العمال
الفلاحون يساعدون أنفسهم
ندوة -
هونج كونج - 21 يونيو 2008
لو رو تساي مراسلة ((الصين اليوم))
عرض فني للعمال الفلاحين أمام مركز الثقافة لحي
تشاويانغ في بكين
في قرية بيتسون الواقعة في الضاحية الشمالية
الشرقية لبكين، على مسافة ثلاثين كيلومترا من قلب العاصمة،
يقع "مركز التنمية الثقافية لبيت أصدقاء العمال
الفلاحين" و"متحف ثقافة العمال الفلاحين" و"مدرسة تونغشين التجريبية".
ظاهرة "بيتسون"
في الطريق إلى قرية بيتسون التي تتخذ مكانا وسطا بين ثلاثة من أحياء بكين، هي
تشاويانغ وتونغتشو وشونيي، أخبرني سائق السيارة الأجرة التي أقلتني إليها أنه
فلاح أصلا، يقيم في حي تونغتشو بشرقي بكين، وأن والده هو الذي يرعى حقل الأسرة
حاليا. عدد كبير من سائقي التاكسي في عاصمة الصين فلاحون ينتمون لضواحي بكين،
فأهل حضر العاصمة لا يقبلون على هذه المهنة المتعبة التي تحقق دخلا لصاحبها ما
بين ألفين وثلاثة آلاف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7,1 يوان)، وهو مبلغ أعلى
من متوسط الدخل الشهري لسكان بكين. فرصة العمل كسائق تاكسي في بكين لا
تُتاح للفلاحين من مناطق الصين الأخرى، حيث أنهم غير مسجلين مدنيا في بكين،
بعكس أبناء ريف العاصمة.
بيتسون قرية صغيرة المساحة، لا يزيد عدد سكانها عن ألفين وخمسمائة نسمة، كانت
مهنة أهلها الزراعة، غير أن معظم شبابها اشتروا مساكن داخل المنطقة الحضرية
ببكين واستقروا بالمدينة، وتركوا خلفهم المسنين يفلحون الأرض ويؤجرون بيوت
القرية للعمال الفلاحين القادمين من مناطق الصين الأخرى، والذين بلغ عددهم فيها
عشرة آلاف. بيتسون ليست أكبر تجمع للعمال الفلاحين القادمين من خارج بكين، ففي
منطقة شياوجياخه بغربي العاصمة الصينية، يقطن 20-30 ألفا من العمال الفلاحين
غير البكينيين بين أهلها البالغ عددهم أربعة آلاف فرد. هذا الوضع ليس في بكين
فحسب ففي مقاطعة فوجيان، وفقا لما يقول لي يي جيه الموظف في تجمع آندوه السكني
القريب من مطار شيامن، يقيم خمسون ألفا من العمال القادمين من خارج شيامن وسط
ألفي شخص هم السكان الأصليون لهذا التجمع. ظاهرة القرى التي يشكلها العمال
الفلاحون داخل المدن موجودة في مدينة شنتشن وقوانغتشو وغيرهما. يستأجر القادمون
بيوت الفلاحين في ضواحي المدينة، ويتحول أصحاب تلك البيوت إلى "سكان حضر" لا
يعملون.
في مدخل قرية بيتسون أكوام من المخلفات والقمامة. قال سون هنغ، مؤسس بيت أصدقاء
العمال الفلاحين: "لا تستهينوا بتلك القمامة، فهي مصدر دخل كثير من العمال
الفلاحين". معظم المقيمين في قرية بيتسون فلاحون جاءوا من مقاطعات خنان وآنهوي
وسيتشوان، يعمل بعضهم في فرز القمامة ومعالجتها، بل إن مائة ألف فلاح من مقاطعة
خنان يعملون في معالجة القمامة ببكين.
بيوت القرية مبنية بالطوب الأحمر، الأفنية الكبيرة تستأجرها المصانع الصغيرة،
أو أصبحت مستودعات لبعض الشركات. قال بعض مستأجري البيوت إن الإيجار ارتفع
كثيرا، من 60 يوانا لغرفة مساحتها 15 مترا مربعا في الماضي إلى أكثر من 120
يوانا حاليا. الطريقة الوحيدة لتقليل تكلفة السكن هي أن يقيم 3-4 أفراد من أسرة
واحدة في غرفة واحدة أو يستأجر عدة أشخاص غرفة واحدة.
رأيت بعض الشبان يتجولون في الشارع يرتدون الجينز والشباشب، بعضهم انتهوا من
نوبة العمل الليلية، وبعضهم الآخر تركوا قراهم قبل فترة قصيرة ولم يجدوا عملا
مناسبا. على جانبي أكثر شارع ازدهارا في القرية محلات تجارية صغيرة ومطاعم
صغيرة وصالونات حلاقة.
نفض الفقر الثقافي
حتى سنة 1998 كان سون هنغ مدرس موسيقى في مدرسة إعدادية بمدينة تشنغتشو في
مقاطعة خنان، لكنه لم يكن راضيا عن حياته فأتى إلى بكين. قال: "عملت
شيالا وعلى عربة نقل ومندوب مبيعات، ولفترة كنت أتسول بالغناء في أنفاق المرور.
تعرفت على عدد كبير من الذين جاءوا إلى بكين للعمل، ففهمت صعوباتهم ومشقاتهم.
عندما كنت أغني لأصحاب البسطات التجارية على جانبي الشوارع كنت أشعر بأنني لست
وحدي في بكين، فالعاصمة بها 4 ملايين شخص من خارجها". بعد هذه التجربة قرر سون
هنغ أن يفعل شيئا لهذه المجموعة من الناس، ولكنه لم يكن يملك شيئا غير قيثارته،
فحملها وذهب إلى مواقع الأعمال الإنشائية، حيث يوجد العمال الفلاحون، وغنى لهم.
جاء رد فعلهم واستجابتهم فوق ما كان يتصور، وحسب كلامه: "في البداية خشيت ألا
أحظى بالقبول بينهم، فهُم يعملون أكثر من عشر ساعات كل يوم ويتعبون كثيرا. ولم
يخطر ببالي أنهم سيغنون معي في كل مرة".
في عام 2002 كون مع أصدقاء له فرقة فنية للعمال الفلاحين الشبان، وقدموا أكثر
من مائة عرض فني مجانا للعمال الفلاحين.
سافر الشاب تشانغ بين، ابن مقاطعة شنشي، مع " بيت أصدقاء العمال الفلاحين" إلى
مدينة شيامن متطوعا، واتصل بعدد كبير من العمال الفلاحين الذين جاءوا من أنحاء
البلاد. قال: "باستثناء الشباب منهم، الذين يرتادون مقاهي الإنترنت والمتاجر،
الحياة الثقافية للعمال الفلاحين فقيرة، فكبار السن يفضلون النوم في وقت
فراغهم، إذا وجدوا الفرصة". الواقع أن فرص التدريب المجاني وزيارة المواقع
السياحية مجانا التي تقدمها الحكومة كثيرة، لكن كثيرا من العمال الفلاحين لا
يتمتعون بها. لعل السبب في ذلك أنهم لا يعرفون شيئا عنها، فالحكومات المحلية
تعلن عن مثل هذه الأخبار والمعلومات في محطات التلفزيون والصحف المحلية، ومعظم
العمال الفلاحين لا يشاهدون التلفزيون، بل لا يوجد تلفزيون في مساكنهم". أما
فيما يتعلق بالتدريب المهني، فما يريده العمال الفلاحون، خاصة الشبان الذين
يمثلون 80% منهم، هو أن يتعلموا مهارات يمكنهم استخدامها فورا، لذلك سجل عدد
كبير منهم في الدورة التدريبية لاستخدام الكمبيوتر التي نظمها "بيت أصدقاء
العمال الفلاحين"، أما دورة اللغة الإنجليزية فلم تستمر بسبب قلة عدد المنتظمين
بها.
ذاعت شهرة العروض الفنية لفرقة سون هنغ من بكين إلى المناطق الأخرى. لكنه وجد
أن تقديم عرض فني مجانا غير كاف، فبعد العروض كان يأتي إليه كثير من العمال
الفلاحين يسألونه ما العمل وهم لم يحصلوا على أجورهم في موعدها. تجاه هذه
المشكلة الجديدة، أقام "بيت أصدقاء العمال الفلاحين" دورة تدريبية مجانية
للمعلومات القانونية، وأقام مكتبة وقاعة لعرض الأفلام، وحصل على مساعدة مالية
من جمعية شيله الخيرية في هونغ كونغ. وسوف يفتتح "متحف ثقافة العمال الفلاحين"
قريبا. المتحف المقام في بناية كانت مصنعا صغيرا، يأتيه كثير من العمال
الفلاحين بعد انتهاء أعمالهم لمد يد العون في أعمال تجهيزه قبل الافتتاح. يعرف
سون هنغ أن المتحف يقع بعيدا عن وسط المدينة، وأن عدد زواره من أهل المدينة لن
يكون كبيرا، لكنه يتمنى أن يعرف الناس بوجود هذا المتحف عن طريق شبكة الإنترنت.
"مدرسة تونغشين التجريبية" ثمرة أخرى لجهود سون هنغ. قال عنها: "في البداية كنت
أريد أن أقبل خمسين تلميذا، لكن جاء أكثر من مائة." عند إقامة هذه المدرسة عام
2005 كانت نية سون هنغ أن يقبل الأطفال المقيمين بالقرب منها فقط، لكن الآن
يدرس فيها نحو 400 تلميذ، من الصف التمهيدي حتى الصف السادس الابتدائي. كثير من
تلاميذ المدرسة يأتون من أماكن بعيدة. أما المناضد والمقاعد وأجهزة الكمبيوتر
فكلها تبرعات من أهل الخير. قال سون هنغ: "كل المعلمين في المدرسة جاءوا من
خارج بكين، راتبهم الشهري 800 يوان، لا أحد من أهل المدينة يرغب في هذا العمل."
في عام 2007، بلغ متوسط الدخل الشهري لسكان بكين 1800 يوان شهريا، ودخل معلمي
المدارس المتوسطة والابتدائية أعلى بكثير.
وأكد سون هنغ أن أقصى ما تريده مدارس أبناء العمال الفلاحين هو أن تبقى وتستمر،
وقال إن "مدرسة تونغشين التجريبية" مثل كل مدارس أبناء العمال الفلاحين الأخرى
البالغ عددها 200 في بكين، مقامة بطريقة غير قانونية، ولكن من أجل التعليم لا
يأبه أولياء الأمور والتلاميذ أنفسهم بصفة المدرسة. المدارس الحكومية لا تكفي
لاستيعاب أبناء العمال الفلاحين البالغ عددهم 200 ألف في بكين، وأمام هذا
الوضع، اختارت وزارة التعليم أخيرا تقديم المساعدة لمدارس أبناء العمال
الفلاحين "غير القانونية". سمع سون هنغ أن الحكومة ستعتمد نحو مائة مليون يوان
لتحسين الوضع الحالي للمدارس الابتدائية والمتوسطة.
الصين بها عشرات المنظمات الشعبية، مثل "بيت أصدقاء العمال الفلاحين"، تهتم
بحياة تلك الفئة من المجتمع، تساعدهم على الاندماج في حياة الحضر والتكيف مع
ثقافة التجمعات السكنية وتقدم لهم التدريب المهني والمساعدة القانونية الخ.
القائمون على أمر هذه المنظمات كلهم تقريبا من الريف ومعظمهم عاشوا كعمال
فلاحين في فترة من الفترات. لكن عددا متزايدا من خريجي الجامعات والمعلمين
والمحامين يقدمون المساعدة لها أيضا، وذلك تحول نوعي يفيدها كثيرا.