع الداعمة.(ذلك الدعم الذي لم يبد له من أثر إذ لم يعوض أي من المشاركين حتى مجرد تعويض عن الرحلة إلى مدينة المهرجان ، بل لم يعوض حتى القادمون من مراكش أو وجدة) ويعجبني أن أذكرك هنا، سيدي عبد الله المتقي ،بحقيقة تاريخية ،صنعت المجد التاريخي لمهرجان شفشاون الشعري، ةوهي حقيقة لا يجب أن تعزب عن بال المؤرخ الأدبي والسياسي أيضا، ، ذلك أن انطلاقته الأولى سنة 1965 كانت عشية إعلان حالة الاستثناء البغيضة في المغرب، بأقل من شهرين،وظل موعداَ للثقافة المقاومة النابعة من صميم المجتمع المدني، وقد كان المجتمع الشفشاوني يستقبل الشعراء والنقاد في بيوته، لا لانعدام البنية السياحية في شفشاون، ففندق( البارادور) الذي ينزل فيه الشعراء هذه الأيام مثلا ،شيٍّد في بداية خمسينات القرن الماضي، بل لأن هذا الفعل الثقافي، الأدبي والفني ، كان معبرا عن حاجة اجتماعية، ولا يمكن لمجتمع أن يحتضن فعلا ينبثق منه، إذا لم يكن معبرا عنه ، وقد كان لمهرجان الشعر هذه الدلالة العميقة.
3 ـ كيف تتلقى ضربات من أعلنوها عليك حربا شعواء ؟ 3 ـ ببساطة ، إنني أريد أن أوجه إلى هؤلاء الذين يستميتون في التمسك بدفة تسيير المهرجان الشعري ، ممن لا علاقة لهم بالشعر، ماذا تحققون باستماتتكم هذه من أهداف فنية !!! أو غيرها؟ نرجوكم أن تعلنون لنا عنها ، وماذا ترون لتقدم الإبداع الشعري في المغرب وغيره؟ ومن يقف وراءكم ؟ أأحزابكم تدعوكم إلى هذه الاستماتة في التمسك (والاعتصام) بمواقع المسؤولية في تسيير مهرجان شعري يجب أن يترك أمر تنظيمه للشعراء أنفسهم، فأهل مكة أدرى بشعابها ؟ أم أن هناك رغبة في أن تملوا علينا كيف نكتب قصائدنا؟ أم أنكم تريدون لنا أن نكتب من منطلقاتكم ، وحسب رؤاكم، إنني هنا أتذكر اجتماعا كان قد تم في مقر جريدة مغربية معارضة في السبعينات، كان المفكر المغربي الكبير محمد عابد الجابري، قد تكلم فيه، متوجها إلى من كان حاضرا من كتاب الإبداع الأدبي ـ بكل حسن نية ـ أن يستمدوا مواضيعهم من (صفحة القراء والمناضلين) بالجريدة ، الأمر الذي أثار غضب الحاضرين ، الذين كانوا من مختلف الأعمار، واعتبروا توجيه الجابري هذا استصغارا واحتقارا لقدراتهم كمبدعين، شبوا عن الطوق، رغم اعتراف بعضهم ، بأن الصفحة المذكورة كانت مرآة حقيقية تعكس هموم الجماعة الإنسانية من الشعب المغربي ومعاناتها في مواجهة مشاكل الواقع وإكراهاته. بعد هذا ماذا تراني أقول لك عمن يعلنها علي ّ حربا شعواء أم على جبهة واحدة؟ إنني وأنا أقف على مشارف عامي الستين، لا أرغب في محاربة أحد ، لكنني لن أسكت ما رأيت فعلا منكرا في المجال الثقافي على الأقل،( هذا طبعي)ولن أسكت أيضا إذاما رأيـت أن هناك من يقدم معروف في هذا المجال، فأنا أول المنوهين الهاتفين له ، وإنه لمما يعزيني ، ويعزي مدينة شفشاون في موت مهرجانها الشعري ألذي أهيل التراب عليه في دورته الأخيرة، هذه السنة، أن يقوم المجلس البدي لمدينة شفشاون هذه السنة بتقديم الدعم الكلي أو الجزئي لست مجموعات شعرية ، صدرت هذه السنة لشعراء من المدينة ، فبهذه المناسبة فإنني أوجه شكري إلى المجلس البلدي بشفشاون في شخص رئيسه ، فقد أنقذت مبادرة دعم هذه المجموعات الشعرية حق مدينتنا في الشعر من الضياع ، ووفرت للمكتبة الشعرية في المغرب دواوين شعرية ربما كان بعضها إضافة نوعية للشعر المغربي. ملحوظة: إن ما كتبه الشاعر العراقي هاشم شفيق ـ في جريدة السفير اللبنانية (يوم6/08/08)عن ظروف استقبال ضيوف مهرجان لودييف الأخير بفرنسا،الذي انعقد بين العشرين من يوليو 2008والثامن والعشرين منه، يكاد يصف ما كان يجري في استقبال ضيوف مهرجان الشعر بشفشاون ، وإنني لأتذكر صبيحة فاتح شتمبر 1965، إذ استبقاني بالبيت شقيقي محمد الميموني لأنتظر أن يستفيق ضيفان من ضيوف المهرجان هما الشاعر المرحوم أحمد الجوماري والكاتب المغربي المعروف إدريس ألخوري بعد أن كنت قد سبقت الجميع إلى الاستيقاظ : ( نجد بانتظارنا عائلة لوديفية من زوج وزوجة في الستين من العمر يخليان المكان لنا بوداعة ودماثة كبيرتين بعد أن يرشدانا إلى مرافق المنزل الأليف المتكون من صالة وغرفتين وحديقتين واسعتين خلفية وأمامية، إنها الرقة بعينها تقطر من هذين الكائنين، هل أقول إنها رقة الشعر الذي راح يجمع الطبائع البشرية ويقربها من بعضها حول مائدة الإنسانية، أقتسم مع صديقي الشاعر العراقي باسم المرعبي هذا المكان الوديع). بالطبع هذا مع وجود الفارق ، فقد قدم لنا المهرجان الفرنسي الأخير ما يجب أن تشتمل عليه برامج المهرجان الشعري من إدراج أعمال فنية موازية من موسيقى ومعارض فنية ، وإنني لأتذكر أيضا أن مهرجان الشعري الأول سنة65 تضمن معرضا لرسوم الأطفال واليافعين ، كما أن قراءاته الشعرية كانت تتخللها نوبات موسيقية أندلسية، مما كان يوفر الإمتاع الفني والجمالي لجمهوره على أكثر من مستوى. )
|
|
|
|