![]() |
شعر مترجم |
نساء يرفضن البكاء على أكتاف الرجال هشام بن الشاوي - المغرب
في البدء ، لا بد من الاعتراف بأن النصوص التي تحرّضني على اقتراف خطيئة الكتابة الأخرى قليلة ونادرة.. ولعل كسلي في كتابة ما يسمى بــ (القراءات العاشقة)، والاكتفاء بالتلصص على نصوص الآخرين من بعيد، يعزى إلى عدوى خمول النقد.
محاسن الحمصي كاتبة أردنية تؤسس- بصمت، وبلا ضوضاء- مملكتها السردية الخاصة. خبرت كتابة المقال السياسي والأدب الساخر والخواطر، ومؤخرا اتجهت إلى مملكة السرد الغاوية..
قصة :" ويطول الدوار...!" تكشف زيفَ واقع بائسٍ، مازالت تعاني فيه المرأة من معاملتها كجارية مما ملكت الأيمان.. دون أن تسقط كاتبتنا في فخ توظيف كلمات تدغدغ مشاعر رخيصة لدى القارئ!! سرد يفضح سلوك الرجل الشرقي، وتوقه إلى احتواء بقية الأجساد، وفي المقابل يطالب قرينته بالإخلاص... على لسان البطلة كتبت المبدعة محاسن الحمصي :
" ملف جديد ، أراه لأول
مرة، تعبث يدي به عن غير قصد ، يغلي التوتر في أعصابي ، ويتسلل إلى صدري الخوف ..
إنه ( حدس ) المرأة
!
لكن الساردة لا تكتفي بالسلبية والصمت الانهزامي خوفا على عشّها، وحتى لا تـُشهرْ في وجهها البطاقة الحمراء،بلغة حكام كرة القدم.. بل تدافع عن حقها المشروع في الحب والوفاء أيضا:
لكن هذا الوئام سرعان ما يتلاشى، ويتبخر في الهواء:
"
مساء السبت الأخير..!
الجميل في نصوص القاصة محاسن الحمصي أنها لا تكتفي بالوصف الخارجي البارد والسرد السلبي الرتيب، بل تجعل قارئها يشارك وجدانيا بطلاتها الحزانى أتراحهن، ويلامس جراح أعماقهــن.. و اللافت للنظر أن تجربتها الأدبية تكاد تتماهى - شكلا ومضمونا - ونصوص كاتبتين سوريتين، هما: ماجدولين الرفاعي ولبنى ياسين.. هذه هي رسالة المبدعـــ (ة) التي تـتوق إلى بناء مجتمع مثالي، فالمرأة هي كل المجتمع وليست نصفه فقط ، و كل بطلاتها تكابدن القهر النفسي جرّاء هذه الخيانات المتكررة من الزوج/ الحبيب... في قصتها: "رسالة من امرأة" ، تتألم الساردة و تفكر في الخيانة لرد اعتبارها ، لأن حبيبها لم يقاوم رسالة إعجاب، فتهيم على وجهها في الشارع، وكاد يــُقضى عليها في حادثة سير، وتعود للتطهر والاغتسال بالماء والدموع... لمجرد أنها فكرت في الانتقام.. لأنوثتها الجريحة، وأعزّ ما تملك المرأة كرامتها /شرفها... وفي هذا النص تتردد - أكثر من مرة- كلمة الماء و مشتقاتها: أمطار،دموع... وهي إشارة واضحة إلى حاجتها الملّحة إلى التطهر/ النقاء.
على لسان بطلة (رسالة من امرأة) تكتب محاسن الحمصي :
"
لا.. لا.. لن
أبكي على كتف رجل
يمسح
دمعي
مقابل
حفلة (زنا)
وتدنيس جسدي المقدس غير القابل للبيع
ولا (...) لتجارب
فئرانية أو ينحدر إلى مستنقع الطين
." لكن قلبها الكبير لا يملك غير الصفح عن أخطاء الرجل:
"
أحدق: هذا الوجه المتألق
من أين جاء .. تلك البسمة الرقيقة
متى عادت ..
الطفل الذي يقفز فوق سريري , رفوفي, كتبي , يبعثر
أشيائي .. ينبش
دولابي, يبعثر أشلائي
من تحت أيّ شرفة
تسلل .. تسلق..
واستراح ...!؟
هذا في أولى قصصها القصيرة (رسالة من امرأة)، وفي النص الذي بين أيدينا- موضوع هذه الورقة- تختار الساردة حريتها:"الطلاق"،أبغض الحلال عند الله.. رغم بشاعة هذه الكلمة في مجتمع شرقي ، ينظر إلى المطلقة كــ (وصمة عار)،و يجعلها مشجبًا يعلق عليه كل عقد وأخطاء مجتع شرقي ذكوري نفعي وصولي ظالم... بضمير المتكلم دائما تكتب قصصها، والذي يتيح فرصة أكبرللبوح،والغوص في الأعماق وسبر أغوار النفس الكسيرة:
"
تدخل أختي
الكبرى تحمل
أوراقا بيضاء ، تبتسم بحنو مفتعل
..
و أخيرًا وليس آخرًا.. نتمنى أن تطلق الأستاذة محاسن الحمصي سراح نصوصها الجميلة في أقرب فرصة و(بلا كفالة!)، تحررها من أسرها و نراها بين دفتي كتاب، لأن مثل هذه القصص الشجية صارت ملكـًا لقرائها وقارئاتها. نتمنى ألا (يطول) انتظارنا كهذا (الدوار). ولنا عودة لقراءة نصوصها المتسلسلة: " قصص في حجم الكف" قريباً.
|
|
|
![]() |
![]() |
|