ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

أحمد عبد المعطي حجازي - مصرهل عبرت الثقافة؟

أحمد عبد المعطي حجازي - مصر

 

يوم الأحد الماضي احتفل الجيش واحتفلنا معه بالعيد السادس والثلاثين لانتصار أكتوبر‏,‏ دعتنا إدارة الشئون المعنوية مشكورة لنشارك في الاحتفال الذي لم يقتصر هذا العام عليه الكلمات التي تقال عادة في مثل هذه المناسبة‏,‏ وانما بدأ بندوة علمية تحدث فيها الخبراء العسكريون عن حرب اكتوبر وما أضافته في المجال العسكري‏,‏ ثم جاء دور الأدب والفن‏,‏ فألقت الشاعرة إيمان البكري عددا من قصائدها‏,‏ وتحدثت سميحة أيوب‏,‏ وليلي طاهر‏,‏ ومحمود ياسين‏,‏ عما شاركوا فيه من أعمال مسرحية وسينمائية مستلهمة من اكتوبر خلال الحرب وبعدها‏,‏ وألقيت أنا قصيدتي عن معركة شدوان‏.‏

ولاشك في أن أجهزة الإعلام المختلفة ستنقل لكم صورا حية من هذا الاحتفال الكبير‏,‏ أما أنا فأريد أن أجعله مقدمة للحديث عن الثقافة‏,‏ وبالتحديد عن علاقة الثقافة بأكتوبر‏.‏

***‏
لقد كان لمشاركة الفنانين والشعراء في احتفالات الجيش هذا العام معني يستحق أن نتوقف عنده‏,‏ وهو أن العسكرية المصرية ليست مجرد احتراف‏,‏ ولكنها ثقافة‏,‏ ثقافة إنسانية بقدر ما هي وطنية‏.‏

إنها امتداد للنشاط الحي الذي يقوم به المصريون في كل مجالات الحياة العامة والخاصة‏,‏ الفردية والجماعية‏,‏ امتداد لزراعة الأرض‏,‏ وبناء المصانع‏,‏ وممارسة الحب‏,‏ وتربية الأطفال‏,‏ وكتابة القصائد والروايات‏,‏ ورسم اللوحات‏,‏ ونحت التماثيل‏,‏ وتقديم العروض الموسيقية والمسرحية والسينمائية‏.‏

والمصريون الذين يزرعون ويصنعون‏,‏ ويكتبون ويقرأون‏,‏ ويعزفون ويغنون‏,‏ ويمثلون ويرقصون هم أنفسهم الذين يحملون السلاح ويحاربون ويقاتلون‏.‏

المصريون يحملون السلاح ليحرسوا مزارعهم ومصانعهم وحريتهم واستقلالهم‏,‏ وثقافتهم وحضارتهم‏.‏

ولقد كانت مصر أقوي دولة في المنطقة خلال العصور القديمة‏,‏ لكنها لم تطمع فيما حولها من البلاد‏,‏ ولم تتجاوز الجيوش المصرية حدود الوطن إلا لتطرد الغزاة الهكسوس وتتعقبهم فيما وراء الحدود الشرقية الي نهر الفرات‏.‏

المصريون يفضلون بناء المعابد‏,‏ واقامة الصلاة‏,‏ ونحت التماثيل‏,‏ ونظم الشعر‏,‏ وزراعة القمح‏,‏ وعصر العنب علي غزو البلاد الأجنبية‏,‏ فإذا اضطروا للحرب أبلوا فيها أحسن البلاء‏.‏

***‏
بعد أن تدهورت الدولة المصرية في القرون السابقة علي الميلاد‏,‏ واستولي الأجانب علي البلاد‏,‏ وحرموا علي المصريين أن يشاركوا في حكم بلادهم وأن يحملوا السلاح ـ فقدت مصر كل شيء في ظل هذا الهوان الذي استمر أكثر من ألفي عام توالي علينا فيها الغزاة من الشرق والغرب‏,‏ ومن الشمال والجنوب الفرس‏,‏ واليونان‏,‏ والرومان‏,‏ والأحباش‏,‏ والعرب‏,‏ والأتراك‏,‏ والفرنسيون‏,‏ والانجليز في القرنين الأخيرين‏.‏

لم تخسر مصر استقلالها فحسب‏,‏ ولم يخسر المصريون حريتهم وكفي‏,‏ بل خسروا كل شيء‏,‏ خسروا لغتهم وحضارتهم‏,‏ وخسروا وجودهم المادي ذاته‏,‏ كان عددهم وهم أحرار مستقلون ثمانية ملايين‏,‏ فهبط في أواخر القرن الثامن عشر الي مليونين ونصف‏,‏ ومن الطبيعي وقد فتك بهم الظلم والبؤس والوباء والطغيان فتكا ذريعا أن يحل الخراب بمدنهم وقراهم‏,‏ وتنتشر المجاعة‏,‏ ويفيض النيل فتغرق به القري بدلا من أن تهتز به الأرض وتربو‏.‏

والعجيب أن مصر لم تمت‏,‏ والأعجب أنها لم تفقد في هذه المحنة المتطاولة خصوبتها وقدرتها علي النهوض والتجدد‏,‏ ونظرة واحدة لما حدث بين أواخر القرن الثامن عشر وأواسط القرن التاسع عشر تكفي لنري هذا الانبعاث الأسطوري الذي خرجت به مصر من رمادها‏,‏ بعد أن أعاد إليها محمد علي وأبناؤه استقلالها الضائع‏,‏ في بضعة عقود دخلت مصر عصر الصناعة‏,‏ وحمل الفلاحون المصريون السلاح وتقدموا وراء ابراهيم ابن محمد علي ليفتحوا عكا ودمشق‏,‏ ويجتاحوا سوريا كلها‏,‏ ويتوغلوا في الأناضول حتي يقفوا غير بعيد عن استامبول عاصمة الأتراك العثمانيين الذين استعبدونا في القرون الأخيرة‏,‏ وهي عاصمة البيزنطيين الذين استعبدونا في القرون الأولي‏,‏ ولولا تدخل الروس والانجليز لفتح المصريون هذه المدينة كما فتحوا من قبل قادش عاصمة الحيثيين‏!‏

في هذا الوقت كان الطهطاوي يسرق النور من مدينة النور‏,‏ وكان شامبليون يفك رموز الهيروغليفية‏,‏ وكان فيردي يلحن عايدة للأوبرا المصرية‏.‏

***‏
لا حرية بلا ثقافة‏,‏ ولا ثقافة بلا حرية‏.‏
واذا كان الحكم الفردي قد انتهي بنا الي هزيمة يونيو‏,‏ فالمنتظر من انتصار أكتوبر أن يفتح لنا الطريق الي الديمقراطية والي ثقافة الديمقراطية التي نستعيد معها ما خسرناه في زمن الطغيان‏.‏

لقد خسرنا إيماننا بالعقل وحبنا للحياة‏,‏ فالهزيمة لا تسير إلا وهي مصحوبة بالخرافة‏,‏ والهزيمة ذل بالليل وهم بالنهار‏,‏ لا فرح في الهزيمة‏,‏ ولا حب‏,‏ ولا غزل‏,‏ ولا مغامرة‏,‏ ولا إبداع‏.‏

في زمن الهزيمة خرجنا من العقل الي النقل‏,‏ ومن الولاء للوطن الي الولاء للطائفة‏,‏ ومن التدين الي التطرف‏,‏ ومن التطرف الي الإرهاب‏.‏

في زمن الهزيمة اغتيل فرج فودة‏,‏ وتعرض للاغتيال نجيب محفوظ‏,‏ ونفي نصر حامد أبوزيد‏,‏ وأصبحت الرقابة رقابتين‏,‏ رقابة المشايخ‏,‏ ورقابة الأفندية‏,‏ وقدم العشرات من الكتاب والمفكرين للمحاكمة لأنهم فكروا بحرية‏,‏ وعبروا بحرية‏.‏

ولقد فسدت اللغة في زمن الهزيمة‏,‏ وتراجع الإنتاج الأدبي‏,‏ وأطفئت أنوار المسرح‏,‏ وخضع الفيلم المصري لثقافة النقاب‏!‏

من هنا كان عنوان أول مقالة أكتبها عن نصر اكتوبر هو الثقافة أيضا مدعوة للعبور‏,‏ فهل عبرت الثقافة؟‏!

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا