ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

أحمد عبد المعطي حجازي - مصر

الشعر في حياتنا
شعر المصريين‏!

‏أحمد عبدالمعطي حجازي - مصر

 

حين نضع أمامنا شعر المصريين في القرن العشرين‏,‏ ماذا نجد؟ حين نقرأ هذا الشعر‏,‏ ونتأمل مسيرته‏,‏ ونتابع أطواره‏,‏ ما هي الدوافع التي نري أنها حركته‏,‏ والعقبات التي واجهته‏,‏ والأسئلة التي ألحت عليه‏,‏ والرسالة التي آلي علي نفسه أن يحملها للمصريين ولغير المصريين؟ إن بعض الاجابة في الشعر ذاته‏,‏ لكن بعضها الآخر في الواقع الذي كان هذا الشعر بجميع صوره وتجلياته تعبيرا عنه وحوارا معه وانفعالا به‏.‏

لقد ظهر هذا الشعر في زمن مصري بالذات‏,‏ الزمن الذي شهد تجربتنا في الخروج من عصور الانحطاط واللحاق بالعصور الحديثة‏,‏ تجربتنا في مراجعة تاريخنا‏,‏ واستعادة فضائلنا وفهم ما يحيط بنا‏,‏ في إحياء اللغة الفصحي من ناحية‏,‏ وتحديثها من ناحية أخري‏,‏ في امتلاك التراث العربي القديم وهو تراث ديني أممي واتخاذه أساسا لتراث وطني جديد يستجيب لحاجات المصريين بوصفهم مواطنين ويلبي مطالبهم الدنيوية‏,‏ ويتصل فيه نشاطهم العقلي بنشاطهم الروحي‏,‏ ويتسع لثقافات الأمم الأخري كما يتسع لثقافة الأسلاف الغابرين‏.‏ في إطار هذا المسعي بما ازدحم فيه من قوي متصارعة ومصالح متضاربة وتيارات مختلفة‏,‏ وبما تحقق فيه من انتصارات وما وقع فيه من هزائم نهض الشعر في مصر‏,‏ وأنجز الشعراء المصريون ما أنجزوه‏.‏

كان عليهم أولا أن يختبروا صحة ما ألقته في روعهم الثقافة العربية القديمة التي زعمت أن كل شيء قد تحقق في الماضي‏,‏ وأن القدماء لم يتركوا للمحدثين شيئا‏.‏ وقد شككهم في هذه الأسطورة أن بلادهم انفتحت علي عالم لم تكن تعرفه من قبل‏,‏ واكتشفت زمنا غير الزمن‏,‏ وعرفت أن ما تحقق في الماضي لا يقاس الي ما تحقق في الحاضر‏,‏ فهل يستطيع البارودي أن يكذب عنترة ويثبت له أن معين الشعر لم ينضب‏,‏ وأن الآواخر يستطيعون أن يسابقوا الأوائل‏,‏ ويستطيعون أن يسبقوهم؟

لكن الشعراء المصريين كانوا يعلمون أنهم لا يستطيعون أن يزاحموا القدماء إلا وهم مستندون لما أنجزه القدماء‏,‏ ولا يستطيعون أن يكونوا أوفياء لحياتهم الجديدة إلا اذا كانوا أوفياء لتراثهم القديم‏,‏ عليهم إذن أن يمتلكوا اللغة التي نظم بها امرؤ القيس وأبونواس والمتنبي‏,‏ وعليهم في الوقت ذاته أن يخرجوها من تقاليدها الجامدة وبداوتها الموروثة لتكون لغة للمصريين في هذا العصر الحديث‏.‏ ولقد نجح شعراء الإحياء المصريون في تحقيق الكثير مما سعوا لتحقيقه‏,‏ فاللغة التي تسلموها في أواسط القرن التاسع عشر ركيكة فاسدة لا تكاد تسمي شيئا‏,‏ ولا تكاد تفصح عن فكرة أو عاطفة انتهت الي أن تكون تلك اللغة الحية المشرقة التي تشير وتخبر وتسمي وتصف وتشعر وتفكر وتصور وتعبر‏,‏ كما نجدها في جانب كبير من شعر البارودي وشوقي وحافظ ومطران‏.‏

ولاشك أن شعراء الاحياء لم يكونوا موهبة واحدة‏,‏ ولم تكن قدراتهم متساوية‏,‏ ولاشك أنهم كانوا يعملون تحت ضغوط متضاربة‏,‏ فمن الطبيعي أن يتقدموا مرة ويتعثروا مرة‏,‏ لكنهم حققوا نجاحا لا نستطيع أن نقدره إلا اذا تمثلنا طبيعة المرحلة التي ظهروا فيها‏,‏ لقد أنجزوا ما أنجزوه في اطار العمل الذي انخرط فيه المصريون جميعا لتحقيق النهضة‏.‏ والذين ينعون علي شعراء الاحياء انهم كانوا شعراء إحياء ولم يكونوا شعراء حداثة‏,‏ متحذلقون ثرثارون يتحدثون حديثا مجانيا لا علم فيه ولا مسئولية‏.‏

ليس الشعر هذيانا غير مسئول‏,‏ وليس لعبا خارج التاريخ‏,‏ وانما هو نشاط عقلي مشروط بشروط الواقع التي يعرف الشاعر الحقيقي أن يميز فيها بين الباقي والعابر‏,‏ ما ينبغي أن يلتزمه فيها وما ينبغي أن يخرج عليه ويتحرر منه‏.‏

والشعر المصري في هذا العصر الحديث لم يكن شعر احياء فحسب‏,‏ وانما كان احياء في زمن الاحياء وتجديدا في زمن التجديد‏,‏ وكما نجح الاحيائيون المصريون في اعادة الروح للقصيدة العربية نجح المجددون المصريون في تجديدها‏.‏

لم يكن التجديد في مصر نزعة فردية‏,‏ ولم يكن نشاطا مستقلا بذاته منفصلا عن غيره‏,‏ وانما كان التجديد نزعة عامة ونشاطا مرتبطا بغيره من صور النشاط الثقافي والنشاط الوطني بشكل عام‏,‏ وهو إذن طور آخر متقدم من أطوار النهضة المصرية‏.‏

جماعة الديوان التي خرجت علي تقاليد الكتابة الشعرية العربية متأثرة بما قرأه شعراؤها للرومانتيكيين الانجليز هذه الجماعة بدأت نشاطها مع بدايات القرن العشرين في الوقت الذي نشطت فيه الدعوة للخروج من الاحتلال البريطاني والتبعية العثمانية‏,‏ وتجديد الفكر الديني‏,‏ وتحرير المرأة‏,‏ وتكوين النقابات‏,‏ وإلغاء السخرة‏,‏ وانشاء الجامعة‏,‏ وإعلان الدستور‏.‏

في هذا المناخ ولدت الرومانتيكية المصرية التي كانت تعبيرا عن ظهور شخصية الفرد وانسلاخه عن الجماعة‏,‏ وولادة الطبقة الوسطي الحديثة وانخراطها في العمل العام‏,‏ ولاشك أن رومانتيكيين آخرين ظهروا في هذه الفترة ذاتها في بلاد عربية أخري‏,‏ خاصة سوريا ولبنان‏,‏ لكن هؤلاء كانوا أفرادا‏,‏ ولم تكن شروط الواقع الذي ظهروا فيه مستعدة لقبولهم‏,‏ ولهذا اضطر معظمهم للهجرة فلم يتبلور نشاطهم إلا في المهاجر‏.‏

وقد ازدهرت الرومانتيكية المصرية وتفاعلت مع روح العصر وتطور المجتمع‏,‏ وأثبتت قدرتها علي تجديد القصيدة العربية شكلا وموضوعا‏,‏ بل أثبتت قدرتها علي تجديد نفسها‏,‏ فلم يكن الشعراء الرومانتيكيون المصريون جيلا واحدا‏,‏ بل كانوا ثلاثة أجيال متعاقبة ظهر أولها قبل الحرب العالمية الأولي بسنوات‏,‏ وظهر آخرها عقب الحرب الثانية‏.‏

إلا أن الرومانتيكية المصرية لم تكن مجرد حركة محلية‏,‏ وانما اتسعت لتضم الرومانتيكيين في مختلف الأقطار العربية‏,‏ كما فعلت جماعة أبوللو‏,‏ فضلا عن أنها لم تكن حركة شعرية فحسب‏,‏ وانما كانت حركة ثقافية شاملة انتقلت من الشعر الي النثر‏,‏ ومن الآداب الي الفنون‏.‏

وما يقال عن الدور الذي لعبه الشعراء المصريون في الحركتين السابقتين‏,‏ يقال عن دورهم في حركة الشعر الحر‏.‏

لقد بدأ المصريون محاولاتهم في تجديد أوزان الشعر في عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته‏,‏ كما نجد في المحاولات الأولي لأحمد زكي أبوشادي‏,‏ وبعدها في محاولات خليل شيبوب‏,‏ حتي نصل في الأربعينيات الي المحاولات الناضجة التي قدمها علي أحمد باكثير‏,‏ ولويس عوض وعبدالرحمن الشرقاوي‏,‏ وسبقوا بها زمنيا وفنيا المحاولات الأولي للشعراء العرب الآخرين‏,‏ ومن ثم يظهر جيل الخمسينيات ليدخل مع الشعراء والنقاد المحافظين معركة التجديد الفاصلة التي كان لابد أن تحسم في مصر أولا حتي تحسم في بقية الأقطار العربية‏.‏

 

(نقلاً عن الأهرام)

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا