ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

في بريطانيا‏..‏ سماحة الدين وتعصب العلمانية‏!‏
رجائي عطية - مصر

 

في محاضرة ألقاها روان ويليامز‏,‏ كبير أساقفة كانتربري‏,‏ نقلتها هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي‏,‏ لم يزد فيها عن الإشارة إلي أن الإفساح لبعض أوجه الشريعة الإسلامية في بريطانيا أمر لا مفر منه‏,‏ وأنه يحسن بالبريطانيين أن يتعاملوا مع الشريعة الإسلامية بذهن منفتح‏,‏ قاصرا دعوته علي المسائل المتعلقة بالزواج والطلاق والمسائل المالية‏.‏ ومع هذا فلم يكد رئيس الأساقفة يبدي دعوته بالغة الاعتدال والموضوعية‏,‏ حتي قامت الدنيا في بريطانيا ولم تقعد‏,‏ وبرغم توضيحاته وتأكيده علي موقعه علي الانترنت أنه لم يقترح ابدا ايجاد نظام قانوني اسلامي مواز للقوانين البريطانية‏ وأنه استهدف بدعوته تخفيف بعض المشكلات الواسعة المحيطة بحقوق الجماعات الدينية التي تعيش داخل دولة علمانية‏,‏ وهو ما سبقت إليه مصر منذ قرن من الزمان بالنسبة للأحوال الشخصية لغير المسلمين‏,‏ إلا أن هوجة الاحتجاجات والانتقادات البريطانية العنيفة علي دعوة رئيس أساقفة كانتربري لم تهدأ في بلاد الدعوة إلي احترام حقوق الإنسان‏,‏ وألصقها ما تعلق بأحواله الشخصية من زواج وطلاق وميراث‏,‏ وتأججت موجة هذه الاحتجاجات العنيفة وسط الحكومة البريطانية‏,‏ وشارك فيها وزير الثقافة ووزيرة الداخلية‏,‏ ودخل الحلبة زعيم حزب المحافظين المعارض‏,‏ وبعض الوزراء السابقين‏,‏ والمدير الوطني لجماعة الصوت المسيحي‏,‏ وهدد الإنجيليون الأستراليون بشن حرب علي دعوة كبير أساقفة كانتربري الذي لم يحمه موقعه الكنسي الكبير من دخول بعض رجال الكنيسة الي حلبة الاحتجاج والنكير عليه‏,‏ بينما طالب ممثل حزب الاستقلال البريطاني في عضوية برلمان الاتحاد الاوروبي صاحب الحملة الاخيرة علي حقوق الانسان في مصر‏-‏ طالب باستقالة الدكتور روان ويليامز رئيس الأساقفة من منصبه‏ متهما إياه بأنه لا يفقه مهمته وغير جدير بمنصبه كبيرا لأساقفة كانتربري‏,‏ ولا يستحق ـ هكذا‏!‏ ـ أن يكون عضوا في مجلس اللوردات البريطاني‏..‏ بلغت الاحتجاجات والانتقادات البريطانية حدا من التطرف والعنف أدخل كبير الأساقفة في حالة صدمة عبر فيها عن دهشته الشديدة جدا لردود الأفعال المعادية التي أعقبت دعوته‏,‏ وعن استيائه الشديد من التفاسير الهيستيرية لدعوته التي لم تستهدف سوي تشجيع ورعاية التلاحم الاجتماعي بضرورة اعطاء مسلمي بريطانيا البالغ عددهم‏1,7‏ مليون مسلم‏,‏ حرية اختيار التعامل في المسائل المدنية‏,‏ مثل قضايا الزواج والطلاق او المسائل المالية‏,‏ بموجب اجراءات وفق الشريعة الاسلامية او وفق النظام القانوني الحالي‏,‏ فلا ينبغي ان يكون المسلمون مضطرين للاختيار بين بدائل قاسية بين الولاء الثقافي للمعتقد الديني أو للدولة التي يعيشون فيها‏!‏

ما ثار عليه البريطانيون المتشحون بحقوق الإنسان‏,‏ مأخوذ به في مصر المتهمة بالطائفية منذ قرابة قرن من الزمان في كل ما يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين‏..‏ يحتكمون برغم الغالبية الاسلامية ـ لقوانين شريعتهم‏,‏ وأقر النظام القانوني في مصر‏,‏ وأيدت محكمة النقض‏,‏ وجوب تطبيق لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس الصادرة عن بطريركية الأقباط الأرثوذكس واقرها المجلس الملي العام بجلسته في بشنس سنة‏1654(‏ قبطية‏)‏ الموافق‏9‏ مايو‏1938‏ م‏..‏ لم تجد مصر الاسلامية بأسا من معاملة غير المسلمين بمقتضي شريعتهم في الزواج وما يتعلق به‏,‏ وفي الطلاق‏,‏ وفي المهر والجهاز‏,‏ وفي ثبوت النسب‏,‏ وفيما يجب علي الولد لوالديه وما يجب له عليهما‏,‏ وفي النفقات‏,‏ والولاية الشرعية‏,‏ وفي الغيبة‏,‏ والهبة‏,‏ والوصية‏,‏ وفي الميراث‏,‏ لم يهب احد من ابناء الاسلام المتهم بالعنف والتطرف للاعتراض علي ما تعارفت عليه مصر منذ عشرات السنين واقرارها تطبيق تشريعات الاحوال الشخصية لغير المسلمين‏.‏ اين هوجة الاحتجاجات البريطانية العنيفة من هذا التسامح المصري والاسلامي الذي عاش به النسيج المصري رغم كل أعاصير الدس وافتعال ما يثير الاحتقان؟‏!‏

السلطات المدنية هي التي أقرت في مصر معاملة غير المسلمين في أحوالهم الشخصية‏,‏ طبقا لشريعتهم‏,‏ وهو إقرار قديم جدا‏,‏ ومنذ أمد بعيد‏,‏ عاودت مصر الدولة للتأكيد عليه‏,‏ وتدريس مادته في كليات الحقوق بالجامعات المصرية‏,‏ بمناسبة الغاء المحاكم الشرعية والمجالس الطائفية الموازية التي كانت تفصل في مسائل غير المسلمين‏,‏ واقرت السلطات المصرية لائحة البطريركية للأقباط الأرثوذكس‏,‏ وتبعتها لاحقا بالتصديق علي اللائحة الداخلية للمجلس الانجيلي العام في مصر‏,‏ وتعاملت مصر الدولة ومصر الناس بأغلبيتهم المسلمة‏,‏ مع هذا الملف تعاملا بالغ السماحة والعقلانية‏,‏ ولم يعترض المسلمون ولا رجال الدين وشيوخ الازهر‏,‏ ولم يقل احد مثلما يقول الانجليز اليوم ان ذلك تجزئة او ازدواج في النظام القانوني المصري العام‏,‏ ولم يقل احد مثلما يقول الانجليز اليوم ان من لا يرتضي تطبيق النظام المصري العام في احواله الشخصية المحكومة عقلا ومنطقا بعقيدته ودينه وشريعته ـ عليه ان يغادر مصر وأن يبحث لنفسه عن مكان آخر يعيش فيه‏!‏

من اللافت للنظر في بريطانيا‏,‏ ان التسامح الديني شع وصدر من رجل دين يشغل منصب رئيس اساقفة كانتربري‏,‏ وان يضيق ويتصلب ويتعصب اصحاب السلطة المدنية والعلمانيون الذين تصاعدت حملتهم الهيستيرية ودخلت في ابعاد تثير الاحتقان بين الأديان‏,‏ وتجاوز في هيستيريتها ما أبداه رجل الدين الذي لم يقل ما يبرر مسارعة رئيس الوزراء البريطاني الي التشديد علي ضرورة تطبيق القانون البريطاني بالاستناد الي القيم البريطانية‏,‏ مع أن رئيس الأساقفة لم يتطرق الي شئ من ذلك الذي انفعل عليه رئيس الوزراء ومن جري مجراه‏!,‏ الفارق في تقديري بين سماحة رجل الدين وتعصب الساسة والعلمانيين‏,‏ ان الأديان في أصولها تقوم علي التسامح‏ ولا تتحدث بلغة المصالح وأهدافها ومآربها‏,‏ الأمر مختلف في إطار السياسة والاقتصاد‏,‏ فقوامهما ولغتهما المصلحة‏,‏ وكثيرا ما تضيق المصلحة بالمبادئ فتعطيها ظهرها وتجافيها ولا تجد بأسا في محاربتها ظاهرا وباطنا‏,‏ إن لم تستطع مواجهتها التفت حولها‏!‏ ذات هذه الحقيقة عبر عنها الازهر الشريف بلسان وكيله في ترحيبه ببادرة كبير اساقفة كانتربري وما تعطيه من جو التسامح الديني وفرص الحوار الموضوعي العقلاني بين الاديان‏,‏ وهو موقف ليس غريبا عن هذه الكنيسة التي ألقي رئيس اساقفتها السابق محاضرة منذ نحو عشر سنوات بالازهر الشريف شفت عن روح التفاهم والإخاء والتسامح بين الأديان‏,‏ بينما نري تصريحات متحسبة للمسلمين الذين اكتووا هناك في الغرب بفوبيا الشريعة الاسلامية التي اخذت تحاضرهم بمشاعر وتصرفات عدائية‏,‏ فلا تزيد ردود افعالهم عن التعبير عن الامتنان لاهتمام رئيس اساقفة كانتربري بالمسلمين في بريطانيا وقضاياهم‏,‏ او الترحيب الحذر بها وبما تمثله من دعم الاحترام والتسامح بين العقائد والأديان‏,‏ بينما يبدو المجلس الاسلامي هناك اكثر حذرا وحرصا علي اعلان رفضه فكرة قيام نظام قانوني مزدوج في بريطانيا‏..‏ هذا الرفض تبدو فيه لغة السياسة‏,‏ لأن صاحب الاقتراح نفسه لم يدع الي نظام قانوني مزدوج في بريطانيا‏,‏ وانما دعا فقط الي معاملة المسلمين هناك بمقتضي اجراءات شريعتهم فيما يتعلق بأحوالهم المدنية مثل قضايا الزواج والطلاق أو المسائل المالية‏.‏

هذا الانفعال البريطاني بفارق العقل والمنطق‏,‏ فالعالم كله شرقا وغربا يقر بأن ما اتصل بالأحوال الشخصية من زواج وطلاق وميراث ووصية وغيره‏,‏ مستمد لدي معظم الخلق من شرائع عقائدهم‏,‏ ولاتزال تعقد في الغرب‏,‏ وفي بريطانيا‏,‏ زيجات كنسية يفضلها المتدينون هناك علي الزواج المدني‏,‏ فلا ينفعل المسئولون‏,‏ ولا يهتاج العلمانيون‏,‏ ولا يدعي احد ان هذا ازدواج يأباه النظام البريطاني‏,‏ إقرارا بحقيقة تعلو العلمانية وتقرها الاديان كل للآخر‏,‏ بأن ما اتصل بحالة الانسان المدنية الشخصية‏,‏ نابع من عقيدته‏,‏ لا يملك احد بذات منطق العلمانية واقرارها للحرية‏,‏ ان يصادر عليه‏,‏ متروك له‏,‏ دون سواه‏,‏ ان يختار المدني او الكنسي‏,‏ اما الاحتجاج بأن المسلمين أقلية في بلاد الانجليز‏,‏ فهو احتجاج يناقض كل ما يدعو اليه الغرب ويدافع به عن حقوق الأقليات‏,‏ لا يملك من يتابع المشهد الانجليزي إلا ان يرفع القبعة احتراما لرجل الدين ومنطقه‏,‏ وان يدهش ويتولاه العجب من علمانية تدعي الحرية واحترام حقوق الانسان‏,‏ بينمنا تضبط متلبسة بتصلب وتعصب ضرير يملأون الدنيا صياحا بالكذب بأنه حال المسلمين‏!‏
 

‏rattia@ragaiattia.Com

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا