ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

شوقي يوسف بهنام - العراق

محمود درويش بين الورد والقاموس

قراءة لقصيدة ( الورد والقاموس ) للشاعر محمود

 درويش

شوقي يوسف بهنام - العراقل

 

يعيش الشاعر محمود درويش ، الذي لا يحتاج الى اطراء أو مدح من أي نوع كان ،  محنة الجديد والقديم ... الاتباع والابداع ؛

 

إذا استخدمنا العنوان الفرعي  لكتاب اودنيس الذي يحمل نفس العنوان . ولايحدد الشاعر محمود درويش نمطا معينا من انماط هذه

 

المحنة ، بل يحاول تعميمها على كل تفاصيل الحياة ولكنه ينطلق من خصوصية الشعر ، لأنه شاعر .. قبل كل شيئ . ولغة محمود

 

درويش في هذه القصيدة ، لغة رمزية ولكنها ليست تجريديه . وهذا يعني ان القارئ قد يحتاج الى بعض الفهم وبعضا من الخلفية

 

المعرفية حتى يتسنى له فك مفتاح القصيدة . والقصيدة من عنوانها توحي الى ان الشاعر حمل مفردتين بالمعنى الذي يمكن ان

 

تتحملهما من دلالات وابعاد . وهذا يعني ان الشاعر كان موفقا الى حد كبير في توصيل ما يريد توصيله الى ذهن المتلقي . وعلى

 

الرغم من صغر حجم القصيدة لكنها كانت صريحة في خطابها . وحتى لا نقع في دائرة الاطراء الاجوف ، سوف نرى عبر

 

مقاطعها هذا الذي زعمناه . يقول الشاعر :-

وليكن .

لا بد لي

لابد للشاعر من نخب جديد ْ

وأناشيد جديدة

                                   ( الاعمال الكاملة ، ص  488 )

                                 *********************

ومفردة لا بد تعني ان هناك حاجة حتمية لاحداث تغيير في الاشياء . والشاعر يؤمن ان هذه الحتمية هي حتمية مطلقة وأكيدة .

 

ينبغي في هذا الصدد ان ندرك لماذا كان الشاعر بهذه القطعانية في التفكير ؟ أن ايمانه بالمسلمات الفكرية للمنظور الماركسي حتم

 

عليه مثل هذا النوع من التفكير. هذا المنظور يؤمن بالحتمية التاريخية لإنتصار قوى البروليتاريا على اصحاب رؤوس الأموال .

 

هذا الانتصار ليس حلما براقا ورديا بل هو حتمية يفرضها منطق التاريخ الذي يتجه ، كما يرى هذا المنظور ، الى تحقيق هذه

 

الحتمية . لكن الشاعر يدرك ، تمام الادراك ، ان هذا التحقيق له مصاعب ومعوقات ، لكنها سوف تزول وتنتهي  ايضا بمنطق

 

حتمي . وحتى يتم هذا التحقيق استخدم الشاعر مفردة ( ليكن ) ليعبر عن اعترافه بهذه المعوقات والمصاعب . الشاعر يعتبر نفسه

 

نموذجا متفردا لهذا الايمان عندما يقول ( لا بد لي ) . بمعنى انه هو الآخر ينبغي ان يكون مثل نموذجه في ادوار ومراحل التحقيق

 

هذه .  كيف سرد الشاعر مراحل امنيته هذه ، أعني أمنيته بظرورة او حتمية التغير في مسار التاريخ . يقول محمود درويش :-

 

إنني أحمل مفتاح الأساطير وآثار العبيد

وأنا أجتاز سردابا من البخور

والفلفل ، والصيف القديم

                                  ( المجموعة الكاملة ،  488 )

                            *********************

ماذا يعني الشاعر انه يحمل مفتاحا للأسطورة ؟ الاسطورة في حسابات الشاعرهي كل تفسير غيبي للعالم . وفي ادبيات المنظور

 

الذي يؤمن به الشاعر فأن هذا التفسير مرفوض ما لم يقم على اساس مادي مبني على الملاحظة والتجربة . والربط الذي قام به

 

الشاعر محمود درويش بين الأسطورة والعبيد تعبير منطقي ، وفقا لمنهجه ، طبعا ، لأن العبد محكوم بإطار من الفهم ، هكذا

 

يفترض ، يجعله عبدا له . فإذا كان فهم العالم اسطوريا فكل من يتبنى هذا الفهم يكون في مستوى العبودية ، بمعنى الأنصياع

 

الاعمى لذلك الفهم  . من حق محمود درويش ان يتهم اصحاب الرؤى الغيبية للعالم بأنهم عبيد تلك  المنظورات . وقد راح الشاعر

 

في الامعان في التقليل من شأن هذه الرؤى بأن يرى نفسه أو يتخيل نفسه بأنه يمر أو يدخل سردبا من البخور . ينبغي ان نعرف ان

 

البخور هي المادة الأساسية في العبادات ، لاسيما القديمة  منها . ولكن نعتقد ان إضافة  كمية من الفلفل إلى مادة البخور إنما هي

 

رمز لضبابية الصورة لدى القائمين بهذه الممارسات ، وإذا لم تكن بهذا المعنى ، فهل نتهم الشاعر بأستخدام مفردة الفلفل بانها تكون

 

قائمة على غير اساس ؟؟؟ . ما يدعم منظورنا هو استخدام الشاعر لعبارة  ( والصيف القديم ) . إذن كل المنظورات الغيبية وما

 

يرافقها من ممارسات طقسية وشعائرية هي صيفية قديمة وفلفية الطابع . الفلفل من شأنه ان يخرش اللسان لكونه حاد المذاق . إذن

 

العبادات القديمة هي الأخرى مخرشة للعقول والقلوب في وقت واحد . ينبغي طرحها جانبا . إذن ماهو التاريخ في نظر الشاعر .

 

يقول الشاعر في هذا المعنى :-

وأرى التاريخ في هيئة شيخ ،

يلعب النرد ويمتص النجوم

أنه يذكر حراء ، وبيت العنكبوت

                                     ( المحموعة الكاملة ، ص 488 )

                                  ******************

هل هناك صورة أكثر وضوحا  للإزدراء للرؤى التي يخالفها الشاعر أكثر من هذه ؟؟ . التاريخ عبارة عن دورات كونية ، هذه

 

فكرة انطلق منها الفيلسوف الألماني شبنجلر، ليصف نمو الحضارات ونشأتها وازدهارها وانحلالها وموتها . الشاعر لا يشهد فقط

 

انهيار حضارة معينة بل جميع الحضارات التي لم تتبنى أيديولوجية الشاعر . ايديولوجية الشاعر وحدها فقط هي التي سوف يكتب

 

لها الإنتصار . لابد من تاريخ جديد تصنعه ايدي جديدة . كان التاريخ  شيخ يلعب النرد . هذا يرمز الى عشوائية احداثه وعدم

 

اتساقها بما يخدم مصالح الطبقة العاملة . وتمتص النجوم دلالة على اعتمادها على قوى مجهولة هي التي تسير التاريخ . بينما

 

منظور الشاعر : يقول الناس هي التي تصنع تاريخها . لا اريد ان اقف على موقف الشاعر من الاديان ، فقوله ( يذكر حراء ،

 

وبيت العنكبوت ) هو دليل على ان الشاعر يعتبر هاتين الحادثتين ضمن قصص ورويات التاريخ الشيخ . . ومع ذلك فالشاعر لا

 

يأبه بكل هذا . لنراه كيف انه يرفض كل ما يمت بهذا الشيخ من صلة . يقول :-

وليكن

لابد لي أن أرفض الموت ،

وان كانت أساطيري تموت

انني أبحث في الأنقاض عن ضوء ، وعن شعر جديد

                                      ( المحموعة الكاملة ، ص 489 )

                           **********************

هنا رغبة عميقة تستبد بالشاعر برفضه لكل مزاعم التاريخ ويريد كتابة أو بناء تاريخ جديد ؛ الحياة .. الناس .. القيم .. الافكار ..

 

الرؤى .. حتى الشعر . الشعر القديم يعبرعن ذلك التاريخ الهرم الآيل للسقوط والانهيار . يتأوه الشاعر . وعندما يتأوه الشاعر ،

 

فهناك إشكالية في الحياة وإشكاية في التصور للتاريخ . الشاعركائن حساس ، يحس بالمشكلة قبل غيره ويدرك ابعادها قبل ان

 

تتبلور لدى الوعي الجمعي .. الوعي الغوغائي . لكن في حسابات الشاعر فأن هذا الوعي هو الذي سوف يكون طليعة التاريخ

 

المبتغى .. التاريخ الذي يتطلع اليه الشاعر . يستمر الشاعر في وصف احزانه .. احزان التبرم بما حوله  والاستهجان به . يقول

 

الشاعر :-

آه . . هل أدركت قبل اليوم

أن الحرف في القاموس يا حبي ، بليد

كيف تحيا كل هذه الكلمات !

كيف تنمو ؟ . كيف تكبر ؟

                                           ( المجموعة الكاملة ، ص 489 )

                                   ********************

ليس هناك ، كما عودنا المبدعين ، من الذين يساندون قضاياهم من هو مشاركهم الوحيد ، سوى الحبيب . يصرف الشاعر معه وقتا

 

طويلا في اقناع هذا الحبيب بجدوى ومصداقية وجهة نظره . الطرف الآخر ، غالبا ما يساير المبدع مسايرة قائمة .. ليس على

 

المنطق قدر ما تكون قائمة على الاعجاب بالبهرجة العامة لفكره أو إذا شئنا الدقة ، الاعجاب بشخصيته أو بأسلوب عرضه لخطابه

 

مثلا . وتاريخ الحياة الشخصية للمبدعين قد يكون عونا لنا ، حيث نجد أن هذا الحبيب ، ينفذ صبره من إنشغال الشاعر أو المبدع

 

بقضيته ، ويتركه ، حيث يصبح هذا الحبيب مجرد ملحق من ملاحق قضيته أو هامش من هوامشها . ومن هنا ظهور الانتكاسة في

 

حياة الشاعر ، حيث يصاب بخيبة امل ويكتشف ان هذا الحبيب قد مل من مسايرته . يدعو الشاعر ، محمود درويش حبيبته إلى

 

مشاركته في قضية جمود مفردات حياته اليومية . والذي رمز بهذا الجمود بالقاموس . القاموس .. معيار .. مرجع .. لايمكن

 

محاورته أو مناقشته . انه سلطة .. ما بعده سلطة . ويتسائل الشاعر كيف يستمر هذا الجمود وكيف تهيمن مرجعية القاموس هذه

 

على مجمل مشاعر الناس وافكارهم . يقول الشاعر في هذا المعنى :-

نحن ما زلنا نغذيها دموع الذكريات

واستعارات و‘سكّر !

                                       ( المجموعة ، ص 489 )

                                   ******************

هنا الشاعر يتهم نفسه ضمن مجموعة انتمائه .. أعني .. شعبه . في استمرارية هذه الافكار القاموسية السلطوية التي تقف حجر

 

عثرة في تقدم الشعوب . فيبهرجها ويعقلنها ويبررها ويضفي عليها طابغ الاسستساخ والاقناع . تعبير الشاعر المتمثل ب( دموع

 

الذكريات ) إنما هو إشارة إلى الانجذاب بالماضي عن طريق البكاء عليه . الماضي هنا هو الذي يستحق الاتباع وكل ما عداه

 

يستحق الرفض والاستهجان . ويكرر الشاعر محمود درويش عبارته ( وليكن ) وهنا نشم رائحة الاصرار والمكابرة في وقت

 

واحد . يقول الشاعر :-

وليكن ..

لا بد لي أن أرفض الورد الذي

يأتي من القاموس ، أو ديوان شعر

                                         ( المجموعة الكاملة ، ص 489 )

                                           ***************

إذن حتى الورد قد وصل إلى الرفض . أعني اصبح مرفوضا . تلك مفارقة .. ولكن هذه المفارقة لا تكون كذلك عند الشاعر، لا

 

لشيئ الا لأنه قاموسي المرجع . ليس فقط الورد هو الذي دخل دائرة الرفض في حسابات محمود درويش بل الشعر ايضا .

 

الشعر الذي هو هبة السماء والربات ... يرفضه الشاعر لأنه يحصر جماله وخطابه بين هوامش القاموس وحواشيه . إذن أي نوع

 

من الشعر أو الورد يطمح اليه الشاعر ؟؟؟ . جواب هذا السؤال نراه في المقطع الاخير من القصيدة . يقول محمود درويش :-

 

ينبت الورد على ساعد فلا ّح ، وفي قبضة عامل

ينبت الورد على جرح مقاتل

وعلى جبهة صخر .  .

                                           ( المجموعة الكاملة ، ص 490 )

                                     ******************

ذلك هو الشعر الي يريده الشاعر إذن وذلك هو الورد الذي ينتظر ان يشم عبيره . لقد انزل الشاعر محمود درويش الشعر من

 

عليائه السماوي وجعله ينبت أو بتعبير أدق ، هكذا يريده ، على ساعد فلاح وفي قبضة عامل وعلى جرح مقاتل بل يذهب إلى ما

 

هو اكثر من ذلك .. إلى جبهة الصخر . الصخر رمز العناد والاصرار  والوجود العاتي  . محمود درويش يريد من الحجارة ان

 

تنطق شعرا لكي تساهم في بناء حركة التاريخ الجديد الذي يبنيه الفلاح والعامل والمقاتل . هنيئا لمحمود درويش صرح احلامه

 

الجديد ....

e-mail:-shawqiyusif@yahoo.com

e-mail:-shawqiyusif@hotmail.com

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

1-

نجمه حبيب

nejmeh_habib@hotmail.com

Thu, 1 Nov 2007 18:07:57
شكرا يا استاذ سيد على هذه الاضاءة الثرية على القصيدة
تحياتي

ضع إعلانك هنا