اختراق
الزمن
كيف نقارب
الأشياء عبر ماضٍ لم نعشه
ومستقبل
لم يجئ بعد
ياسر عثمان
- مصر*
الرغبة
في تغيير أحداث الماضي..
انتهاك/
اكتناه/ استقراء المستقبل..
الرغبة في معرفة المصائر المحتملة للذات والعالم وكيف
لنا أن نغير من تلك المصائر...أسئلة منتهكة يطرحها الإبداع والفلسفة
والعلم حول المبهم المُدَثَّرِ بعباءة الماضي، والآني،
والقادم...هواجس تشغلُ النفس البشرية على اختلاف ميولها ومشاربها، فقد
انشغل بها الفلاسفة من أمثال ديكارت،وسارتر، وهيوم....وانشغل بها
العلماء في الماضي والحاضر من امثال آينشتين، وزويل... وانشغل بها
الشعرُ فانشدَ:
"ألا ليت الشباب يعود يوماً
فأخبره بما فعل المشيبُ "..
أمَّا الروائيون فهي شغلهم الشاغل كونها أي هذه الهواجس/ الأسئلة تتعلق
بالزمن والحدث وكون الزمن والحدث فضاءي الإبداع الروائي الأكثر سعة
ورحابةً على الإطلاق..
ولذلك
يمكن القول: إن "موضوعة الماضي/ الحاضر / المستقبل" كانت ولا تزال
واحدةً من أهم الموضوعات القلقة التي تثاور الذهن والمخيلة العلمية
والأدبية والإبداعية على اختلاف مشارب ذلك الذهن ،وتلك المخيلة، وعلى
الرغم من المحاولات الفلسفية والإبداعية( بما تشمل الكلمة من مجالات
الإبداع كالسينما، والرواية، والفن التشكيلي،والشعر والمسرح، وسينما
الخيال العلمي...إلخ) التي حاولت مقاربة موضوعة الزمن هذه في سياقها
الماضوي والآني والمستقبلي،فإنها( أي الموضوعة) تبقى عصيةً على
الاكتناه متمنعة على الاستقراء ما لم يتوسل المكتنه/المستقرئ لها
بالفرضيات المؤسسة على التبصر والخيال المفتوح على الزمن بأبعاده
الثلاثة: الماضي، والحاضر، والمستقبل. وذلك باستنطاق طبيعة العلاقات
التي تربط بين حدود هذه الثلاثية من منظور ثنائية " السبب – النتيجة"
او " البدء- المآل" مع الأخذ في الاعتبار أن العلاقات بين حدود هذه
الثلاثية لا تسير في اتجاه واحد وإنما تأخذ شكل التأثير والتأثر
المتبادلين، او فلنقل المتعاكسين، وهو ما يمكن تمثيله بالشكل التالي:
الماضي
↔
الحاضر
↔
المستقبل.
وهذا التصور
المطروح لتلك العلاقات يقودنا إلى أهمية إخضاع طبيعة العلاقات المشار
إليها في هذا السياق إلى التصورات القلقة المفتوحة على هذه العلاقات؛
فقد يُقَاربُ الماضي على أنه دالةٌ في الحاضر وذلك بالمعنى الرياضي
المتعارف عليه لدى علماء الرياضة والطبيعة وسائر العلوم البحتة التي
تبني نتائجها على المعادلات والدوال المختلفة من خلال العلاقة بين
الثوابت والمتغيرات، أو بمعنى أقرب وأوضح قد يُقاربُ الماضي انطلاقاً
من أنه ( أي الماضي) لم يكن على ما كان عليه إلا لأن الفواعل التي
اشتركت في ترسيمه وبنائه كانت مدفوعة بهاجس الحاضر استقراءً واكتناهاً
مفترضةً في ذلك ان ذلك الحاضر الذي كان يوماً ما مستقبلاً بالنسبة
للحظة الماضي لهو أكثرُ وضوحاً وتكشفاً بالنسبة للحظة المقاربة من ذلك
الماضي، والعكس صوابٌ، أي أنه من الممكن أن يُقاربَ الحاضر باعتباره
دالة في الماضي وذلك بافتراض أن الماضي هو الأكثر وضوحاً وتكشفاً
بالنسبة للحظة المقاربة وأن الحاضر لا يزال مبهماً بالنسبة لها. والأمر
نفسه ينطبق على العلاقة بين الحاضر والمستقبل.
وفي سياق
تلك الجدلية/ الجدليات التي تحكم العلاقة بين ثلاثية الزمن هذه،فإن
العقل يقارب غيرَ الواضحِ / غيرَ المقروءِ من حدودها بما يفترض أنه
واضحٌ / مقروءٌ منها، او بتعبير أدق يقارب ما هو ملتبسٌ منها لا يعطي
مؤشراتٍ كافيةً تعين على قراءته وفهمه من خلال ما هو أقل التباساً يوفر
بعض أو الكثير من المؤشرات المُعينةِ إلى حدٍ ما على ترسيم معالمه وفهم
أحداثه. وعليه فإنَّ العقل غالباً ما يتوكأ على الخيال و الفرض
والتخييل والمخيلة في سياق مغامراته الإبداعية وأيضاً العلمية الساعية
إلى تقييم ومقاربة أحداثِ أيٍّ من حدود تلك الثلاثية من خلال طرح
فرضيات جديدة لمسارت تلك الأحداث، ومن ثَمَّ طرح فرضيات جديدة لمآلاتها
المختلفة، وذلك بعدما يفترض ذلك العقل المقارب تحييد الزمن والتحكم فيه
وإخضاعه بشكل صوري افتراضي لرغبة التخييل والخيال وهواجس الاكتناه
والرغبة المشتعلة في امتلاك أحداثه وتسييرها في الاتجاهات المفترضة
المُتَخَيَّلة من قبل العقل نفسه.
وبناءً على ما سبق طرحه من جدل العلاقات التي تربط حدود
الثلاثية المشار إليها فإن مساءلة
الماضي
( الجزء الأول من عنوان هذه الوريقة) أو الإجابةَ على
السؤال القائل لماذا الرغبة في تغيير أحداث الماضي؟" تجد نفسها حاضرةً
في شقين:
الشق
الأول:
وتمثله تلك
العلاقات الجدلية المطروحة أعلاه بين حدود الثلاثية المذكورة.
الشق
الثاني:
وهو افتراض
وضوح اللحظة الراهنة ومآلات أحداثها مقارنةً بالغموض الذي شاب اللحظة
الماضية فقلل من فرص استقراء نتائجها، فحدث ما حدث من الأحداث التي
قد تربو النفس إلى تغييرها من خلال تمثل ذلك الماضي وتمثل زمنه عبر
الخيال والتصور والفرض.
أمَّا
انتهاك المستقبل
( الجزء الثاني من عنوان هذه الوريقة) أو الإجابة على
السؤال القائل:" لماذا الاندفاع نحو معرفة ما قد يحدث لنا في الغد؟"
فيمكن التماس إجابته أيضاً عبر شقين:
الشق
الأول:
وتمثله –
أيضاً كما ذكرنا أعلاه في مقاربة إجابة السؤال الأول- تلك العلاقات
الجدلية المطروحة بين حدود ثلاثية الزمن.
الشق
الثاني:
افتراض
وضوح اللحظة الراهنة وأيضاً الماضية مع بقاء المستقبل مبهماً يثير
القلق ويشعل هواجس الاكتناه، ناهيك عن رغبة التخييل والخيال وهواجس
الفضول التي تكتنف اللحظة المبدعة كثيراً في توجيه مآلات أحداث
المستقبل.
*
قاص وشاعر وناقد من مصر مقيم في البحرين
Yasserothman313@yahoo.com
Yasserothman313@hotmail.com