ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

أحمد عبد المعطي حجازي - مصرالشعر في حياتنا‏(1)‏
‏أحمد عبدالمعطي حجازي - مصر
 

استقر رأينا في المجلس الأعلي للثقافة علي أن يكون هذا العنوان هو موضوع المؤتمر الأول الذي سنعقده للشعر العربي هذا العام‏.‏ وكان الأستاذ نجيب محفوظ ـ طال عمره ودام مجده ـ قد دعا في كلمته التي افتتح بها مؤتمر الرواية في العام الماضي الي مؤتمر للشعر يعقد كل عامين بالتتابع مع مؤتمر الرواية‏,‏ عام لكل منهما‏.‏ وقد تحمس الفنان فاروق حسني وزير الثقافة ورئيس المجلس الاعلي للفكرة‏,‏ ورحب بالمشروع الذي اعدته لجنة الشعر في المجلس الأعلي‏,‏ واقترحت فيه أن يعقد المؤتمر الأول للشعر في نوفمبر القادم تحت عنوان الشعر في حياتنا‏.‏

نعم‏,‏ هذا هو العنوان الذي استقر رأينا عليه‏,‏ فمادام المؤتمر القادم هو أول مؤتمر‏,‏ فلابد أن يكون موضوعه هو أول موضوع يرد علي الخاطر حين نتحدث عن الشعر‏.‏ نحن نسأل عن مكان الشعر في حياتنا‏.‏ أو عن حاجتنا للشعر‏.‏

ما الذي يمثله الشعر لنا؟ ولماذا الشعر؟
لأن الشعر لغتنا الأولي‏,‏ أو نطقنا الأول‏.‏ ونحن لانتحقق الا باللغة‏.‏ لانكون بشرا إلا حين ننطق‏,‏ أي حين نحس ونفكر ونعقل‏,‏ وحين نحتاج لأن نتمثل مانراه وما نسمعه ونلمسه ونتصوره ونتذكره ونتوقعه ونحلم به‏,‏ فننطق باسمه ونعبر عنه‏,‏ ونشعر حينئذ أننا استحوذنا عليه وامتلكناه‏,‏ وأصبح بوسعنا أن نستعيده لأنفسنا‏,‏ وننقله لغيرنا ونورثهم إياه‏.‏ أي صار بوسعنا أن نحوله إلي خبرة وثقافة‏,‏ وأن نعيشه كلما شئنا من جديد‏.‏

ولا أظن أن حاجتنا للغة هي مدار السؤال‏.‏ نحن جميعا نعرف أن الانسان لايتحقق الا باللغة‏,‏ فالانسان حيوان ناطق‏.‏ لكن لماذا الشعر؟ ولماذا لانستغني عن الشعر بالنثر أو حتي بلغة الاتصال اليومية؟

الاجابة بسيطة‏,‏ وإن لم ينتبه لها الكثيرون‏,‏ فالانسان في حياته العادية ليس هو نفسه في حياته الخاصة‏,‏ وفي لحظاته الفريدة وتجاربه العميقة التي يعيشها بمفرده أو يعيشها مع الآخرين‏.‏ وكما تتعدد تجارب الانسان وتتنوع وتوقظ فيه من القوي والملكات‏,‏ تتعدد استعمالاته للغة وتتنوع‏.‏ فاللغة التي نستخدمها في السوق غير اللغة التي نستخدمها في أداء الشعائر الدينية‏.‏ والكلام الذي نخاطب به سوانا غير الكلام الذي نحدث به أنفسنا‏.‏

نحن في حياتنا اليومية لانستخدم من اللغة الا مايكفي لتحقيق الاتصال العادي أو قضاء الحاجات البسيطة التي تعودنا أن نقضيها كل يوم‏.‏ ولو احصينا عدد الكلمات التي يستخدمها معظمنا في حياته اليومية لما زادت عن مائتي كلمة هي قاموسنا المحفوظ الذي نعبر به عما هو شائع مشترك بيننا‏.‏

ولاشك أن هناك مستويات من اللغة أرقي وأغني من هذا المستوي نستخدمها في مناقشاتنا السياسية‏,‏ واتصالاتنا الفكرية‏,‏ وكتاباتنا النثرية علي اختلاف اشكالها‏.‏ لكن الشعر مستوي آخر‏,‏ أو هو بعبارة أدق لغة أخري‏.‏

الشعر لغة أخري‏,‏ لأنه ليس اللغة المستعملة كل يوم علي ألسنة الجميع‏,‏ وإنما هو لغة قائله‏.‏ لغة انسان بعينه‏,‏ في لحظة بعينها‏,‏ وفي تجربة بالذات يعيشها هذا الانسان بكل كيانه‏,‏ فينطق بما يختلج به جسده‏,‏ ويخفق قلبه‏,‏ وبما يتراءي له من صور ويعن له من أفكار‏.‏

الشعر هو هذه اللغة الساحرة التي نتغني بها ونهتز علي ايقاعها ونتصل فيها بالطبيعة ونملك الزمان والمكان‏.‏ هو هذه اللغة الشاملة التي نتمثل بها أنفسنا‏,‏ ونقبض علي العالم ونصطاد كل مافيه من موجودات‏,‏ لأنها لغة ناطقة مصورة مفكرة تجمع بين الماضي والحاضر‏,‏ والخيال والواقع‏,‏ والحلم والحقيقة‏,‏ والمعقول واللامعقول‏.‏

التجارب الانسانية تختلف‏,‏ والتعبير عنها يختلف أيضا‏.‏ تجاربنا العملية في السوق والحقل والمكتب والمصنع شيء وتجاربنا الروحية والعاطفية شيء‏,‏ آخر‏.‏ ونحن جميعا نعرف الحب والخوف والحزن والفرح‏,‏ لكن الشاعر وحده هو الذي يستطيع أن يقول لحبيبته ما قاله الشاعر العربي القديم‏:‏
يشتاق قلبي إلي مليكة
لو أمست قريبا ممن يطالبها
ياليتني ليلة إذا هجع الناس‏,‏
ونام الكلاب صاحبها
في ليلة لايري بها أحد
يسعي علينا الا كواكبها‏!‏
وقد يظن بعضنا ان الشاعر لم يقل في هذه الأبيات إلا ما يستطيع كل منا أن يقوله إذا أحب امرأة لايستطيع لقاءها‏,‏ فهو يتمني أن تكون قريبا منه‏,‏ وأن يلقاها حين يأوي الناس هم وكلابهم للمضاجع‏,‏ فلايراه أحد‏,‏ ولا ينبحه كلب‏,‏ ولايبقي ساهرا مع الحبيبين المتعانقين إلا النجوم السيارة‏!‏

لكن الذين يظنون هذا الظن ليسوا علي حق‏.‏ فقد تجاوز الشاعر هذه المعاني القريبة التي استخلصناها في السطور السابقة‏,‏ وذهب إلي ماهو أبعد منها وأعمق وأغني‏.‏

إنه في البيت الأول لايشتاق إلي مليكة فحسب‏,‏ ولايطلبها فقط‏,‏ وإنما يطالبها‏.‏ وهي صيغة تدل علي الموالاة‏,‏ والمواصلة‏,‏ والمتابعة‏.‏ فهو متعلق بها رغم بعده عنها‏.‏ يتمني لقاءها ويداوم التفكير فيها‏.‏ كأنما يبحث عن مجهول‏,‏ أو يطارد المستحيل‏,‏ أو يصارع القدر الذي يحول بينه وبينها‏.‏

وهو في البيت الثاني يضع الكائنات كلها‏,‏ البشر وغير البشر‏,‏ في طرف من العالم‏,‏ ويقف هو في الطرف الآخر وحده ينتظر مليكة‏,‏ ويتمني أن تلحق به‏.‏ ان النهار في هذا البيت هو زمن الجميع‏.‏ زمن القبيلة وكلابها‏,‏ أما الليل فزمن اثنين لا ثالث لهما‏!‏

ثم نصل إلي البيت الأخير الذي يتحقق فيه الحلم وينفرد الشاعر بحبيبته في فردوس معلق بين السماء والأرض ترعاهما فيه النجوم‏!‏

والإضافة التي تتحقق في الشعر ليست مجرد إيحاءات أو تداعيات معنوية يخاطب بها الشاعر عقولنا‏,‏ وانما هي أيضا اصوات وأصداء ونغمات وايقاعات يخاطب بها اجسادنا الذكية الطروب‏.‏ وهكذا نجد في الشعر أنفسنا‏,‏ ونتلقاه بكياننا كله‏,‏ ونتلقي العالم في القصيدة دفعة واحدة‏,‏ كأنما نفتح عيوننا علي مشهد رائع بعد نوم طويل‏.‏

لهذا نحتاج الي الشعر ولانستغني عنه‏.‏ لأنه كما قلت لغة مركبة تؤدي مالانستطيع أن تؤديه أي لغة أخري أو أي فن آخر‏.‏

الفنون التي لاتستخدم اللغة لاتستطيع أن تفصح عما تتضمنه من أفكار كما يفصح الشعر‏.‏ قد تصور وضعا أو تجسد شخصية أو تعبر عن فكرة‏,‏ لكنها تفعل ذلك ضمن حدود لاتتعداها‏,‏ لأن المادة الأولي التي يستخدمها الرسام أو النحات أو الموسيقي لاتعني ماتعنيه المادة التي يستخدمها الشاعر وهي اللغة‏.‏

الألوان‏,‏ والأحجار‏,‏ والأصوات قبل أن يستخدمها الفنان لاتحمل أي معني‏.‏ لكن الكلمات التي يستخدمها الشاعر كانت محملة بالمعاني وهي لاتزال في المعجم‏.‏ من هنا نجد الشعر اقرب الينا من أي فن آخر‏,‏ لأن المادة التي يستخدمها الشاعر في كتابة قصيدته ملكية مشتركة بيننا وبينه‏.‏

والشعر بعد ذلك أقرب الينا من النثر‏,‏ لأنه يؤدي ما مايؤديه النثر‏,‏ ويزيد عليه مايختص به وينفرد‏,‏ وهو الموسيقي التي يصبح بها لغة أخري نفهمها ونغنيها‏.‏

 

(نقلاً عن الأهرام)

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا