ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

شوقي يوسف بهنام - العراق

أدونيس وعصر الحذاء - قراءة لقصيدة (العصر الذهبي)

 شوقي يوسف بهنام - العراق

 

 
في نص متشابك يمتزج فيه العذاب بالسخرية والعجب ، يطرح أدونيس إشكالية علاقة المبدع / الشاعر / أدونيس / بالسلطة . ولا أعني السلطة بمعناها المعروف ... بل أعني بها سلطة الخطاب أو الانصياع الجمعي له ومن ثم صيرورته سلطة لا يجوز الخروج عنها . وعنوان النص ، عنوان جذاب .. اخاذ .. الا وهو ( العصر الذهبي ) Ages of Mankind  . والعصر  الذهبي هو تخيل اغريغي ، وهو اسم لمفهوم ، أول من أطلقه الشاعر اليونانيي ( هسيود ) في ( الأيام والاعمال ) وحذا حذوه باحثون يونان آخرون ، كما سار على ذلك الرومان ، وهو أن البشرية قطعت مراحل أو عصور عدة في الأزمنة الميثولوجية ابتداءً من عصر الكمال وانتهاءً بعصر الانحطاط . فالعصر الذهبي ، العصر الذي حكم فيه كرونوس ، كان عصرسلم ورفاهية وسعادة . وخلال العصر الفضي ضعف الشعب وقل نضجه . إنه عصر الحماقة حيث ظهرت الخطيئة . في العصر البرونزي استخدمت المعادن مع القوة الجسدية وظهر العنف . وفي العصر البطولي ظهر المحاربون الأقوياء . وفي ذلك العصر تم حصار طروادة . العصر الأخير هو العصر الحديدي حيث ظهر العمل والمشقات والخسة والظلم والانحطاط الكامل .( 1 ) . ذلك هو إذن التخيل اليوناني للعصور التي مرت بها البشرية . فالعصر الذهيبي بهذا المعنى هو ذلك العصر الذي لا يشكو منه الجميع من ظلم أو تعسف .!!!! . نعود إلى نص أدونيس ، فما أن يدخل الدارس إلى عتبات النص فأن ثمة عاصفة من العجب تواجهه . ولكن ما أن يخرج منه ، أعني من النص ، فأن ثمة سؤال ينتظره . ومفاد هذا السؤال هو : أهذا هو العصر الجديد الذي يبشرنا به أدونيس ؟؟؟. إذن أنه لبثس العصر . قد يكون النص تجربة أو موقفا مر به أدونيس ... ولكنه موقف محتمل ووارد مع كل من لا ينحني لراية الخطاب . الخطاب ،هنا ، في نظر أدونيس ، سادي .. قامع .. جلاد .. الشاعر .. المبدع .. أدونيس .. هو الضحية Victim   ليس بسبب ذاته .. بل بسبب خطابه .. رؤيته .. موقفه ... معنى هذا ، وكما يرى أدونيس ، ان عصره ..العصر الذهبي هو عصر خانق للحريات والرؤى والمواقف . الآخر .. خطابه .. رؤاه .. مواقفه غير موجود ولا يجوز أن يكون في حيز الوجود . النص مكون من ثلاثة شخوص هما :-
1-   الآمر
2-   الشرطي
3-   المبدع ... الشاعر .. أدونيس
لنقرأ النص لنتعرف على الحوار الذي دار بين كل منهم ولنتعرف ايضا على معاناة كل منهم ، النفسية .. طبعا . يقول أدونيس في النص  :
 
-         ( ’جرّه’ يا’شرَطيّ ... )
-         ( سيدي أعرف أن المقصلة ْ
بانتظاري
غير أني شاعرُ أعبد ناري
 وأحبّ الجلجلة . )
 
 
-         ( ’جرّه يا ’شَرّطي
قل له إن حذاء الشرُطيّ
هو من وجهك َ أجملْ . )
 
آه يا عصر الحذاءالذهبيّ
أنت أغلى أنت أجملْ .
 
                                 ( الآثار الكاملة ، مجلد 1 ، ص 446 )
 
                                 ********************
ذلك هو الحوار إذن . الشرطي هنا هو الوسيط .. هو الوسيلة . منفذ الأمر . الصوت الأول هو صوت الامر .. صوت الخطاب .. صوت السلطة .. المطلوب هو أدونيس ... المبدع ... الشاعر .. مسألة مهمة هي ان أدونيس يعرف هذا المصير .. متصور لهذا الموقف .. انه ينتظره . ماذا تعني عبارته ( انه يحب الجلجلة ) صاحب الجلجلة معروف وهو المسيح . معنى هذا ان أدونيس يتماهى مع المسيح . سوف أترك دواعي هذا التماهي للمتلقي ولأدونيس نفسه . ومع`ذلك، فأن عبارته ( أعبد ناري ) تفوح منها ابعادا نرجسية واضحة . وهوكذلك مشغول بهذه النار منكفئ عليها لا علاقة له بكل ما يدور من حوله . إذن لماذا هو ملاحق .. مطارد ؟؟ . لا أريد أن أعلق على مفردة الجر بمعناها المباشر بل أريد ان اركز على الدلالة النفسية لها وهذا التركيز ، في تقديرنا ، هو الذي يهم أدونيس ويريد ان يعبر عنه . الجر يعني الارغام أو الأكراه على الأمتثال لأمر ما . وكذلك الاهانة والمذلة والسخري ومن ثم الخزي والعار . وهنا ، في موقف أدونيس ، أرغامه على الأمتثال لأوامر الآمر . إذن أدونيس هنا هو المجرور والشرطي هو الجار !! . أدونيس منشغل بعبادة ناره .  لايهم المكان . قد يكون البيت ... المقهى ... الجامعة ... وقد يكون في الشارع لكونه مرصودا . ما هو دور الشرطي ؟ انه ليس غير وسيلة للجر . وفجأة ظهر الشرطي بزيه الملون ، الزي الذي يحمل دلالة الملاحقة . ملاحقة الخارجين عن القانون .. وكل الذين يقولون لا . وليس للذين يقولون نعم ... نعم . أدونيس هو من أولئك الذين يقولون لا بل هو اللا نفسها  . فإذن كيف لا يلاحق او يكون مطلوبا ؟؟ . الشرطي بالنسبة لكثيرين هو رمز الأمن والحماية وأحدهم يقول لنفسه وهو يمشي : كيف لي أن أخاف والشرطي موجود هنا وهناك . أدونيس لا ينتمي إلى هؤلاء . أنه ينتمي إلى مجموعة الملاحقين والخارجين على القانون . أدونيس يمشي في الشارع وهو ينتظر في أي لحظة شرطي ذو شاربين كثين يجره إلى حيث يريد .الشرطي ، كما قلنا ليس غير وسيلة . ربما هو لايريد أن يكون كذلك . لكن هناك ما أجبره على ذلك . إذن الشرطي مسير وليس مخير !! . إلى هذه اللحظة الشرطي ممسك بيد أدونيس وهو لا ينطق ببنت شفة . ينظر إليه أدونيس ربما خائفا ولكن النص لا يخبرنا بهذه الكيفية . إذن أدونيس ليس خائفا من الشرطي بل هو ساخرا منه وربما مشفق عليه . ألم يشفق رجل الجلجلة على صالبه من قبل ؟؟ إذن كيف هو والذي يحب الجلجلة لا يشفق على شرطي ذو أفواه فاغرة تريد كسرة خبز لا غير.الشرطي هو الآخر ، ربما لا يعرف اللعبة ولكنه لا يستطيع الدخول في حلبتها . مسكين هو الشرطي إذن . ربما حقد على أدونيس لأنه ]عتقد أنه واحد من الذين يريدون العبث بمنطق الحياة ولذا ينبغى ان يجروا . وربما كان على علم بقضية أدونيس ولذلك هو متعاطف معه . يقول مع نفسه مسكين هذا الرجل أنه ذهب بنفسه إلى التهلكة . الشرطي رجل مهمش في اللعبة لا يقول غير : نعم سيدي ... نعم ... ويجر أدونيس إلى حيث يريدون . حتى أدونيس لا يلوم الشرطي ، انه مدرك لموقفه . نعم أنه ، وبهذا المعنى حيادي غير منحاز لا لأدونيس ولا لأمر . هو بين نارين . بين نار الانتصار للحق أو نار مناصرة الظلم ... لازال االجميع في الشارع أو ربما في مركز للشرطة . النص يشير إلى أن اللعبة تمت في الشارع . ليس المهم المكان . المهم هو الموقف .  لقد رأينا من سياق النص ان الآمر أصدر أمرا بجر أدونيس من كم قميصه من خلال شرطي قال له : هيا معنا ولا تسأل إلى أين نحن ذاهبون . هناك أمر من الحكومة والجهات المختصة بالقاء القبض عليك ولا داعي للمرواغة أو اللإنكار أو اللف والدوران . أنت مطلوب وكفى . ورأينا ايضا أن أودنيس كان ينتظر أو يتوقع مثل هذا لذي حدث . لكن ما لم كن في الحسبان هو المقارنة بينه وبين حذاء الشرطي هذا .وتلك كانت المفاجأة في نظر أدونيس .  و لا تكمن المفارقة هنا ،أعني في هذه المقارنة فقط بل أنه أكتشف أ ن جمال وجهه لايقارن بجمال الحذاء أعني حذاء الشرطي . أين جماله من جمال ذالك الحذاء . لابد من ان نعرف ما هي دلالات الحذاء ورمزيته  في المنظور الإسلامي . وللتعرف على هذه الرمزية سننقل هذه الرمزية من المعجم الذي تعودنا النقل منه وهو معجم شبل . يقول شبل عن رمزية الحذاء ( الحذاء قمسم من الملابس ملوث بالقذارة الدائمة . ينسب إلى النبي قوله ( كل جزء من الملابس أدنى من العرقوبين مصيره جهنم ( البخاري TI جزء 4 ص 93 ) إن أسفل الحذاء هو ، أكثر من الحذاء بحد ذاته الذي كثيرا ما يختصر بنعل ، ما يعتبرسيئ الطالع ، ولهذا نرى العربي يأنف من ترك حذائه مقلوبا . يذكر غاست وجاكوب أمرا غريبا هو " هدية النعال " الرائجة في أقصى جنوبي الجزائر . والتي تتلبس معنى رمزيا ، زواجيا بنوع خاص ، يعرف ، في بلاد القبائل كما في سائر العالم العربي ، المركز الأجتماعي لشخص ما " وأحيانا العرق الذي ينتمي إليه " بمجرد النظر إلى نوع الحذاء الذي يتنعله ) (1 ) .  من المؤكد ، وفي نظر الشرطي وآمره أو الآمر وشرطيه ، فأن حذاء الشرطي هو الأجمل . من منظور سايكولوجي صرف يمكن أن نؤول نشيد أدونيس المتمثل في عبارته :
آه يا عصر الحذاء الذهبي
انت أغلى انت أجمل  
يمثل بعدا مازوخيا أعني الشعور بالارتياح واللذة من خلال إيقاع الألم على الذات وعلى وجه الخصوص في الفعل الجنسي ، لا لشيئ إلا لأنه وصفه بالجميل والغالي . لكن في النشيد سخرية عميقة من أسلوب الدعوة إلى الخطاب وإجبار الآخر على الأمتثال له والسير على منواله . أنه إذن سمة عصر لا لغة له الأ لغة الحذاء وإذا كانت هذه اللغة قادرة على ضبط سلوك وتصرفات الأفراد وفقا لما يبغيه الخطاب ، فمن المؤكد أن تكون جميلة وغالية  ولذلك فأن عصرا تسوده لغة كهذه لا بد أن يكون ذهبيا .
 
الهوامش :-

1-   ماكس . اس . شابيرو – رودا . أ . هندريكس ، 1989 ، معجم الأساطير ، ترجمة : حنا عبود ، دار الكندي للنشر ، دمشق ، سورية ، ط1 ، ص 35 .

2-شبل ، مالك ،2000 ، معجم الرموز الإسلامية ، ترجمة : أنطوان الهاشم ، دار الجيل للنشر ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، ص 90 .
 

e-mail:- shawqiyusif@yahoo.com                                           e-mail:shawqiyusif@hotmal.com                                           

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا