ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

القناع في خدمة مسرح الطفل

د. جميل حمداوي - المغرب

 

توطئة:

 

يعد القناع من أهم التقنيات المسرحية التي استعملها المسرح الإنساني من الفترة القديمة إلى يومنا هذا، فتم تشغيله كثيرا في المسرح اليوناني للتعبير عن القيم الإنسانية المتناقضة، كما استعمل للتعبير عن الحالات النفسية المفارقة التي يكون عليها الإنسان. ومن ثم، فالقناع هو الذي يعكس لنا الشخصية فوق خشبة الركح من الداخل والخارج، وهو أيضا بمثابة ماكياج يحدد سمات الممثل الفزيولوجية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية، ويبين أدوار الممثل ووظائفه الدرامية فوق خشبة المسرح.

ولقد تعرض القناع لعدة دراسات ومقاربات يمكن حصرها في المقاربة الإثنوغرافية، والمقاربة الأنتروبولوجية،  والمقاربة السوسيولوجية، والمقاربة النفسية، والمقاربة التاريخية، والمقاربة الدراماتورجية...

وقد استعان مسرح الطفل كثيرا بتقنية القناع نظرا لوظائفه العديدة وخاصة وظيفة التأثير على الجمهور إيجابا أو سلبا. إذا، كيف يمكن استثمار القناع من أجل خدمة مسرح الطفل لصالح الطفل؟

 

q مفهوم القناع:

 

القناع  هو الوجه الآخر للمشخصاتي، أو هو بمثابة الصورة الاصطناعية للممثل حيث يساعده على أداء مجموعة من الأدوار التمثيلية في سياقات درامية مختلفة. وهو كذلك الغلاف الفني والجمالي الذي يحيط بالوجه الثابت للممثل المسرحي وبجسده التشخيصي الديناميكي. ويعبر هذا القناع عن طبيعة الممثل فوق خشبة الركح، ويعكس لنا أيضا الفئة التي ينتمي إليها: فئة الخير أو فئة الشر. ويوضح لنا الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الممثل، هل هو من طبقة أرستقراطية أو من طبقة فقيرة؟ كما يحدد لنا سن الشخصية الدرامية المشخصة، وطبيعتها الفزيولوجية، وقيمها الأخلاقية ، وحالاتها النفسية، ووظيفتها الاجتماعية .

هذا، وقد كان القناع عند الشعوب القديمة  ولاسيما في الشرق الأقصى وأفريقيا يحمل أبعادا دينية، ويحوي دلالات روحانية ، ويشمل علامات صوفية و طقوسية وشعائرية  ، قبل أن يتحول إلى أداة لتحقيق فرجة درامية جمالية وفنية ارتبطت أيما ارتباط بالمسرح. ومن هنا، نقول بأن القناع قد انتقل عبر مراحله التاريخية من مرحلة المقدس إلى مرحلة المدنس، أو تحول من مرحلة الروح إلى مرحلة الجسد.

 

q أنواع القناع:

 

يمكن الحديث بصفة عامة عن أربعة أنواع من الأقنعة: القناع الطقوسي الشعائري الذي كان يوظف في سياقات لاهوتية وأنتروبولوجية؛ والقناع الأسطوري الذي يحمل في طياته دلالات ميتولوجية توحي بتصورات خرافية مرتبطة بذهنية الإنسان الأسطورية الساذجة ، والقناع الأدبي الذي يرد في شكل رموز تناصية ضمن سياقات نصية أدبية معينة تحتاج إلى الشرح والسبر والتفسير والتشريح والتأويل الخارجي والمرجعي كما نجد ذلك في القصيدة الشعرية المعاصرة وخاصة في قصائد إليوت، وقصائد بدر شاكر السياب، وأدونيس،  وخليل حاوي، وعبد الوهاب البياتي...، والقناع الدرامي الذي يشغل في مجال المسرح لأداء مجموعة من الوظائف الدراماتورجية ضمن سياقات فرجوية ومشهدية ركحية وظيفية.

 وبصفة خاصة، يوجد أيضا في مجال الاشتغال المسرحي قناع الوجه وقناع الجسد. ويمكن الحديث كذلك عن القناع الثابت في أبعاده التراجيدية والكوميدية ، والقناع المحايد في أبعاده الدلالية والسياقية كما لدى المخرج الفرنسي جاك ليكوك. كما يمكن الحديث عن القناع الطبيعي (الماكياج مثلا) ، والقناع الاصطناعي ( الأقنعة البلاستيكية واللدنية مثلا).

 

q تاريخ القناع المسرحي:

 

من المعروف أن القناع ظهر مع المسرح اليوناني لتجسيد الكوميديا والتراجيديا أو لتشكيل ثنائية الخير والشر. لذا، كان الممثل اليوناني يلبس قناعه ليتنكر فيه أمام الجمهور، فكان يضعه على وجهه بعد أن يزينه بالماكياج، فيرتدي لباسا خاصا من أجل تأدية دور مسرحي معين. ومن هنا، كان القناع في المسرح اليوناني مرتبطا بالماكياج والأزياء الفنية. يقول محمد الكغاط:" يرى جل الدارسين أن المسرحية اليونانية كانت تعتمد اعتمادا كبيرا على الجوقة، ونعتقد أنها كانت، في الغالب، ترتدي لباسا موحدا، وربما تميز عنها رئيسها بلباس خاص: كما ركزت على ثلاثة ممثلين ابتداء من سوفوكلوس ليقوموا بتشخيص الأدوار الرئيسية الناطقة، ومعنى هذا أن كل ممثل كان مطالبا بأن يؤدي عدة أدوار، ويخبرنا الدارسون كذلك بأن هؤلاء الممثلين كانوا ينتقلون من شخصية إلى أخرى بواسطة قناع يضعونه على وجوههم. ونتساءل من جهتنا: هل كان القناع كافيا للإيحاء بتغيير الشخصيات؟ قد يقال إن الجمهور اليوناني كان متعودا على هذا التقليد، لكننا مع ذلك نقول: إن الأمر يبدو أكثر احتمالا  عندما ينتقل الممثل من شخصية إلى أخرى قريبة منها كأن ينتقل من ملك إلى ملك مثلا، أو من شخصية خيرة إلى أخرى تحمل نفس السمات؛ أما عندما ينتقل من شخصية الملك إلى شخصية الرسول أو المربي أو الكاهن؛ فهذا يقتضي منه أن يغير الملابس كذلك. وسواء أكان هذا الأمر لايتم، أو كان يتم بطريقة من الطرق، فإننا نعتقد أنه سبب هذا الارتباط الوثيق بين الملابس والأقنعة، ومن ثمة تلك الأهمية التي تولي عادة للأقنعة، بالإضافة إلى وظيفتها التعبيرية الأساسية لعلاقتها بالوجه مركز الإيماءات، وإن كان تعبيرها قارا لا يتغير، ووظيفتها التقنية في تضخيم الوجه، ومساعدة الصوت على الوصول إلى أبعد المتفرجين في القاعة؛ ولاشك أن وجود القناع الثابت التعبير كان يدفع الكاتب إلى تعويض تعبير الوجه بتعبير الكلمات، والمخرج إلى تعويض الإيماءة بالحركة. وهكذا، نرى مرة أخرى كيف تؤثر الملابس والأقنعة ليس على الأداء فحسب، وإنما على الكتابة أيضا، وكيف تتأثر من جهة ثانية بمكان العرض وديكوره، إذا لم تقم هي نفسها بدور الديكور.

ويرتبط بالقناع عنصر آخر هو الماكياج وليس هذا الأخير سوى مرحلة متقدمة على القناع، ومتأخرة عليه في نفس الآن، إذ نتصور أن الإنسان جرب أن يرسم بعض التعابير على وجهه قبل أن يضع الأقنعة عليها، وربما صنع الأقنعة أولا لينتقل بعدها إلى الرسم على وجهه، وفي كلتا الحالتين تبدو العلاقة وطيدة بين العنصرين: القناع والماكياج"[1].

وعليه، فقد كانت الأقنعة ذات وظيفة إيهامية تحيل على الصراعات التراجيدية الموجودة بين الإنسان والقدر، كما كانت تحيل في بعض المسرحيات الكوميدية مثل مسرحية" الضفادع" لأريستوفان على صراعات فوقية بين البشر قوامها السخرية والاستهزاء من المجتمع والحط من شخصياته السامية والدونية. ومن ثم، فقد " كانت الأقنعة التي يرتديها الممثلون في المسرح اليوناني القديم حيلا أو تكئات من أجل الإيهام بأن الممثلين ليسوا أفرادا، بل شخصيات تجسد موضوعات كونية، الصراع المتخيل بين الخير والشر مثلا، ومن خلال تلك الأقنعة فإنهم كانوا يطمحون إلى التعبير عن الصراعات العقلية التي ربما ظلت خفية من دون هذه الأقنعة"[2].

وعليه، فلقد انتقل القناع في الثقافة اليونانية من طابعه الروحاني إلى الطابع المسرحي التخييلي كما يتجلى ذلك واضحا في ثلاثة نماذج مهمة ألا وهي: كوركوgorgo ( شخصية أنثوية ذات وجه وحشي)، وأرتيمس Artémis  (آلهة يونانية توظف في طقوسها مجموعة من الأقنعة الرمزية)، وديونيزوس ( الإله المقنع في الميثولوجيا اليونانية).

وانتقلت الأقنعة بعد ذلك إلى الرومان، بيد أنهم لم يستعملوها :" في بادئ الأمر، ولكنهم بالغوا في استعمالها بعد مدة من الزمن، وكان الممثلون في المسرحيات التراجيدية يلبسون حللا طويلة تجر أذيالها على المسرح، وفي المسرحيات الكوميدية كانوا يلبسون ملابس قصيرة تثير الضحك والتسلية، كما كانوا يميزون ممثلي أدوار العجائز بما يرتدونه من ملابس بيضاء وما يضعونه على رؤوسهم من شعور بيضاء مستعارة، وكانوا يميزون الشباب بملابس قرمزية وشعر أسود، أما العبيد فكان شعرهم أحمر اللون."[3]

و ستظهر بفرنسا وإيطاليا في القرنين: الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين كوميديا دي لارتي المبنية على الارتجال العفوي، والضحك الكروتيسكي ، والاحتفالية الشعبية، واستخدام الألعاب الكرنفالية، وتشغيل القناع الرمزي...

وازداد الاهتمام بالقناع في انجلترا وباقي دول أوربا في  القرن الثامن عشر و القرون التي جاءت بعده ، فيصبح أثناء هذه المراحل التاريخية أيقونا سيميائيا متشعبا بالدلالات المكثفة،  ثم يتحول إلى شعار للمسرح والفرجة الدرامية. ويكون، بالتالي، رمزا دالا على اللاندماج البريختي في القرن العشرين وسنوات الألفية الثالثة. وقلما نجد اليوم مسرحيات عالمية وعروضا ركحية لا توظف القناع المسرحي إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى ارتباط المسرح بأشكاله الطقوسية الأولى الشعورية واللاشعورية.

وينبغي أن نعرف أن القناع بمفهومه اللاهوتي والطقوسي والشعائري، بل حتى بمفهومه الدرامي قد ظهر في الشرق الأقصى (اليابان، الصين، الهند، أندونيسيا) مع الكابوكي والنو والكتاكالي، ففي اليابان مثلا:" كان المسرح خاصا بطبقة النبلاء، وكان الممثلون والممثلات يقومون بتمثيليات ذات روعة ومهارة، يرتدون فيها الأقنعة التي تمثل بها الأقاصيص الخرافية لماضي اليابانيين. وكانت هذه التمثيليات تقام في أماكن خاصة يطلق عليها اسم kabouki والمقاطع الثلاثة من هذه الكلمة معناها الأغاني والرقص والتوقيع. أما مناظرهم فنجدها معقدة ومتداخلة.

وكان الرهبان يلبسون الأقنعة الحريرية الخاصة بالآلهة في التمثيليات المقدسة لإظهار القدرة على طرد الأرواح الشريرة."[4]

وهذه الأقنعة نلفيها حتى لدى هنود أمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية، إذ يستعملون:" غطاء الوجه في الطقوس الدينية لشفاء المرضى، ولنمو الغلال، وذلك لاعتقادهم بأن هذا الغطاء يمثل قوة خارقة للعادة، ومازالوا إلى يومنا هذا يفضلون علاج الأمراض الخطيرة لابسين أقنعة وجوه مفزعة ليحاربوا بها هذه الأمراض قبل أن تصل إلى درجة مميتة في جسم الإنسان".[5]

ولقد اهتم العرب بدورهم بالقناع أثناء حديثهم عن الوجه المتعدد وخصوصياته السيميائية، ولكن بشكل محدود متأثرين في ذلك بالمعلم الأول أرسطو.[6]

ومن أهم الكتب والمطبوعات  الجديرة بالاطلاع عليها في مجال القناع المسرحي لابد من ذكر: "القناع من الطقس إلى المسرح [7]الذي أشرف عليه كل من أوديت أصلان Odette Aslan ودونيس بابلي Denis Bablet، وكتاب" الوجه والقناع في المسرح" للمترجم أحمد بلخيري[8]، وكتاب" المسرح والأنتروبولوجيا" للدكتور حسن يوسفي [9]، وكتاب:" المسرح المدرسي" لسالم كويندي[10]...دون أن ننسى أعداد " مجلة القناع Mask The "  لإدوارد كوردون كريجEdward Gordon Craig .

 

q وظائف القناع:

 

من المعروف أن للقناع عدة وظائف يمكن حصرها في الوظائف اللاهوتية والروحانية، والوظائف الأسطورية، والوظائف الطقوسية والشعائرية، والوظائف الدراماتورجية. كما يساعد القناع على التحييد الاجتماعي والطبقي، والاختفاء عن الناس داخل دور معين، والتنكر في أزياء وأقنعة تخفي حقيقة الشخصية، فتثير الإبهام والالتباس والفضول لدى الراصدين الحاضرين. ويعني هذا أن القناع يؤدي وظيفة ماكياجية. وهنا، نسجل العلاقة الوطيدة بين القناع والماكياج والملابس، بل يمكن القول:إن القناع جزء لا يتجزأ من الملابس. ولايمكن" وصف العلاقة بين الماكياج والقناع، بالعادية لأنها وثيقة إلى الحد الذي يصعب الفصل بينهما، هناك رغم ذلك، من ينسب القناع إلى الملابس، ولكن القناع يشغل تلك المساحة الفاصلة، بين الماكياج والملابس، ولا يستطيع منصف تجاهل القناع، وهو يتحدث عن الماكياج، سيما وأن مكان القناع ومجاله الحيوي كان وما يزال الوجه، وهذا الأخير هو الذي يتقنع، كان الممثل في المسرح الكلاسيكي اليوناني يرتدي القناع لكي يؤطر دوره ويشير إلى طبيعته (تراجيدي، كوميدي)، وكان المتفرج يلتقط الرسالة بسرعة، ويتفاعل مع الدور، بعد أن غاب وجه الممثل وراءه، وفي عروض الكوميديا دي لارتي الإيطالية، التي كانت تقدم في النصف الثاني من القرن السادس عشر، كان للأقنعة وظيفة، اجتماعية ( قناع السادة يختلف عن قناع الخدم)، وفنية ( يدل القناع على طبيعة الشخصية والمكان الذي جاءت منه أو تنتمي إليه). وعلى الرغم من نمطية هذه الأقنعة وأحاديتها، وقدرتها على الاختزال، حيث يكون القناع بديلا للشخصية وفرادتها، إلا أنها كانت تملك طاقة دلالية، إشارية هائلة، يتلقاها المتفرج بسرعة ويفك شفرتها، التي توضعت على خلفية أو أرضية مألوفة لديه، ثقافيا واجتماعيا وسياسيا ودينيا. تحررت الحركة من النص، لكنها حافظت على الدلالة."[11]

 ويؤدي القناع أيضا وظيفة كروتيسكية تتمثل في التشويه الكاريكاتوري وتقبيح الشخصية ، والحط من قيمتها ، وتسفيه مواقفها الفكرية والإيديولوجية. بل يؤدي القناع أيضا وظيفة إيهامية عبر تأكيد نظرية اللااندماج البريختي. أي إن الممثل في الحقيقة لايعيش دوره فوق خشبة الركح المسرحي عن صدق وإيمان، ولا يتقمصه إندماجا ومعايشة كما عند المخرج الروسي قسطنطين ستانسلافسكي، بل يفصل ذاته عن الدور فصلا تاما تغريبا وإبعادا، ولا يعيشه إطلاقا لكي لايساهم في تخدير الجمهور الحاضر فيعمل على تسطيحه واستلابه. لذا، يقوم على العكس بتوعيتهم وتنويرهم ليأخذوا موقفا معينا من الأحداث المعروضة عليهم فوق خشبة الركح. وبالتالي، فإن هذا الممثل ليس إلا مجرد ممثل  لاينقل الحياة كما هي في حقيقة  الواقع، بل يقدم دورا دراميا يقوم على التمثيل والتشخيص ليس إلا. 

وهكذا، فقد أعاد المخرج الألماني بريخت النظر في وظيفة القناع:" فكان القناع الأصم الذي استخدمه في إبعاد الشخصية وتغريبها عن راهنها. وقد عرف كيف يستفيد من مزايا القناع الصم النمطية، ليغذي نزعته السياسية، فالفرد يذوب في الجماعة، ولا قيمة للفردية أو الفردانية، أو الشخصية متعددة الأبعاد والملامح. القناع- إذا- يفرز الجمعية الطبقية ( الفرد فان، لكن الوجود الجمعي" البشرية" باق).

القناع البريختي يتقاطع، إلى حد ما ، مع القناع في الكوميديا دي لارتي، فما أن يضع الممثل قناعه، حتى يتحول رمزا لأحد الأنماط الاجتماعية."[12]

وعلى العموم، فللقناع وظائف عدة من الصعب حصرها واستقصاؤها كلها في هذه الورقة، بيد أن أهم وظيفة للقناع هي الوظيفة الإيهامية والتنكرية.

 

q مكونات القناع:

 

من المعروف أن القناع كان في مراحله الأولى ، وبالضبط إبان الفترة اليونانية ، يغطي الوجه فقط، إلا أنه صار فيما بعد كما في تجربة " بوالجلود" بالمغرب مثلا يغطي الجسد كله.

هذا، ويصنع القناع المسرحي من مجموعة من الأدوات كالحديد والجلد  والخشب و الورق و المواد اللدنية والبلاستيكية و الأقمشة النسيجية. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن الحديث أيضا عن قناع الماكياج، والقناع الوبري.

ومن شروط صنع القناع أن يكون المنتوج خاضعا لمعايير الجودة، ومحملا بالماكياج الطبيعي أو الصناعي، وأن يعبر عن مجموعة من الدلالات الحرفية والسيميائية داخل فرجة مسرحية معينة، وأن يخضع أيضا لمستلزمات الإخراج الميزانسيني، وأن يحمل دلالات سياقية وظيفية ومناسبة في علاقة مع الملابس والماكياج، نظرا للعلاقة التفاعلية الوطيدة بين القناع والملابس والماكياج داخل نسق دراماتروجي بنيوي وتصور ميزانسيني وظيفي.

 

 qالقناع في الإخراج المسرحي المعاصر:

 

أصدر  إدوارد ﯖوردون كريـﯖ مجموعة من الدراسات  في مجال المسرح، من بينها مجلته المشهورة التي كانت تحمل اسم القناع:"الماسك Mask The " التي ظهرت لأول مرة سنة 1908م بفلورنسا بإيطاليا ، واستمرت في النشر إلى غاية سنة 1929م. ويدل عنوان المجلة على مدى اهتمام كريـﯖ  بالأقنعة السحرية والوجوه المقنعة ، إذ كان يعتبر القناع بمثابة  الرأس المثالي في المسرح.[13]

ومن هنا، فقد ثار إدوارد ﯖردون كريـﯖ على الممثل الواقعي والممثل الطبيعي اللذين كانا نموذجين وفيين لمنطق التقليد والمحاكاة والاندماج السطحي، ودعا إلى استبدال ممثل النقل والاقتباس والتقمص الحرفي بممثل الخلق والإبداع. ففضل أن يستخدم الأقنعة والدمى والعرائس والماريونيت في مسرحياته بدلا من الممثلين، وطالب الممثلين أن يكونوا نسخا إيجابية من هذه الأشكال اللعبية، كما أمرهم  بطاعة المخرج ولو كان ديكتاتوريا، وعليهم أن يستسلموا لإرادته وأوامره  ؛ لأن المخرج بمثابة قائد للسفينة، فمن خالف أوامره، فقد أخل بنظام السفينة. وعلى المتمرد أوالمنشق أن يحاكم محاكمة شديدة وصارمة.

وهذا الاهتمام بالقناع نجده أيضا لدي المخرج الروسي فسفولد ماييرخولد الذي حاول أن يجعل من الممثل آلة حية بيوميكانيكية، تصدر عنه  حركات بلاستيكية متوازنة وإيماءات ميمية مقنعة في طياتها، ترد بصيغ فنية وجمالية ضمن سياقات درامية محكمة ووظيفية.

وتنبني نظرية جاك كوبوه  Jacques Copeau  في الإخراج المسرحي على ثلاثة عناصر              أساسية، وهي: النص

المكتوب، والممثل، والفراغ. وقد أعطى كبوه أهمية كبرى للقناع أثناء تدريب الممثل ، فاستخدام الأقنعة في التدريبات ، إذ:" يمكنها أيضا- في اعتقاده-  أن تسهم في تحقيق الاتصال بحركة بدنية، واستخدام قناع يأخذ من الممثل القدرة التعبيرية لوجهه ويضطره إلى استخدام باقي جسده لتوصيل فكرته. أو يمكن استخدام قناع يمثل شخصية أو يعبر عن عاطفة. فالممثل يلبس القناع ويشاهد نفسه في مرآة وهو يستوعب جوهر القناع، ثم يرتجل ويوصل بجسده كله المعنى الذي ينطوي عليه القناع. والعديد من الممثلين يمكنهم أن يتبادلوا الأقنعة أثناء الارتجال فيضيفون تنوعا للتمرين وتحديا له."[14]

هذا، ويهتم  جاك ليكوك  أيما اهتمام بالميم والألعاب العضلية والفرجوية، وتمثيل الحياة عن طريق المحاكاة والتقليد واللعب ، ودراسة القناع من خلال ثلاث خاصيات أساسية وهي: الصمت والهدوء والتوازن، علاوة على دراسة الطبيعة في علاقتها الجدلية بالشخصية من خلال التركيز على العناصر و المواد ، والإضاءة والألوان، والنباتات والحيوان. وتركز الدراسات النظرية على  الأقنعة وأدوارها الأيقونية والتعبيرية والوظيفية والبدائية. وبالتالي، فهو يعد من المخرجين المتميزين الذين بلوروا القناع المحايد.

ونجد القناع أيضا وسيلة فنية وجمالية لدى الكاتب الإيطالي لويجي بيراندللو في مسرحيته" ست شخصيات تبحث عن مؤلف"، حيث اتخذها وسيلة:" أفضل للتمييز بين الشخصيات التي خرجت من خيال الكاتب، والممثلين الذين كانوا يتدربون على عرض مسرحي، من استعمال الأقنعة للشخصيات " أقنعة لا تتأثر بالعرق، وتكون خفيفة بحيث يستطيع الممثلون، الذين يؤدون أدوار الشخصيات، وضعها، ويجب أن تصمم الأقنعة بحيث تبقى العينان والأنف والفم حرة، وبهذه الطريقة يمكن إظهار المعنى الحقيقي للمسرحية... ويمضي إلى القول:" وستساعد الأقنعة على الإيحاء بأن الشخصيات عبارة عن مخلوقات من صنع الفن، ارتسم على كل منها الشعور الذي تتميز به.

يكون الندم هو الشعور الغالب على الأب، والانتقام شعور ابنة الزوجة، والاحتقار هو الذي يبدو، باستمرار، على وجه الابن، والأسى على وجه الأم مصحوب بدموع من الشمع داخل تجويف العينين الأزرق، وعلى طول الوجنتين، كتلك التماثيل والصور التي تمثل الأم الحزينة، والتي نراها في الكنائس.

ويعبر القناع هنا عن الفن، أي إنه يسم الشخصيات بالفن، وإذ يشير إلى التمثيل والصور التي تمثل الأم الحزينة، والتي يراها الناس في الكنائس، فإنه يماهي الشخصيات بالفن التشكيلي، الأقرب في هذا السياق، لترسيخ العلامة الفارقة بين الفني ( المسرحي) والواقعي، ليخلص إلى النهاية: إلى خلود الفن (الفني) وزوال الواقع(الواقعي).

والشخصيات تبقى أفكارا أميل إلى التجريد، وإن أخذت أشكالا مجسدة، لأن ما يحركها عاطفة واحدة: الندم، الاحتقار، الانتقام."[15]

هكذا، يتبين لنا أن القناع كان حاضرا في جل التصورات النظرية التي تقدم بها المخرجون المسرحيون المعاصرون تمثلا بشعرية القناع كما في المسرح اليوناني.

 

q توظيف القناع في مسرح الطفل:

 

الكل يعلم بأن الأطفال الصغار يحبون القناع كثيرا ؛ لما يحمله من وظائف كروتيسكية وومقاصد تنكرية وحيادية ودرامية. ومن هنا، نجد الأطفال الصغار يرتدون في حياتهم الواقعية ولاسيما في المناسبات الدينية والأعياد الوطنية أقنعة متنوعة تجسد ثنائية الخير والشر، كما تعبر عن مجموعة من وجوه الحيوانات المألوفة والغريبة عن الطفل. وقد يتخذ الطفل هذه الأقنعة وسيلة لعبية وإيهامية لإخافة الصغار والكبار على حد سواء تهويلا ومبالغة وتنكرا وإخفاء لشخصيته الحقيقية.

ومن هنا، لابد للمخرج المسرحي في إطار التصور الميزانسيني أن يستثمر الأقنعة الدرامية الوظيفية بطريقة كلية أو جزئية، أو بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أو بشكل تقريري حرفي أو مجازي استعاري. ومن الأحسن أن يشرك المخرج الأطفال الممثلين في انتقاء أنواع الأقنعة اعتمادا على مقاييس لونية وطبائعية وشكلية وحجمية على ضوء سيميولوجية الخطابات غير اللفظية. وبعد ذلك، يخير المخرج الممثلين بين القناع الطبيعي والقناع الاصطناعي مع الاستعانة بالماكياج والأزياء التشخيصية، كما يخيرهم بين قناع الوجه وقناع الجسد.

وعليه، يختار المخرج مسرحية معينة كمسرحية الحيوانات، فيحدد مع الممثلين أفكارها ومقاصدها الدلالية والمرجعية، ويقترح المخرج على ممثليه الأطفال أن يمثلوها اعتمادا على الأقنعة، فلكل حيوان قناع خاص قصد التواصل مع الراصدين الحاضرين أثناء تقديم الفرجة الدرامية. ومن الأفضل أن تكون الأقنعة وظيفية ومرنة وسهلة تساعد الممثل على التعبير والإفصاح والتبليغ، وألا تكون أقنعة خشنة معيقة تمنعه من التنفس والحركة والنظر والتواصل وإلقاء الحوارات والمنولوجات .

 

خاتمـــة:

 

وهكذا، نستشف بأن القناع  في مراحله التاريخية كان يحمل دلالات دينية وطقوسية وشعائرية وأسطورية ودراماتورجية، ويتضمن دلالات رمزية وأدبية وسيميائية متنوعة. كما استثمر القناع في المسرح بطريقتين مختلفتين: طريقة تقليدية لتجسيد الكوميديا والتراجيديا ، وإثارة الفكاهة و الضحك الكروتيسكي. وطريقة معاصرة للتعبير عن نظرية الميتامسرح، وتجسيد أسئلة المسرح تجنيسا وتجريبا وتأصيلا، وتثبيت نظرية اللااندماج البريختي، وتفعيل الدراما الإيهامية.

ومازال مسرحنا المعاصر سواء أكان مسرحا للصغار أم مسرحا للكبار يوظف الأقنعة بصيغ متنوعة ، وبطرائق مختلفة ، ضمن مشاهد وفرجات درامية وظيفية  لإثارة المتلقي ، وإرباكه شعوريا ولاشعوريا، وتخويفه تطهيرا وعلاجا، واستفزازه ذهنيا ووجدانيا وحركيا، وجذبه للاندماج أو عدمه داخل الفرجة الركحية تنويرا أو استلابا.

 

 

q نـموذج تطبيقي للأطفال:

 

إليكم نصا مسرحيا باللغة الفرنسية كتبناه للأطفال بعنوان"  الغابة/ forêt La يمكن أن يستثمره المخرج ميزانسينيا، حيث يشغل في العرض الركحي مختلف الأقنعة الحيوانية ، مع وضع خلفية أو جدارية  ستارية واسعة  تغطي جدار الفوندو، فيرسم عليها السينوغراف أو الفنان التشكيلي غابة جرداء قاحلة مخيفة بأودية جافة، وأشجار ذابلة صفراء ميتة وعارية من أوراقها. ويمكن أن تتوجه هذه المسرحية إلى أطفال الابتدائي و الإعدادي على حد سواء، ويحق للكل بأن يقوم بتشخيصها وتمثيلها وإخراجها وتأثيثها وترجمتها إلى لغات أخرى مادامت المسرحية موجهة لخدمة الطفل ولصالح الطفل:

 

 

LA FORET

 

 

 

L’Ours :( LE NARRATEUR)

Les animaux se rassemblent aujourd’hui pour discuter un grand problème qui menace la forêt .Voilà, chers spectateurs notre réunion qui va commencer :

 

Les trois coups de théâtre :( On frappe sur le tableau par exemple trois fois)

Bam- Bam- Bam

 

Le lion : Chers frères animaux, depuis deux ans, notre forêt a connu une grande sécheresse. Mais, on n’a pas pu identifier les causes ?

Le singe : Oui, mon roi. Les rivières ne coulent pas.Il n’y a pas d’eau pour boire.Notre vie est menaçante.

Le loup : La forêt est nue sans arbres, sans verdure et sans couverture.

  L’éléphant : Certes, la pollution de nos voisins a attaqué avec méchanceté nos lacs et nos barrages naturels.

Le renard : Quel chagrin ! Mes frères, regardez les girafes sont maigres et faibles car elles n’ont pas trouvé ce qu’on doit manger dans cette  forêt ruinée.

Le lion : Dites-moi qui est le coupable ? Qui a démoli notre belle vie et notre paradis ?

L’âne : Sa majesté, c’est l’homme, c’est l’homme qui a envahi notre territoire.

Le singe : Hier, j’ai vu un chasseur qui a détruit les nids des oiseaux, a tué des lapins et des éléphants.

Le loup : Quant à moi, j’ai pleuré beaucoup, quand j’ai vu des bûcherons qui ont coupé des arbres avec des haches sanglantes.

Le lion : Mon cher peuple, l’homme est sans cœur et sans pitié.

L’éléphant : L’homme avec ses usines a pollué notre terre et notre ciel.

Le renard : L’homme, c’est lui qui a provoqué cette sécheresse douloureuse, cette famine insupportable et cette soif malheureuse.

Le lion : Mes copains, comment on peut protéger notre royaume naturel ?

Le singe : Il faut qu’on parle avec l’homme ! Cette créature inattentive !

L’âne : Non, non. A mon avis, on va tous vers les écoles pour voir nos frères élèves en pleurant et en réclamant l’injustice humaine contre notre nature. On va les conseiller de protéger leur environnement car ils sont les hommes de futur.

Le loup : L’homme a sali ses compagnes et ses villes avec des déchets et des ordures .Il faut qu’il laisse notre forêt tranquille.

Le renard : Les enfants et surtout les élèves seront avec nous.Ils vont lutter avec nous contre la pollution.

Le lion : Allons-y les animaux pour voir les sages élèves !

L’éléphant : On leur dit avec une seule voix, les mains dans leurs mains : « Protégeons notre planète et notre environnement car la vie sans nature comme un être sans cœur ! »

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

[1] - د. محمد الكغاط:  المسرح وفضاءاته، مطبعة البوكيلي، القنيطرة، الطبعة الأولى سنة 1996م، ص:66-67؛

[2] - د. شاكر عبد الحميد: الخيال من الكهف إلى الواقع الافتراضي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد:360، فبراير 2009م، ص:364؛

[3] -  لويز مليكة: الديكور المسرحي، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مصر، الطبعة الثالثة،1990م، ص:22؛

[4] - لويز مليكة: الديكور المسرحي،ص:31؛

[5] -  لويز مليكة: الديكور المسرحي،ص:33؛

[6] -  أحمد بلخيري: معجم المصطلحات المسرحية، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، الطبعة الثانية، 2006م، ص:136؛

[7] -Le Masque du rite au théatre.CNRS.Editions Paris.1985.1991.1999. Réunis et présentés par Odette Aslan et Denis Bablet.

[8]-  أحمد بلخيري:الوجه والقناع، مطبعة البوكيلي، القنيطرة، الطبعة الأولى سنة 2003م؛

[9] - د. حسن يوسفي: المسرح والأنتروبولوجيا، دار الثقافة بالدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2000م ؛

[10] - سالم كويندي: المسرح المدرسي، مطبعة نجم الجديدة ، الجديدة، الطبعة الأولى سنة 1989م، ص:87-89؛

[11] -  د. نديم معلا: لغة العرض المسرحي، دار المدى  للثقافة والنشر، الطبعة الأولى سنة 2004م، ص:91-92؛

[12] - د. نديم معلا: لغة العرض المسرحي،ص:92؛

[13] - د.حسن يوسف: المسرح والأنتروبولوجيا، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2000م، ص:20؛

[14] -  د. أحمد زكي: الإخراج المسرحي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، الطبعة الأولى سنة 1989م، ص:242؛

[15] د. نديم معلا: لغة العرض المسرحي،ص:93-94؛

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا