التواصل
اللفظي وغير اللفظي
د. جميل
حمداوي - المغرب
1- التواصل اللفظي أو السلوك اللفظي:
يتم التواصل اللغوي عبر وحدات فونيمية ومقطعية مورفيمية ومعجمية
وتركيبية، أي أن هناك أصواتا ومقاطع وكلمات. ويرتكز النموذج اللغوي على نسق من
الوحدات هي:
-
وحدات الصوت:
(الفونيم) أي المخزونات الصوتية؛
-
وحدات المقطع
(المورفيم) التي هي نسق من الوحدات الصوتية والإعرابية؛
-
وحدات المعجم: هي
نسق من المقاطع المكونة للكلمات؛
-
وحدات التركيب: هي
نسق من الكلمات المكونة للجملة.
ويتم التواصل اللغوي عبر القناة الصوتية السمعية أي أن التواصل
اللغوي يعتمد أساسا على اللغة الإنسانية ويتحقق سمعيا وصوتيا. فاللغة المنطوقة لها
مستوى لغوي هو عبارة عن نظام من العلامات الدالة ( علاقة الدال بالمدلول بالمفهوم
السوسيري)، والتي هي نسق من الوحدات نسميها وحدات الخطاب.
تتفق البنيوية والتداولية على اعتبار اللغة وسيلة للتواصل على
عكس التوليدية التحويلية بزعامة نوام شومسكي التي يعتبرها ذات وظيفة تعبيرية. ويرى
أن التواصل ما هو إلا وظيفة إلى جانب وظائف أخرى قد تؤديها اللغة.
وترى المدرسة الوظيفية الأوربية بشقيها: الشرقي والغربي أن
اللغة الإنسانية وظيفتها التواصل، فأندري مارتيني يعرف اللغة كما قلنا سابقا على
أنها تمفصل مزدوج وظيفتها الأساسية هي التواصل، ويعني بالتمفصلين: المونيمات
والفونيمات. وتذهب سيميولوجية التواصل إلى تبني وظيفة الإبداع ويمثل هذا الاتجاه
جورج مونان وبرييطو وبويسنس والمدرسة الوظيفية بصفة عامة.
فالذي يريد أن يدرس اللغة كأداة للتواصل ينبغي
له أن يستند إلى علوم لسانية: علم الدلالة والسيميوطيقا والسيميولوجيا. ويقول نادر
محمد سراج:" يتواصل متكلمو لغة إنسانية معينة فيما بينهم بسهولة ويسر، وذلك مرده
إلى أن كلا منهم يمتلك ويستخدم في البيئة اللغوية عينها، نسق القواعد نفسه، الأمر
الذي يتيح له سهولة استقبال وإرسال وتحليل المرسلات اللغوية كافة، هذا ما يحدث
مبدئيا عبر ما نسميه شكل التواصل الكلامي
Communication verbal
وهو الشكل الأكثر انتشارا واستعمالا"1.
وكانت الوظيفة التواصلية في اللغة معروفة عند النحاة وعلماء
اللغة العربية القدامى، فابن جني يقول في باب " القول على اللغة وما هي": أما حدها:
فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"2.
أما علماء اللغة فقد عرضوا بدورهم لموضوع وظيفة اللغة، فاتفق
أغلبهم على أن وظيفتها هي التعبير والتواصل والتفاهم، ويبرز في هدا المجال الألسني
الفرنسي أندريه مارتيني الذي يؤكد- بدوره ومن خلال كلامه في اللغة الإنسانية كمؤسسة
من المؤسسات الإنسانية- أن هذه الأخيرة " إنما تنتج عن الحياة في المجتمع، وهذا هو
تماما حال اللغة الإنسانية التي تدرك بشكل أساسي كأداة للتواصل"3
ولقد حظي التواصل اللفظي باهتمام الباحثين ولاسيما في المجال
البيداغوجي الذي اتخذناه ميدانا تطبيقيا؛ لأن السلوكات اللغوية قادرة على تمثيل
مجموع السلوكات المكونة للعلاقات الموجودة بين المدرس والتلاميد. وقد حاول
دولاندشير وبايير أن يحللا السلوكات اللفظية في القسم من أجل معرفة التواصل
الوجداني والمعرفي، ودلك في كتابهما القيم" كيف يعلم المدرسون: تحليل التفاعلات
اللفظية في القسم"4.
ومن الشبكات التي خصصت لتحليل التفاعلات اللفظية
داخل القسم هي شبكة فلاندرس
Flanders Interaction Analysis
Categories
ويشار غليها عادة ب(FIAC)،
أي أن مراقي فلاندرس لتحليل التفاعلات التي تركز على التفاعلات اللفظية بين المدرس
والتلاميذ.
2-
التواصل غير اللفظي:
تقوم القناة البصرية بدور أساسي في التواصل بصفة عامة والتواصل
البيداغوجي بصفة خاصة. ذلك أن فعل التواصل بين مدرس وتلاميذ/طلبة لا يوظف فقط نسقا
لغويا منطوقا فحسب، بل إنه يستعمل نظاما من الإشارات والحركات والإيماءات التي
تندرج فيما نسميه بالتواصل غير اللفظي وهو:" مجموع الوسائل الاتصالية الموجودة لدى
الأشخاص الأحياء والتي لا تستعمل اللغة الإنسانية أو مشتقاتها غير السمعية (
الكتابة، لغة الصم والبكم)"5.
وتستعمل لفظة التواصل غير اللفظي للدلالة على " الحركات وهيئات
وتوجهات الجسم وعلى خصوصيات جسدية طبيعية واصطناعية، بل على كيفية تنظيم الأشياء
والتي بفضلها تبلغ معلومات"6.
وهكذا، فإن ملاحظة عادية لما يجري داخل الفصل الدراسي من سلوكات
غير لفظية بين المدرس والتلاميذ تشكل كنزا من المعلومات والمؤشرات على جوانب
انفعالية ووجدانية، كما أنها تكشف عن المخفي والمستتر في كل علاقة إنسانية. ويقول
فرويد:" من له عينان يرى بهما يعلم أن البشر لايمكن أن يخفوا أي سر، فالذي تصمت
شفتاه يتكلم بأطراف أصابعه، إن كل هذه السموم تفضحه"7.
من هنا يساعدنا التواصل المرئي على تحديد الجوانب التالية:
-
تحديد المؤشرات عن الانفعالات والعلاقات الوجدانية
بين المدرس والتلاميذ؛
-
تعزيز الخطاب اللغوي وإغناء الرسالة عن طريق تدعيمها
بالحركات ضمان استمرارية التواصل بين المدرس والتلاميذ؛
-
يؤشر على الهوية الثقافية للمتواصلين من خلال نظام الحركات
والإشارات الجسدية. وقد حدد هاريسون
Harrisson بعض
العناصر التي تتصل بالتواصل غير اللفظي وهي:
-
كل التعابير المنجزة بواسطة الجسد( حركات، ملامح...)،
وتنتمي إلى شفرة الإنجاز؛
-
العلامات الثقافية كطريقة اللباس وتتمثل في الشفرة
الاصطناعية؛
-
استعمال المجال والديكور وتمثل الشفرة السياقية؛ 8
-
الآثار التي تحدثها أصوات وألوان مثل نظام إشارات
المرور وهي الشفرة الوسطية.
مستويات خطابية لابد منها:
هناك مجموعة من الآليات والمفاهيم الإجرائية التي ينبغي
الاعتماد عليها في تحليل أنظمة التواصل وهي:
1-
العلامة:
وهي في اللغة العلاقة بين الدال ( صورة صوتية) والمدلول( مفهوم ذهني)، فكل خطاب
منطوق أو مكتوب هو نسق من العلاقات اللغوية، أما العلامات غير اللغوية فهي نظام
الإشارات غير المنطوقة كعلامات المرور أو المؤشرات والرموز المرئية والملصقات
والإشهار والصورة وغيرها.
2-
الأيقونة:
وهي تمثيل محسوس لشيء قصد تبيان خصائصه وسماته مثل صورة شخص أو خريطة بلد.
3-
المؤشر
Indice:
وهو ما يخبر عن شيء مستتر كالدخان فهو مؤشر على النار إذا لم تكن مرئية، وعلامات
الوجه قد تكون مؤشرا على فرح أو غضب أو حزن.
4-
الرمزSymbole:
وهو كل علامة تشير إلى هوية شيء مثل
الحمامة للسلام أو الميزان كرمز للعدالة.
ولقد حظي التواصل غير اللفظي مؤخرا باهتمام كثير من الدارسين مع
تطور اللسانيات والسميوطيقا وعلم النفس الاجتماعي حيث:" تزايد اهتمام المجتمع
العلمي في السنوات الماضية بموضوع التواصل الإشاري أو التواصل غير الكلامي الذي
أضحى ميدانا خصبا للحلقات والأبحاث والمؤلفات، فبالإضافة إلى آلاف المقالات وعشرات
الكتب التي صدرت...، فقد نظمت مئات الحلقات الدراسية التي خصصت لاستجلاء معالم هذا
العلم المستجد ولإبراز مجالاته التطبيقية العملية"9.
إذا، فالتواصل غير اللفظي هو تواصل بدون اللغة الإنسانية أي
بدون تحقق سمعي وصوتي. ومن ثم فالحقبة المعاصرة" هي التي شهدت توسع مفهوم التواصل
المتعدد الأقنية من خلال أعمال وتأملات علماء العادات وعلماء الإناسة وعلماء
الاجتماع إضافة إلى علماء النفس وأطباء الأمراض العقلية، وكان قد سبق لبعض علماء
الإناسة أن أكدوا على تعدد أقنية الاتصال في بداية القرن"10.
وقد كتب بعضهم كسابير
Sapir
(1927 ) يقول:" إننا نقول بردات فعل( تجاه الإشارات) كما وفق اصطلاح
سري ومعقد غير مكتوب في جهة ما، غير معروف في إنسان، مفهوم من الجميع... وككل تصرف،
فإن للإشارة جذورا عضوية، ولكن قوانين الإشارة والسنن الضمني للمرسلات والإجابات
المنقولة بواسطة الإشارات، إنما هي نتاج لتقليد اجتماعي معقد"11.
ودون سابيرلاحقا ما مفاده:" إن أهمية الاتصالات غير المصوغة
وغير اللفظية في مجتمع ما، هي بحيث أن الذي يجهلها يمكن أن تنتابه بلبلة تجاه معاني
بعض السلوكات حتى ولو كان أليفا مع أشكالها الخارجية ومع الرموز الكلامية المصاحبة
لها"12.
إن للتواصل غير الكلامي جذورا قديمة، وإن الإشارات من حيث كونها
قناة من قنوات التواصل الكلامي غير اللفظي تشكل أداة تعبيرية وخطابية غير مباشرة
وغير دقيقة؛نظرا لكونها ضيقة ومحصورة على مستوى التعبير عن الأفكار والرغبات
والمشاعر( نهائية ومحدودة)" فإن الرسالة الضمنية لا تنقل كاملة، وبالتالي لاتحل
نهائيا، بل هي تبقى مثارا للتوتر في العلاقات... إنها مثار للالتباس والتأويل"13.
وعليه، فإن المعرفة الضمنية" بالدلالات الاجتماعية كنسق إشاري
ما ضرورية وأساسية لنجاح أية عملية تواصل إنساني، وبالرغم من ذلك فإن التواصل
الإشاري يبقى عرضة لسوء التفسير أو اللبس، وصولا إلى سوء التقدير، حتى أيضا لأفراد
البيئة اللغوية الواحدة، وما يمكن استخلاصه كملاحظة أولية في هذا المجال هو أنه لا
يمكن للتواصل الإشاري أن يعتمد كقناة وحيدة وأساسية للتخاطب، بل يجب أن تكون
الأولوية للغة المنطوقة التي تؤدي في أغلب الحالات والظروف إلى اتصال أوضح، وأكثر
دقة وأسرع دلالة، وبالتالي إلى تفاهم أفضل"14.
لقد ركز الباحثون أكثر على التواصل اللفظي
مهملين السلوكات غير اللفظية وشبه اللغوية:" وإذا كان التواصل اللفظي وغير الكلامي
يشكلان إحدى سمات السلوك البشري فمن باب أولى أن نعيد إلى الأذهان أن الباحثين
ركزوا جهودهم سابقا على الاعتناء بشكل أساسي بالجوانب الكلامية لهذا التواصل
متجاهلين، وحسب التقليد، الرموز غير الكلامية التي كانوا ينسبونها عادة للتنوع
الصوتي( كيفية صوتية، تنغيم، وقفة) أو لغير الصوتي( نظرة، تعبير وجهي، إشارات، وصفة
الجسم وحركته)، بالرغم من تزايد الاهتمام الموجه إلى التحليل التحادثي(Indicatives)
إما للقواعد الاجتماعية وإما للحالات النفسية للمرسل"15.
ومن هنا فإن المقاربة الوظيفية لدور هذه الرموز غير الكلامية في
التفاعل الاجتماعي هو " ما ينبغي التركيز عليه والسعي لإبرازه في أية دراسة
مستقبلية من هذا النوع، وإذا كان الكلام يشكل النشاط المركزي لنمط التفاعل الإنساني
الذي تدعوه عادة بالتحادث، فإن الأهمية تكمن في اعتبار هذا التحادث ورؤيته كظاهرة
للاتصال المتعدد الأقنية، والذي يشتمل على علائق متبنية جدا للرموز كلامية كانت أم
غير كلامية.
إن ما يجب أن نخلص إليه في هذه المقاربة التي
سعينا من خلالها أن أية دراسة للرموز غير الكلامية يجب أن لا يتم بشكل منعزل، مثال
عزل القناة البصرية عن القناة السمعية، بل بالأحرى ينبغي إيلاء وظائف الأشكال العام
(Configurations)
المتعددة الأقنية للرموز أهمية كبرى نظرا لدورها المميز في هذا المجال"16.
وعليه، يمكن للتواصل أن يتحقق" أيضا بواسطة أشكال تخاطبية ليست
بالضرورة كلامية تحل أحيانا محل التواصل الكلامي، لا بل وتصاحبه احيانا كثيرة. وهذه
الأشكال الأخيرة التي تعرف بالتواصل غير الكلامي او باسم اللغة اللامنطوقة أو غير
اللفظية ليست حكرا على الإنسان، بل هي معروفة أيضا لدى الفصائل الحيوانية التي يتصل
بعضها ببعض عن طريق الأصوات والحركات والإشارات"17.
ومن هنا، فإن أية مقاربة لدراسة التواصل:" يجب أن تعتمد نسقيه:
الكلامي وغير الكلامي، ولكل منهما أسسه وأنظمته، كما له مجاله التعبيري الخاص
وأهميته على صعيد تفاهم الأفراد وتفاعلهم"18.
وتلعب الإشارات التي تصاحب عملية الكلام عادة
دورا في الإفصاح عن أفكار أو توجهات أو تمنيات أو مشاعر الفرد. وإن أغلب تعريفات
اللغة الإنسانية تشير على أنها تتحقق سمعيا مضيفين بأن الأشكال السمعية ليست سوى
اشتقاقات للأولى:" إن تعدد أقنية التواصل الإنساني كان بالتأكيد معروفا منذ زمن
طويل، فقد كان علم البلاغة الكلاسيكية يخص فصلا للفعل
Action))
أي للأدوار الصوت والتعبير الجسمي في الفن الخطابي مستعيدا أفكارا مصوغة من قبل
سقراط وشيشرون وكونتيليان... ولكن الحقبة المعاصرة هي التي شهدت توسع مفهوم التواصل
المتعدد الأقنية وتعيينه من خلال أعمال وتأملات علماء العادات وعلماء الإناسة
وعلماء الاجتماع، إضافة إلى علماء النفس وأطباء الأمراض العقلية، وكان قد سبق لبعض
علماء الإناسة أن أكدوا على تعدد أقنية الاتصال في بداية القرن"19.
وإذا كانت اللغة حسب دو سوسير نسقا من الإشارات وكون الإشارة
مرتبطة بشكل اعتباطي بمرجع غير لغوي يمكنه من التمثل، فاللغة الإنسانية –إذا- نظام
اعتباطي اتفاقي للاتصال يسمح بنقل التمثلات إلى الآخرين. ولكن الأمور تغيرت لاحقا،
فاللغة الإنسانية لن تعد كما كانت عليها، ولم تعد تصلح لما كنا نظنه سابقا، فهي لم
تعد تظهر أبدا بوصفها تحقيقا سمعيا خالصا، بل بالأحرى كنسق اتصال متغاير متعدد
الأقنية أو متعدد الصيغ.
وأخيرا، فإن ميزتها الحقيقية ليست في كونها اعتباطية، ولكن
ببساطة أكثر في كونها اصطناعية واصطلاحية.ويسمح التواصل غير اللفظي بفهم التحفيزات
والتفاعلات الإنسانية. وقد كان هذا التواصل غير السلوكي وراء عدة بحوث مهمة تعتمد
على تقنيات الفيديو وماكينوطوسكوب والحاسوب في مختلف التخصصات مثل علم النفس
ولاسيما الاجتماعي واللسانيات والسميوطيقا والأنتروبولوجيا والانطولوجيا( علم
العادات).
وقد وقع تقدم ملحوظ ومعتبر في هذه المجالات على عكس البيداغوجيا
التي هي بعيدة عن هذا المجال، ولم تخض غمار هذا البحث إلا مؤخرا.
ولقد قدم علماء الأنطولوجيا أبحاثا مهمة في هذا الصدد، فحضور
التواصل غير اللفظي يتجلى بشكل واضح في المسرح والميم والموضة والرقص والرسم والنقش
والنحت غير أن السلوكات غير اللفظية لم تثر انتباه المفكرين والباحثين قديما وحديثا
على الرغم من استعمالهم لها.
وإذا كانت الأنساق الدلالية تنقسم إلى قسمين كبيرين: أنساق
دلالية طبيعية وأنساق دلالية اجتماعية، فإن الأنساق الدلالية الاجتماعية تنقسم إلى
أنساق دلالية اجتماعية لفظية وأنساق دلالية اجتماعية غير لفظية، فالأنساق الدلالية
الطبيعية هي تلك الأنساق التي توجد في حضن الطبيعة. ومن سمات هذه الأنساق أنها غير
مؤسسية، فالإنسان هو الذي وظفها داخل مجال الدلائل وأسند إليها دلالات معينة، أما
الأنساق الدلالية الاجتماعية فهي:" في نفس الآن الأنسنة وكل ما نتج عنها، أي أنها
ما قبل التاريخ الإنساني والتاريخ الإنساني منظورا إليه من زاوية السيميوطيقا
العامة"20.
أما الأنساق الدلالية الاجتماعية فهي تلك الأنساق التي تتميز
بكونها مؤسسية وأنها أيضا من نتاج عمل الإنسان، وهي تتفرع إلى أنساق لفظية وغير
لفظية. فاللفظية هي" تلك الأنساق التي لها لغات ولها خصوصياتها المتنوعة وإعدادات
مثل الأنواع السننية. وتقوم هذه الأنواع السننية على التمايزات التي يحدثها الإنسان
في مادة الصوت"21.
ويعلق حنون مبارك على هذا القول:" والمقصود باللغات عند روسي
لاندي الحالات الخاصة للكلام أي القدرة الإنسانية على استعمال أنواع سننية متسقة
للتلفظ بأصوات قصد أغراض تواصلية وتعبيرية عادية.
ومن الواضح أن روسي لاندي" يقصي من هذا النوع من الأنساق اللغة
الشعرية واللغات التقنية واللغة الطقوسية واللغات الإيديولوجية المختلفة ولغة
الرياضيات، وعلاوة على ذلك فإن مفهوم الأنساق اللفظية عنده لا يأخذ بعين الاعتبار
تمايز بين ماهو منطوق وماهو مكتوب فهذا المفهوم يشملهما معا"22.
اما الأنساق الدلالية الاجتماعية غير اللفظية فهي تلك التي " لا
تستعمل أنواعا سننية قائمة على أصوات بها، ولكنها تستعمل أنواعا سننية قائمة على
أنماط أخرى من الأشياء، هاته الأشياء الأخرى التي يسميها بالأجسام هي إما أشياء
توجد قبليا في الطبيعة وإما أن الإنسان أنتجها لغايات أخرى، وإما أنها أنتجت لغرض
أن تستعمل بوصفها دلائل، أو أنها استعملت باعتبارها دلائل في نفس الفعل الذي نتجت
فيه"23.
وتتكون الأنساق غير اللفظية التي لها وظيفة تواصلية مما يلي:
1-
حركات الأجسام
Kinesic
وأوضاع الجسدPostural:
مثل التواصل بالإشارات وتعابير الوجه وتعابير أخرى وأوضاع الجسد....
2-
الإشارات الدالة على القرب
Proxémique:
يتعلق باستعمال الإنسان للمكان المجالي
3-
التواصل اللمسي والشمي والذوقي والبصري والسمعي
إلى درجة نستطيع فيها إبعاد أنساق دلالية غير لفظية أخرى قائمة أيضا على السمع
والبصر.
4-
التواصل الشيئي:
هي الأنساق القائمة على أشياء يروضها الإنسان وينتجها ويستعملها: ثياب وحلي وزخارف
وأدوات مختلفة وآلات بناء من كل نوع وموسيقى وفنون رمزية.
5-
التواصل المؤسسي:
المقصود به كل أنواع التنظيمات الاجتماعية وبالتحديد كل الأنساق المتصلة بروابط
القرابة والطقوس والأعراف والعادات والنظم القضائية والديانات والسوق الاقتصادي.24
ويمكن تقسيم هذه الأنساق إلى قسمين:
القسم الأول عبارة عن أنساق دلالية عضوية يحيل
على جسم الإنسان أي العضوية الإنسانية ‹ حركات الأجسام والموضعية والحواس الخمس›
أما القسم الثاني فيحتوي على أنساق دلالية أحاثية أي أن الإنسان يقوم بسلوك بواسطة
شيء، وهذه الأشياء خارجة عن العضوية الإنسانية. أما السيميوطيقي الإيطالي أومبرطو
إيكو
Umberto Eco
فإنه يقسم الأنساق الدلالية إلى ثمانية عشر نسقا. وينطلق في هذا التصنيف من الأنساق
التواصلية التي تبدو في الظاهر أكثر طبيعية وعفوية، أي أقل ثقافيا وصولا إلى
العمليات الثقافية الأكثر تعقيدا. وهذه الأنساق هي:
1-
سيميوطيقا الحيوان
zoo sémiotique:
ويخص الأمر بالسلوكات المتصلة بالتواصل داخل الجماعات غير الإنسانية، وبالتالي،
الجماعات غير الثقافية؛
2-
العلاقات الشمية:
كالعطور مثلا؛
3-
التواصل اللمسي:
كالقبلة والصفعة؛
4-
سنن الذوق: ويتعلق
الأمر بممارسة الطبخ؛
5-
العلامات المصاحبة لما هو لسانيParalinguistique:
كأنماط الأصوات في ارتباطها مع الجنس والسن والحالة الصحية... ومثل العلامات
المصاحبة للغة كالكيفيات الصوتية( علو الصوت ومراقبة العملية النطقية...)
وكالصوتيات ( الأمزجة الصوتية: الضحك والبكاء والتنهدات)؛
6-
السيميوطيقا الطبية:
وهي تبين لنا علاقة الأعراض بالمرض؛
7-
حركات الأجسام والإشارات الدالة على القرب:
ويتعلق الأمر باللغات االإشارية الحركيةGestuels؛
8-
الأنواع السننية الموسيقية؛
9-
اللغات الرمزية أو المشكلنة
Formalisis:
مثل الجبر والكيمياء وسنن الشفرةMorse؛
10-
اللغات المكتوبة والأبجديات المجهولة والأنواع
السننية السرية؛
11-
اللغات الطبيعية:
مثل اللغة العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية؛
12-
التواصل المرئي:
مثل الأنساق الخطية واللباس والإشهار؛
13-
نسق الأشياء: مثل
المعمار وعامة الأشياء؛
14-
بنيات الحكي والسرد؛
15-
الأنواع السننية الثقافية:
مثل آداب السلوك والتراتبات والأساطير والمعتقدات الدينية القديمة؛
16-
الأنواع السننية والرسائل الجمالية:
مثل علم النفس والإبداع الفني والعلاقات بين الأشكال الفنية والأشكال الطبيعية؛
17-
التواصل الجماهيري:
مثل: علم النفس وعلم الاجتماع والبداغوجيا ومفعول الرواية البوليسية والأغنية؛
18-
الخطابة.25
تلكم هي أهم الآليات التواصلية التي تتعلق بلسانيات
التواصل اللفظي وغير اللفظي ، وهي أساسية في تفكيك الخطابات كيفما كانت وتركيبها من
جديد.