ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

ناصر عراق يروي من فرط الغرام
د‏.‏ صلاح فضل - مصر

شاعر مهندس‏,‏ يعمل في مجال قواعد البيانات والبرمجيات‏,‏ ويشكل مع أبناء جيله ظاهرة التجمعات الأدبية المعتمدة علي النشر الإليكتروني‏,‏ وهي التي تحل الآن محل المنتديات القديمة والمقاهي ومجتمعات النميمة الشخصية والتحزب الايديولوجي‏,‏ فتخلق قوانين جديدة للشهرة عبر الشاشات المضيئة‏,‏ وتصنع نماذجها المختلفة عما نعهده في الحياة الثقافية‏,‏ وإن كانت النصوص الإبداعية تظل هي الحاكمة في قيمة التجارب الفنية الحقيقية‏.‏

شاعرنا نزار شهاب الدين يخترق الومضات الرقمية علينا بديوانه المطبوع بعنوان لماذا أسافر عنك بعيدا مدججا بمقدمة سخية للشاعر الكبير إبراهيم أبوسنة وبقرص مدمج عليه نصوص الديوان بأصوات مختلفة‏,‏ ونلمح فيه للوهلة الأولي وهج هذا الحس الديني المتوفز الذي انبعث في صفوف العلميين في العقود الأخيرة‏,‏ فمضي بهم الي عوالم مثالية تربطهم في الظاهر بالأجيال الرومانسية السابقة‏,‏ بينما يميزهم نوع من الوجد الصوفي الذي لم ينضج ولم يكتمل‏,‏ بل يكاد يحرم تجربتهم في عمقها من الاستغراق في مطارحة الحياة باجتراحاتها الأثيمة وصفائها المشوب‏,‏ ولنقرأ في أول مقطوعة له بعنوان سجدة قوله‏:‏ ـ

يرتدي الحب معطفي‏/‏أتدفأ
يعزف الغيم نبضه في وريدي
يبسط العشب وجهه للسجود
بينما كنت بالشذي أتوضأ
قبلة العشب‏/‏دفئها في جبيني
‏(‏ربي الأعلي‏)/‏في دمي تتلألأ
‏**‏

أنا من خالط اشتهائي‏/‏نقائي
أدفن الطين‏/‏في دمن الطين‏/‏أبرأ
أعرف الآن كيف أحيا سجودا
رافع الرأس‏/‏بينما الكل‏/‏طأطأ
فهو يختزل معاناته الوجودية قافزا علي مشاهد الطين والشهوة وهي مادة الشعر الحقيقية ليصل لحكمته المبكرة قبل أن يطلق عنان خياله في تمثيل درامية الحياة وشعرية لحظاتها الصراعية الفائقة‏.‏

أنسي أنني عربي‏:‏
يمتلك نزار الي جانب هذا الحس الديني اليقظ شعور أبناء هذا الجيل الشاب ومن سبقهم أيضا بمأزق العروبة‏,‏ فيحيله الي لحظة عارمة من المراجعة الغضبي‏.‏ لكن المفارقة فيها تكمن في الجمع بين طرفين متضادين‏,‏ قلق الانتماء القومي للهوية من ناحية‏,‏ وعمق الارتباط اللغوي المكين بآلياته من ناحية أخري‏,‏ فهو يقول في قصيدة العربي‏:‏ ـ
في الليل أمحو نجومي‏/‏دونما سبب
وأطفئ القمر المختال‏/‏في غضب
وآمر الكروان‏:‏ اصمت‏!/‏فيذعن لي
وآمر الصمت أن يطغي علي الصخب
وأطلق الوحشة السوداء هائجة
وأشعل النار في شعري‏/‏وفي كتبي‏.‏

عندئذ نفطن الي اقتدار هذا الصوت الشعري الجديد‏,‏ المالك لإرادة الإبداع وقوة تحريك عناصر الطبيعة محوا وإثباتا‏,‏ المتلاعب برموز الشعر وكلمات اللغة بمهارة وإتقان‏,‏ مما يشهد له بأنه من خير من يتذكر عروبته وهو ينساها‏,‏ وأنه يكاد ينسي ثملا في غمرة بلاغته منطقه الوجداني السابق حين يقول‏:‏ ـ
أغفو علي صرخة الصمت الرهيب‏/‏علي
هدير خوفي‏/‏علي حلم من اللهب
وحين أصحو ثقيلا‏/‏كارها نزقي
مبعثرا‏/‏ثملا باليأس والتعب
أجثو أمامي وأرجوني‏/‏أعاهدني
اليوم أنسي تماما أنني عربي

صيغة لغوية بسيطة‏,‏ تشف عن نجاح الشاعر في تجاوز تناقضه الداخلي المحتدم‏,‏ تتمثل فيما قد يكرهه بعض أصحاب اللغة ويرحب به النقاد ويطربون لتكراره في عبارات أجثو أمامي وأرجوني‏/‏أعاهدني حيث يتوحد الفاعل والمفعول به‏,‏ ويلتئم ما انشطر قلقا وتوترا في نفس الشاعر‏,‏ فهو يريد ويصر علي أن ينسي عروبته‏,‏ في الوقت الذي يمعن في تأكيدها بهذا التصرف الابداعي في بنية اللغة والاضافة لأدواتها الشعرية في التعبير عن صراعات الذات المعاصرة‏.‏
يصنع أسلوبه

وبالرغم من أن هذه الصيغة المازجة بين الفاعل والمفعول عبر الضمائر ليست من ابتكار شاعرنا فهي صناعة صوفية معروفة‏,‏ فقد عثر فيها علي خاصيته المائزة‏,‏ وأمعن في استثمارها الي درجة مثيرة للاعجاب والغيظ حيث يعود اليها في مقطوعة غزلية حادة‏,‏ يقول فيها‏:‏ ـ
يظنني أظلمه‏/‏ما باله يظلمني
أنا الذي أحبه‏/‏كأنني أحبني
أنا الذي جعلت قلبه الحزين موطني
وسرت في دروبه‏/‏بشعري المسوسن
أزرع كل خطوة‏/‏عمرا بعمر الزمن‏.‏

ولست أعرف إن كان هناك نقاد مستبصرون في جماعات الإنترنت الأدبية‏,‏ كي ينبهوا نزار الي أن كلمة المسوسن لا تليق بقدراته الشعرية‏,‏ فقد أضطر منعا للالتباس الي تشكيل كلمة شعري بكسر الشين حتي لا يظن القارئ أنه يتباهي بشعره المسبسب‏,‏ وأحسب أن ما ورطه في هذا الضعف إنما هو الحرص علي القافية النونية‏,‏ مع أن له مندوحة عنها في شعر التفعيلة التي يكتب موهما بها قصائده العمودية‏,‏ كما أن عليه أن يبرأ من هذا الولع بالموسيقي ويوظف درجات الإيقاع المتفاوتة طبقا لتماوج الدلالة مثلما يفعل كبار المبدعين‏,‏ فهو لا يضيف كثيرا في الغزل عندما يقول في ختام مقطوعته‏:‏ ـ
أنا الذي لو بللته قطرة‏/‏تغرقني
أو انحنت شوكة ورد عنده‏/‏تذبحني
أنا الذي لو شاء أن يقتلني‏/‏يقتلني
ثم أقر في الحساب أنني‏/‏قتلتني
انتهت الخاصية الأسلوبية الي مجرد لعبة شيقة‏,‏ لكنها مفرغة من زخم الشعر الحقيقي بمواجد العشق وتصاريف الحب في زمن الانترنت‏,‏ وهذا ما ننتظر من نزار وأمثاله أن يدلونا عليه بابتكار فكر ابداعي شعري معبر عن تحولات الحياة المعاصرة‏.

(نقلاً عن الأهرام 02 يوليو 2007)

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا