قصيدة
النثر وقصيدة الشعر الحر تسميتان خاطئتان
فاروق شوشة - مصر
تواجه قصيدة النثر منذ ظهورها في عالمنا العربي ـ
حتي الآن ـ إشكاليتين أساسيتين, أولاهما: أن
الاسم الذي أطلق عليها يتضمن تناقضا فادحا بين
كلمتي: قصيدة ونثر, اللتين التحمتا معا في
صيغة لم تستسغها الذائفة العربية التي ظلت غير
مهيأة لاستيعاب هذا التناقض الدلالي.
وثانيتهما: افتقاد قصيدة النثر للمرجعية التي في
ضوئها يمكن الحكم علي القصيدة نغميا وتمييز جيدها
من رديئها, والتي بدونها لايمكن اعتبارها فنا له
ضوابطه وقواعده. وهو الأمر الذي فشل جميع
المتحمسين لهذه القصيدة ـ باعتبارها فنا جديدا
منسلخا من القواعد متأبيا علي المرجعيات لاينبغي
تصنيفه ضمن منتج العقلية العربية في الشعر ـ فشلوا
علي مستوي النقاد والمبدعين والمتلقين في الكشف عن
جوهر الايقاع فيه, وأقصي ما توصلوا إليه ان
الايقاع في هذه القصيدة يقوم علي الاسباب
والأوتاد, بل وعلي الساكن والمتحرك الموجودين في
كل كلمة بل وفي حروف الجر نفسها, في مقابل
التفعيلة التي تقوم عليها قصيدة الشعر الحر,
وبهذا المعني يصبح أي كلام قصيدة نثر.
وهأنذا الآن بعد طول تأمل وتجريب, أدعو إلي أن
تسمي قصيدة النثر باسمها الحقيقي باعتبارها نوعا
من الشعر الحر, لانها ـ كما يري لها أصحابها,
تدعو إلي الحرية الكاملة وإلي التحرر من كل القيود
المألوفة في الشعر العربي, وفي مقدمتها قيدا
الوزن والقافية, فمبدع قصيدة النثر, يري أن
مغامرته التي تتضمن رفضا لكل ماهو معترف به في
الشعر, وإدهاشا للآخرين بالطاقة الايقاعية
الكامنة في النص الذي يكتبه, وخروجا علي المألوف
والتقليدي, هي في جوهرها سعي حثيث من أجل تحقيق
حرية النص, والوصول به إلي مرحلة الحرية
الكاملة.
في الوقت الذي أدعو فيه إلي ان تسمي القصيدة التي
أطلق عليها خطأ قصيدة الشعر الحر ـ علي مدي أكثر
من نصف قرن ـ بقصيدة التفعيلة, فهذه التسمية هي
الأليق بها والاكثر انطباقا عليها, بعد تحررها
من الالتزام بالبحر الشعري بصورته الكاملة
وإيثارها التفعيلة ـ في تنوع عندها وتغيره ـ أساسا
نغميا للنص الشعري, ذلك لانها لاتزال مقيدة
بالوحدة الاساسية للموسيقي في الشعر العربي, وهي
وحدة التفعيلة ولاتزال ابنة شرعية لعروض الخليل بن
أحمد, والأوزان المستخدمة في الشعر العربي علي
مدار تاريخه الطويل.
ولقد حاول كثير من المجتهدين أن يؤكدوا علي مدار
العقود الأخيرة شرعية قصيدة النثر من خلال نسبتها
إلي أصول قديمة وحديثة في موروثنا الأدبي فهي ـ في
رأيهم ـ تشكل امتدادا عصريا لمواقف النفري
ومخاطباته الصوفية الجوهر الشاعرية اللغة,
ووجوديات أبي حيان التوحيدي واغتراباته, أو هي
صدي لترجمات خليل مطران وإرهاصات خليل شيبوب
ونجاوي جبران خليل جبران, وانطلاقات حسين عفيف
الذي اعترف بأن كتاباته ليست بشعر وليست بنثر.
لقد حاولوا استنبات نبات يراد استزراعه لينفوا عنه
الهجنة أو التغريب.
وليست لقصيدة النثر في صيغها وتنويعاتها المعروفة
حتي الآن علاقة بهذا كله أو بغيره من إبداعات
سابقة في الأدبيات العربية, هي غير هذا كله,
لاتنتسب اليه, وليست امتدادا لشيء منه, فهي ـ
في جوهرها ـ صدي كتابات غربية, ولاقتحامات في
الشعر الاوروبي ـ وبخاصة الفرنسي منه ـ صنعت عالما
مغايرا وصورة مغايرة لعالم القصيدة وصورتها كما
اعتادها القاريء الاوروبي.
إني أدعو نقادنا الجادين ـ البعيدين عن التعالم
وادعاء المعرفة الكلية الشاملة ـ ومبدعينا الذين
رأوا في قصيدة النثر نموذجهم الابداعي المكتمل,
والصورة المأمولة للقصيدة في تغيرها وتجاوزها
وتمردها, لغة وايقاعا, كما أدعو مبدعي قصيدة
الشعر الحر والمتلقين لها, إلي تسمية كل من
الصيغتين باسمه الحقيقي, الشعر الحر ليس حرا في
حقيقته وجوهره, بل هو منضبط بضوابط, ولذا فهو
قصيدة تفعيلة, هذه تسميته التي ينبغي أن تكون
له, والتي تنطبق عليه, وتضعه في مكانه من
حركات التجديد الشعري عبر العصور ـ بعد أن ارتبط
بتسمية خاطئة طيلة نصف قرن ـ وهي حركات لم تحاول
قط الخروج علي أوزان الشعر وموسيقاه, وكان
تجديدها دائما ملتزما بهذا الأساس النغمي لا يرفضه
ولايلغيه, وإنما يوسع فيه ويضيف إليه ويغير من
تشكيلاته وأطره وبالتالي من ايقاعاته وأنغامه.
أما قصيدة النثر, التي تنشد الحرية والمغامرة
والانقطاع الكامل, فهي لون من الشعر الحر, كما
يجب أن تسمي, وهي تسمية تنجيها أولا من مأزق
التناقض في تسميتها الراهنة التي انشغل بها كثيرون
عن جوهر الاختلاف في الروح أو في التناول
والحساسية أو في الموقف الوجودي والانساني, كما
تقرنها ثانيا ـ وهذا هو الاهم ـ بالصفة الأساسية
فيها: صفة الحرية, وهي صفة تأبي التقيد بأية
قيود وضوابط وتثور علي كل شيء, محطمة كل شيء
متجاوزة ذاتها باستمرار, ومفجرة في متلقيها ثورة
علي السكون والتكرار والرتابة, فاتحة أبوابها
ونوافذها لكل ماهو جديد ومباغت, غير ملقية بالا
إلي موقف تري فيه تزمتا وسلفية, أو صيغة تري
فيها ثبات نموذج, ولانها حرة فهي لا ترتضي
مرجعية لها, ولا حكم عليها إلا من ذاتها وفي
ذاتها, لذا فهي ومضة من الشعر الحر, وهو رأي
أدعو إلي تأمله ومناقشته من خلال موقف شجاع وعقل
منفتح وروح سمحة, تنفذ إلي الجوهر وتستوعب
العصر, وتنأي عن عصبية اللجاج.
Comments 发表评论
Commentaires تعليقات
click here 按这里
cliquez ici اضغط هنا
|
1-
نسرين - الأردن
nesreensharadgah@yahoo.com
Monday, June 7, 2010 3:02
AM
ما الضير في الاسم "
قصيدة النثر
الاستاذ فاروق شوشة
تحية طيبة
يبدو اقتراحك بتسمية قضيدة النثر شعرا حرا مريحا ومقبولا وخلاصا للوهلة
الأولى من كل الجدل المحتدم حول هذه المسألة . لكن ماذا عن الطابع
النثري لهذه القصيدة ؟ إنها لا تغادر أرض النثر قيد أنملة كما لا تغادر
أرض الشعر ؟ فهل نغض الطرف عن هذه الحقيقة هربا من مواجهة شائكة في
ذلك؟! إنها نص قالبه النثر وجوهره الشعر ، ويبدو أنه إضاعة للوقت
الاستمرار في البحث عن تسمية مناسبة يظهر جليا منها أن العرب متعصبين
للشعر وأنهم يريدون جر هذه القصيدة بأي شكل من الأشكال إلى أرض الشعر
وحده. فلماذا؟ أليس في تراثنا الأدبي العريض جماليات عريضة كامنة في
المتناقضات ؟! ألم تسمى الصحراء مفازة أملا بأن يفوز الراحل فيه
بالنجاة. ألم نتوارث نحن العرب أبلغ الكلام وأعذبه عن أن الضد يظهر
حسنه الضد؟! فلماذا إذن لا نبقى على هذه التسمية الجامعة لفنين أساسيين
في الأدب العربي قديما وحديثا، وليظهر الشعر محاسن النثر ويظهر هذا
الأخير محاسن الأول؟!
مع أطيب تحياتي |
|