ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

الشاعر لطفي زغلول في مدينة .. وقودها الإنسان

علي الخليلي - فلسطين

 

هلْ يَطُولُ الرَّحِيلُ ..

إلى المُستَحِيلِ ..

تَكادُ المَجَاديفُ ..

تَأكُلُها دُودَةُ البَحرِ .. في رِحلة ِ التيهِ ..

والشَّطُّ ما زَالَ خَلفَ الضَّباب ..

مَتى سَيُرَفرِفُ سِرْبُ طُيورٍ ..

يُدثِّرُ هذا المَدى بِعَباءَتِهِ

في لَيالي الصَّقيعِ ..

ويَمْسَحُ عن وَجهِهِ لَعنةَ الإغْترَاب

مَتى تَستَرِيحُ المَجادِيفُ ..

من وَهْمِ تَرْحَالِها في السَّرَابْ

( إفتتاحية ديوان : مدينة .. وقودها الإنسان )

      أهداني الصديق الشاعر لطفي زغلول نسخة من مجموعته الشعرية الأخيرة " مدينة .. وقودها الانسان " ، فاشتعل في وجداني سؤال موجع ، مفجع فور قراءة العنوان ، وقبل الدخول إلى القصائد : كيف أمست نابلس مدينة الشاعر لطفي زغلول الأغلى على قلبه ، والتي لا يغادرها إلا ويعود لها على جناح السرعة ، " مدينة وقودها الانسان " ؟ وإن لم تكن نابلس وحدها ، وهي التي لم يسمها نصا ، في هذا المسمى المأساوي ، فانها بالضرورة كل مدن وقرى ومخيمات الوطن مرموزا إليها بالمدينة ، دون أسماء ؟ .

      يخرج لطفي زغلول عن توافقه المعتاد مع رومانسيته الغنائية المتفائلة التي اشتهر بها منذ أولى مجموعاته قبل عدة عقود ، الى قصائد جديدة تحت هذا العنوان ، تجرف ما تراكم حوله من تفاؤل رومانسي ، وترحل في فضاء مغاير يسميه الشاعر زغلول نفسه " فضاء " الرحيل الى السراب " . هل يعني ذلك ان كل رومانسيته السابقة كانت مجرد رحيل الى السراب ؟ . ام انه وقد انفصل او انه " انخلع " عن غنائيته المتفائلة ، تحت ثقل المتغيرات الزلزالية المتلاحقة ، امسى راحلا الى السراب ؟ ، وماذا تفعل القصائد الجديدة في هذا المعنى المفزع بكل حالاته ، وهي اصلا تتحرك في سياق مفردتي " رحيل " و " سراب " اللتين تنتميان للقاموس الرومانسي نفسه ؟ .

      ثمة سؤال آخر لا بد منه ، قبل الدخول الى المعنى ، هو : هل استطاع الشاعر لطفي زغلول المعبأ بالتفاؤل والامل والحب ، ولو بذات القاموس ، ان ينزل اخيرا من " ربيع " الحلم الرومانسي الى واقع الخراب والدمار والفوضى و " الفلتان الأمني " على الأرض ؟ .

      لن نجد مفردة او مصطلحا واحدا مثل " الفلتان الأمني " على أية حال ، في هذه القصائد . ولكننا نقرأ في عناوينها ( ثم نتابع في تفاصيلها ) ، ما يرمز الى هذا المصطلح ، ولسواه مما يدرج برعب ، ويأس ، في هذه المرحلة ، على امتداد ارضنا المحتلة . وهي رموز " مفردات ومصطلحات " تصرخ بالايقاع الرومانسي التقليدي ذاته في وحشة تشاؤمية قاتمة : " الشمس في الأسر " ، " وشم المنفى " ، " الرقطاء " ، " غيمة تنزف قارا " ، " طائر ساد وباد " ، " ليلة اغتيال المدينة " ، " الساحر والدمى " ، " يباب " ، " هي والغربان " ، " شريعة الغاب " ، " جنة الخطيئة " .

      فور ان يغلق الشاعر زغلول فضاء هذا " الرحيل " ، ينتقل بنا الى " فضاء " ثان اختار له عنوان " لا " . هل هو عنوان التمرد والثورة والمقاومة والانتفاضة على طريقته القديمة في مجموعاته السابقة ؟ . والحقيقة ليس من تمرد او ثورة او " هتاف للشعب والأمة " هذه المرة . وانما هي " لا " للفضاء الاول ، كي يندفع الى فضائه الثاني الذي هو فضاء القصيدة وحدها ، دون غيرها . أي انه ينزع نفسه من الواقع الذي اصطدم به في الفضاء الاول ، وينكمش على نفسه ، او على قصيدته الذاتية " جوهر الرومانسية " في الفضاء الثاني .

      يسأل او يتساءل الشاعر زغلول ، دون اكتراث نفترضه فيه بما سبق من أسئلتنا : " متى تستريح المجاديف من وهم ترحالها في السراب ؟ " الموت – الغرق هو الراحة . لكن الشاعر لطفي زغلول يرى ما يفوق الموت او الغرق الما وقهرا في هذا " الترحال .. المأساوي .

" يوم اغتيلت شمس في شرخ طفولتها

لم يأت نها ر.. كان أعد حقائبه

ليعود على اول فجر ، بعد غياب

... أه لو يعلم أن الموعودين به

اهترأوا ، انطفأوا ، صدئوا

      ان فضاء الرحيل الى السراب في الراهن ، كان في الماضي ، على الرغم مما هوفيه الآن ، " وعدا لعاشقه ان تضيء مداه رؤى .. " . تحطمت الرؤى ، وسيطرت الظلمة ، فاذا " الغيمة تنزف قارا " ، واذا الفضاء ذاته يترنح " ضريرا " ، حتى ان الشاعر يعجب كيف " تشدو الطيور " في هذا الفضاء : " كيف تشدو الطيور .. لمن هي تشدو .. وهل فنن من افانينها .. يدعي انها تستطيع اليه الوصول " .

      ان زمن هذا الفضاء بالنسبة للشاعر هو " زمن الاغتراب .. وان رؤاه يباب يباب " ، صحيح ان " الماضي " ماضي الثورة والمقاومة والانتفاضة كان جميلا برؤاه ، الا ان اشاعر يكتشف ، او يعترف الآن ، في الحاضر / الواقع المر البشع ، ان كل رومانسيته الماضوية كانت زائفة او فارغة .

.. يا وطني المكلوم المفجوع

يا جرح التاريخ الموجوع

وعدوك .. وكم وعدوا برؤى

لا تسمن أو تغني من جوع

      رؤى السلام والاستقرار والدولة والحرية – لعله يعني رؤى او اوهام اتفاق أوسلو – بعد التضحيات الجسام والكثيرة ، كلها تتمزق وتنهار في وطن " ما زال بلا وطن " ، وفي وطن " اغتيل به الوطن .. ما عاد له إسم بين الأسماء .. ولا حتى عنوان " ، في وقت لا تزال فيه " تلك الرقطاء تصول تجول بفردوسي .. يمطر ناباها حمم السم على كأسي .. اتجرع قسرا ليل نهارا كأس الموت على يدها .

      وهكذا امست مدينة نابلس مدينة الشاعر الاغلى على قلبه ، وهي مسقط رأسه ، وملعب صباه ، ومأوى كهولته ، بل امسى الوطن كله في هذا الخراب ، وفي ركام النكبة المتكررة ، والخيبة المستمرة " مدينة وقودها الانسان " ، ليس سؤالا بقدر ما هي الحقيقة / الفاجعة التي جعل الشاعر منها عنوانا لمجموعته كلها ، ولمضمون ما اسماه فضاءه الاول .

      يتفلت الشاعر لطفي زغلول من هذه الفاجعة الى فضائه الثاني ، متماهيا مع قصيدته الذاتية التي يجد فيها الطمأنينة بالقدرة على قول " لا " ، دون ادنى تردد او خوف ، لذلك الفضاء الاول الذي كاد ان يتلاشى فيه .

      " لا " هو عنوان الفضاء الثاني ، وهو في المحصلة ، عنوان الشاعر بكل فضاءاته .

.. الليلة إني آمر كل الكلمات ..

إذا سمعت .. لا .. يوما ..

ان تسجد وتصلي .. طلبا لسلامتها

فكرامة كل لغات الرفض ظلال كرامتها

كي تصبح بعد الآن..

على كل لسان ..

فاتحة الرفض .. ومغناة الحرية

      الشاعر في هذه " الفاتحة " الجديدة ، يتمرد على الخراب واليأس والفوضى والقهر ، وهو كل ما يشتمل عليه الواقع ، لا تمردا بفعل جديد ( على قياس فعل المقاومة ، مثلا ) ، وانما هي القصيدة الذاتية تعلن انها هذا الفعل بذاته ، حين تتحول الى الرفض لكل ما هو سائد ومسيطر على الارض .

      وفي سياق هذا " الرفض الشعري " ، يحول الشاعر كل تفاصيل فضائه الثاني الى قصائد واغاني مديح لهذا الرفض الذي هو الشعر بذاته .

.. في فضاء القصيدة .. تخضوضر الروح ..

تزهر .. تطرح بحر اغتراب مداه رؤى تتسفع ..

خلف حدود الخيال

تمارس عشق الرحيل إلى المستحيل

      يهرب الشاعر إلى قصيدته " صاحبة الجلالة " التي تأخذه " على جناحيها إلى مجاهل المحال " ، كما يكرر في اكثر من مقطع مترنما بلغة " حروفها الوصول " ومطاردا ما يشاء من صور وتشابيه " صحوة الابجدية " ، دون ان يدري " إلى أين " في نهاية المطاف .

      الشاعر لطفي زغلول في هذا المعنى ، يستمر حائرا ومضطربا ، فهو لا يزال ملتصقا بالواقع ، رغم ما اوحت له القصيدة انها " ارتفعت " به الى حلمها الذاتي في فضاء ثان . والحقيقة انه فضاء واحد من الاول الى الثاني ، إلى كل الأعداد .

مدينة .. وقودها الإنسان

شَيئاً فشَيئاً غادَرَت زَوارِقي .. بَحرَكِ ..

صارَ المَاءُ في أَحضَانِهِ ..

قفْراً منَ الجَليدِ .. يَغتالُ الخُطى

ينْهَشُ بَردُهُ جَوارِحَ الرُؤى

شُطآنُهُ غَفَت على سَريرِ ذِكرَى ..

تَنزِفُ الرِمالُ جَمْراً ..

تَذرفُ الأَمواجُ دَمْعاً هائِجاً ..

يُلوِّنُ الفَضاءَ بِالأَحزانْ

بَحرُكِ .. صارَ ليْلُهُ مَجاهِلاً

تَصولُ في أَحْشائِها ..

تَجولُ في سَمائِها الغِربانْ

أَيَّتُها المَدينَةُ الَّتي عَلى أَعتابِها

صُلِبتُ أَزماناً ولم تَفتَحْ ..

لِشاعِرٍ تَدَثَّرَ المَدى عَباءَةً .. أَبوابَها

قد كانَ لي وَعدٌ ومَوْعِدٌ

وخُنتِ مَوْعِدي

أَيَّتُها الغَريبَةُ الوَجهِ .. غَريبَةُ اليَدِ

غَريبَةُ اللِسانْ

إنّي أَرى خلْفَ قِناعِ وجْهِكِ الشَيْطانْ

أَشْعَلَها حَرائِقاً حَرائِقاً حَرائِقاً

وَقودُها الإنْسانْ

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا