ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

يمكنكم إرسال الحورارات الأدبية أو الفنية للموقع إليكترونياً على adab@arabicnadwah.com أو بالضغط على هذا الرابط.

 آمال عوّاد رضوان ترصُدُ الحالةَ الثّقافيّةَ في فلسطين١٩٤٨

ندوة - هونج كونج

حوار: أيمن اللبدي - رئيس تحرير مجلة حيفا لنا

 

آمال عوّاد رضوان شاعرة وأديبة فلسطينية مميزة، ذات طاقة فنية وأدبية وثقافية وإنسانية لافتة، تنتمي إلى فلسطين الأخضر، ما قبله وما بعده في الألوان، وتنتمي إلى الجوهر والعمق في الأصالة والقيمة، وتنتمي إلى الصفاء والنقاء في النبع والروافد، وتنتمي إلى الوضوح والقوة والزخم في الأصوات، وهي من عدد قليل لا زال على هدف الرسالة وغايتها في شرف وأمانة الكلمة، وهي ذات أفنان في العطاء، والبذل المستمر الخالص، في أدبها نكهة فلسطين بساحلها، وصلابة فلسطين بشموخ جبالها، واتساع فلسطين بامتداد عمقها، تلتقيها (حيفا لنا) وهي احد فرسانها للوقوف على طبيعة التجربة، وطليعة الخبر الصادق فيما حول المكان والزمان، مرتكزة إلى كل هذا الرّصيد اللافت.

 

كيفَ اكتشفتِ منطقةَ الشّعرِ عندَكِ؟ وما هي أبرز ملامح تجربتكِ الخاصّةِ كما تصفينَها؟

منذُ المرحلةِ الابتدائيّةِ الأولى ساقتْني أذني إلى عِشقِ فيروز بهيبتِها، وما كنتُ أدركُ بَعدُ معاني ما أسمعُهُ وأردّدُهُ مِن كلماتِها، وما دريْتُ أنّ هذا شعرًا، لكن تذوّقي لعذوبةِ الكلمةِ المسموعةِ، دفعَ بي للبحثِ عن كلماتِها المغنّاةِ، ومِن ثمَّ تفتّحتْ عيونُ قلبي على عشقِ جبران وكتاباتِهِ، وكانتْ هذه الشّخصيّةَ الشّاعريّةَ الأولى الّتي استحوذتْ بصفاءِ حرْفِها ونقاءِ عشقِها على خيالِ طفلةٍ، جعلَتْ تنسجُ بإبرةِ الحلمِ الطّفوليِّ تفاصيلَ ميّ المحبوبةِ المتجسّدةِ بالطّبيعةِ، ومنذُها تشكّلتْ مبادئُ معجمي اللّغويِّ الأوّلِ مِن أغاني فيروز الرّحبانيّةِ والجبرانيّة، وقد كنتُ أحاولُ محاكاتَها، لكن حيائي كانَ يدفعُني لتمزيقِ ما أخربشُهُ!

  أبرزُ ملامحِ تجربتي الخاصّةِ مفعمةٌ بأسلوبٍ خاصٍّ يميّزُهُ، وبرؤيتي الانتقائيّةِ لمشاعر إنسانيّةٍ عفيفةٍ وناضجةٍ عميقةِ الإيماءاتِ، وبخطابٍ شعريٍّ يتّسمُ بحنانٍ فيّاضٍ ولواعج شجونٍ تتدفّقُ لوعةً، أتتْ على سجيّتِها دونَ توجيهٍ مقصودٍ، فتجلّى هذا الطّرحُ الحسِّيُّ بعذوبةِ مضمونِهِ وصفاءِ سياقِهِ، مستندًا على دقّةِ التّصويرِ ورقّةِ التّعبيرِ، إضافةً إلى انسيابيّةِ لغتِهِ الوجدانيّةِ البسيطةِ، والزّاخرةِ بدلالاتِها المجازيّةِ، كأنّما فتيلُ هذه اللّغةِ يُؤجّجُ بركانَ نفسٍ هامدةٍ، ليُطهّرَها بصياغةٍ شعريّةٍ، تتركُ بصمةَ نبْضِها في نفسي أوّلاً، ومن ثمَّ في نفوسِ ذُوّاقِها!

 ماذا تعني لكِ تجربةُ الإصدارِ الشّعريِّ؟ وأيُّ الإصداراتِ تلكَ الّتي تجدينَها أوصلتْ رسالتَكِ بدقّةٍ!

التّجربةُ بمثابةِ مغامرةٍ إنْ لم تكنْ مقامرةً، فإمّا أن تكونَ وتثبتَ حضورَكَ ومصداقيّتَكَ، وإمّا أن تكونَ عرضةً للانكسارِ والنّقدِ والاستهزاءِ ليسَ ثقافيًّا فحسب، وقد يُبهرُكَ الضّوءُ فيُعميكَ، خاصّةً، وإن كنتَ تهابُ اللّغةَ، وتُعاقرُ حرفَكَ في خارجِ بلدِكَ وفي ظلالِ اسمٍ مستعارٍ، يَنشرُ مِن خلفِ شاشةِ حاسوبٍ تُحسُّ بوَجَلِكَ وهمْسِكَ! وقد حقّقتْ نصوصُ "سحر الكلمات" تجاوبًا وتفاعلاً إيجابيًّا مع قرّائِها، ولفتتِ انتباهَ بعضِ نقّادٍ أشادوا بتلكَ الموهبةِ المتخفّيةِ، مطالبينَ إيّاها بالبوحِ بهويّتِها! وهكذا كانَ الإصدارُ الشّعريُّ الأوّل "بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّجُ"، بعدَ مرورِ ثلاث سنين مِنَ التّخفّي!

"بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّجُ" كانتِ الخفقةُ الأولى الّتي أنبضُها في قلوبِ مَن كنتُ أخشاهُم في بلدي الدّاخل، مِن لغويّين ومدرّسي لغةٍ عربيّةٍ في الجامعات، أهديتُهم كتابي مِن خلفِ ستارٍ كثيفٍ، وبقيتُ في ترقّبٍ وتوتّرٍ مِن ردودِ فعلٍ مجهولةِ المعالم، وفوجئتُ بدعوةِ منتدى الباديةِ في الكرملِ حيفا، ومِن ثمّ بدعوة أخرى من المنتدى الثّقافيِّ في النّاصرةِ، تناولوا الكتابَ بدراساتٍ أكاديميّةٍ وبموضوعيّةٍ تامّةٍ، مِن حيث الشّكل والمضمون والأسلوب والشّاعريّة والتقنيّات، والتّحديث والتّكثيف اللّغويّ والصّور المبتكرة والبلاغة! حقيقةً، أنَّ الإصدارَ الأوّلَ غمسَ حضوري ووجودي برهبةِ اللّغةِ، وهيبةِ المسؤوليّةِ الملقاة على كاهلي، وكيفيّةِ التّخطّي وتحسينِ أدواتي الفنّيّةِ والشّعريّةِ!

 أنتِ مِن المتحمّسينَ لمسألةِ إصداراتٍ مشتركةٍ مع زملاء، تحملُ أبعادَ تسجيلِ ردودٍ أو أنطولوجيا محدودة، مثلما أصدرتِ عن "الإشراقةِ المجنّحةِ"، و"نوارس من البحر البعيد القريب"، و "درويش بعيون فلسطينية خضراء"، ترى ما هو المثير في هذه التّجربةِ؟

   المسألةُ لا تكمنُ في تحمّسي لإصداراتٍ مشتركةٍ بقدرِ تحمّسي للفكرةِ المطروحةِ ولِما تهدفُ، فمثلاً، فكرةُ الإشراقة المجنّحة تتحدّثُ عن الومضةِ الأولى للقصيدةِ الشّعريّةِ، وكيفَ تتأتّى فيُجسّدُها الشّاعرُ، وقد قدّمَ لها د. شاربل داغر من لبنان، وضمّت 118 شهادة شاعر وشاعرة مِن عالمنا العربيِّ والمهجر، أمّا كتاب "نوارس من البحر البعيد القريب"، ففكرةُ الكتاب تُسلّطُ الضّوءَ على المشهدِ الشّعريِّ الجديد في فلسطين 1948، ذاكَ الجزء المعَتّم عليه والمهمَّشِ عربيًّا، وعدم وصولِ نتاجاتِنا المحلّيّةِ إلى العالمِ العربيِّ، فاختصّتِ الفكرةُ بشاعراتٍ وشعراءَ مِن مواليد عام 1950 فصاعدًا، وقد ضمَّ الكتابُ 49 شاعرًا وشاعرة!

أمّا الكتابُ "درويش بعيون فلسطينيّةٍ خضراء"، فقد تبلورتِ الفكرةُ حينَ اتّصل د. خليل عودة من جامعة النجاح بنابلس، يولّيني مهمّةَ تجميعِ نصوصٍ مِن شعراءَ وكتّاب يكتبون عن درويش، لإصدارِها وتوثيقِها في مكتبةِ جامعةِ النّجاحِ الوطنيّةِ بنابلس، وقد تفاعلَ كلُّ مَن اتّصلتُ بهم وأرسلوا موادّهم، وبسببِ الكمّ الكبيرِ والزّخمِ الّذي وصلَني، كانَ لا بدّ مِن إصدارِ الموادِّ المجمّعةِ في كتابٍ كبيرٍ، ومِن هنا تحقّقَ هدفان، أوّلُهما إنصافُ الكُتّابِ، وثانيهُما إكرامُ محمود درويش في مماتِه!

المثيرُ في هذه التّجاربِ أنّكَ تخرجُ مِن أناكَ وأنانيّتِك، ومِن لغةِ الفردِ إلى لغةِ المجموع، وتحاولُ أن تلعبَ دورًا أكبر، بل وتساهمُ في خدمةِ وتوثيق ثقافتِكَ المحلّيّةَ والعربيّةَ، فالعملُ جدًّا مرهقٌ وجادٌّ، وفيه مسؤوليّة وتذنيبٌ وتحَدٍّ، لكنّك تخرجُ برضًى عارمٍ لا يقلُّ أهمّيّةً عن رضاكَ بإصدارِكَ الشّعريّ.

 ما رأيكِ بالمستوى الحاليِّ للثّقافةِ العربيّةِ في فلسطين الخطّ الأخضر؟ وما رأيكِ بأدواتِ التّوصيلِ والتّواصلِ الحاليّةِ؟

رغمَ العوزِ والحاجةِ وشحّةِ المصادرِ، ورغمَ العزلةِ المفروضةِ منذُ أكثر مِن ستّين عامًا على هذا الجزءِ المبتورِ مِن الجسمِ الكلّيِّ جغرافيًّا، إلاّ أنّ ثقافتَنا تمكّنتْ مِن التّصدّي والتّشكّلِ في معظمِ أروقتِها بلغةٍ راقيةٍ وتعبيرٍ فنّيٍّ جميلٍ، ولا زالتِ القافلةُ تَمضي قُدُمًا، وإن كانتْ بدوافعَ وهمَمٍ فرديّةٍ، وهنا تكمنُ مخاطرُ الآتي، كيفَ للجهودِ الفرديّةِ البنّاءةِ هذهِ أن تصمدَ في وجهِ أعاصير هدّامة تحاربُ ثقافتَنا ومرآةَ شعبِنا؟

كانتْ هناكَ أُطُر مِن اتّحاداتِ أدباء وروابط مثقّفين وتجمّعات، تجْمعُ مُثقفّينا وتُؤازرُهم وتُساندُهم، على اعتبار أنّ يدَ اللهِ معَ الجماعةِ، لكن لأسبابٍ لا أدريها تفكّكتْ هذه الأطر فِعليًّا، وما تبقّى منها إلاّ أسماءَها الشّكليّةَ والوهميّة، ومنذُ التّسعينات و"الطّاسة ضايعة"، والهويّةُ الثّقافيّةُ تتقاذفُها أكفُّ بيضاء وسوداء، والأجيالُ الشّابّةُ مِن الأدباءِ المحلّيّين لا تعرفُ بعضَها، ولا يجمعُهم إطارٌ يَعملُ على تشجيعِهم ودعمِهم وتَبَنّي إبداعاتِهم، ونَشْرِها محلّيًّا وعربيًّا وعالميًّا، والوصول بهم إلى برِّ الأمانِ مِن خلالِ دورِ نشرٍ بارزةٍ ومُموّلةٍ، كذلك ليسَ هناكَ مِن ندواتٍ فكريّةٍ ونشاطاتٍ ثقافيّةٍ تدعوهُم إليها رغمَ التّعطّشِ، وما نراهُ في السّاحةِ الأدبيّةِ، ليسَ إلاّ جهودًا فرديّةً قد تستمرُّ وقد تُحبَطُ، وذلكَ منوطٌ بالنّفَسِ الطّويلِ لهذه الأفرادِ، ومدى قُدرتهم على الصّمودِ والاحتمال!

في السّنواتِ العشْرِ الأخيرةِ صارَ هناكَ توجُّهٌ مغايرٌ بالنّسبةِ للمثقّفِ في زنزانة رقم  48، ألا وهي النّشر الإكترونيِّ والتّواصل مع العالم الخارجي مِن خلالِ هذه الشّبكةِ، وهذا هو المُتنفَّسُ الوحيدُ لتوصيل كتاباتِهِ وإبداعاتِهِ على أشكالِها، فيما لو كانَ مُطَّلِعًا على تكنولوجيا الاتّصال، ومَن يجهلُ فهو يظلُّ رهينَ زنزاتِهِ وقوقعتِه، كما أنّ هناكَ وبكلِّ أسفٍ أناسًا يعتلونَ موجةَ الأدبِ والشّبكةِ، وينشرونَ بكثافةٍ مُسيئة للواقعِ الثّقافيّ! 

  حتّى ما قبلَ قيامِ السّلطةِ الفلسطينيّةِ في الضّفّةِ وغزّة على جزءٍ من فلسطين، كانَ عنوانُ الرّسالةِ الأدبيّةِ المقاومة في الدّاخلِ الأخضر، هي إسنادَ نضالِ الشّعبِ الفلسطينيِّ هناك، والمطالبةَ بحقوقِ الشّعبِ الفلسطينيِّ في الخطِّ الأخضر، على أساس "أصحاب البلاد الأصليّة"، ترى، ما هي العناوين هذه الأيّام مع التمزّقِ الحاصلِ في الوضعِ الفلسطينيِّ؟

القضيّةُ الفلسطينيّةُ كانتْ ولا زالتْ قائمةً، تعلو على كلّ الأوضاعِ المتغيّرةِ والمتحوّرةِ بفعلِ الإنسانِ وهيمنةِ الأحزابِ، وعلى التّقلّباتِ والانقلاباتِ والتّمزّقاتِ الدّاخليّةِ الآنيّةِ، ونحن نؤمنُ أنّ هذهِ الأزمةَ ستعبرُ لا محالة، وستلتئمُ الجراحُ الممزّقةُ طالما أنّنا نوقن وبحقٍّ، أنّنا نتكاملُ على الأقلِّ ثقافيًّا إن لم يكن جغرافيًّا، وعنوانُ الرّسالةِ الأدبيّةِ ثابتٌ لا يتزعزعُ، هو المقاومةُ والنّضالُ والتّكاتفُ مِن أجلِ الوحدةِ واتّحادِ الأجزاءِ بالكلِّ، وإن اختلفَ الأسلوبُ وتغيّرَ، لأنّ مهمّةَ الأدبِ أن يُحافظَ على الهويّةِ الثّقافيّةِ مِن الاندثارِ، والّتي هيَ جزءٌ مِن هويّةِ الوُجود!

 ثمّةَ مَن يرى أنّ جزءًا مِن حكايةِ التّرجمةِ عن العبريّةِ هو ممرٌّ تطبيعيٌّ، لكن السّؤال، هل هنالكَ ترجمةٌ مضادّةُ الاتّجاهِ؟ وهل خدمتْ هدفَها برأيِكِ إنْ وُجدَتْ!؟

حولَ موضوعِ التّطبيعِ تدورُ دوائرُ ضبابيّةٌ وغامضةُ المعنى، خاصّةً وفي ظلِّ غيابِ العدالةِ الإنسانيّةِ والسّياسيّةِ وانعدامِ الأمنِ والسّلامِ، وهذا الموضوعُ يُشكّلُ لغةَ هيمنةِ القويِّ على الضّعيفِ، وليستْ عمليّةُ التّرجمةِ متعادلةً وبنفسِ الفعلِ وردودِ الفعلِ والتّأثيرِ المُتوازنِ، وكلُّ المصطلحاتِ الّتي أُطلِقتْ على أجزائِنا، ونُردّدُها رغمَ رفْضِنا لها هو جزءٌ مِن التّطبيعِ، فالحاجزُ العسكريُّ صارَ اسمُهُ معبرًا، والخطُّ الأخضرُ، وعربُ الدّاخل، وعرب 48، وعرب 67، كلُّ هذهِ المُسمّياتِ انطلَتْ علينا وعلى العالمِ العربيِّ بأكملِهِ بتطبيعاتِها، دون أن نَعيها أو نحاربَها، حتّى صارتْ جزءًا مِنَ الواقعِ بكلِّ أسفٍ، وبما أنّ الشّعبَ الفلسطينيَّ في دولة إسرائيل انخرطَ وقسْرِيًّا في جميعِ ميادينِ الحياةِ، كانَ لا بدَّ لهُ مِن التّرجماتِ العبريّةِ، ليُدركَ ما يدورُ مِن حولِهِ، كي يحافظَ على حقوقِهِ وبقائِهِ، أمّا الصّحافة العبريّة فلديها ترجماتُها القليلةُ المنتقاةُ، والّتي تخدمُها أو لا تشكّلُ خطرًا عليها، ممّا اضطرَّ العربيَّ أن يَنشرَ في صُحفِهم باللّغةِ العبريّةِ أيضًا، كي يوصلَ مرادَهُ للذّهنِ والفِكرِ اليهوديِّ، إذ إنَّ للكلمةِ فعلَها وأثرَها بعدّةِ اتّجاهاتٍ، وإن لم تكن تخدم التّطبيع بشكلٍ مباشر!

وأوجّهُ سؤالي للعالمِ العربيِّ والإسلاميِّ الّذي يقاطعُ شعبَنا الفلسطينيَّ، ويتّهمُهُ بالرّضوخِ لعمليّةِ التّطبيع:

ما الّذي يدفعُ بمنظّمةِ التّحريرِ الفلسطينيّةِ، وبالتّنسيقِ مع الدّولِ العربيّةِ، للنّشرِ مؤخّرًا في الصّحفِ العبريّةِ إعلانًا، فيه ترويجٌ للمبادرةِ العربيّةِ للسّلامِ الّتي أقرّتْها قمّةُ بيروت، ويرعاها الملكُ عبد الله بن عبد العزيز، والمُقَرّة من 22 دولةً عربيّةً؟ أليسَ هذا الأمرُ مدعاةً للاستغرابِ والدّهشةِ؟

 كيفَ أفادتِ الثّقافةُ الفلسطينيّةُ مِن عناصرِ الاحتكاكِ مع الآخر (المحتلّ)؟ وهل تغلّبتْ على التّحدّياتِ الّتي واجهتْها؟ وكيف؟

الثّقافةُ تتعلّقُ بالإنسانِ وحياتِهِ وأجوائِهِ، وقد فُرضَ على الطّفلِ الفلسطينيِّ دراسةَ اللّغةِ العبريّةِ كلغةٍ ثانيةٍ بعدَ العربيّةِ (اللغة الأمّ)، لأنّ دولةَ إسرائيل يهوديّةً، لكن الفلسطينيّينَ تنبّهوا للمخاطرِ المتربّصةِ بكيانِهم، وبتذويبِ اللّغةِ العربيّةِ بالعبريّةِ وتصدّوا لها، وانقلبتِ الآيةُ، وجاءتِ اللّغةُ العبريّةُ بالخيرِ لنا وعلى غيرِ المرسومِ، فمِن خلالِ متابعةِ صحفِهم وكتاباتِهم وتصريحاتِهم التّلفزيونيّةِ، ومن الاحتكاكِ اليوميِّ الحياتيِّ، فُرضَ عليكَ انتهاجَ أسلوبٍ سليمٍ، خاصّةً، وأنّكَ أعزل، وأنّكَ الأضعفُ في مواجهةِ القوّةِ العسكريّةِ والتّيّاراتِ العدائيّةِ المتعصّبةِ، والمناديةِ بطردِ وتهجيرِ الفلسطينيّينَ العرب من ناحيةٍ، ومِن ناحيةٍ أخرى، كيفَ لك أن تتحدّى لغةَ الإذلالِ والقهرِ إلاّ بالقانونِ، وبمعرفةِ نقاطِ ضعفِ وقوّةِ هذا المهيمِنِ شبهِ الأسطوريِّ بالنّسبةِ لعالمِنا العربيِّ؟ وما هي أنماطُ تفكيرِهِ ومخطّطاتِهِ الحاضرةِ والمستقبليّةِ على المدى الأبعد؟ وما مخاطرُ الهجراتِ اليهوديّةِ المتواليةِ على بلادِنا بدافعِ الجذبِ الإسرائيليِّ، أو دفْعِ الحكوماتِ المهدّدَةِ اقتصاديًّا، أو تشجيعِ الدّولِ العربيّةِ لهجرةِ اليهودِ، كلُّ هذا، جعَلَ مِن الفلسطينيِّ مُستنْفَرًا لكلِّ طارئٍ جديدٍ يُهدّدُهُ، بدءًا مِن عمليّاتِ مُصادرةِ أراضيهِ الّتي ما توقّفتْ يومًا حتّى الآنَ ِمن أجلِ غرْسِ المستوطناتِ الحدوديّةِ وادّعاءاتِ الأمن، وانتهاءً بتهديدِ لقمةِ عيشِهِ ومصادرِ رزقِهِ، إذ تفشّتِ البطالةُ في الوسطِ العربيِّ بنسبةٍ مُريعةٍ تهدّدُ وجودَهُ، وصارَ حقُّ الأولويّةِ للقادمِ اليهوديِّ الجديد، ولا ننسى أيضًا خيبةَ أملِ الفلسطينيِّ العربيِّ مِن تطرّفِ هذا الرّوسيِّ القادمِ مِن معاقل اشتراكيّةٍ يساريّةٍ!

ولطالما نؤمنُ أنّ الجهلَ هو العدوُّ الأوّلُ للإنسانِ، وأنّ المعرفةَ هي السّلاحُ الحقيقيُّ، فيجبُ علينا أن نعلَمَ ولا نتجاهلَ ما يدورُ حولَنا، وعلينا أن نؤثّرَ في تغييرِ مفاهيم تتشبّثُ بأذهانِهم، بأنّكَ عربيٌّ عدائيٌّ وعدوٌّ عنيفٌ، وقد تمكّنَ الفلسطينيُّ بفضلِ عمليّاتِ الاحتكاكِ الثّقافيِّ والحياتيِّ مِن إثباتِ مُسالمَتِهِ وإنسانيّتِهِ ومودّتِهِ، وأثّرَ إيجابيًّا على نسبةٍ مِن اليهودِ بخلعِ ثيابِ تطرّفِهم ولو شكليًّا، وباتوا يتعاطفون مع القضيّةِ الفلسطينيّةِ، فالاحتكاكُ الثّقافيُّ هو خطوةٌ أولى وإيجابيّةٌ بل ومُلِحّةٌ، مِن أجلِ التّأثيرِ الحثيثِ باتّجاهِ السّلام، فأنتَ لستَ في حربٍ آنيّةٍ تخرجُ منها بانكسارٍ أو انتصار، إنّما أنتَ في حربٍ وجوديّةٍ ومستديمةٍ، وهذهِ الحربُ تحتاجُ منكَ التّواصلَ في التّحدّي والتّصدّي، وإن كنتَ تحصلُ على فتاتِ الفتاتِ، لكن إصرارَك وإيمانَكَ وعدمَ خنوعِكَ وخضوعِكَ هو الغلبةُ والنّصرُ المبدئيّ!

 أنتِ مِن أبرزِ الشّاعراتِ الفلسطينيّاتِ المُجِدّاتِ والنّشيطاتِ أيضًا على الشّبكةِ الإعلاميّةِ الثّقافيّةِ، ما الّذي تريْنَهُ في هذا المجالِ الإعلاميِّ، وكيفَ تتوقّعينَ لهُ أن يؤدّي دورًا؟

بكلِّ تواضعٍ، إنّ ما أقومُ بهِ هو ضمن إمكاناتِ وقتي الضّيّقِ وتحرّكاتي المسموحِ بها، فالمجالُ الإعلاميُّ وخاصّةً الشّبكة الثّقافيّة الإعلاميّة هو الفانوسُ السّحريُّ لصاحبِ القلمِ النّابضِ، خاصّةً وإن كنتَ مُقوقعًا في قمقمٍ مغلقٍ، لا يتسنّى لكَ الخروجَ أو الانطلاقَ مِن سجنِكَ جسديًّا، لكن هناكَ أمامَ حروفِكَ فضاءً شاسعًا، يُلامسُ عيونَ وأرواحَ إخوتِكَ في العالم الخارجيِّ، فما أسعى له ليسَ فقط نشْر ما أكتبُهُ، بل ونشْر مواد ذات قيمةٍ ثقافيّةٍ عاليةٍ، لمَن لم يصلْ صوتُهُم المخنوقُ في لجّةِ التّعتيمِ، من أجلِ تسليطِ الضّوءِ على ثقافتِنا العربيّةِ الفلسطينيّةِ، وإبرازِ هويّتِنا الحقيقيّةِ النّقيّةِ، وإثباتِ وجودِنا الرّاقي دونَ انصهارِهِ في ثقافةٍ معاديةٍ، خاصّةً وأنّ هناك فئاتٍ تدأبُ على خدْشِ وتشويهِ الوجهِ الجميلِ لمرآتِنا الثّقافيّةِ!

يرى بعضُ المتابعين ثمّة احتكاكاتٍ ثقافيّة "مفتعَلة" في الآونةِ الأخيرةِ، وأسماءَ تُحدِثُ جلبةً أكثرَ ممّا تُنتجُ طحنًا فعليًّا، وبعضُها يَكتبُ مِن خارجِ الخطِّ الأخضر ليناوشَ داخلَهُ، ما الحكاية؟

كلُّ مَن يُتابعُ هذه الجلبةَ يَخلُصُ إلى نتيجةٍ واحدةٍ بأنّ هذا الطّحنَ فاسدٌ، والطّحينَ موبوءٌ وغيرُ صحيٍّ، إذ لا يتحدّثُ عن ظواهر أدبيّةٍ متفشّيةٍ، بل عن أفرادٍ، وفي التّعميمِ إساءةٌ مدمّرةٌ لثقافةٍ لا يمكنُ أن تطالَها دوافعُ هذهِ النّفوسِ، ولا نقمتُهم أو تصفيةُ حساباتِهم الشّخصيّةِ، خاصّةً وأنّ النّشاطاتِ الأدبيّةَ على قلّتِها وشحِّها تقومُ بجهدِ أفراد، لكن مِن المؤسفِ أن يقفَ لها بالمرصادِ أناسٌ يُناوشونَها ويتهجّمونَ عليها ويسخرونَ مِن القائمينَ عليها، لا لعِلّةٍ جسيمةٍ فيها، إنّما لعلّةٍ في نفس يعقوب! ما الدّوافع، ومَن يقفُ خلفَ السّتارِ؟ الغثُّ هو آنيٌّ يطفو ويتطايرُ ويتبخّرُ، وإنّي أعتبُ على إداراتِ مواقع إلكترونيّةٍ تُدرجُ هذه السّموم وبهذا الحجم، دونَ مسؤوليّةِ التّحقّقِ مِن حقيقةِ المواد المسيئةِ، لكن ما يُطمئنُني، أنّ المثقّفَ العربيّ الواعي يمكنُهُ أن يُدركَ أبعادَ هذه المقالاتِ وما ترمي إليه، ولستُ أخشى على ثقافتِنا منها ومنهم!

 بصراحة، ما رأيُكِ بواقعِ النّقدِ الأدبيِّ في فلسطين؟

النّقدُ الأدبيُّ بفلسطين غائرٌ في كوّةِ الخمولِ والجمودِ، فهناك الكثيرُ مِن نقّادِنا الأكادميّينَ تحاشَوا الخوضَ في موضوع النّقد، وهذا الإحجام ينبعُ مِن عدم وجودِ مؤسّساتٍ راعيةٍ، أو جِهاتٍ ثقافيّةٍ داعمةٍ لحركةِ النّقدِ وتوجيهِ الأدبِ بشكلٍ عام، وأيضًا، تحاشيًا لعناصر هدّامة تشي اتّهاماتُها الشّنيعةُ بعلاقاتِ غير بريئة مع المبدعات، أو صداقات خاصّة بالمبدعين، أو اتهام بالتّرويج والربح والتّسويق والمبايعة واللاّموضوعيّة... والخ من الاتّهاماتِ الباطلة، الّتي استطاعتْ أن تُحجّم وتقلّصَ حركةَ النّقدِ المكتوبِ، ولا زالت الحربُ تُشنُّ ضدّهم على قدمٍ وساق! 

برأيكِ، ما الّذي تعنيهِ الدّراساتُ التّراثيّةُ وتضيفُهُ للمادّةِ الثّقافيّةِ والأدبيّةِ مِن جهة، أو مِن حيث القيمة الوطنيّة؟ هل تساهمُ هذهِ الدّراسات في استكمالِ عمليّةٍ تربويّةٍ أم عمليّةٍ تثقيفيّةٍ؟

التّراثُ هو الثّمارُ الّتي أفرزَتْها الجذورُ الفلسطينيّةُ المترسّخةُ في أعماقِ هذا الوطنِ الحبيبِ، كما ويُشكّلُ روحَ الثّقافةِ الفلسطينيّةِ، بل ويعكسُ كاملَ الشّرائحِ البشريّةِ، واكتفائِها الذّاتيِّ بإنتاجاتِها وبإبداعاتِها وبساطتِها وأنماطِ حياتِها وتفكيرِها، على حدٍّ سواء للرّجل والمرأة، مِن حيث اللّباس والأزياء والتّطريز، والألعاب والمأكولات الشّعبيّة، والحكمة الدّالَة والبليغة البسيطة المتمثّلة في الأمثال الشّعبيّة، والحكايات الشّعبيّة وطرق تداول سرْدِها، والبيوت الفلسطينيّة وأنماط بنائِها القديم ليتناسب مع سبل العيش، والفنّ المعماريّ والزّركشة في المساجد والكنائس، والأغاني الشّعبيّة في كلّ المناسبات من حصاد وزراعة ومواسم وأعياد وأفراح وأتراح، والأشغال اليدويّة والفنّيّة واستخدام القشّ والتّطريز والمناديل، والصّابون والزّيتون والفواكه المجفّفة والصّناعة البسيطة على أشكالها، وشتّى مرافق الاقتصاد المختلفة، كلّها كوّنت معًا متحفًا ثقافيًّا زاخرًا بالجمال، والّذي اندثرَ منه الكثير بسبب الجهلِ، وبسبب الظّروفِ السّياسيّةِ المتلاحقةِ وعدم التّمكّن مِن تجميعِها، وما المتبقّي منه إلا القليل الّذي تسنّى لأفراد مسؤولين وغيورين على تراثنا حمايته مِن الضّياع، وعوا أهمّيّة الموضوع وتوثيقه، لذا علينا أن نهتمّ وبحرقة شديدة للحفاظ عليه، خاصّةً وأنّ هناك هجمةً مقصودةً، تتمثّلُ بسرقةِ تراثِنا للإجهازِ على حقوقِنا الشّرعيّةِ، مثل سرقة الكوفيّة واللّباس النّسويّ، وأنواع من الأطعمة والمأكولات كالفلافل والفول وخبز الصّاج والحلويّات، وأنواع من المطرّزات، ولا ننسى أيضًا الأرشيف الضّائع عام 1982 بعد حرب لبنان، والّذي فيه تاريخُ حقبةٍ تاريخيّةٍ شاملةٍ لشعبِنا المُهجّرِ وشتاتِهِ، فأينَ مِن كلّ هذا وذاك مؤسساتُنا المسؤولةُ عن الحفاظ على هذا التّراث، والّذي هو الجذورُ لوجودِك وبقائِك وحقّك؟ والموجِعُ مِن خلالِ تصفّحي ومتابعتي لمقالاتٍ ثقافيّةٍ، أنّهُ قلّما أجدُ اهتمامًا في هذا الجانبِ التّراثيّ، وكأنّنا اكتفينا بتخزينِهِ في ملفّاتٍ مغلقةٍ وانتهى الأمر!

أفلا ينبغي أن يُدرجَ هذا التّراثُ في مناهجِ التّعليم والتّربية لتزدهرَ حضارتُنا وثقافتُنا الفلسطينيّة؟

"الاجتياح" كمسلسلٍ دراميٍّ نالَ جائزةً عالميّةً رغم تجاهلِهِ عربيًّا، مع أنّ الموضوعَ الأساس كانَ سياسيًّا فلسطينيًّا وإنسانيًّا بامتياز، هل تتوقّعين لعمل عربيٍّ ثقافيٍّ كتابيٍّ أو روائيٍّ أن ينالَ جائزة عالميّةً على نفس المقياسِ؟ ثمّ ما هي أبرز ردود الفعل المسجّلة في السّاحة الثّقافيّة العبريّة على هذا الحدث؟

 نعلمُ تمامًا كم حوربَ هذا المسلسلُ عربيًّا، ونعلمُ أيضًا أنّ لدينا طاقاتٍ إبداعيّةً متميّزةً وهائلةً تستحقُّ وتستحقّ، لكن تحتاجُ إلى إيمانِنا بها وبرسالاتِها وتشجيعِها ورفعِها لا طمسِها ومحاربتِها، فهل ينبغي أن ننتظرَ الغربَ ليغربلَها وينخّلَها، ومِن ثمّ نصدّقُها ونأخذُها على طبقٍ مِن فضّة، لنتباهى بها! بكلّ ألمٍ، الشّعورُ بالنّقص الدّائم، والانتقاصُ مِن مبدعينا وإبداعاتِنا هو الطّامة الكبرى، لذا علينا إعادة حساباتِنا مع أنفسِنا وعلاجِها، وتعزيزِ الثّقةِ بقدراتِنا ومواهبِنا وإبداعاتِنا، فإنْ آمنتَ بكَ لا بغرورِك، وصلتَ وعلوْتَ إلى أبعدِ وأسمى المقاييسِ والدّرجات، إذ، ليسَ هناكَ مستحيل!

ماذا تقولينَ عن تجربتِك في كلٍّ مِن: "الحقائق الثّقافيّة "، "الوسط اليوم"، "حيفا لنا"

 "الحقائق الثّقافيّة" محطّةٌ إعلاميّةٌ أولى نما فيها صوتي الخافت وعلا، مِن خلال مصداقيّة كادر احترمُه جدّا احتضنَ رسالتي، لتخرجَ مِن حيّز السّرابِ ومن خلفِ الضّباب، إلى تسليط الضّوءِ على معالم وأعلام بلدي المنفيّ، وتوصيل الحقيقة لمَن لا يعرفونَها مِن وراءِ الحاجز الجغرافيّ والتّاريخيّ!

"حيفا لنا": تداعيات تكلل ذاكرة طفلة بغسّان كنفاني في قصته "عائد الى حيفا"، أول قصة أيقظت روح حنيني الدفين لبلد اسموه فلسطين، ما هي؟ ولماذا لا يدرسوني عنها في التاريخ؟

"الوسط اليوم" أي الاحتكامُ إلى العقل لا إلى الجهل، هو الاعتدال والاتّزان لبلدي الّذي لازال حاضرًا عربيًّا فلسطينيًّ، يُصارعُ وحدَه في بحرِ التعجيزِ ويلاطمُ أمواجَ التّهجيرِ!    

 "الحقائق الثّقافيّة"، و"الوسط اليوم"، و"حيفا لنا" تمثّل معًا نبضَ قلمٍ، دواتُهُ قدسيّة الأرض، فالحقائق تاريخ وذاكرة، وحيفا روح، والوسط وطن!

 

نقلاً عن موقع حيفا لنا http://www.haifalana.net

نشر في الثلاثاء ٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا