واو
العطف
سامح كعوش
- فلسطين
" واو العطف " تترددُ
كثيراً هذه الأيام ، و نسمعها كثيراً و بشكلٍ يوميٍّ منذ بداية هذه الحرب / المجزرة
ضد لبنان و شعبه الأعزل إلا من إرادة المقاومة و الرغبة في الحياة الحرة الكريمة.
ينتصر لبنان كلَّ مرّة،
ينهض كطائر فينيق ، و يستفيق من سبات العرب جميعاً و صمت مدافعهم إلا عن بيانات
الشجب و الإدانة و الاستنكار.
" واو " جميلةٌ لا تشبه
واو دهشتهم العميلة و الرجعية و الحاقدة القاتلة . " واو " ترفع معنوياتنا عالية ً
فوق جبهة السماء ، كراية ِ مقاومة ٍ لبنانية ٍ تعيد للعرب مجدهم الغابر ، و تزيدنا
اصراراً على صمودٍ اسطوريٍّ في وجه أعتى آلةِ حرب عرفها العالم في تاريخه الحديث.
هي " الواو " الجميلة
النبيلة ، التي سمعناها مرتين : الأولى في كلمة السيد حسن نصر الله ، و الثانية في
أحد بيانات المقاومة. قال السيد حسن نصر الله : " ستصل صواريخنا إلى حيفا، و ما بعد
حيفا ، و ما بعد بعد حيفا " ، و قال مصدر في المقاومة : " لسنا نمتلك صواريخ تكفي
لستة اشهر فقط بل تكفي لستة اشهر و أكثر و أكثر ".
جميلةٌ هذه الواو ، وقعها
موسيقيٌّ يطيب للأذن سماعه ، و قد تصير هذه الواو جزءاً من مقطوعة ٍ غنائيةٍ ثوريةٍ
أو تصير نشيداً وطنياً، لما لها من دورٍ معنويٍّ في إذكاء شعلة مقاومتنا لهذا الموت
العبثي المجانيّ و صمودنا في وجه طائرات الإبادة الجماعية التي تكشر عن أنيابها
فنواجهها بالنظرة المجردة إلا من الحقد الذي سنتوارثه حتى آخر الخليقة .
كما لهذه الواو دورٌ
استعاديٌّ لبعض بطولات مشرقةٍ رغم استثنائيتها في ازمان استثنائية و على يد رجالٍ و
قادةٍ استثنائيين، منذ محمد و عليّ و الحسين و المعتصم حتى صلاح الدين و عبدالناصر
و كثيرين غيرهم.
و قد تتسببُ هذه " الواو
" بخلق معضلةٍ لغويةٍ نحويةٍ ، إذا سيحارُ النحاةُ في اعتبار عطْفها مقابل عنفها و
شدّتها ، و قسوة وقعها على هذا الإسرائيليّ الذي يخوض ، ولأول مرة عبر تاريخه
الاحتلالي الاستيطاني في ارض فلسطين، حرباً امريكيةً بامتياز، و بالنيابة عن مارينز
جورج دبليو بوش، حرباً تنضم بأحداثها بجدارةٍ إلى سلسلة حروب هذا " البوش " الفاشلة
في أفغانستان و العراق و حروب اسلافه في الصومال و كوبا حتى خليج الخنازير.
أيتها " الواو " ما
أجملكِ ! و يا لسطوعكِ كشمسٍ في ليل هزيمتنا الحالك ! يا لكبرياء جرحكِ و تعاليكِ
على انحطاط اخلاقهم و منطق ارهابهم و دموية حروبهم و تاريخهم و توراتهم .
أيتها " الواو " ، ويح
الذين لا يدركون عظمتكِ في تعبيرك عما تحمله عيون الأطفال الشهداء في ارض الجنوب من
حقد يُسقطُ طائرة ، و غضبٍ يفجّرُ الميركافا ، و أمل بغدٍ تبنيه قلوبهم الصغيرة ، و
تغنيه أفواههم المملوءة تراباً و المخنوقة الأنفاس تحت أنقاض بيوت قانا و بنت جبيل
و أخواتهن الشهيدات من قرى و بلدات الجنوب و اللواتي هنّ مشاريع مقاومة و عزٍّ و
شهادة.
كم أنت ِ عظيمةٌ أيتها "
الواو " ! و كم هي عظيمة هذه الأمة التي تستعيد ذاتها و أمجادها اليوم في صورة هذه
القلة القليلة من الفدائيين الأبطال التي تواجه الدبابة بالدعاء ، فتستجيب لدعائها
السماء بطير أبابيل، و " ما رميتَ إذ رميتَ ، ولكنّ الله رمى ".
و " إلى حيفا، و ما بعد
حيفا ، و ما بعد بعدَ حيفا ". عبارةٌ بها تتكامل أسطورة هذه " الواو " التي أرعبتهم
و أرجفتهم، جعلتهم يحارون في ايجاد مرادفٍ عبريٍّ لها ، و لن يجدوا ، لأن لهذه
الواو العاطفة و العاصفة معاً ، قدرةً على السحر بفعل صمود اللبنانيين ووحدة موقفهم
، و قدرة هذا الـ " لبنان " على الانبعاث من جديد في كل مرة تجتمع عليه فيها قوى
الشر لينتصر .
هذه الواو التي لم تصبْ
نهاريا و عكا و حيفا فحسب، بل اصابت و كفى ، و قد أصابت القلب منهم و شلّت الجهاز
العصبي لكيانهم الغاصب.
كم أنت ِ جميلة نبيلةٌ
أيتها " الواو " التي ارعبتهم، أصابتهم بالفزع و الهلع ! افقدت قادتهم الصواب
فباتوا غير قادرين على تمييز جغرافيا جنوب لبنان من تاريخه ، و بينهما مسافة انتصار
و مقاومة و شهادة حسينية كربلائية لا تقاس بالكيلومترات المعدودة ، التي تضاربت
تصريحات قادة اركان جيوشهم في تحديد وجهتهم عبرها، و مدى توغلهم بحسب الرضى و
القبول الدوليين و بغض النظر عن الكلفة البشرية الباهظة التي يتحملها الشعب
اللبناني الأعزل بالبشر و الحجر، بل و ما تبقى له من الحلم بوطن مزدهر و حر.
أيتها " الواو " الحارقة
الخارقة و المتفجرة ، دعيهم يتخبطون ميدانياً و اعلامياً و نفسياً حتى ، و لنا أن
ننتصر بكِ ، و أن نقوى على "واو" القسَم ، ولو لمرة اخيرة قبل ان ينقرض العرب.