ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

بريهان قمق بين اللغز وتراجيديا البحث

عبد الستار نور علي - العراق

 

آتيكَ على منَاكِب صقري الأعمى

أنا المفتوحةُ على لغزِ الأبدية..

جيادي قوقازية بلا سرجٍ تاهت في الصحارى

سأعترفُ

أضعتُ عصافيرَ السّدرِ

أطعمتُها خبزاً ، سكراً ، مُهجةً ، ورحلتُ عنها..

أعترف .. خاصمتُ نفسي

وكتبتُ يومياتٍ لا أباليّة ..

(من قصيدة: خارج الزمن... خارج المكان)

 

بين لغز الأبدية ومحاولة حله والفجائعية الباطنية الموجعة كنتيجة لهذا البحث المتواصل والمغناة بمناجاة تراجيديا شعرية تتلقفنا قصائد الشاعرة بريهان قمق لنهبط في عالمها الداخلي المعبأ بالتوحد مع الذاكرة المتشحة بالصمت الذي يأبى أن يفك رموز الداخل ليطلق صرخة الروح المتوهجة بالتأمل والتساؤل لتقع في مهب الاحساس بالضياع :

 

لا تَصْمُتْ، يَا وَتَرًا مَشْرُوخًَا، مُتَوَشِّحًا إنْسَانا –

يَا صَوْتَ ذَاكِرَتِنَا الحيَّةِ.

(من قصيدة: غبار الطلع)

لذا تطلق الشاعرة صرختها هذه في وجه الصمت والسكون الوتر المتصدع الذي يغلق على الذاكرة الحية باباً كي لاتنفتح على ما في داخل الروح من تطلعات وأصوات تفرغ شحنة المشاهد لتتفتح على عالم يزخر بما يدفع الذات الى الانزياح في فضاء البحث والتوحد بين الباطن والخارج ،حتى تجد النفس الاجابة عن السؤال السرمدي الخالد لمعنى الوجود. ففي الصمت ضياع للإجابة أو عمى تتيه في كهوفه الروح التواقة للضوء. اجابات بلا فعل ولافاعل يمد يده لانتشال السائح الجوال في أغوار الذات المتوحدة بالسؤال :

أسْئِلةُ الصمت المهيض

في كهوف الروح السَّحِيِقَة

تأتيك

إجابات عمياء

بلا فعل ولا فاعل

(قصيدة: ايها الجاثم) </قصيدة:>

بريهان قمق تنقلنا عبر ارهاصاتها وانفعالاتها الداخلية وتساؤلاتها النابشة في عالمها المليء بالوجد المتناغم مع التهويم السابح في كيانات الروح المتأججة بالبحث لنلقي رحال مشاعرنا في تهييج أمواجها التي تحملها صوب الوقوع في الضجر والكآبة المساق الطبيعي لكثرة التساؤل والغوص في عوالم التجلي والابحار في كهوف الذاكرة . زهورها استحالت طعاماً لقطعان الليل البهيم وهي تنتظر حلول الشمس في داخلها لتضيء عتمة الروح في عالم تملأه قطعان الظلام. لكن الضوء أعمى لايبصرها كي يشرق عليها فتغوص في غلالات النور لتتطهر من وخزات اكتئابها وهي تسبح في تيار وجع الأسئلة اللغز:

زهوري .!!

صارت علفاً للقطعانِ ..

أيها الضوءُ الأعمى طهرني مِنْ كآبتي

آيا ملكَ الغيلانِ خبِئْني من لَمَّةِ وجع ِ أسئلتي ..

(خارج الزمن ... خارج المكان)

 

إن بحث الشاعرة بريهان الدؤوب عن لغز وسر الأبدية والخلود هو نفس بحث جلجامش عنهما، هوالذي قطع البراري والبحار والغابات وصارع التنين كي يحصل على هذا السر، لكنه أضاع في طريقه السر واللغز وصديقه انكيدو ليقع فريسة التساؤل الأعظم عن الحياة والموت وماهية الوجود الانساني وخلوده في وجه الموت.

تضعنا شاعرتنا في نفس رحلة السؤال والدوران الانساني الخالد عبر تاريخ الوجود البشري ، لكنها في ذات الوقت تقع أسيرة مترتبات هذا البحث والاستفهام ومحاولة الوعي المقرون بالانجلاء ومتتالياته الموجعة: التوهج ، الانفعالات الملتهبة، الألم ، القلق ، الضجر، الاكتئاب، وحتى اليأس والاحساس بقتامة العتمة التي يقع فيها السائح الجوال في هكذا عالم لم يعثر على الاجابة ولم يجد المعنى منذ الخليقة الاولى وحتى اليوم والتي وجدت تأثيراتها وتجلياتها وارهاصاتها في الاساطير:

سأمشي إلى حتفي بأحداقٍ مفتوحة

لا برق يشقُ عتمةَ يومي

لا صاعقة تضربُ ليلي

لاشيء سوى أرتالِ الهازِلِ و تقوسِ الكلماتِ

قد سئمتُ قصائدَ لجةِ خدع السُمَيْهاءِ ،

وَسْنيَّةَ المعنى ، شاحبةَ اللونِ زخرُفَها أجوفا

كلماتُ ظلالٍ ، تسلبُ ظلالا

لا شيء معها سوى كذباتٌ

لعناتٌ

بكائياتٌ

ركلاتٌ

ثوراتٌ مُؤتَفِكاتٌ

وكثيرٌ من قهقهاتِ مجونٍ

في زمنٍ

بلا نبوءاتِ ..

(قصيدة: خارج الزمن ... خارج المكان) </قصيدة:>

 

ولذا فإن الشاعرة قمق تجد نفسها خارج الزمان والمكان ، لأنها لم تعثر على ذلك اللغز ولم تقدر على فك رموزالابدية ، وهو لهم الانساني الخالد مادام الانسان مقيماً في عالم الحضور والرؤية، فتقع أسيرة التصدع والذبول واليأس والصمت الموجع:

 

تَتزاحمُ أطيافٌ كالنَّملِ في عينيَّ ،

تتلو شَجْوَ شبابيك صَدِئةِ الجدرانِ‏

تَصَدَّعتْ أنّاتُها خوفَ انقراضٍ‏ و ذُبول..

كَمْ رَكضَ صَمْتُ صَقيع ٍ يُعِيدُنَا

لِنُجنَّ مِنْ وَجَلِنَا ويأسِنا ،

‏فنُفْقَدُ في التِيَاعِ صحراءِ الوجود ..

(خارج الزمن ... خارج المكان)

 

ارهاصات وانفعالات التساؤل الابدي يوقع شاعرتنا في تراجيديا فجائعية ذاتية روحية تنز بالألم والوجع والغناء الدرامي في وجودية تقترب من الوجد الصوفي الذائب في انفاس العشق ، بينما تذوب شاعرتنا في عالمها السائح المعتم في ما خلف المعنى:

 

أتراقصني كي نعيدَ للأبجدياتِ بريقَ توهُجِّها

ضوءَها الْمُنفلتا..!!

نلتمعُ في ليلِ التساؤلاتِ اختلاجا

لا تخشى قدمي دوسا

فرأسي على حبلِ مِشْنقةٍ هناك يتدلّى..

وشمسٌ غاربةٌ تئنُّ على كفِّي ،

(خارج الزمن ... خارج المكان)

 

الهم الجاثم على قلبها يفتح نافذة الوجع والتفجع في صدرها كي يغرز أشواكه في روحها الهائمة في مرابع التوحد مع السؤال ليقع قلبها صريعاً في ضريح الألم:

 

أيها الجاثِمُ فوق ضَرِيِحِ القَلْبِ

كلّ الأبجديات ،

من ألف الألم إلى ياء اليتمِ ،

وجعُ ،

مستوطن حنايا الضّلع..

(قصيدة: أيها الجاثم) </قصيدة:>

 

رغم كل هذا الوجع والألم والبحث وما يجثم على صدر الشاعرة من ضجر وتبرم واكتئاب الا أننا نقع في شعرها على ذلك الجانب من الأمل والوعد والدعاء، فهي لا تقع فريسة سهلة لليأس القانط المعتم الذي يوقع الانسان في جحيم السكون والرضى والصمت والجمود في الحياة:

 

ما زالت أبجدياتي في يوم الميلاد ، تبتهلُ تندسُّ ريْعانَ القصيد

أيُّها الحرفُ المقدسُ

آمانة

قاوم السيّافَ

إسْمَهرَّ وإنْ كنت على بساطِ ريحٍ هاجِعَة

تعالَ نُراقصُ ضوءَ القلبِ على صفحةِ ماءِ

نشعلُ الفناراتِِ

قد ينفجرُ الماءُ مغنياً

ربما يجيءُ إليه شيءٌ من الحبِّ الخمريِّ ،

 

الشاعرة تأمل وتحلم بالولادة الجديدة من خلال الشعر الجمرالحريق الذي يشعل النفس لتجد مستقرها في الحرف الصائغ لكل ما تضطرب في الروح من ارهاصات وأسئلة ومشاعر:

 

فَأبْقِي لِسَارقِي النَّارِ

جَمْرَ القَصِيدِ.

لا تَحْرمِي الجَلِيدَ

نَارَ الولادَةِ

بِغُبَارِ الطَّلْعِ

مِنْ جديدْ

(قصيدة: غبار الطلع) </قصيدة:>

 

إن السياحة التأملية في شعر بريهان قمق تكشف لنا عن تجليات شاعرة تهيم في وجديات البحث ومرتقيات الحرف والكلام من خلال تدفق الاحاسيس والشهقات والارهاصات المشتعلة التي تفتح آفاق السؤال الأبدي عن لغز الوجود الانساني والوجع الجاثم على روح الانسان في علاقته بالوجود والكون والذات. كل ذلك في لغة مليئة بتراجيديا الوجع والتأمل والقاء الأسئلة التي راودت الانسان منذ الخليقة الأولى. لغة معبأة بالصور الدرامية الفجائعية الملتحمة بمضمون القصيدة والمعاني الغافية خلف الكلمات ، وارتباطاتها الموحية بالجو العام الذي تجهد الشاعرة في ملاءمتها الايحائية عند المتلقي البصير بما يختفي في كواليس اللوحات. وهو ما يتطلب منه الغوص المتأني والمتأمل والملاحق لما تروم أن ترميه الشاعرة في سلة القارئ.

إن المواءمة والتلاحم الوثيق والتناغم والانسجام بين الشكل والمضمون احدى عناصر نجاح الشاعر في تقديم قصائده على طبق من الشعر الموفق في تغذية النفس بالاحاسيس والمعاني الانسانية الخالدة بخلود الكون. وهو ما اجتهدت الشاعرة بريهان في فعلها الشعري أن تصل اليه لكي تثير في المتلقي فضولية وعناد الغوص فيما خلف الشكل الظاهر للكلام الباطن:

 

وسع الكون يضيق ،

اذا ما انفتح قلب الشعر

فكيف بقلب شاعر ..!

ثمة من يتحرّى الحرّى

وهم لا يعلمون

أن النرجس البريّ

غرق

في نبيذ الكلام

ودم

العاشقين ..

 

فالشعر دم العاشقين ، وقلب الشعر اوسع من مساحة الكون. فكيف والحالة هذه اذا انفتح قلب الشاعر صاحب وصانع القصائد وصائغها الماهر؟ هنا يكون القلب الخزين الشعري للكلام هو الوعاء الأوسع من الشعر نفسه والكون ذاته لأنه حامل الكون والكلمات والمشاعر والمضامين وارهاصات والاحاسيس في تأريخ انساني لكل ما حمله ويحمله وسيحمله قلب بسعة الحلم والخفقان في أبديته وتاريخه وانسانه وفضائه وتسجيليته المشاعرية الانفعالية، بآلامه ومواجعه وأحلامه وآماله وارتقاباته وتساؤلاته وتجليات روحه:

 

قد هشمّت أناتي العروض

فانعطفت المفاعيل

واختبأت الفعول

هجز ورجز في الرمل

يجفف صمت الشرفة

لا يتكامل وتره

فيستدرك القلب مديده

خفيفا

سريعا

منسرح المدى

مرتبك النبض

ماعاد ايقاعه يحتمل مطرقة مدن ملتبسة

فقل يا وادي عبقر لما قد جاءتهم جنية الليل

هل لتضل العروض..؟؟

أم

تراقص الموج على إيقاع زوربا

فتكسر رخام الشعر..!؟

أم..

تزرع قبلةَ

قمرٍ ساهر

على خد البحر

في ليلٍ غجريٍّ

لينبت

على خد الشعر

ورد الوقت ..

(قصيدة: على خد الشعر) </قصيدة:>

هكذا هي بريهان قمق في شعرها وما تريده للحرف الذي تحترفه ضياءاً وصياغة لشكل التعبير لتنير الفضاء الانساني بارهاصات الروح.

ويبقى شعرها مضمخاً بألم الفجائع وتراجيدياتها ودراما الخلق الانساني وتلاطم أمواج الصدر في سيره الدائم الهائم في صحارى الأسئلة الملتهبة في تطلعها للتوهج بفك لغز الأبدية:

أتراقصني كي نعيدَ للأبجدياتِ بريقَ توهُجِّها

ضوءَها الْمُنفلتا..!!

نلتمعُ في ليلِ التساؤلاتِ اختلاجا

لا تخشى قدمي دوسا

فرأسي على حبلِ مِشْنقةٍ هناك يتدلّى..

وشمسٌ غاربةٌ تئنُّ على كفِّي ،

تقودُ الوَسْمِيَّ طرقَ الاستِحالاتِ

قلبي هناك في حقلِ زنابقَ

يحصدُ وعداً ،

(قصيدة: خارج الزمن .. خارج المكان) </قصيدة:>

  

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا