ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

الرجل الضاحك والكمبراشيكوس

عن نص لفيكتور هوجو

ترجمة : د. محمد قصيبات - سورية

 

"الرجل الضاحك" هو واحد من ثلاثة كتب لم أقرأها في يسر بل في قلق بدئي غريب ... إن كانت القراءة أمرًا ممتعًا فإن بعض الكتب تترك فينا شعورًا قد لا نقدر على فهمه... من تلك الكتب التي أقلقتني " الجحش الذهبي" لأبولوس وكتاب

  L’oeuvre au noir 

للفرنسية مارجريت يورسنار

والثالث هو كتاب

L’homme qui rit

للشاعر الفرنسي فيكتور هوجو

 

كتب هوجو "الرجل الضاحك" عام 1869 أثناء إقامته في منفاه على جزيرة "جيرزي" البريطانية القريبة من السواحل الفرنسية ، كان الشاعر في عامه الخامس والستين... في ذلك الوقت كان الطفل يشكل جزءًا مهمًا من كتاباته... كلنا يذكر شخصيات أطفال مثل "كوزيت" و"قافروش" في البؤساء... في كتاب الرجل الضاحك يروي فيكتور هوجو حكاية  الطفل "جوينبلين"  المشوه على صورة إنسان ضاحك مع الصغيرة العمياء... وحياته في القصور الانجليزية...

 يسبق هوجو الكتاب بمقدمة عن "الكمبراشيكوس"... والمقدمة مقلقة للغاية

 

 

(1)

 

من منا سمع بهذه الكلمة؟ من يعرف معناها؟ا

 

الكمبراشيكوس جماعة غريبة من الرحل أشتهرت في القرن السابع عشر ، وشرعت تسقط في النسيان في الثامن عشر، ويجهلها الكثيرون في قرننا هذا (التاسع عشر)

الكومبراشيكوس .. يشكلون جزءًا من القبح البشري ... حيث إرتبط اسمهم بالعبودية وتجارة الأطفال

يظن المؤرخون أنهم هم الذين باعوا يوسفَ عليه السلام لعزيز مصر ،  وتركت هذه الجماعة آثارها في القوانين  الأنجليزية والأسبانية مثلما  يترك حيوان متوحش آثاره في غابة من الغابات...

والكلمة أسبانية الأصل تعني  تجار الأطفال

 

 

(2)

 

لقد تاجرت الجماعة في الأطفال... أشترتهم وشرتهم ، ولكنها لم تسرقهم قط.. فسرقة الأطفال تجارة أخرى

وماذا كانوا يفعلون بالأطفال قبل بيعهم؟

كانوا يصنعون منهم مخلوقات مخيفة

ولماذا مخلوقات مخيفة؟

للضحك واللهو... فالناس في ذلك القرن كانوا في حاجة للضحك ، وكذلك الملوك

كان لابد من إعداد المهرجين للناس والبهلوان لجلالة الملك

 

(3)

 

إن يتحول الطفل إلى لعبة من أجل اللهو والضحك ذلك أمر حدث كثيرًا في تاريخ البشرية.. في بعض الأزمنة القاسية كان ذلك صنعة مربحة  ...والقرن السابع عشر الذي يسمونه بالعصر الذهبي كان من تلك الأزمنة... كان قرنًا بيزنطيًا حيث العفوية الفاسدة والقسوة تحت غطاء الاناقة... كان عصرًا من الحضارة الغريبة ... عصر السيدة "دوسيفيني" التي لم تشعر بالحرج في التغنج عند المحارق وغرف التعذيب... لقد أستغل أناس ذلك القرن الأطفال استغلالا كثيرًا... والمؤرخون الذين مدحوا ذلك القرن كان عليهم تغطية جراحه

 

في ذلك القرن كان علي الكمبراشيكوس أن يجهزوا أقزامهم في سنٍّ مبكرة... فالطفل المستقيم لانفع فيه ، أما الأحدب فكان تجارة رابحة للضحك واللعب واللهو. كان إعداد الأقزام المشوهين فنًا أبدع فيه المربيون.. يأخذون الطفل ويجعلون منه مسخًا ، وكذلك الوجه ليصنعوا خطمًا.. كانوا بفنهم الشيطاني يمنعون نمو الطفل ، ويصنعون المسخ حسب قواعد وفنون تعلموها.. كان التشويه علمًا قائمًا... لنا أن نتخيل جراحي العظام يعملون بطريقة معاكسة  ، يحولون السوي إلى مشوه.. كان بعض جراحي ذلك القرن هكذا ..فيما يضع الله البهاء في النظرات يصنعون هم الحول... أينما يضع الله التناسق يصنعون التشوه...إينما يضع الكمال ينشرون الفساد..

في عيون علمائهم كان القبح كمالا

لم يفعلوا ذلك الأمر مع الأطفال وحسب بل مع الحيوان أيضًا... لقد صنعوا الحصان الأبقع... وفي زمننا هذاالا يطلون الكلاب بألوان زرقاء وخضراء؟

 

 

(4)

 

الإنسان يأخذ من الحياة نموذجًا ينسخ عليه.. إنه يرغب دومًا الزيادة على ما خلق الله.. هاهوالإنسان يعيد صناعة الأشياء.. أحيانًا لخير البشرية وأحيانًا لهلاكها

لم يكن إعداد مهرجي الملوك إلا محاولة لإعادة الإنسان إلى قرد.. إنه التقهقر... إنها العودة بالإنسانية إلى الوراء... في الوقت ذاته يحاولون جعل القرد إنسانا: كان  لدوقة "كليفلاند" وكومتيسة "سوتمبتون" خادمًا لم يكن غير قرد من فصيلة "ساباجو" ، وكان في خدمة كومتيسة "سوتون" قردٌ يرتدي لباسًا من نسيج مقصب ٍ بالحرير والذهب...وكانت السيدة "دادلي" تنادي قردها هذا "أيها الزنجي" ، أما كومتيسة "دورشيستر" فكانت تذهب للبرلمان في عربة خلفها ثلاثة قرود .. وكانت دوقة "مديناكويلي" تلبس شخاشيرها اللحمية بمساعدة قردة من فصيلة "أوران أوتانج" ... هكذا كانت سيدات القصور، وهكذا كانت القرود تصعد درجات لتعادل البشر الذين كانوا يتحولون بدورهم إلى بهائم ، وكانت نقطة الالتقاء بين الناس والحيون عند لقاء الكلب بالقزم ، فالقزم لم يترك الكلب قط... لا في السيرك ولا في القصر.

 

إنحطاط الإنسان أوجب عليهم مسخه.. لقد تمكن علماء التشريح الحيواني في ذلك الوقت من تغيير وجه الإنسان الحامل لجمال الله .  لقد كتب الدكتور "كونكيست" عضو جمعية الأطباء  كتابًا بالاتينية يشرح فيه طرق تلك الجراحات التشويهية وفنونها ، وإذا صدقنا "جوستس كاريك فرجس" فإن مخترع تلك الجراحات هو قس يدعى "أفن مور"

 

(5)

 

كانت تلك الجراحات  لصنع المشوهين  تتم على شكل واسع ، وهي تصنف إلى عدة أنواع.

كان السلاطين وكذلك بابا الفاتيكان في حاجة لهؤلاء المشوهين... السلاطين يحتاجونهم لحراسة الحريم ، أما البابا فلطقوس الصلاة. كان على الجراحين في ذلك الوقت قطع الأطراف وفتح البطون... كان عليهم أن يتعلموا فنهم من الجلادين.

لم يكن السلاطين أو البابا فقط من بين زبائن الكمبراشيكوس ، كان من الملوك من يحتاج لديوك بشرية على الكمبراشيكوس إعدادهم بواسطة الجراحة ، كان من العرف في قصر الملك أن يكون ثمة رجل ليلي يصيح مثل الديك... كان للرجل دور الحارس الليلي وعليه أن يصيح كل ساعة ... ولكي يتمكن الرجل من تقليد الديك وأيضًا دقات الناقوس كان يجب أن تتم له في طفولته عملية جراحية على البلعوم ،  وكان كتاب الدكتور "كونكيست" يشرح تلك العملية بالتفصيل . تحت حكم شارل الثاني ، وبعد تقزز دوقية "بورموث" من اللعاب الناتج من مثل تلك العمليات ، أصدر الملك فرمانًا بوقف مثل تلك العملية الجراحية واستبدال الديوك البشرية حفاظًا على عادات القصر برجال عاديين للقيام بمثل هذا العمل الذي كان شرفًا لمن يقوم به... أن تكون ديك الملك كان أمرًا مشرفًا للغاية ،  لقد أعطي هذا العمل لأحد الضباط المتقاعدين.

أثناء حكم جاك الثاني ، كان هذا الموظف يدعى "وليام سمبسون كوك" وكان مرتبه السنوي عن ذلك العمل تسعة جنيهات وإثنين شيلنج حسب ماذكر الدكتور" شامبرلين" عام 1688

 

ما حدث في قصور إنجلترا حدث أيضًا في بيترسبورج وفي زمن ليس بالبعيد... في القرن الماضي كما جاء في مذكرات "كاترين الثانية" أن القيصر وزوجته كانا عند غضبهما من أحد الأمراء الروس يعاقبانه بإتخاذ وضع القطة  

  حيث يبقى الأمير في هذا الوضع عدة أيام يموء عند مدخل القصر ...  وكان الحراس يطلبون منه بين الحين والآخر تقليد صوت الدجاجة الحاضنة لبيضتها وأحيانًا تقليدها في التقاط الحبوب بمنقارها... كان عصرًا غريبًا حقًا.

 

(6)

في القرن السابع عشر كانت تجارة الأطفال مربحة ، كان الكمبراشيكوس  يشترون الأطفال ويشتغلون على تغييرهم وتشويههم قبل بيعهم، وكان الباعة من كافة الناس ...من الأب الفقير الذي لا يستطيع إطعام عائلته إلى السيد الذي يملك العبيد. بيع الناس في ذلك الوقت كان أمرًا سهلاً ، وهوحق مازال يطالب به البعض في زمننا هذا!

لقد باع نائب منطقة "هيس" في زمن ليس بالبعيد رجال منطقته إلى ملك أنجلترا لغرض إرسالهم للموت في أمريكا... كان الملك يبعث الرسل إلى نائب "هيس" لشراء البشر مثلما تشترى الشاة أوالبقرة من الجزار... الأمر سواسية ، وفي انجلترا تحت حكم "جفريس" بعد مغامرة "مونماوت" الفاشلة التي قطعت فيها رؤوس الكثير من الأسياد لم يجد "جاك الثاني" في الآرامل واليتامي إلا فرصة منحهن هدية إلى الملكة فما كان للأخيرة إلا بيع هؤلاء النسوة والأطفال ل"جيوم بين" ...الأمر الغريب لم يكن بيع الملكة لهؤلاء بل الغريب هو شراء "جيوم بين" للنسوة وأطفالهن، أما المؤرخون فقد وجدوا تفسيرًا للأمر حيث كانت منطقة "جيوم بين" نائية تحتاج لزيادة السكان... فكان ثمن النسوة اللاتي في سن الإنجاب عاليًا للغاية ، أما الأخريات فأشتراهن "جيوم بين" بثمن بخس.

 

(7).

 

لم يختف الكمبراشيكوس تماًما في هذا القرن ، لقد تمكن السنيور "رامون سيلي" من مواصلة مهنته بين عامي 1834 و1866 ، وكانت قصور إنجلترا  في عصر "جاك الثاني" في حاجة إليهم كلما لزم الأمر وكلما رغب الملوك في القضاء على بعض العائلات أو على الأقل بعض فروعها . كان الكمبراشيكوس قادرين على التشويه ولم يعتمدوا على القتل.. بالطبع كان هناك الأقنعة الحديدية التي لم تكن أمرًا سهلاً ... ولم يكن في وسعهم مد أوربا بكل الأقنعة الحديدية اللازمة ، ثم ما نفع الأقنعة الحديدية التي قد يمكن نزعها... كان تغيير الوجه جراحيًا أمرًا أكثر براعة ، فهم لم ينسوا تقنيات أجدادهم ، والجراحة سهلة وتشوهات الوجه لاتثير إنتباه الناس ، كان الكمبراشيكوس يفعلون بالبشر ما فعل الصينيون بالأشجار... كانت لهم أسرارهم... كانوا يتركون العمود الفقري مستقيمًا عندما يعملون على الوجه... أما عندما يحتاجون لأطفال الجمباز فكانوا يعملون على نزع المفاصل بطرقهم المتقدمة فيبدو الأطفال عندها كأنهم من مطاط لا عظام فيهم.

لم يشتغل الكمبراشيكوس على تغيير وجوه الأطفال وحسب بل كانت لديهم القدرة أيضًا على نزع ذاكرتهم ... أو على الأقل ما أستطاعوا نزعه منها. لم يدرك الأطفال ما حدث لهم ... لقد تركت تلك الجراحات أثارها على الوجه وبقى الصغار بأرواحهم  النقية فلم يبق في ذاكرتهم سوى أن ثمة رجالا جاءوا لخطفهم ذات يوم ، ثم تم تخديرهم ، ثم شفوا من مرض ما لا يعرفونه... لقد كان للكمبراشيكوس مادة مخدرة تقضي على الألم عرفوا اسرارها... كانت المادة معروفة في الصين أيضًا

 

(8)

 

كان للصينيين أيضًا طرقهم في صنع المسخ البشري

أعتمد الصينيون طريقة القالب للحصول على الأقزام المشوهين : كانوا يضعون الطفل في عامه الثاني أو الثالث في زير من البورسلين... ولم يكن الزيز يحمل غطاءً ولا قاعدة مما يسمح بإخراج رأس الطفل وقدميه من الزير في يسر... في النهار كانوا يتركون الطفل في وضع عمودي على قدميه ، أما في الليل فكانوا يضعونه في وضع أفقي ليستريح في نومه، بهذا الشكل يسمن الطفل المتخم بالطعام لكنه لا يكبر ويأخذ ظهره شكل الزير... بعد سنوات وعندما يطمئنون على شكل الصغير الذي أتخذ هيئة الزير يكسرون هذا الزير ولهم ما أرادوا ، فيصنعون على هذا النحو طفلا أحدبًا قصيرًا كما يحبون لأغراض السيرك واللهو واللعب...

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا