ف |
شعر مترجم |
حجازي للندوة العربية:
إذا لم نكن نحن قد أقمنا ملتقانا هل كان
باستطاعتهم أن يقيموا ملتقاهم؟!
من حق من يكتبون قصيدة النثر أن يكونوا ممثلين في
الحركة الشعرية ولكن ...
هدفنا إيقاظ الناس على حقيقة أن الشعر ضرورة.
ندوة - 26 مارس
حوار : سيد جودة – القاهرة
أقيم في منتصف مارس ملتقى القاهرة الدولي للشعر. وكما كان متوقعاً فقد أثيرت قبله وأثناءه وبعده العديد من التساؤلات والانتقادات. حدثان جعلا الهجوم على الملتقى أكثر حدة. الحدث الأول هو تنظيم شعراء قصيدة النثر لملتقى آخر يعلنون به رفضهم للملتقى الذي ينظمه المجلس الأعلى للثقافة. الحدث الثاني هو فوز أحمد عبد المعطي حجازي مقرر لجنة الشعر في المجلس بجائزة الملتقى. كان ضرورياً الالتقاء بالشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي لمحاورته في كثير من القضايا حول الشعر وموقفه من قصيدة النثر، وحول الملتقى وإيجابياته وسلبياته، وحول فوزه بالجائزة. حرصنا عند تدوين هذا الحوار المسجل الذي امتد لساعتين أن نكتبه كما تحدثه شاعر مدينة بلا قلب. من هنا كان الحوار أشبه بالدردشة الأدبية التي نضعها الآن بين أيدي قراء موقع الندوة العربية.
- مرحباً بالأستاذ الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي. أولاً نهنئكم على فوزكم بجائزة الملتقى.- شكراً جزيلاً.
- نحب أن نتحدث عن قضايا الشعر بشكل عام وعن هذه القطيعة الواضحة بين الشعر والجمهور. هل الشعر يحتضر الآن؟ وإن كان فما هي أسباب احتضاره وما هي الطرق التي تعالج وتداوي هذا الاحتضار؟- طبعاً ملحوظ بالفعل أن العلاقة بين الشعر وبين الجمهور الواسع ليست كما نرجو الآن. يمكن أن نعتبرها علاقة ضعيفة لكنها ليست قطيعة لأننا نلاحظ أن الجمهور يقبل في بعض الأمسيات مثلاً وفي بعض اللقاءات ويقبل بصورة واسعة وأحياناً نجد أن الإقبال ضعيف ، ونحن هنا في المجلس الأعلى للثقافة ننظم في الأربعاء الأخير من كل شهر صالوناً للشعر باسم شاعر من الشعراء نحتفل بهذا الشاعر أو نستدعي عدداً من الشعراء خصوصاً الشعراء الشباب وشعراء الأقاليم المصرية خارج القاهرة لنعطي هذه الفرصة لهؤلاء الشعراء أن يلتقوا بجمهور القاهرة وشعراء القاهرة. نلاحظ في صالون الأربعاء هذا أن الجمهور أصبح مواظباً على حضوره. والقاعة في معظم الأحوال تمتلئ بالجمهور. لكن أعترف كذلك بأن هذه العلاقة ليست على ما يرام ، والسبب، كما ذكرت في مقالاتي الأخيرة، ليس انصراف الجمهور عن الشعر، أو عدم احتياج الجمهور للشعر، أو أن الشعر ليس حاجة حيوية وليس ضرورة، وإنما السبب في نظري متشعب أو هو عدة أسباب. الشعر فن يحتاج لتذوق لأنه يستخدم اللغة استخداماً راقياً معقداً بمعنى أنه يحتاج لحرفة دقيقة وناضجة من الشاعر لكي يكتب هذا الفن. ويحتاج بالتالي من الجمهور إلى ذوق وإلى فهم وقدرة على التوغل في القصيدة والتمتع بها. يجب أن نعترف بأن تعليم اللغة الآن ليس على ما يرام. تعليم اللغة الآن لا يمكن الشاعر من الإجادة، وتعليم اللغة الآن لا يمكن القارئ من التذوق والفهم. وأنا الآن أتحدث عن مصر وألمس تدني المعرفة باللغة العربية في هذه الأيام. هذا سبب. السبب الآخر هو النقاد لكي يتحقق الإقبال المرجو بصورة واسعة وإيجابية فاعلة. نحن لا نريد جمهوراً سلبياً، نريد أن يكون الجمهور إيجابياً يتفاعل مع الشاعر ويفهم ويتذوق ويميز بين شاعر حقيقي وشاعر غير حقيقي، بين قصيدة جيدة وقصيدة رديئة. هذا الجمهور لكي يقبل على الأمسيات الشعرية والمؤتمرات والملتقيات ولكي يقرأ ما ينشر في الصحف وفي دور النشر ولكي يتجاوب ويتفاعل مع الشعر يحتاج أيضاً إلى من يقوده ويرشده و يساعده على التذوق ويشرح له القصيدة. وهذا هو دور الناقد فالناقد حلقة صلة بين الشاعر والجمهور. هذا الدور لا يقوم به النقاد المصريون الآن ، ولا تقوم به الصحف وأدوات وأجهزة النشر المختلفة. نحن لا نكاد ، اللهم إلا برنامج "لغتنا الجميلة" الذي يقدمه الأستاذ فاروق شوشة ، نحن لا نكاد نستمع إلى لغة صحيحة الآن في الإذاعة إلا في برامج وفقرات محدودة جداً وكذلك الأمر في التليفزيون. بل إن العدوى أيضاً وصلت إلى الصحف. الصحف الآن لا تتورع عن أن تستخدم العامية حتى في العناوين. إذن نحن أمام مشكلة معقدة خصوصاً ونحن نتحدث عن الشعر العربي لأننا نكتب شعرنا بلغة نتعلمها في المدارس وهذا هو الفرق بيننا وبين أي شاعر آخر في أي لغة أخرى يكتب شعره بلغته التي يتعلمها من أمه وأبيه. إذن لابد من أن نتعلم اللغة بصورة تمكن الشاعر الموهوب من أن يكتب قصيدة جيدة، وتمكن القارئ من أن يتصل بالشعر ويقبل عليه ويتذوقه.
- إذن هل هي أزمة عامة ومشكلة عامة ليست فقط في الشعر؟ لأن الرواية تكتب أيضاً بهذه اللغة، فهل هي أزمة عامة تمتد إلى باقي أصناف الأدب؟- الإجابة نعم فهي أزمة عامة موجودة ولكن تأثيرها في الشعر أوضح لأن الشعر محتاج إلى لغة عالية ويستطيع القصاص أن يستخدم اللغة بأدنى مستوياتها...
- حتى في الحوار أحياناً يستخدم العامية.- نعم، وفي الوصف والتحليل يستخدم اللغة الصحفية. وأنا أعلم أن معظم .. أو أن كثيراً ممن يكتبون القصة والرواية حين ينطقون الفصحى يقعون في أخطاء مخجلة. وهذا أيضاً واضح في النقد لأننا الآن حين نقرأ نقد الشعر نجد أن معظم النقاد يتحدثون عن موضوع القصيدة أو المعاني المباشرة أو يلجأون إلى الكلام النظري الذي ينقلونه عن بعض المؤلفات الأجنبية إلخ. لكن حين يتعرضون للقصيدة نفسها لكي يفسروا عالمها ويتوغلوا فيه ويشرحوا للقارئ كي استطاع الشاعر أن يستخدم المعجم على نحو معين يقدم فيه هذه القصيدة ويصل إلى ما وصل إليه كيف استخدم العروض كيف استخدم الصورة كيف استخدم الرمز إلخ. نجد أن معظم النقاد عاجزون عن أن يقدموا لنا هذه الإضاءة. إذن الإجابة بالإيجاب هي فعلاً أزمة عامة.
- هل هذا يعدّ أحد أسباب عدم فوز شاعر عربي بجائزة نوبل حتى الآن؟ - لا ، لأن الشعراء العرب الذين يستحقون الفوز بهذه الجائزة موجودون. لدينا شعر رفيع موجود في كثير من الأقطار العربية. يبقى السؤال: هل هذا الشعر يجد باستمرار من يقدمه للآخرين لأنه لكي تفوز بجائزة سويدية ، تقدمها مؤسسة نوبل ، أو تفوز بجائزة أخرى ، لا أدرى هل هناك جوائز عالمية مخصصة للشعر غير جائزة نوبل أو لا ، لا أعرف لأن بوليتزر مثلاً مخصصة للروائيين والشعراء ولكن الأمريكان. جونكور في فرنسا هي خاصة بالرواية، وهناك جوائز الناشرين الأوربيين المخصصة كذلك للمؤلفين والأدباء الأوربيين. الجائزة ، بحسب علمي ، الوحيدة التي يمكن أن تذهب لشاعر عربي هي جائزة نوبل. لماذا لم تذهب هذه الجائزة لشعراء من أمثال محمود درويش وأدونيس ونزار قباني ومحمد مهدي الجواهري وصلاح عبد الصبور وسوى هؤلاء من الشعراء الذين يستحقون في رأيي هذه الجائزة كما استحقها شعراء آخرون ليسوا أفضل من هؤلاء الشعراء العرب. أتصور أن المسألة قبل كل شيء هي مسألة ترجمة. نحن نجد أن الشاعر الأوربي يجد من يترجمه من لغة أوربية إلى لغة أخرى بسرعة. الشاعر العربي ليس من السهل أن تجد من يترجمه أحياناً. مثلاً محمود درويش ترجم إلى لغات مختلفة لكني لست متأكداً أن الترجمة استطاعت أن تقدمه تقديماً جيداً. هل الترجمة اتجهت إلى أن تقدم شاعر الأرض المحتلة أو شاعر المقاومة أو الشاعر الفلسطيني أم أنها نجحت في أن تقدم شاعراً قبل كل شيء بصرف النظر عن القضية التي يمثلها أو يدافع عنها والتي تهم العالم. أي أن القارئ الذي قرأ محمود درويش هل قرأه كشاعر أم كممثل لقضية أو معبر عنها. هذا هو السؤال. أحياناً أجد أن الترجمة مسخت القصيدة لأنها بدلاً من أن تقدم عبقرية القصيدة في اللغة التي كتبت بها تنقلها نقلاً يوحي لقارئ اللغة الأجنبية كما لو كان هذا الشاعر عالة على لغته هو أكثر من أن يكون أصيلاً في لغته الأصلية. هذه أسئلة لابد أن تطرح وأن نجيب عليها عن طريق دراسة ما تم ، وما هو متحقق سواء في لغتنا أو في اللغات الأخرى في حركتنا الثقافية أو في علاقة هذه الحركة مع ثقافة أخرى.
- إذن الترجمة تأتي كسبب مباشر وربما تأتي كسبب أول. - طبعاً.
- هل ترى أننا نقوم بالقدر الكافي لعلاج هذه المشكلة؟ - لا. لأن البعثات الدبلوماسية، ومنها الثقافية، التي تمثلنا في الخارج لا تقوم بواجبها لا في هذا المجال ولا في ذاك، لا في مجال الثقافة ولا حتى في مجال السياسة والاقتصاد، ونحن نعرف هذا جيداً وعشنا في الخارج ورأينا أن هذه البعثات لا تقوم بواجبها كما يجب. طبعاً لا يخلو الأمر من وجود استثناءات ولكن لا يوجد عمل جاد متصل ومتنامي لتمتين العلاقات الثقافية أو لبدئها لأنها غير موجودة. هذا من ناحية، من ناحية أخرى الترجمة ، في كثير من الأحيان، تعتمد أيضاً على العلاقات الشخصية، العلاقات الشخصية من الممكن أن تكون مفيدة ، ولكنها ليست كافية لأنه من المنتظر دائماً أن النص الجيد يجد من يتحمس لنقله إلى اللغة الأخرى بصرف النظر عن علاقته بصاحب النص. نحن نجد أنه فعلاً هناك ترجمات ولكن الأسباب ليست دائماً فنية.
- قراء الشعر العربي في انتظار دائم لجديد أحمد عبد المعطي حجازي. وكنا قد قرأنا منذ وقت قريب عن قرب صدور ديوانه الجديد "طلل الوقت"، فمتى نسعد بقراءة هذا الكتاب الجديد؟ - أولاً أنا أريد أن أعترف بأنني فعلاً خلال السنوات الماضية، وهي قريبة من عشر سنوات أو خمس عشرة سنة انصرفت انصرافاً يكاد يكون تاماً لكتابة المقالات وللاشتباك مع هذه الحياة الثقافية والفكرية التي تحتاج إلى أن ندخل معها في هذا الحوار وأن نقدم فيها ما نستطيع أن نقدمه من رأي لتصحيح بعض المسائل وإثارة الكلام عن مسائل لا يناقشها أحد. وأنت تعرف ماذا أعني ، لأن هناك استغلالاً سيئاً جداً للدين وهناك بعداً عن حقائق العصر الذي نعيش فيه وهناك بعداً عن فهم حتى تاريخنا نفسه، نحن نسئ فهم هذا التاريخ البعيد والقريب. فأنا الآن عندما أرى أن تاريخ مصر حتى في القرن العشرين غير معروف لعامة المصريين وحتى لنسبة كبيرة من المثقفين هذه مسألة تدعو للقلق ولابد من مواجهتها. هذا ما همّني في السنوات الماضية خصوصاً بعد أن عدت من فرنسا وأصبحت ملتزماً بكتابة. هذا أولاً ، بقية الإجابة على السؤال بعد ما اعترفت به، هذا العام فعلاً آن الأوان لكي أصدر المجموعة الجديدة من قصائدي التي نظمتها خلال الأعوام العشرين الماضية، ومنها قصيدة "طلل الوقت" التي سأسمي باسمها الديوان. هناك عدد من البدايات التي أريد أن أكملها من الآن إلى الخريف القادم وأتمنى أن أنصرف إلى إتمامها وإكمالها وأتمكن عندئذ من إصدار الديوان في سبتمبر أو أكتوبر القادم إن شاء الله.
- ونحن في شوق لصدور هذا العمل.- الله يحفظك.
- إن تحدثنا عن ملتقى القاهرة الدولي للشعر. لتنظيم أي مهرجان أو ملتقى للشعر لابد أن يكون هناك هدفٌ قبل البدء في هذا التنظيم، فماذا كان هدف الملتقى وهل تحقق أم لا؟ ولابد طبعاً أن نعترف بأنه من المستحيل تنظيم مهرجان بهذا المستوى دون أن تقع سلبيات ولن أقول سلبية واحدة ولكن لابد أن تقع سلبيات كثيرة. فما هو هدف الملتقى وما هي إيجابياته وسلبياته التي تريدون أن تتفادوها في الأعوام القادمة؟- الهدف الجوهري هو إثارة الحوار حول فن الشعر الآن وإيقاظ الناس على حقيقة أن الشعر ضرورة باعتباره فناً وباعتباره أيضاً طريقاً للنظر في جوانب أخرى من الثقافة ومن الحياة، مثلاً إثارة الحوار حول الشعر هو إثارة الحوار حول اللغة ، وإثارة الحوار حول الشعر هو إثارة الحوار حول التراث والماضي، وإثارة الحوار حول الشعر هو إثارة الحوار حول ما يجمعنا مع الآخرين وما يميزنا عن الآخرين. مثلاً عندما نتحدث عن الشعر العربي ، هل الشعر العربي شيء واحد؟ هل الشعر المصري هو الشعر اللبناني مثلاً وهو الشعر السوري وهو الشعر المغربي؟ وهل شعر هذا الجيل كشعر الجيل الذي سبقه وكشعر الجيل التالي لهذا الجيل؟ هذا الأسئلة كلها أردنا أن نطرحها من خلال هذا العنوان الشامل الذي اقترحناه للملتقى وهو "المشهد الشعري الآن". في "المشهد الشعري الآن" تحدثنا فيه عن التجارب الجديدة التي تعرض لها الشعر العربي في القرن العشرين وتحدثنا عن التلقي وتحدثنا عن مداخل القراءة، أي كيف نقرأ القصيدة، وتحدثنا عن علاقة الشعر العربي بالشعر الأجنبي، والترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى ومن اللغات الأخرى أيضاً إلى العربية، وتحدثنا عن علاقة الشعر بالفنون الأخرى وتحدثنا عن علاقة الشعر بأجهزة الاتصال إلخ. هذه هي الأسئلة والمحاور الفرعية والنقاط الفرعية التي تعرضنا لها في هذا الملتقى والمسألة قبل كل شيء أننا أردنا أن نقول للناس إن الشعر مهم ويجب أن ننظر إليه ويجب أن نفكر فيه ويجب أن نستمع للشعراء ويجب أن يلتقي شعراء مصر بشعراء البلاد العربية الأخرى وشعراء العرب عامة بالشعراء الأجانب ، وأن يتم كل هذا في إطار الشعار المرفوع الآن وهو حوار الثقافات وليس صراع الثقافات، حوار الحضارات وليس صراع الحضارات وأن العرب والمصريين لديهم ما يقولونه للعالم وأنهم أيضاً يريدون أن يستمعوا لما يقوله العالم أي أن يستمعوا لما يقوله شعراء البلاد الأخرى. هذا هو الأفق، وهذه هي علامات المشهد الشعري الآن التي أردنا أن نقف عندها. السلبيات: هل تحقق هذا كله؟ أم أن هناك سلبيات؟ طبعاً هناك سلبيات. هناك أولاً سلبيات في التنظيم أولها في نظري كثرة عدد الشعراء سواء في الشعراء المصريين أو بعض الشعراء المدعوين وخصوصاً الشعراء العرب. لأننا كنا نستطيع أن نكتفي بنصف هذا العدد، لأننا لو اكتفينا بنصف هذا العدد وخصوصاً من الشعراء المشاركين من مصر ومن البلاد العربية الأخرى لكانت الفرصة أوسع لنستمع أكثر لشعراء يجب أن نستمع لهم قبل غيرهم ونعطيهم الفرصة كذلك ليستمع بعضهم لبعض وليجروا هذا الحوار الذي تحدثت عنه في البداية سواء حوار الثقافة العربية بعضها مع بعضها الآخر، أطرافها المختلفة، أو حوار الثقافة العربية ككل مع الثقافة الأخرى. هذا الجانب السلبي في التنظيم ، أيضاً هناك جانب سلبي آخر في التنفيذ. ما وقع من أخطاء في الاتصال بالشعراء وفي إرسال الدعوات لهم والبرنامج الذي أعد لهم في مصر هذا أيضاً وقعت فيه أخطاء. ربما أيضاً أضيف إلى هذا المجهود الذي بذل في إشراك الجمهور العام عن طريق الإعلام في العمل كان قاصراً سواءً من جانبنا أو من جانب أجهزة الإعلام أو بعضها على الأقل. الترتيبات التي حدثت خصوصاً فيما يتصل بمعالجة مسألة كثرة عدد الشعراء المعالجة التي دفعتنا إلى أن ننظم أمسيات متوازية في أماكن مختلفة بعضها لم يستطع الجمهور أن يصل إليها بصورة كافية. قاعة جيدة ولكنها بعيدة ، والجمهور في مصر ليس من السهل أن يحصل على المواصلات فالمواصلات في مصر لا تساعد على أن يتحرك الجمهور بسهولة وأن يتشجع وأن يتحمس لأن يذهب للشعراء.
- هل هذا يعدّ من أسباب عدم مشاركة بعض الشعراء المدعوين؟ على سبيل المثال هناك بعض الشعراء الذين دعوا حتى أن أسماءهم ظهرت في الجدول المعدّ بأسماء شعراء الأمسيات لكن بعض هؤلاء الشعراء لم يذهبوا للإلقاء، بعضهم اعتذر عن حضور الملتقى من البداية ، وبعضهم قبل ولكن لم يذهب لإلقاء شعره فما الأسباب لعدم حضورهم؟- طبعاً هناك شعراء اعتذروا لأنه جدّتْ أسباب لم تمكنهم من الحضور. أنا أعرف أن بعض الشعراء العرب في اللحظة الأخيرة منعتهم أسباب مثل فلان الفلاني توفي قريبٌ له فمنعه من السفر في آخر لحظة. هناك أيضاً بعض الشعراء الذين يعتقدون أنهم عندما يشاركون لابد أن يحتفى بهم حفاوة خاصة. ونحن كنا نعتقد أن علينا جميعاً، الشعراء المعروفين والغير معروفين، الشباب والشيوخ، النجوم وغير النجوم ، أن نحتفل بالشعر أكثر مما نحتفل بشخص بالذات. هناك من لا ينظرون إلى هذه المسألة باهتمام كافٍ أو لا يقدرونها التقدير الكافي. طبعاً هو مختارون ولهم الحق في أن يصنعوا ما شاءوا. نحن كنا نتمنى أن يشارك الجميع بحماسة. على كل حال نحن الآن نشكو من كثرة الذين شاركوا، نحن لا نشكو من أن فلاناً أو غيره لم يشارك، بالعكس. نحن مكتفون بالذين شاركوا لكن كنا نتمنى أن بعض الأسماء بالذات تتحمس للمشاركة وأظن أن لدينا الوقت والفرصة لكي نعالج هذه الأخطاء والسلبيات في المناسبات القادمة.
- نهنئكم لفوزك بجائزة الملتقى وهناك سؤال يطرح نفسه وهو أن نيلكم الجائزة أثار بعض الردود لدى بعض النقاد أو القراء أو المتابعين أو الشعراء ، أن بعضهم كان يرى أن رئيس اللجنة لا يجب عليه أو لا يفترض أن يفوز بالجائزة فما ردكم وتعليقكم عليه؟- أولاً أنا لست رئيساً أنا مقرر لجنة الشعر. وهناك فرق بين لجنة الشعر التي تنظم وتفكر للملتقى ولجنة التحكيم لأن لجنة الشعر ليست هي التي تختار الفائز إنما هناك لجنة تعيَّن وأظن أنه عرفت الأسماء فهناك د. عبدالسلام المسدي وعلي جعفر العلاق وفاروق شوشة إلى آخر بقية الأسماء. هذه اللجنة هي التي تتولى التحكيم ولست أنا الذي يعين هذه اللجنة، فالذي يعين هذه اللجنة هو وزير الثقافة باعتباره رئيس المجلس الأعلى للثقافة. لذلك فلا شبهة أن يكون مقرر لجنة الشعر له تأثير على لجنة التحكيم ، لا يوجد مثل هذا التأثر على الإطلاق لأنه ليس رئيساً وليس عضواً فالفائز لم يكن رئيساً للجنة ولم يكن عضواً فيها. في ظني، وأعتقد أن هذا النقد لا محل له وربما تكون دوافعه هو إثارة بلبلة أكثر من أن يكون نقداً حقيقياً.
- تزامن مع بدء ملتقى القاهرة الدولي للشعر ملتقى آخر لقصيدة النثر. نريد أن نتحدث عن موقفكم من قصيدة النثر هل هو موقف من القصيدة ذاتها أم هو موقف من المستوى الذي يقدمه شعراء قصيدة النثر أنه مستوى غير مقنع؟- هو موقف من القصيدة نفسها وموقف من المستوى. طبعاً من الناحية المبدئية فإنني مع حق كل إنسان في أن يكتب ما يشاء ويجرب ما يشاء. ولا أنكر أن قصيدة النثر مثلها مثل أي كتابة أخرى فيها الجيد والردئ، والقصيدة الموزونة كذلك فيها الجيد والردئ. لكن .. أنا أعتقد أن الموسيقى في الشعر العربي خاصة ، و"خاصة" هذه معناها أن الموسيقى لها شكل معين في الشعر العربي يختلف طبعاً عن الموسيقى في شعر آخر، من المعروف على سبيل المثال أن العروض العربي عروض كمي وأن العروض في اللغات الأوربية عروض نبري أي أن الوزن يتحقق بالتركيز على بعض المقاطع في الكلمة في الأصوات اللغوية الأوربية. بينما الأمر مختلف في العروض العربي. العروض العربي يقوم على التفعيلات والتفعيلات عبارة عن مقاطع تحسب كمياً عن طريق معرفة الحركات القصيرة والحركات الطويلة ، المدّات ، والتمييز بين ما هو متحرك وما هو ساكن وما إلى ذلك. بالإضافة لهذا نحن نعلم أن القصيدة العربية التي عرفت القافية الموحدة والقافية الموحدة غير موجودة إلا في الشعر العربي. ما أريد أن أقوله هو أن الموسيقى بالنسبة للقصيدة العربية لها أهمية خاصة. وهذه الموسيقى شرط من شروط الوصول للغة الشعرية ليست لذاتها بل لما تؤدي إليه لأنها تتفاعل مع اللغة المجازية في الوصول إلى عالم شعري لا يمكن أن نصل إليه بدون الموسيقى. هذا هو رأيي في الشعر عموماً وبالتالي في قصيدة النثر. لكن أنا طبعاً لا أستطيع أن أمنع أحداً من كتابة هذه القصيدة، أنا أشجع النماذج الجيدة وأنشرها في المجلة التي أرأس تحريرها مجلة "إبداع". وفي هذا الملتقى كما فعلنا في الملتقى السابق دعونا عدداً من الذين يكتبون قصيدة النثر. ولكن هناك ممن يكتبون قصيدة النثر من يعتقدون أن قصيدة النثر هي شعر العصر الذي يجبّ ما قبله أو الذي يحلّ محل القصيدة الموزونة وبالتالي يجب أن يكون لها الصدارة كما قال أحدهم. لا، أنا لست مع هذا الرأي وأظن أن من حق من يكتبون قصيدة النثر أن يكونوا ممثلين في الملتقيات وفي المجلات وفي الحركة الشعرية بشكل عام. لكن أن يكونوا الوحيدين أو لهم الصدارة إلخ، هذه مسألة عليهم هم أن يحققوها لأنفسهم عن طريق الكتابة. أنا لا أفسح لهم المجال وأقول لهم: "تعالوا تصدروا". لا! الشاعر يتصدر بما يكتب وليس لأن المجلس أو الوزارة أو المجلة تعطيه مكان الصدارة. هو ينتزع لنفسه مكان الصدارة عن طريق الكتابة، عن طريق الوصول إلى قصيدة جمهور الشعر ونقاد الشعر يعترفون لها بأنها بالفعل قصيدة وبأنها جزء لا يتجزأ من تراث الشعر العربي لها الحق في أن تنضم لهذا التراث وأن تكون امتداداً له. هذا حدث أم أنه في طريقه للحدوث أم أنه لم يحدث أم أنه لن يحدث هذه أسئلة يجيب عليها الزمن وتجيب عليها الحركة الشعرية. كل ما هنالك أن ما ألاحظه على هذا الملتقى أنهم انتظروا حتى نقيم نحن الملتقى لكي يستغلوا فرصة إقامتنا لملتقى الشعر لكي يقيموا هذا الملتقى في المقابل أو على الهامش. السؤال هو: إذا لم نكن نحن قد أقمنا ملتقانا هل كان باستطاعتهم أن يقيموا ملتقاهم؟ أنا أتمنى أن يقيموا ملتقاهم دائماً ، وهذه أمنية حقيقية ، وأنا أعتقد أن الملتقى الذي أقاموه فيه جانب إيجابي لا شك فيه وهو إثارة السؤال حول هذه الأشكال الشعرية وحول هذا الحق ، حقنا في التجديد والتجريب وإلى أي مدى وموقفنا من قصيدة النثر وموقفنا من القصيدة العمودية وموقفنا من قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر أو الشعر الجديد إلخ. هذا كله مفيد بشرط أن ندخل في حوار موضوعي وحقيقي وبعيد عن التهريج وبعيد عن الكذب وبعيد عن الإدعاءات وبعيد عن التسلق والتطفل، تطفل بعضهم على ما لا يحسنونه من الكتابة ومن الفن، لأنه سهل جداً أن ينتهز بعضهم الفرصة لكي يقولوا إنهم شعراء عندما يصفقون لخصومك أو لمن يعتبرون أنفسهم خصوماً لك ، لأن هؤلاء الخصوم أيضاً يحتاجون إلى أنصار ويحتاجون إلى مصفقين. هذا الأسلوب في العمل ينفع في السياسة الحزبية ولكن لا ينفع في الفن.
- إذن مبدئياً أنتم لا تمانعون ، بل لم تمانعوا بالفعل في دعوة بعض شعراء قصيدة النثر، ومع هذا رفض بعضهم الحضور وأقاموا ملتقاهم.- طبعاً. عندما كنا نعد البرنامج كان في ذهننا فاطمة قنديل وكان في ذهننا حلمي سالم ، وحلمي سالم بالمناسبة أنا الذي طلبت منه أن يأتي للملتقي لكي يقدم دفاعاً عن قصيدة النثر، وقد جاء وشارك في الندوة وقدم هذا الدفاع. إذن فاطمة قنديل ، حلمي سالم ، رفعت سلام ، محمود قرني ، علي منصور ، عماد غزالي ، عبد العزيز موافي وهو شارك كما شارك حلمي سالم، هؤلاء بالإضافة إلى العرب.
- إذن عدد الشعراء المصريين لا بأس به. لو كان هؤلاء قد شاركوا جميعاً لكان عدد شعراء قصيدة النثر المصريين في الملتقى عدد لا بأس به.- طبعاً والذين زعموا أنهم أقاموا الملتقى لأنهم لم يمثلوا في الملتقى الذي نظمه المجلس هذا إدعاء كاذب.
- هل هناك سؤال لم أطرحه تودّ الإجابة عليه؟- لا أبداً. الإضافة هي لا شك أن العمل لابد أن تقع فيه أخطاء وسلبيات وأنا أعترف بها. وربما تكون أيضاً هناك أخطاء وسلبيات نحن لم نذكرها. أتمنى أن نتذكرها وأن نحاسب أنفسنا وأن نحاول في المستقبل أن نتجنب هذه الأخطاء. وأحب أن أقول في النهاية أن هذا الواجب هو واجبنا جميعاً لأنه لا توجد لي أنا شخصياً مصلحة شخصية في هذا النشاط ، ومصلحتي الأساسية هي أن أقدم ما أستطيع أن أقدمه لهذا الفن الذي أحبه ، وللبلاد التي أنتمي إليها وأشعر أن عليّ واجباً إزاءها وإزاء الثقافة المصرية والثقافة العربية عامة. بقيَ أيضاً عليّ أن أقول إنّ الإيجابيات التي تحققت لا يجب أن ننساها. لا يجب أن ننسى أنه تم حوار واسع حول الشعر ولا يزال هذا الحوار متصلاً، وأن ملتقى القاهرة شجع بلاداً أخرى ومؤسسات أخرى على أن تنظم أيضاً ملتقيات، وهناك الآن حركة شعرية أتمنى أن تكون عاقلة ، أتمنى أن ترشَّدَ عن طريق التعاون وعن طريق الحوار وعن طريق الاعتراف بالخطأ وعن طريق البحث عن وسائل لخدمة هذا الفن أفضل من الوسائل المتبعة حتى الآن.
- ختاماً نشكركم كثيراً وجزيلاً على وقتكم وعلى هذا الحوار الصريح الهادف لقراء الندوة العربية.- شكراً جزيلاً.
|
|
|
|