الشعر
جزء حيوي من حياتنا
مرسي سعد الدين - مصر
هذا هو عنوان البرنامج الذي تقدمه جوزفين هارت في
المكتبة البريطانية في لندن, التي تعد من أهم
المراكز الثقافية في بريطانيا, جوزفين هارت
كاتبة وشاعرة من ايرلندا جاءت الي لندن منذ عشرين
عاما وبدأت سلسلة من القراءات الشعرية في
المكتبة, وقد كتبت منذ أيام مقالا عن تجربتها في
كيف جعلت الشعر جزءا حيويا من حياة الانجليز,
وتقول جوزفين في ايرلندا يعد الشاعر شخصا والسبب
هو أن الشعر جزء من تاريخ ايرلندا وأن العديد من
شعراء ايرلندا, كان لهم دور مهم في السياسة,
وعلي سبيل المثال فإن بيان ثورة وقعه العديد من
الشعراء وأود أن أضيف هنا أن شاعري الايرلندي
و.ب يانس له قصيدة مشهورة بعنوان ثورة1916 كما
أن العديد من الشعراء الآخرين ومنهم لادي جريجوري
كان لهم دور كبير في النهضة الأدبية سميت الثورة
الايرلندية واطلق عليه اسم الفجر الايرلندي.
ومنذ عشرين عاما بدأت جوزفين هارت في نظم تلك
القراءات الشعرية والتي يقدمها بلا مقابل كبار
الممثلين والممثلات الانجليز, وبالإضافة الي
القراءات, فإنها تعد كتبا عن كل شاعر تلقي
أشعاره كما تعدCD له, ويكون جمهور القراءات
عددا من تلاميذ المدارس والأفراد العاديين الذين
يأتون أحيانا من أماكن عملهم مباشرة, وتقول هارت
إنه من الطبيعي أن اسماء الفنانين المشهورين هي
التي تجذب هذا العدد الغفير من الحاضرين خاصة من
الشباب, ولكنها تضيف حقيقة أنهم يأتون بسبب
هؤلاء المشاهير ولكن بعد دقيقتين من القراءة
يشعرون أن ما يقدمونه يثير فيهم أحاسيس قوية,
وأن الفنان الذي يقرأ القصيدة يعطي لكل كلمة فيها
معني عميقا, كما أنه يعطيهم إحساسا بموسيقي
القصيدة مما يجعلهم بعد ذلك يهرعون للحصول علي
القصائد نفسها ويجدون لها معني آخر, بعد سماعهم
قراءات المشاهير,
فالطالب الشاب في حاجة الي من يلفت نظره الي ريتم
القصيدة, وهي تري أنه من الصعب أن تجد الكثير
ممن يعتقدون في خاصية الشعرetitism بسبب تفشي
الثقافة الشعبية, ولكنها تضيف اني لست ضد هذه
الثقافة ولكن فكرة صعوبة تقديم الجمهور الي أعظم
لغة استعملت في الكتابة( تقصد الشعر) خطأ
كبير, وعندي احساس أنه في وقت ما كان من الخطأ
السياسي الاهتمام بالشعر الجاد العظيم, وكثير من
المسئولين يعتقدون أنه من الأوفق الذهاب لمشاهدة
مباراة في كرة القدم, وأن ذهاب هذا المسئول
السياسي يقربه الي الجمهور أكثر من قضاء وقته في
نشاطات أدبية مثل قراءة الشعر, بل إن بعضهم يري
أن هذا خطأ كبير وتضيف مثل هذا الاحساس لا تجده في
ايرلندا فهناك اذا أردت الانصات الي شيء فاننا
نريد أن ننصت الي أرفع ما لدينا من أشعار يقدمه
لنا أشهر فنانينا.
وتعطي جوزفين أهمية كبري للممثلين وتقول إن
الشعراء العظام يكتبون ريتما معقدا فهناك ايقاع في
داخل كل قصيدة والممثل المتدرب في استطاعته أن
يعطي معني لذلك وبالاضافة الي ذلك فهناك البصيرة
السيكولوجية التي يملكها الممثل مما يجعله يشعر
بالقصيدة وهذا يجعل تجربة الانصات الي ما يقرأه
مثيرا للغاية, وتقول إن الكثيرين يقولون لها:
إني عرفت تلك القصيدة ولكن لم أفهمها حقا حتي سمعت
إنشادها, وهي تري أن صوت الشعر كقوة لكل ما هو
صالح يسري من شخص الي آخر وتذكر ما قاله الشاعر
الانجليزي فرومت إن الذهبي في السيكة هو الصوت
وتضيف هذا هو ما يفعله الشاعر, فالشاعر يبحث عن
الكلمة التي يستمر صداها طوال الزمن, وهذا لا
يحدث إلا حين نقرأ القصيدة بصوت مرتفع.
وتستمر جوزفين لتقول إن الذهاب الي المكتبة
للانصات لممثل يقرأ قصيدة ليس مجرد تحسين للنفس,
انه اعطاء نفسك الفرصة لتتعرف الي ما هو جمال
متوهج, واذا حرمت نفسك من ذلك فأنك تقوم تطوعيا
لمنع روحك من الحصول علي ما هو جميل, وأني أسأل
ما هو الذي يجعلنا بشرا؟ انه اللغة واللغة الشعرية
هي أكثر اللغات ندرة, انها مثل جوهرة لأن حكمة
الشاعر وبصيرته مضغومتان في هذه اللغة, انه لمن
المثير أن سطرا في قصيدة يدفع في عقلك عالما كاملا
مليئا بالتجارب, وقد يؤدي هذا إما إلي الهامك
بتجارب معينة أو أن تعتز بالتجارب التي تحتويها
تلك السطور.
وتري جوزفين أن التلاميذ الذين سيتلقون التسجيلات
ستقدم لهم الفرصة للتغيير, سيغيرون آراءهم عن
شعراءمثل ملتون وبراونج كما يغيرون من مواقعهم
تجاه الحياة نفسها, إنهم سيعرفوا أن الشعراء لا
يقبعون في أبراج عاجية إذ هناك احساس عام بأن
الشعراء ليست لديهم تجارب في الحياة ولكن الواقع
هو أن تجاربهم في الحياة أعمق من تجارب أي شخص
عادي, إنهم استطاعوا أن يحولوا تجاربهم في
الحياة الي شيء خالد.
هناك مثل انجليزي يقول إن الجمال في عيون الباصرين
وهذا يعني أن مفهوم الجمال يختلف من شخص الي
آخر, تذكرت ذلك المثل وأنا أتابع مناظرة نظمها
الوقف الوطني ـ وهو الهيئة المسئولة عن الحفاظ علي
تراث الدولة من قصور ومنازل وحدائق ـ وقد عقدت تلك
المناظرة في الجمعية الجغرافية الملكية وكان
عنوانها هل أصبحت بريطانيا غير عابئة بالجمال وقد
كان هناك من أيد هذه المقولة والبعض الآخر
عارضها, وقد تكون فريق المؤيدين من دافيد ستاركي
وهو من كبار المؤرخين وله برامج تليفزيونية يقدم
فيها تاريخ بلده ومعه روجر سترونون وهو استاذ
فلسفة له ثلاثون مؤلفا, وكان في جانب المعارضة
جرمين جرير استاذة الأدب الانجليزي ومؤلفة كتابين
آثارا جدلا واسعا ما هي المرأة؟ وما هو الرجل؟
ومعها ستيفن مايلي الناقد الفني لجريدة
الأوبزرفر.
وكالعادة في المناظرات بدأ ستاركي بحكم أنه يؤيد
الافتراض, وهو يري أن الفن أساسه الجمال والنظام
والاتقان, ويذكر نموذجا لذلك أطقم الصيني
المشهورةwedgwood ويقول انها تجمع معرفة فنية
وتكنولوجية واسعة وقدرة واسعة علي التسويق وشعورا
حساسا لمفهوم الجمال والذي كان في قلب قدرته علي
التسويق والصناعة ويذكر ستاركي كلمة الفيلسوف
كانتKant بأن كلمة الجمال تعني العالمية, تعني
شيئا يشارك فيه الجميع شيئا يسر العين ويرضي,
ويضيف ستاركي أن الانجليز الآن نسوا مفهوم الجمال
العالمي وحل بدلا منه مفهوم ان الفن تعبير ذاتي
مما أدي الي ظهور فن قبيح بعيد كل البعد عن
الجمال, ويؤكد ستاركي أهمية الحفاظ بمفهوم
الجمال, وأكد أن الاهتمام بالجمال كان موجودا في
الماضي.
وقد ناقش مايلي مفهوم ستاركي وقال إن هناك الآن
مفهوما جديدا للحياة نجده في الكثير مما يصمم
الآن, فالجمال يوجد في التصميم سواء تصميم
المنازل أو الملابس, وهو يري أن الماضي ليس مجرد
شيء ننظر إليه من وقت الي آخر بل انه ركيزة
وتقاليد تبني عليها بفخر وعقيدة. وحين يدعي
ستاركي وزميله أن الانجليز لا ينشدون الجمال الآ ن
فإنهما يعنيان الجمال المعروف في الدوائر
الاكاديمية المنعزلة عن العالم اليومي, ويقول
مايلي ان ستاركي عرض صورة لتمثال فينوس لبوتشللي
وبجانبه صورة لاحدي الممثلات, يضيف لقد شرحت له
ان الموديل الذي استعمله الفنان الايطالي كانت
مومسا اسمها سيمونيتا, وأكد مايلي انتشار
جاليرات عرض الفنون في بريطانيا وعلي رأسها جاليري
تات, وقال إنه في العام الماضي زار ذلك
الجاليري5,2 مليون زائر67% منهم من
الانجليز, واستمر مايلي ليقول إن الجمال يمكن أن
يكون مجردا أو بريئا.
وتحدثت جرمين جرير فقالت ليس من حق أي شخص أن يعطي
لنفسه سلطة الحكم علي موقف الانجليز من الجمال,
وهو لا ينفصل عن الرقة والنضارة وسرعة الزوال فأنت
تراه في وجه الطفل المتورد والسحب في السماء
ومناظر الطبيعة التي تتميز بها انجلترا.
نقلاً عن الأهرام
|