ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

رجاء النقاش - مصر

إنهم يكذبون ولا يخجلون‏ !‏
رجاء النقاش - مصر

 

منذ قيام إسرائيل سنة ‏1948‏ كانت فكرة المذابح ضد المدنيين من العرب فكرة مشروعة‏,‏ بل كانت ضرورية بالنسبة للإسرائيليين‏,‏ والهدف من هذه المذابح كان واحدا علي الدوام‏,‏ وهو إخافة العرب وتثبيت شعور لديهم بأن الانتصار علي إسرائيل مستحيل‏,‏ وبذلك يتم إجبار العرب علي أن يلقوا بسلاحهم ويسارعوا إلي الاعتراف بإسرائيل والتفاهم معها‏,‏ وإفساح المجال أمامها لكي تصبح أقوي دولة في المنطقة‏,‏ ليس عسكريا فقط‏,‏ بل اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وحضاريا كذلك‏,‏ وقد كان معظم قادة إسرائيل أوروبيين وافدين من الغرب‏,‏ وكانوا يحملون في رءوسهم تلك الفكرة الخاطئة‏,‏ بل المنحطة‏,‏ والتي تري أن الإنسان الأبيض أو الإنسان الأوروبي‏,‏ هو الإنسان الأرقي والأفضل والأحق بالحياة من إنسان الشرق المتخلف الذي لن تخسر الإنسانية شيئا بالقضاء عليه ومحوه من الوجود‏,‏ وبهذه الفكرة وما يشبهها جاء اليهود إلي فلسطين منذ أوائل القرن الماضي‏,‏ ولعلهم منذ البداية كانوا يعتبرون عرب فلسطين نوعا من الهنود الحمر الذين تم القضاء عليهم وإبادة معظمهم في أمريكا‏,‏ حتي تصبح أمريكا هذه دولة للمهاجرين الأوروبيين البيض الذين يستحقون الحياة وحدهم‏,‏ لأنهم ينتمون إلي الجنس البشري الأرقي والأذكي والأكثر استعدادا للحضارة‏,‏ أما الباقي من أمثال الهنود الحمر فمن المفيد للإنسانية أن تتخلص منهم وتقضي عليهم لأنهم متخلفون ولا يصلحون للحياة‏.‏

منذ بدايات الحركة الصهيونية ونشاطها علي أرض فلسطين ظهر أحد قادة الصهيونية واسمه فلاديمير جابوتنسكي‏(1880‏ ـ‏1940)‏ وهو روسي الأصل‏,‏ وقد نادي هذا الزعيم الصهيوني كما يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري في موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية بسياسة الردع النشيط ضد العرب‏,‏ وكان هذا الزعيم المتعصب يدعو ويحرض دائما علي إلقاء القنابل دون تمييز علي المدنيين العرب‏,‏ وقد أصبحت هذه السياسة التي تدعو إلي قتل المدنيين العرب سياسة ثابتة لإسرائيل منذ قيامها وحتي الآن‏,‏ وما حدث في قانا يوم الأحد الماضي‏30‏ يوليو‏2006‏ من قتل‏57‏ مواطنا كلهم مدنيون وبينهم‏37‏ طفلا‏,‏ رأينا أشلاءهم الممزقة علي شاشات‏,‏ هذه المذبحة الجديدة ضد المدنيين لم تكن أمرا غريبا علي إسرائيل‏,‏ فمن المؤكد أن قتل المدنيين قد أصبح عقيدة ثابتة من عقائد الجيش الإسرائيلي‏,‏ وعند معظم زعماء إسرائيل دون تفرقة بين من يقولون إنهم يساريون وبين من يقولون إنهم يمينيون‏,‏ فالكل سواء في هذه العقيدة الدموية التي تري أن من حق الإسرائيليين أن يقتلوا المدنيين العرب في أي زمان أو مكان‏,‏ لذلك امتلأ تاريخ إسرائيل بهذه المذابح التي تتكرر بانتظام لأنها خطة ثابتة هدفها أن تمتلئ النفس العربية بالرعب الشديد أمام إسرائيل‏,‏ إذ أن إسرائيل لن تقوم لها قائمة ولن يكون لها مستقبل إلا علي أساس هذا الرعب الكبير الذي ينبغي أن يشمل العالم العربي من أدناه إلي أقصاه‏.‏

سوف أتوقف هنا وقفة سريعة أمام مذبحة شهيرة هي مذبحة دير ياسين التي وقعت يوم‏10‏ أبريل سنة‏1948,‏ أي قبل الإعلان الرسمي عن قيام دولة إسرائيل بخمسة وثلاثين يوما فقط‏,‏ وكان المخطط لهذه المذبحة والمشرف عليها والفخور بها هو مناحم بيجين‏,‏ وتفاصيل هذه المذبحة لا تختلف في شيء عن المذابح الأخري التي ارتكبتها إسرائيل‏,‏ بل تكاد الخطوات المتبعة في مذبحة دير ياسين تكون هي نفسها الخطوات التي تم اتباعها في المذابح الأخيرة ومنها مذبحة قانا التي وقعت يوم الأحد الماضي‏,‏ وأنا أعتمد هنا علي الموسوعة الفلسطينية في سرد الوقائع الرئيسية لما حدث في هذه المذبحة الكبيرة‏,‏ فقد دخل الجنود الإسرائيليون إلي دير ياسين تتقدمهم سيارة مصفحة تحمل مكبرا للصوت‏,‏ وأخذ أحد الإسرائيليين يقول لأبناء القرية باللغة العربية‏:‏ إنكم تواجهون قوة أكبر منكم‏,‏ وهناك فرصة للهروب فاخرجوا من بيوتكم وأنقذوا أرواحكم‏.‏

وعندما صدق بعض سكان القرية هذا النداء وخرجوا من بيوتهم هاربين انهال عليهم الإسرائيليون بالرصاص فقتلوهم جميعا‏,‏ أما الذين بقوا في بيوتهم ومعظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ‏,‏ فكان لابد من الإجهاز عليهم‏,‏ فأخذ اليهود يلقون القنابل داخل البيوت فيدمرونها علي من فيها‏,‏ وكانت الأوامر تقضي بتدمير كل بيت‏,‏ وقتل كل من يتحرك‏,‏ وببساطة كانت التعليمات تقضي بقتل كل عربي في دير ياسين‏,‏ وقد استمرت العملية نحو عشر ساعات‏,‏ وانتهت بأن قام اليهود بحفر قبر جماعي تم فيه دفن مائتين وخمسين جثة عربية معظمها للنساء والشيوخ والأطفال‏,‏ وقد كتب القائد الميداني لهذه الحملة واسمه شيف في مذكراته عن هذا اليوم يقول‏:‏ كان ذلك النهار يوم ربيع جميل رائع‏,‏ وكانت أشجار اللوز قد اكتمل تفتح أزهارها‏,‏ ولكن كانت تأتي من كل ناحية من القرية رائحة الموت الكريهة‏,‏ ورائحة الدمار التي انتشرت في الشوارع ورائحة الجثث المتفسخة التي كنا ندفنها جماعيا في القبر‏.‏

وما جري في دير ياسين هو نفسه ما يجري في المذابح الأخري‏,‏ فالإسرائيليون يكذبون ولا يخجلون أبدا من تكرار هذا الكذب‏,‏ وهم يقولون دائما إنهم ينبهون المدنيين للابتعاد عن المواقع التي تتعرض للعمليات العسكرية‏,‏ ولكن المدنيين العرب لا يستجيبون للنداء الإسرائيلي الرحيم‏,‏ فتكون النتيجة هي سقوط هؤلاء المدنيين قتلي دون أن تكون هناك أي مسئولية علي إسرائيل التي نبهت وأنذرت‏,‏ فلم يستمع أحد من العرب إلي التنبيه والإنذار‏,‏ والحقيقة أن إسرائيل تتعمد أن تكذب لتبرر موقفها أمام الرأي العام الأوروبي والأمريكي‏,‏ وهو للأسف الشديد رأي عام واقع تحت تأثير الإعلام الصهيوني‏,‏ مما يجعل إقناعه بوجهة النظر الإسرائيلية من أسهل الأمور‏.‏

من ناحية أخري فإن إسرائيل تضع العراقيل في كل مذابحها ضد العرب أمام المؤسسات الدولية الإنسانية وعلي رأسها الصليب الأحمر‏,‏ وقد علق جاك دي رينيه رئيس بعثة الصليب الأحمر الدولي في فلسطين علي ما حدث في دير ياسين فكتب يقول‏:‏ لم يرفض اليهود مساعدتي فحسب‏,‏ وإنما رفضوا أن يتحملوا ما يمكن أن يحدث لي‏,‏ وكان جميع المشاركين في المذبحة شبانا ومراهقين‏,‏ ذكورا وإناثا‏,‏ مدججين بالسلاح ومن بينه المسدسات والرشاشات والقنابل اليدوية‏,‏ وكان القسم الأكبر منهم لا يزال ملطخا بالدماء وخناجرهم الكبيرة في أيديهم‏,‏ وقامت فتاة جميلة تطفح عيناها بالجريمة بعرض يديها وهما تقطران دما‏,‏ وكانت تحركهما بفخر واعتزاز كأنهما ميدالية حرب ذهبية‏!‏

بقي أن نقول إن قرية دير ياسين نفسها اختفت من الوجود وحلت محلها مستوطنة إسرائيلية اسمها جفعات شاؤول‏.‏

(نقلاً عن الأهرام)

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا