زوبعة جديدة بالطريق ...
نبيل عودة - فلسطين
زوبعة صراخ جديدة ستفجرها قريبا أحزابنا العربية . لا تستهجنوا ذلك ولا
تتفاجأوا . انا لم يعد يفاجئني شيء من الضجيج العربي. هل سال أحدكم نفسه ماذا
حققنا بالصراخ..؟
في مقالاتي السابقة حذرت من اساليب الرفض الغوغائية التي تسود خطابنا السياسي
.. آسف أعني خطاب الأحزاب العربية . لست ضد رفض سياسات الحكومة وادانتها . ولا
اختلف مع أحد انها سياسات سافلة ومغامرة. ولكن تحويل الرفض والصراخ المتشنج الى
النهج الدائم والموقف التلقائي غير المسبوق بالتفكير في الخطاب السياسي ، هو ما
أرفضه وادينه بشدة .
ما ادعيه ان هناك مواضيع مطروحة يجب التعامل معها بتفكير وترو . يجب التفكير
بها وفهم خواصها ، وليس أخذ قرارات متناقضة وبعيدة عن الواقع بعد السماء على
الأرض .
لا ارى ان أحزابنا تمارس السياسة ، السياسة تحتاج الى نفس طويل وتعاطي مع
مواضيع لا تطرح حسب تخيلاتنا وحسب رغباتنا. وتفترض منا التعامل مع أشخاص لا
نختارهم ولا نثق بمصداقيتهم ، ولكن لا خيارات أخرى مطروحة في المساحة الضيقة
التي ننشط فيها سياسيا ونضاليا . هل يعني ذلك الانعزال عن الملعب السياسي في
الساحة الاسرائيلية؟ هل يعني ذلك ان نتقوقع داخل الكهف ، ظنا ان الزمن سيغير ما
لا نرغب ولا نحب ؟ هل من انجاز حققناه بالانعزال السياسي ، حتى عن اليمين
الاسرائيلي ؟ هل نضالنا فقط مع الأوساط التي تؤمن بمصداقية نضالنا ؟ حتى اولئك
عزلنا أنفسنا عنهم .
لم تكن المنجزات السياسية التي تحققت ، برلمانيا على الأقل ، بمعزل عن تجنيد
اوساط من اليمين أيضا. هل كان من الممكن الغاء الحكم العسكري عام 1966 بدون
أصوات اليمين ، حزب الحيروت - بقيادة مناحم بيغن مثلا في الوقت الذي صوت نواب
السلطة العرب الى جانب ابقائه " لأنه لصالح الجماهير العربية ؟!!" . هل
كان من الممكن الغاء التمييز بمخصصات الأطفال العرب دون أصوات يهودية من مختلف
الكتل ؟
مثلا موضوع الخدمة المدنية ، وهو موضوح طرح وما زال يثير الضجيج ، وحولته
أحزابنا الى جحش سياستها الدائم. تركبه للاستعراضات .
عندما راجعت مواد مديرية الخدمة ، وفحصت الموضوع بشكل مباشر ، مع أرفع
المستويات التي تعمل على صياغة المشروع ، تبين انه بين ما هو معلن ومطروح
، وبين سياسة الرفض العشوائية العربية ، فجوة غير قابلة للتجسير. مصدرها ان
مجرد تعبير " خدمة مدنية " يثير الغضب . تعالوا نغير التسمية اذا كانت
مشكلتكم لغوية. تعالوا نسميها " أعمال تطوعية منظمة" . اما الادعاء انها
طريق للخدمة العسكرية ، فهذه نكتة غبية لا يقدر عليها انسان عاقل. اسرائيل لا
تريد العرب في جيشها . اسرائيل تخاف من وجود السلاح بأيدي الشباب العرب.
اسرائيل تفهم اننا لن نقاتل شعبنا أو الشعوب العربية ولن نحرس احتلالها
لأراضيهم. اسرائيل تعرف ان واقع استمرار سياسات التمييز ضد الجماهير العربية
يشكل حالة خطرة قابلة للانفجار. تخيلوا 30 أو 40 الف قطعة سلاح أو أكثر ، بأيدي
الشباب العرب في أنتفاضة مثل انتفاضة اكتوبر 2000 ؟ حتى في انتفاضة صغيرة جدا
في قرية البقيعة عام 2007 ، أحدثت صدمة للدولة كلها ونتائجها لم تنته حتى اليوم
؟ هل تريدون ان أشرح لكم السبب؟ أعذروني .. البديهيات لا تحتاج الى شرح !!
علمت ان الحكومة قررت تعيين الوزير بلا وزارة في مكتب رئيس الحكومة عامي ايالون
، وزيرا مسؤولا عن مشروع الخدمة المدنية التطوعية.
ومن هنا أتنبأ بتجديد الصراخ وتقويته ، اتوقع ان يطرح ماضي عامي ايالون في
رئاسة جهاز الشاباك ، وقائدا لسلاح البحرية ؟
سؤالي : هل من شخصية سياسية في اسرائيل بدون خلفية عسكرية أو أمنية ؟
هل كان رابين شريك عرفات في اتفاق السلام ، غير رابين وزير الأمن في الانتفاضة
الأولى صاحب دعوة تكسير عظام الشباب العرب المنتفضين ؟
وهل نسينا ان رابين كان وزير الأمن في يوم الآرض الأول ( 1976) الذي سقط
فيه ستة شهداء واصيب العشرات من المواطنين العرب ؟
هل ماضيه يعني ان نرفض الوصول لاتفاق سلام مع اسرائيل ؟ الم يدفع رابين حياته
ثمنا لاتفاقه مع منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات؟
ليس دفاعا وتبييضا لسياسات رابين وحكام اسرائيل العدوانية ، ولكن الحقيقة
كانت ملموسة ليس بالتغيير في مواقف رابين من موضوع الدولة الفلسطينية، انما
أيضا بالتغيير العميق في سياسة رابين مع الجماهير العربية في اسرائيل ، برفع
نسبة الميزانيات والاستثمارات بالوسط العربي ، بحيث أصبحت فترة رابين وحكومتة
تتميز برفع مستوى الحياة والخدمات للجماهير العربية بشكل لم نعهده
مع حكومات سابقة أو لاحقة.
وخطأ أحزابنا وصبيانيتها السياسية انها لم تطلب ، وأصلا لم تفكر .. في فترة
رابين بتشريع قوانين رئيسية واضحة ، تضع المساواة كقيمة منهجية اساسية عليا،
توضح مكانة المواطنين العرب ، كأقلية قومية ، وتفاصيل مساواتهم بالحقوق.
كانت الظروف مريحة ومناسبة لتشريع قوانين ، بناء على نهج حكومة رابين ، تلزم
السلطة ، وبغض النظر عن الحزب الذي يشكل الحكومة ، بحصة الجماهير العربية من
مجمل الوزارات ، وانا لست من الغباء لأثق ان التمييز سينتهي بالتشريع ، ولكننا
نقلص مساحته ونجعله محصورا في مجالات نحن أيضا لسنا مؤهلين لقبول
الاندماج فيها.. ونضمن تغطية قانونية أكثر وضوحا من مجرد قرار من للمحكمة
العليا ( بقضية عادل قعدان ضد بلدة كتسير ) حيث أوضحت المحكمة : " أن
المساواة في الحقوق بين كل انسان في اسرائيل ، مهما كان دينه او قوميته ، هو
أمر قرر في قيم دولة اسرائيل ". ونحن نعرف ان هذا حبر على ورق اذا لم يشرع
بقوانين واضحة ولا تفسر على وجهين ، وأحزابنا لم تكن بقدر المسؤولية ،
كالعادة.. لتعمل على تشريع قوانين تضمن تخفيفا ملموسا بواقع التمييز العنصري.
ان ملاحظتي الأهم ان قادة الأحزاب العربية لايهمهم الا تكرار نسخ أنفسهم
وأدوارهم . ان نضالنا من أجل المساواة لا يمر عبر الصراخ والتشنج السياسي ،
انما عبر تواصل مع قوى يهودية دمقراطية وعقلانية ،. هل تريدون أسماء ؟ حزب
ميرتس مثلا .. شخصيات اليسار في حزب العمل ، مثل عضوة الكنيست شيلي
حايموفيتش ، وزيرة المعارف البروفسور يولي تمير ، الوزير بلا وزارة عامي
ايالون .. وغيرهم ، وهناك شخصيات يمكن التعامل معها من حزب كديما أيضا.. ان نهج
أحزابنا لا يزيد الا اليمين المتطرف من نوع ليبرمان .. قدرة ووقاحة فاشية.
اتابع " نضالات " نوابنا .أعزائي لاقيمة لنضالكم وفكركم بدون حلفاء يهود . هل
تظنون أن عشرة نواب كنيست ( العرب ) قادرون على مواجهة 110 نواب كنيست يهود ؟
أجل أعرف انكم تتعرضون للتحريض ، وأعرف أكثر انكم بخطابكم الذي يعاني من الفقر
الفكري ومن الرؤية السياسية الموضوعية السليمة ، تسهلون هذا التحريض ، . وربما
يشعركم بقيمتكم ويرفع أسهمكم في وسط جماهيركم ؟! ولكن الحقيقة ان جماهيركم
تبتعد عن مثل هذا الخطاب السياسي . وهذا واضح بنسبة المصوتين العرب لأحزابكم
التي لا تتعدى 35% من أصحاب حق الاقتراع العرب.
أفهم السياسة انها فن اصطياد الفرصة المناسبة لتحقيق المكاسب والأهداف التي
نصرخ بطلبها ليل نهار ، ولكننا للأسف نعرف منكم الصراخ ولا نعرف ممارسة السياسة
لانجاز المكاسب.
مشروع الخدمة المدنية أصبح مثل قصة ابريق الزيت . أقول بوضوح وبمسؤولية كاملة ،
هناك فرصة لتحويل الخدمة المدنية الى رافعة اجتماعية تطوعية بالغة الأهمية
لمجتمعنا ومؤسساتنا المختلفة ، وباشراف سلطاتنا المحلية وعلى رأسها لجنة
المتابعة العربية العليا .ولننتبه ، قبل كل شيء .. هي خدمة تطوعية غير مفروضة ،
ووزارة المالية أسقطت بندا يقول انه على الدولة أن تضمن الخدمة المدنية لكل
مواطن يطلبها ، والسبب لا توجد ميزانيات لتغطية نفقات وامتيازات
المتطوعين بعد فترة التطوع المدفوعة الأجر. وربما علينا ان نرفض شطب هذا البند
وان نطالب بتثبيته ، لأنه شطب لجزء من الحقوق التي نناضل للحصول عليها.
أتوقع صراخا جديدا ضد عامي ايلون .. وان تنبروا لآكتشاف ماضي عامي ايلون الأمني
، وكأنه يوجد في اسرائيل من لا يفخر بماضيه العسكري بين اليهود. ولكن لا
تنسوا ان عامي ايلون خاض نضالا مع شريكه الفلسطيني البروفسور سري نسيبة مدير
جامعة القدس ، في ماعرف بمبادرة السلام الشعبية ، حيث جندوا الاف العرب
واليهود في أكبر حملة تواقيع من أجل انجاز السلام واقامة دولة فلسطينية الى
جانب دولة اسرائيل على اساس حدود حزيران 1967 . هل كان وقتها عامي
ايالون مقبولا ( كشير ) والآن سيصبح مرفوضا ( طريف )، وهو شخص لم يغير
رأيه من طريق حل النزاع الاسرائيلي فلسطيني بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني
بالتحرر من الاحتلال وبناء دولته المستقلة.
لا أهدف من طرحي الدفاع عن شخصية ايلون . انما أطرح نقاطا يجب أخذها بالحسبان ،
ووضع حد لممارسة سياسة الرفض المسبق.
مستقبل المواطنين العرب في اسرائيل أهم من استنساخ القيادات العربية لأنفسها.
وكأن مشاكلنا تنتهي بتكرار دعمنا للمستنسخين .
أن طرح سياسة عقلانية هو الخطر الذي تخافه حكومات اسرائيل ، وهو ما يربكها
قضائيا وبرلمانيا وشعبيا وعلى المستوى الدولي اذا كانت ضرورة لذلك.
اذا كانت خبرة نضالنا السياسي ، خاصة خبرة الحزب الشيوعي حزب اميل حبيبي وتوفيق
طوبي في النضال البرلماني والشعبي ، أضمحل الى وسيلة لاستنساخ القيادات
غير القادرة على الطرح السياسي ، وفهم آليات صياغة المطالب وطرق التعامل مع
الشارع اليهودي وقواه السياسية والفكرية والأكاديمية ، وأصبح الأسلوب الفج الذي
نشاهده منذ عقد ونصف من السنين ، فانا ارى ان الأضمحلال والفقر الفكري لأحزابنا
سيتسارع. وان واقع الجماهير العربية سيبقى سيئا وربما أكثر سوءا مع " تصاعد "
نضالنا الذي لا أجد ما يميزة الا نهج الرفض والصراخ والعجز عن فهم متطلبات
النضال السياسي والبرلماني.
نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي فلسطيني – الناصرة
nabiloiudeh@gmail.com