الانهيار الاقتصادي الذي رأيناه في أكتوبر
2008 ليس نتيجة ظاهرة دورة اقتصادية . إنه النتيجة
الحتمية لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية، التي
ترسمها الخزانة الأمريكية، و هيئة الاحتياطي
الفيدرالي للولايات المتحدة .
إنها أكثر الأزمات الاقتصادية جدية في تاريخ
العالم .
" الإنقاذ "، أو" العون المالي " الذي تقترحه
الخزانة الأمريكية، لا يشكّل " حلاّ " للأزمة . بل
على العكس من ذلك تماما : سيكون سبب الانهيارات
القادمة . هذا الإجراء يطلق العنان لعمليات تركيز
في الثروة، لا يمكن توقّعها، و التي تساهم بدورها
في توسيع فجوة عدم المساواة الاقتصادية و
الاجتماعية داخل الدول و بينها في نفس الوقت .
مستويات المديونية قد بلغت عنان السماء .. و
المؤسسات الصناعية تساق إلى الإفلاس، لكي تستولي
عليها المؤسسات المالية العالمية . الائتمان (
الذي يعني امدادات الأموال المتاحة للإقراض، و
التي تشكّل حبل الإنقاذ للإنتاج و الاستثمار)،
تتحكّم فها مجموعة صغيرة جدا من التكتلات المالية
.
مع عمليات الإنقاذ أو العون المالي هذه، أصبح
الدين العام أكثر وضوحا . لقد أصبحت أمريكا أكثر
الدول مديونية في العالم . و فيما قبل أموال
"الإنقاذ"، بلغ حجم الدين العام في الولايات
المتحدة 10 تريليون دولارا .
ذلك الدين المحدد بالدولارات الأمريكية،
يتكوّن من أذون خزانة معلّقة، و سندات حكومية
يمتلكها الأفراد، و الحكومات الأجنبية، و الشركات،
و المؤسسات المالية .
" الإنقاذ " : أو العون المالي الذي تقدمه
الإدارة الأمريكية، يعني انها تموّل مديونيتها
الخاصّة ! .
مما يثير السخرية، أن بنوك وول ستريت التي
تتلقّى أموال الإنقاذ هذه، هي تعمل أيضا كسمسارة و
ضامنة للدين العام الأمريكي . و رغم أن البنوك لا
تتحكّم إلاّ في جانب من الدين العام، فهي تقايض و
تتاجر في أدوات دين الدولارات الأمريكي العام، على
اتساع العالم .
و هذا يعني بشكل أكثر سخرية، أن البنوك التي
تتسلّم ما يزيد عن 700 بليون دولار كمعونات، تعمل
في نفس الوقت كدائنة لحكومة الولايات المتحدة
الأمريكية .
نحن هنا نتعامل مع دائرة علاقات منافية للعقل
: البنوك التي تتسلّم ما يزيد عن 700 بليون
دولار كمعونات، تعمل في نفس الوقت كدائنة لحكومة
الولايات المتحدة الأمريكية .
و هذا يعني أن الإدارة الأمريكية تموّل
مديونيتها الذاتية ! .
عملية " الإنقاذ " هذه تفضي إلى المزيد من
الاندماج و المركزية للنفوذ المصرفي، ممّا يرتد
أثره على النشاط الاقتصادي الحقيقي، مؤديا إلى
سلسلة من عمليات الإفلاس، و البطالة الهائلة .
و إلى الرسالة رقم (2)